ذكر المشرع المصري في قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م ثلاثة أنواع من الأوراق التجارية وهي الكمبيالة والسند الإذني والشيك، وقد عالج المشرع المصري الأوراق التجارية في المواد من ٣٧٨ إلى ٥٤٩ ، وهذا التعدد الذي ذكره المشرع المصري ليس على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال حيث ذكر في المادة ٣٧٨ على أن تسري أحكام هذا الباب – الباب الرابع من قانون التجارة– على الكمبيالات والسندات لأمر والشيكات وغيرها من الأوراق التجارية الأخرى أياً كانت صفة ذوي الشأن فيها أو طبيعة الأعمال التي أنشئت من أجلها. وبالتالي فلا يوجد ما يمنع من إدخال صكوك أو محررات أو أوراق أخرى في عداد الأوراق التجارية إذا ما أفرزها الواقع العملي واستوفت خصائص الأوراق التجارية وقبلها العرف كأداة للوفاء بالالتزامات تحل محل النقود. ومن المادة ٣٧٨ يتضح أن المشرع قرر في القانون التجاري اعتبار الكمبيالات والسندات لأمر والشيك وغيرها من الأوراق التجارية الأخرى أعمالاً تجارية وخضوعها لأحكام القانون التجاري أياً كانت صفة ذوي الشأن فيها أو طبيعة الأعمال التي أنشئت من أجلها، أي أنها أصبحت أعمالاً تجارية مطلقة وشكلية. وسوف نقوم بتعريف هذه الأوراق بشكل مختصر على أن نقوم بالشرح التفصيلي فيما بعد :

١- الكمبيالة :

تعتبر الكمبيالة أقدم الأوراق التجارية في الظهور، حيث نشأت مرتبطة بعقد الصرف كوسيلة للوفاء بدلاً من النقود بين التجار، ولما صدر القانون التجاري الفرنسي سنة ١٨٠٧ م كان يشترط أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في مكان آخر غير الذي سحبت فيه، وهذا يعتبر أثراً من آثار قواعد الصرف القديمة وهي دفع النقود في مكان مختلف، ولكن المشرع الفرنسي أصدر قانوناً في ٧ يونيو ١٨٩٤ م يلغي فيها هذا الشرط ويجيز أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في نفس مكان اسحب، وأصبحت الكمبيالة أداة وفاء وإئتمان. ولم يشترط المشرع في القانون التجاري الصادر سنة ١٨٨٣ م الملغي هذا الشرط وإنما قرر في المادة ١٠٥ منه بأن تسحب الكمبيالات من بلد إلى بلد آخر أو إلى نفس البلد المحررة فيه. والمشرع في القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م لم يكن في حاجة إلى مثل هذا النص لأنه أصبح متعارفاً عليه الآن – أن الكمبيالة أداة وفاء وأداة ائتمان كما أن أحكامه توضح هذه الوظيفة للكمبيالة. وتعتبر الكمبيالة أهم الأوراق التجارية في نظر المشرع حيث اتخذها نموذجاً للتنظيم الذي وضعه للأوراق التجارية باعتبار الكمبيالة أكمل الأوراق التجارية وأشملها حيث تضم كل العلاقات الموجودة في الأوراق التجارية الأخرى فهي تحتوي على تنظيم شامل، لذلك أحال إليها المشرع في كثيراً من الأحيان عند وضع أحكام السند الإذني والشيك (1) وتعرف الكمبيالة بأنها صك مكتوب وفقاً لبيانات حددها القانون(2) تتضمن أمراً من الساحب إلى المسحوب عليه بدفع مبلغ نقدي لاسم من يجب الوفاء له أو لأمره ويسمى المستفيد، في تاريخ معين أو قابل للتعيين أو لدى الإطلاع. ويتضح مما سبق أن الكمبيالة تتضمن ثلاثة أطراف، هم الساحب وهو الشخص الذي يأمر بالدفع، والمسحوب عليه وهو الشخص الذي يتلقى الأمر بدفع قيمة الكمبيالة والمستفيد وهو الشخص الذي يصدر الأمر لصالحه. وينتج عن ذلك ثلاث علاقات :

– علاقة الساحب والمستفيد الأول : وهذه العلاقة هي سبب سحب الكمبيالة من الساحب، فالمفروض أن يكون الساحب مدين لهذا المستفيد، وهذا هو المبرر لسحب الكمبيالة وفاء لهذا الدين، والمفروض في سبب الكمبيالة أنه مشروع وموجود حتى يتم إثبات العكس.

– علاقة الساحب والمسحوب عليه : المفروض في هذه العلاقة أن المسحوب عليه مدين للساحب بقيمة الكمبيالة المسحوبة عليه، والمفروض أيضاً أن المسحوب عليه حصل على مقابل وفائه بقيمة الكمبيالة لذلك يعبر عن هذه العلاقة بمقابل الوفاء.

– علاقة المسحوب عليه والمستفيد : هذه العلاقة تنشأ من الكمبيالة ذاتها عندما يوقع المسحوب عليه بقبولها، أما قبل ذلك فليس هناك ثمة علاقة بينهما، فالقبول وحده وهو سبب نشأة هذه العلاقة. والغالب ألا يحتفظ المستفيد الأول بالكمبيالة حتى ميعاد الاستحقاق، وإنما يقوم هو الآخر بدوره في التنازل عنها بالتظهير لمصلحة شخص آخر، وهو لايتنازل عنها إلا بعد ان يحصل على قيمتها، ويقوم الآخر بالتنازل عنها لشخص غيره ويسمى المتنازل المظهر والمتنازل إليه المظهر إليه، وهكذا تنتقل الكمبيالة إذا كانت إذنية حتى تصل إلى الحامل الأخير، وقد يحتفظ المستفيد الأول – بالكمبيالة حتى يحين ميعاد استحقاقها ويتقدم لأخذ قيمتها.

٢- السند لأمر :

لم يصرح المشرع في القانون التجاري بالسند لحامله أو الكمبيالة لحاملها، وإنما أجاز هذا فقط بالنسبة للشيك حيث يجوز أن يسحب شيكاً لحامله(3) أما السند أو الكمبيالة فلا يجوز سحبها للحامل، ولكن هذا لا يمنع من تظهير السند أو الكمبيالة للحامل حيث يعتبر التظهير في هذه الحالة تظهيراً على بياض(4) يحق للحامل بناء عليه أن يملأ البياض بكتابة اسمه أو اسم شخص آخر أو أن يظهر الكمبيالة من جديد على بياض أو إلى شخص آخر أو أن يسلم الكمبيالة إلى شخص آخر دون أن يملأ البياض ولو لم يظهرها أي ينتقل الحق الثابت بها بالمناولة أو التسليم.

والسند لأمر هو صك مكتوب وفقاً لبيانات محددة نص عليها القانون (5) .يتضمن تعهداً من محرره بدفع مبلغ معين من النقود بمجرد الاطلاع أو بعد مدة معينة أو قابلة للتعيين لأمر شخص آخر يسمى المستفيد. وعلى ذلك يتضح أن السند لأمر يفترض وجود شخصين هما المحرر والمستفيد، ويفترض وجود علاقة سابقة بينهما تبرر قيام المحرر بالتعهد بدفع هذا المبلغ، وقد ينتظر المستفيد حتى يحل ميعاد الاستحقاق فيتقدم لأخذ قيمته، وقد يقوم بدوره بتظهيره إلى شخص آخر يقوم بدوره بتظهيره إلى شخص آخر غيره وهكذا حتى يستقر في يد الحامل الأخير لاستيفاء حقه في ميعاد الاستحقاق. والسند لأمر قد يتداول بالتظهير أو يتداول بالمناولة أو التسليم لحامله. والسند لأمر عمل تجاري مطلق أياً كانت صفة ذوي الشأن فيه أو طبيعة الأعمال التي أنشأ من أجلها وهذا ما نصت عليه المادة ٣٧٨ من القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م، وهذا على خلاف الحال وفقاً للمجموعة التجارية الملغاة التي كانت لا تعتبر السند لأمر عملاً تجارياً إلا إذا كان محرره تاجراً أو كان تحريره مترتباً على معاملات تجارية سواء كان محرره تاجراً أو غير تاجر. ويختلف السند لأمر عن الكمبيالة في أن السند لأمر يتضمن شخصين فقط عند إنشائه وبالتالي توجد علاقة واحدة سابقة بين المحرر والمستفيد والتي تعتبر سبب تحرير السند لأمر، أما الكمبيالة – تتضمن عند إنشائها ثلاثة أشخاص هم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد وينتج عنها ثلاثة علاقات بينهما، علاقة بين الساحب والمستفيد الأول هي سبب إصدار الكمبيالة وعلاقة بين الساحب والمسحوب عليه أساسها مقابل الوفاء وعلاقة بين المستفيد والمسحوب عليه أساسها القبول وبالتالي لا محل في السند لأمر لمقابل الوفاء والقبول.

٣- الشيك :

كانت المجموعة التجارية الملغاة تتضمن تنظيماً قانونياً ضئيلاً للشيك، وكان هذا التنظيم لا يتناسب مع الواقع العملي الحالي حيث يحظى الشيك بأهمية عملية بالغة في الحياة الاقتصادية عامة والتجارية خاصة، لذلك كان لابد من إعادة تنظيم الأحكام المتعلقة بالشيك بما يتناسب مع أهميته العملية وهذا ما تكفل به القانون التجاري بالفعل، حيث أفرد المشرع للشيك المواد من ٤٧٢ إلى ٥٣٩ وقد عمل المشرع في القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م على حماية الشيك كورقة تجارية والحرص على اعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في التعامل، ووضح من النصوص القانونية ما يحقق ذلك ويحول دون ما كان يجري عليه التعامل من استغلاله كأداة ائتمان بعداً عن طبيعته التي استقر عليها العالم أجمع. ويعرف الشيك بأنه صك مكتوب وفقاً لبيانات محددة نص عليها القانون(6) يتضمن أمراً من الساحب إلى البنك المسحوب عليه بأداء مبلغ معين من النقود من حساب لديه لأمر شخص آخر يسمى المستفيد أو لحامله بمجرد الإطلاع. ويعتبر الشيك عملاً تجارياً في جميع الأحوال أي تسري عليه أحكام الباب الرابع من القانون التجاري أياً كانت صفة ذوي الشأن فيه أو طبيعة الأعمال التي أنشأ من أجلها. ويختلف الشيك عن السند لأمر في ان الشيك يتضمن ثلاثة أطراف هم الساحب والبنك المسحوب عليه والمستفيد، بينما يتضمن السند لأمر شخصين فقط هم الساحب والمستفيد. كما يتفق الشيك مع الكمبيالة في أن كل منهما يتضمن ثلاثة أشخاص عند إنشائه، ولكن يختلف الشيك عن الكمبيالة في أن الكمبيالة ممكن أن تكون أداة وفاء إذا كانت مستحقة الدفع بمجرد الاطلاع أو أداة ائتمان إذا كانت مستحقة الدفع بعد مدة معينة أو قابلة للتعيين، بينما يعتبر الشيك أداة وفاء فقط أي مستحق الدفع بمجرد الاطلاع(7) كما أن المسحوب عليه في الشيك يجب أن يكون بنكاً وإلا كان باطلاً باعتباره شيكاً. بينما يجوز في الكمبيالة أن يكون المسحوب عليه بنكاً أو أي شخصاً آخر. والكمبيالة يجوز للساحب أو أحد المظهرين أن يشترط تقديمها للقبول من المسحوب عليه، أما الشيك فلا قبول له وإذا كتبت عليه صيغة القبول اعتبرت كأن لم تكن، ومع ذلك يجوز تقديم الشيك للمسحوب عليه البنك للتأشير عليه بالاعتماد ويفيد هذا التأشير وجود مقابل الوفاء.

_______________

1- راجع المادة ٤٧٢ ،٤٧٠ ، من القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م.

2- راجع المادة ٣٧٩ من القانون التجاري.

3- راجع المواد ٤٧٧ ،٤٧٣ ،٤٦٩ ،٤٦٨ ،٣٨٠ ،٣٧٩ ، من القانون التجاري.

4- راجع المادة ٣٩٢ من القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ م.

5- راجع المادة ٣٧٩ من القانون التجاري.

6- راجع المادة ٤٧٣ من القانون التجاري.

7- راجع المادة ٥٠٣ من القانون التجاري.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .