دراسة وبحث قانوني متعمق عن النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر

تخضع عملية إعداد الدساتير لأسلوبين قديمين و هما أسلوب المنحة و أسلوب العقد أما الأسلوب الثاني فهو حديث أو أكثر ديمقراطية و هو الأسلوب الرضائي و المتمثل في الجمعية التأسيسية، أما الدساتير من حيث تعديلها فتنقسم إلى دساتير جامدة عندما يكون تعديلها خاضعا لإجراءات تفوق تلك التي يتطلبها القانون العادي عند تعديله، على عكس ذلك هناك الدساتير المدنية التي لا يتطلب تعديلها أي إجراء خاص أو استثنائي، و إنما تخضع في عملية تعديلها إلى نفس الكيفيات و الإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي1.
و تأسيسا على ذلك سوف نتناول في هذا الفصل الأول تعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته(مبحث أول)، ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال الدساتير الجزائرية(مبحث ثاني)، ثم نتطرق للقيود الواردة على التعديل الدستوري في الجزائر(مبحث ثالث)، و ننهي الفصل الأول بدارسة الصياغة القانونية للتعديل الدستوري(مبحث رابع).

المبحث الأول:تعريف التعديل الدستوري و أهميته

يعتبر التعديل الدستوري ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، ذلك أن الدستور هو القانون الأساسي في الدولة يقبل التعديل في كل وقت، أما من الناحية السياسية فان الدستور يقوم بوضع القواعد الأساسية للدولة وفقا لأوضاعها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وقت صدوره، فلابد من إيجاد تنظيم لوسائل سلمية، شرعية لتعديل القواعد الدستورية حتى لا تؤدي الحاجة و الضرورة إلى تعديلها بطريق مصحوب بالعنف غير الشرعي أو حصول تباعد و تنافر بين النصوص الدستورية و الواقع السياسي في الدولة.
من خلال ما تقدم نحاول تعريف التعديل الدستوري من حيث اللغة و الاصطلاح، و بيان أهميته.

المطلب الأول:تعريف التعديل الدستوري لغة و اصطلاحا

الفرع الأول:التعريف اللغوي
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ”1، و جاء في قراءة هذه الكلمة عند علماء القراءة في علم التجويد أنه يصح للقارئ أن يقرأ الكلمة مرتين مرة(فَعَدَلَكَ)و هي تعني أن الله جعلك معدلا مستقيما لمرة واحدة أو للمرة الأولى في بدء خلق الإنسان.و المرة الثانية تقرأ(فَعَدَّلَكَ)و هي تعني أن الله يعدّل الإنسان قولا و عملا كلما حصل منه اعوجاج في القول أو العمل ليعود إلى جادة الصواب في حياته كلها.

و جاء في كتاب التفسير الواضح في تفسير هذه الآية الكريمة، و قد عدلك أي صرفك عن صورة غيرك إلى صورة حسنة كاملة.و جاء في مختار الصحاح،”تعديل الشيء تقويمه، يقال عدله تعديلا فاعتدل، أي قومه فاستقام، و كل مثقف معدل”.

أما معنى التعديل في اللغة الانجليزيةAmendment، هو تغيير في نص ما، باستبداله أو تغيير أو إضافة إليه أو لكل هذه الوسائل مجتمعة، الغرض منه تحسينه في جانب ما، أو هو تغيير في قانون من قبل البرلمان1.

الفرع الثاني:التعريف الاصطلاحي
جاء في المعجم الدستوري بأن التعديل هو اقتراح تغيير نص يخضع لتصديق الجمعية النيابية عليه، و حق التعديل و هو نتيجة طبيعية للحق العام في المبادرة حسب تعبيرEngene Pierre، و قد استعاده المجلس الدستوري الفرنسي و لم يظهر بهذه الصفة في الدساتير الفرنسية الأولى، و لا يتضمن حق التعديل القدرة على اقتراح الإلغاء الكامل أو الجزئي أو التغيير فيما يختص بعناصر أحكام مشروع أو اقتراح فحسب، بل الحق أيضا في إكمال النص بأحكام جديدة، فهذا الإكمال يأخذ شكل تعديل يحمل مادة ملحقة، أما التعديلات للتعديل فتسمح بتفسيره و لا يمكنها أن تكون تعديلات معدلة بحد ذاتها1، بمعنى أن المواد المعدلة يمكن أن تكون لها أحكام التفسير، و لا يقصد منها إضافة أو إلغاء أحكام.

فالتعديلإذن هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون بعضها.و لذا فان الإنهاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا له بل إلغاء ، و عليه فان التعديل يقتضي الإبقاء على نفس الدستور، و ليس وضع دستور جديد، بناء على ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعني إنشاء دستور جديد، كما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعدم الدستور بصفة تامة1.

و ينبغيالإشارة إلى أن هناك مجموعة من المصطلحات المرادفة للتعديل منها التغيير، التنقيح الاستبدال، الإضافة، المراجعة.
و من خلال ملاحظة دساتير الدول نجد كثير من التخبط و التكرار في استعمالاتها للتعابير و المصطلحات المختلفة، فبعض هذه الألفاظ لا يوجد بين مدلولاته اللفظية و مدلولاته الاصطلاحية أي تشابه أو تقارب، فالإلغاء أو الحذف و هما معنيان متشابهان لا يمكن الاستدلال منهما على معنى الإضافة أو الاستدلال في مضمون المدلول الاصطلاحي كذلك فان المدلول اللفظي للتنقيح لا يعطي إلا معنى الإنقاص أو الحذف و لا يشبه بأي وجه معنى الإضافة و الاستبدال أيضا، فلذلك فانه من الأفضل استعمال مصطلح التغيير في الدستور على غيره من المصطلحات فهو يغطي معاني الحذف و الإضافة و الاستبدال، و هو أصح في مدلوله من مصطلح تغيير الدستور لأن هذا المعنى قد ينصرف إلى تغيير الدستور كله1.

المطلبالثاني:أهمية التعديل الدستوري

الدساتير لا تتمتع بنفس الديمومة، و هي ليست أزلية، و قد يكون لبعضها من طول النفس و القدرة على التأقلم مع تطور الأوضاع ما ليس للبعض الآخر، فدستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضع منذ قرنين ما زال نافذ إلى يومنا هذا، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية دولة متمتعة باستقرار دستوري واضح و على العكس من ذلك، فان تاريخ فرنسا المعاصر تمتع بعدم الاستقرار الدستوري ذلك أن هذه الدولة عرفت منذ عام1871ما لا يقل عن12دستورا.

أما عن التجربة الدستورية في الجزائر، فكانت مع بداية استقلالها المعلن عنه سنة1962، مع أول دستور لها عام1963و إن بقي حبر على ورق و لم يطبق، إلى أن ألغي بموجب الأمر الصادر في10/07/1965و توقفت بذلك أول تجربة دستورية في حياة الدولة الجزائرية المستقلة إلى غاية وضع دستور1976الذي وقعت عليه ثلاث تعديلات(1979- 1980-1988)و إن كان التعديلين الأول و الثاني لا تقل أهميتها، إلا أن التعديل الثالث(1988)كان أكثر أهمية، فقد تحقق بموجبه النظام الجزائري وجهة تختلف عن تلك التي وقع إقرارها في الدساتير السابقة(1963-1976)، بحيث انتقل من طبيعة نظام سياسي موحد(حزب – سلطة واحدة)إلى نظام سياسي تعددي، الفصل بين السلطات و ثنائية السلطة التنفيذية.

إنهذا الكم الضخم في عملية التعديلات الدستورية-و التي سوف نتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني-و في فترة زمنية قصيرة، يعكس حقيقة الصعوبات التي يواجهها الحكام في إيجاد الحلول المقبولة لمشاكل الحكم و من جهة أخرى فإنها تكشف عن الرغبة المستمرة في البحث عن عملية تأسيس الدولة.

و كما أشار الأستاذ”جيرار كوناك”Gerard Conac، فان على الرغم من الاستقرار الدائم فان التحولات و التعديلات الدستورية تعكس رغبة البحث عن هياكل و إجراءات أكثر ملاءمة للحقائق السوسيولوجية و الثقافية لكل دولة.

و هكذا فان حداثة الدولة الجزائرية، يكشف أن كل محاولات التقليد على كل المستويات و اللجوء للنماذج الكلاسيكية للحكم لم تتمكن من إيجاد وسائل مقبولة لترشيد علاقة السلطة.
ومهما يكن الأمر، فان التعديلات الدستورية تأتي من الرغبة في حل التناقض داخل النظام السياسي.إن أشكال هذا التناقض متنوعة و توحي كل عملية تعديل نحو نظام معين، و بالتالي فان التحولات الدستورية ينبغي تفسيرها على مستويين الاستقرار و الاستمرار.لكن عمليا و إن كانت عملية التعديل الدستوري دليل على الاستمرار الدستوري، تدل على عدم الاستقرار السياسي و أن ما حدث في الجزائر في نوفمبر1988، و نوفمبر1989و28نوفمبر1996و نوفمبر2008، خير دليل على ذلك.
كانت هذه التعديلات الدستورية تخضع عند اقتراحها و إقرارها لتقدير رئيس الجمهورية و من ثمة فإنها لن تهدف بطبيعة الحال سوى الحفاظ و تقوية هيمنة السلطة التنفيذية في النظام السياسي و المستفيد الأكبر بالنظر لفائدة التعديل الدستوري، تلك الفائدة التي يراها القانون الدستوري يجب أن تحقق ملاءمة القانون الأساسي مع الحياة السياسية و لعل ذلك من أهم أبعاد و أهمية التعديل الدستوري1.

المبحث الثاني:إجراءات التعديل الدستوري في الجزائر

إنالميزة الأساسية للنصوص الدستورية هو سمو قواعدها مقارنة مع باقي النصوص القانونية، الأمر الذي يفرض ضرورة مسايرة النصوص الأدنى لها من حيث المضمون، كما أن النتيجة الثانية هي تميز النصوص الدستورية بنوع من الثبات، إلا أن ذلك لا يعني جمودها المطلق و عدم قابليتها للتعديل لأن القول بعكس ذلك مرفوض لاعتبارين، الأول سياسي و مفاده أن قواعد الدستور هي مرآة عاكسة لمجموع الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها الدولة، لذلك لابد أن يتم تعديل الدساتير حتى تساير التطور الذي يصيب تلك الظروف، و القول بعدم تعديلها يؤدي حتما إلى نشوب ثورات و انقلابات.و الاعتبار الثاني قانوني حيث أن فكرة الجمود المطلق للدساتير لا يتماشى و فكرة السيادة التي تكون ملكا للشعب أو للأمة، فعندما يقرر صاحب السيادة الجمود المطلق للدستور معنى ذلك أنه تنازل عن حقه في ممارسة التعديل.
و بناء على ما تقدم، نتناول إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين الدساتير الجزائرية(1963-1976-1989-1996).

المطلب الأول:مرحلة المبادرة بالتعديل

المبادرة بالتعديل قد تتقرر للحكومة وحدها، و قد يتقرر هذا الحق للبرلمانوحده و قد يتقرر هذا الحق للحكومة و البرلمان معا و قد يتقرر هذا الحق للشعب ذاته.
و تقرير حق اقتراح تعديل الدستور لأي من هذه الهيئات أمر يتوقف على مكانة كل منها إزاء الأخرى، فإذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية في الدولة و تقويتها على حساب السلطة التشريعية فانه يجعل المبادرة بالتعديل من اختصاص الحكومة و إذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة البرلمان و تقويته على السلطة التنفيذية أو على الأقل يجعل منه صاحب الولاية العامة في التشريع فان الدستور يجعل حق المبادرة بالتعديل من اختصاصه وحده، و إذا كان الدستور يميل إلى تحقيق التوازن و التعاون المتبادل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية فانه يجعل حق المبادرة مشترك بينهما.
و إذا كان الدستور يجعل للشعب مكانا في مجال مباشرة مظاهر الحكم فانه يجعل للشعب فضلا عن البرلمان حق المبادرة بالتعديل1.

و بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية بداية بدستور1963حيث تقضي المادة71منه على أن المبادرة بتعديل الدستور ترجع إلى كل من رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معا، و تبيانا لذلك فان المشرع الدستوري لم يحرص على جموده جمودا كليا لمدة زمنية محددة في إحدى قواعده حيث لا يجوز خلالها محاولة تعديله، بل سمح بإجراء تعديله و ذلك في أي وقت، لكن بشرط أن تتم المبادرة بمشاركة رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لنواب المجلس و الملاحظ أن دستور1963لم يخص رئيس الجمهورية بالمبادرة لوحده.و بذلك يمكن القول بأن سلطة الرئيس تم تقييدها بمشاركة ممثلي الشعب(النواب)في المبادرة بالتعديل.

و يبدوا من خلال ما تقدم بأن المشرع الدستوري لم يستبعد بعض المسائل أصلا من إمكانية التعديل كما أنه حاول تقييد حق المبادرة و عدم إطلاقه و بذلك فان دستور1963يعتبر دستورا جامدا من حيث إجراءات تعديله1.و الدليل على ذلك هو مناقشة المبادرة بالتعديل الدستوري من طرف المجلس الوطني و يكون ذلك تلاوتين و تصويتين.
أما دستور1976الصادر بالأمر رقم76-97الموافق لـ22نوفمبر سنة1976و المتضمن إصدار دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.1

حيث تنص المادة191منه”لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل”و منه نلاحظ أن حق المبادرة بالتعديل لرئيس الجمهورية وحده على عكس دستور19632.

و قد أبقى دستور1989على أحقية المبادرة باقتراح التعديل لرئيس الجمهورية لوحده و هذا من خلال نص المادة163منه.إلا أن دستور1996الصادر عن طريق المرسوم الرئاسي رقم96-438الموافق لـ7ديسمبر سنة1996و المتعلق بإصدار نص تعديل الدستور السابق المصادق عليه في استفتاء28نوفمبر19963.هذا الأخير جاء بالجديد فمن خلال المادة174و التي أعطت حق المبادرة بالتعديل الدستوري لرئيس الجمهورية أضافت المادة177على حق3/4ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية.بمعنى أعضاء مجلس الأمة المستحدث في دستور1996و أعضاء المجلس الشعبي الوطني، و رغم هذا الامتياز الذي منح للسلطة التشريعية إلا أنه لا يوجد مبادرات بالتعديل من طرف البرلمان و كل التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية المبادرة فيها للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية.

المطلب الثاني:مرحلةإقرار التعديل

تلجأمعظم الدساتير إلى منح البرلمان سلطة إقرار مبدأ التعديل، فيكون له سلطة البت فيما إذا كان هناك محل لإجراء التعديل من عدمه أي ضرورة تعديله أو عدم تعديله.
على أن بعض الدساتير قد تتطلب فضلا عن موافقة البرلمان على مبدأ التعديل موافقة الشعب1.و الذي يلفت النظر في هذه الحالة أنه ما دام البرلمان منتخبا من طرف الشعب فعلام اشتراط موافقة الشعب أيضا على إقرار مبدأ التعديل؟ قد يكون الجواب على ذلك أن البرلمان ربما يكون في فترة معينة فاقد لثقة الشعب فيه2.

الفرع الأول:إقرار التعديل من طرف البرلمان
إندستور1963و من خلال أحكام تعديله الواردة في المواد من71إلى74فانه إذا تحقق شرط المبادرة بالتعديل السابق الذكر فان ذلك يستتبع أن تكون هناك تلاوتين لمشروع التعديل تكونان متبوعتان بتصويتان لأعضاء المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية المطلقة مع اشتراط أن يتم الفصل بين التلاوتين و التصويتين مدة شهرين لكن هذا النص من المادة72لم يحسب طريقة التلاوتين و التصويتين ذلك أن البرلمان إذا كان رافضا للتعديل الدستوري في المرتين، فليس هناك مشكل يطرح لأن هذا المشروع سوف لن يعرض على استفتاء الشعب و سوف لن يكون هناك مشكل أيضا في حالة اذا كانت التلاوتين و التصويتين بقبول المجلس الشعبي الوطني لهما لأنهما يعرضان حتما على استفتاء الشعب، لكن الإشكال إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول و العكس فهل العبرة بالتصويت الأخير؟ المادة لا تعطينا جوابا عن ذلك و يفترض في هذه الحالة أن الحكم يكون التلاوة الثانية، بمعنى أنه إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول فان مشروع التعديل يعرض على الشعب و العكس.
و بالعودة إلى دستور1976، و في حالة قيام رئيس الجمهورية بمبادرة التعديل التي لم يبين الدستور الشكل الذي تتم فيه إن كانت جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو لجنة حكومية….فإنها تعرض على البرلمان لإقرار مشروع التعديل بأغلبية2/3أعضائه1.

و قد ميز دستور1976بين صورتين من مشروع التعديل، الأولى و هي التي تخص الإطار العام لأية مبادرة بالتعديل، أما الصورة الثانية الخاصة بمشروع تعديل أحكام التعديل التي قيدها المشرع الدستوري أكثر بالنظر إلى أهميتها و اشترط من أجل تحققها توافر3/4ثلاثة أرباع أصوات أعضاء البرلمان مع قيد واحد و هو عدم قابلية تعديل نص المادة1952، فمجرد التفكير في مشروع التعديل محظور.

إلاأن الملاحظ أن دستور1989قد أغفل طريقة التصويت على إقرار التعديل الدستوري في المادة163و هو ما جاء به دستور1996حيث أن إقرار التعديل يتم بتصويت المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي1.

الفرع الثاني:إقرار التعديل من طرف الشعب
بالرجوعإلى دستور1963نجد أن المشرع الدستوري منح حق إقرار التعديل الدستوري لأعضاء المجلس الشعبي الوطني دون الشعب و هو ما سار عليه دستور1976، أما دستور1989منح للشعب إلى جانب المجلس الشعبي الوطني حق إقرار التعديل الدستوري و السؤال الذي يطرح لماذا ألزم المشرع الدستوري موافقة الشعب؟ الجواب سبق و أن أشرنا إليه و هو أنه قد يكون البرلمان فاقد للمصداقية و ثقة الشعب فيه.

و مكنت المادة164من دستور1989رئيس الجمهورية بأن يلجأ إلى تعديل الدستور و يعرضه مباشرة متى أحرز ثلاثة أرباع3/4من أصوات أعضاء المجلس الشعبي الوطني شريطة أن لا يمس التعديل المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية1.أما دستور1996فقد جعل إقرار التعديل الدستوري للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و يشترط لذلك عرضه على استفتاء الشعب خلال50يوما الموالية لإقراره.

المطلب الثالث:مرحلةالإقرار النهائي للتعديل

الإقرارالنهائي للتعديل الدستوري يكون إما عن طريق الشعب(الاستفتاء الدستوري)و إما عن طريق الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل.و أخيرا يكون الإقرار النهائي عن طريق إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري.

الفرع الأول:الإقرار النهائي عن طريق الاستفتاء الدستوري
تنص المادة73من دستور1963على: “يعرض مشروع قانون التعديل على مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء”
و الملاحظ أن دستور1976لم ينص على الاستفتاء.أما دستور1989فقد نص في المادة165منه على اشتراط موافقة الشعب بعد إقرار المجلس الشعبي الوطني.و تضيف المادة166من نفس الدستور”يصبح القانون الذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، إذا رفضه الشعب، و لا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية”و تقابل هذه المادة من دستور1996المادة175.

الفرع الثاني:الإقرار النهائي لذات الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل
إنالتعديل يجب أن يتم بنفس طريقة وضع الدستور نفسه احتراما لقاعدة توازي الأشكال، فإذا وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية فيجب إذن إقرار التعديل عن طريق جمعية تأسيسية أو غير ذلك من أساليب الوضع1، و هذا المبدأ أخذ به المشرع الدستوري في دستور1976في المادة193منه حيث تنص: “إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور، فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس الشعبي الوطني، لا تسري هذه الأحكام على المادة195من الدستور التي لا تقبل أي تعديل”.

الفرع الثالث:إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري
بالرجوعإلى دستور1963المادة74منه فانه يتبين أن إصدار التعديل يكون من طرف رئيس الجمهورية خلال الأيام الثمانية الموالية لتاريخ الاستفتاء، بعد مصادقة الشعب على مشروع التعديل الدستوري.و ينص دستور1976في الفصل السادس منه و المعنون بالسلطة التأسيسية في المادة196: “يصدر رئيس الجمهورية القانون المتعلق بالتعديل الدستوري”و كذلك الحال في دستور1989في نص المادة167.
أما دستور1996فقد تكلم عن الإصدار في المادة174فقرة2، و تكلم أيضا عن الإصدار في المادة176و التي تنص: “إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية، و علل رأيه:أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع3/4أصوات أعضاء غرفتي البرلمان”.

كذلك المادة177تتكلم عن الإصدار في حالة ما إذا كانت المبادرة باقتراح التعديل من طرف ثلاثة أرباع3/4أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا.

المبحث الثالث:قيود التعديل الدستوري

إنلدراسة موضوع قيود التعديل الدستوري أهمية كبيرة، و يستلزم ذلك أن نميز بين السلطة التي تضع الدستور و التي تسمى السلطة التأسيسية الأصلية و هي سلطة غير مقيدة و السلطة التي تعدل الدستور(السلطة التأسيسية المنشأة).ثم نتطرق لقيود التعديل الوضعية و نقصد بها القيود المنصوص عليها في الدستور، و أخيرا نتناول القيود غير الوضعية.
و ينبغي أن نشير أن الرأي القائل باستمرار سلطة وضع الدستور يجعل من غير المفيد الحديث عن قيود لتعديل الدستور، لأن التمييز بين السلطتين هو الذي يسمح بالقول بوجود قيود لتعديل الدستور ترجع إلى اختلاف مصدر اختصاص كل منهما و مداه من جانب.

المطلب الأول:التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة

يمكن تعريف السلطة التأسيسية بصفة عامة، بأنها تلك السلطة التي تحوز اختصاص دستوري لوضع دستور جديد أولإجراء تعديل لدستور موجود سلفا.و هذا التعريف العام يحمل في ثناياه تمييزا بين سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية منشأة، فالأولى هي التي لا تتقيد بأي شرط و تتدخل في ظروف الفراغ الدستوري لعدم خضوع سلطتها لمحددات و قيود سابقة، تتولى سن الدستور في ضوء ما تراه محققا لمصالح الوطن و المواطن، و هي أثناء قيامها بهذه المهمة تقرر بعض القيود الشكلية و الموضوعية، التي يمكن عن طريقها تغيير بعض قواعد الدستور التي تضعه، فهي تدرك أن الجمود و الاستقرار أمران متطلبان لأي دستور باعتباره أسمى قاعدة قانونية في الدولة، دون أن تهمل في الوقت نفسه ضرورة أن يساير الدستور التطور الزمني و ما يفرزه من متطلبات و حاجيات جديدة لم يستطع المشرع الدستوري التنبؤ بها لبعدها الزمني عن لحظة تدخلهم، فيقرر بالتالي إمكانية تغيير بعض نصوصه بشروط معينة، تجعل السلطة التي تتدخل لانجاز هذه المهمة باقية في ذات الإطار و الخط العام الذي سبق أن وضعه المشرع ووافق عليه الشعب.

و هذا يؤكد اختلاف السلطة التي تتدخل لتعديل الدستور عن السلطة التي وضعته فبالرغم من أن السلطتين تسنان قواعد دستورية تتمتع بذات القيمة القانونية، فان السلطة التي تضع الدستور تتمتع بالسمو من ناحيتين الأولى أنها تتدخل لوضع الدستور دون أن تخضع لشروط أو لقواعد مسبقة من ناحية، و الثانية أنها تقر مبدأ تعديل الدستور و تقرر الشروط التي على أساسها يمكن إدخال هذا التعديل من ناحية أخرى.

و للتمييز بين السلطتين الأصلية و المنشأة يستدعي البحث عن معيار يفرق بينهما بصورة دقيقة.و يمكن تصنيف الاجتهادات الفقهية بصدد هذه المسألة إلى اتجاهين كبيرين:اتجاه يستند إلى معيار شكلي و آخر يستند إلى معيار موضوعي و كل اتجاه ينطلق من الفلسفة و المفهوم الذي يعتنقه في تعريف كل من السلطتين.

الفرع الأول:المعيار الشكلي
يعد الفقيه كاريه دومالبرجCarré De Malbergأول من قال بالمعيار الشكلي و له الفضل الأول في تقديم تصور واضح يؤدي إلى تمييز دقيق بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يبدأ هذا الفقيه ببيان فكرته انطلاقا من التمييز الضروري بين وضع السلطة التأسيسية في حال الإعداد الأول لدستور الدولة و وضعها حيث تكون الدولة موجودة سلفا، و يرى أن السلطة الأولى لا يمكن أن تجد سندها في القانون، بل ترتد إلى مجرد الواقع، الذي لا يمكن أن يحكم، في مثل هذا الفرض، في ضوء مبادئ القانون الوضعي، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة للسلطة التأسيسية في حالة الوجود السابق للدولة، حيث تعد سلطة يمكن إسنادها إلى النظام القانوني و تصنيفها، بالتالي كأحد مؤسسات الدولة الموصوفة بواسطة دستورها، و هذه المؤسسة قد تأخذ شكل لجنة خاصة منتخبة، تشكل لهذا الغرض، و قد تجد أصلها في تشكيلات حكومية منتخبة على سبيل المثال، و في كل الأحوال، فان هذه الجمعية التي تتولى الاختصاص الدستوري في هذه الحالة تجد أصلها في النظام القانوني كإحدى مؤسسات الدولة، على عكس الحال بالنسبة للسلطة التأسيسية التي تضع دستور للدولة نفسه.

و يقسم”مالبرج”بعد ذلك السلطة التأسيسية تبعا للظروف المصاحبة لتدخلها إلى سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف استثنائية كما في أحوال الثورات أو الانقلابات و سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف طبيعية، فالسلطة التأسيسية التي تباشر عملها في ظروف غير طبيعية هي سلطة لا تفسر أو تفهم بالنظر إلى النظام القانوني الذي يحدده الدستور الساري فعلا، حيث لا يمكن القول بوجود قواعد قانونية أو دستورية، بل القوة فقط هي التي تصاحب عمل هذه السلطة، و لذلك فان الدستور الجديد سيأتي حتما بطريقة مخالفة لكل الأصول الدستورية التي كانت سارية من قبل سبب انقطاع كل صلة قانونية بين هذا الدستور و الدستور السابق.

أما حيث تتدخل السلطة التأسيسية في ظروف طبيعية، فان التعديل الدستوري يجب أن يتم طبقا للقواعد المحددة دستوريا و بواسطة المؤسسات التي عهد إليها الدستور بذلك.

و من جانب آخر و في ذات الإطار العام الذي قدمه”كاريه دو مالبرج”، للتفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية و المنشأة، جاء تصور الفقيه الكبير”جورج بيردو” “G.Burdeau”، و لكن باستخدام تحليل مغاير ينتهي إلى ذات النتيجة فالأستاذ”جورج بيردو”يرى أن مصطلح السلطة التأسيسية يشتمل على تعبيري السلطة التأسيسية بالمعنى الفني لتلك السلطة التي يكون لها الاختصاص بوضع دستور جديد للدولة و التي توجد عادة عقب الحركات الثورية1، بينما يشير اصطلاح سلطة التعديل إلى عضو في الدولة معرف بواسطة نظامها القانوني و يتدخل بقصد تعديل أو استبدال الدستور و هذه السلطة بهذا المعنى سلطة قانونية تستمد اختصاصها من النظام القانوني الساري و بالدرجة الأولى من الدستور.

و يرجع الفضل للأستاذ”بونار” “Bonnard”في استخدام التسميات المعروفة حاليا للسلطتين التأسيسيتين، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المؤسسة.و هذه التعبيرات التي استخدمها الأستاذ”بونار”لأول مرة، لقيت استحسانا من بعض الفقه على أن الأستاذ”جورج فيدل” “G.Vedel”فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة و هو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك.

الفرع الثاني:المعيار الموضوعي
فيإطار هذا التصور الموضوعي، يطرح الفقيه كارل سميث تصوره بادئا بتحديد المصطلحات التي على أساسها يبني أفكاره حيث يرفض استخدام مصطلح السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يستخدم تعبير”السلطة التأسيسية”للإشارة إلى السلطة الأولى، و تعبير”سلطة التعديل الدستوري”للإشارة إلى السلطة الثانية، ليصل إلى الإعلان بأن السلطة الثانية – أي السلطة التأسيسية المنشأة-ليست سلطة تأسيسية.فالسلطة التأسيسية لا تتجزأ، و الغموض في التمييز بين الدستور و القانون الدستوري هو الذي أدى إلى الخلط بين السلطة التأسيسية و الاختصاص بالتعديل الدستوري، و هو ما أدى بدوره إلى تصنيف هذا الاختصاص الأخير على أساس أن الهيئة التي تتولاه لا تعدو أن تكون سلطة تأسيسية، تمييزا لها عن السلطات الأخرى في الدولة.

فدور السلطة التأسيسية يظهر من خلال الاختيارات و القرارات السياسية الجوهرية المؤسسة للنظام، من خلال نهج موضوعي و شكلي يعكس الوجود السياسي للجماعة، و على ذلك، فان السلطة التأسيسية(الأصلية)تختلف و تفترق عن سلطة التعديل الدستوري(السلطة التأسيسية المنشأة)من خلال موضوع اختصاص كل منهما، فالسلطة التأسيسية تتولى وضع الدستور، بينما تختص سلطة التعديل الدستوري بتعديل نصوص القوانين الدستورية السارية، فالتمييز يعتمد في أساسه إذن على التفرقة بين الدستور و القوانين الدستورية، فالدستور عند”كارل شميت”يتمثل في الاختيار الإجمالي لنهج و شكل الوحدة السياسية للجماعة، فهو عمل السلطة التأسيسية و لا يتضمن اتجاهات أو معايير سياسية خاصة، و إنما يحدد فقط الوجه العام للجماعة السياسية للدولة دون تمييز بين التيارات المختلفة، أما القوانين الدستورية فتتضمن على العكس فكرة المعايير الخاصة للجماعة السياسية واضعة نصب عينيها أن هناك دستورا موجودا و ساريا لا تتخطاه و النتيجة المستفادة من التمييز السابق هي أنه إذا كانت هذه القوانين لها صفة دستورية من ناحية موضوعها، إلا أنها لا تتساوى من هذه الناحية القانونية مع الدستور، بل هي أقل قوة و قيمة منه و ينتهي هذا الفقيه إلى صياغة فكرته من خلال التمييز بين الدستور و القوانين الدستورية من ناحية التعديل، فالدستور لا يمكن تعديله بواسطة ذات الإجراءات المتطلبة لإجراء تعديل لقانون دستوري، فتعديل الدستور لا يعدو أن يكون تعديلا لنصوص القوانين الدستورية السارية و ليس تعديلا للدستور نفسه، لأن سلطة التعديل لا يمكن أن تتساوى مع السلطة التأسيسية التي تتولى وضع دستور جديد.و بعبارة أخرى فسلطة التعديل مقيدة بالأسس و القرارات الجوهرية المشار إليها باعتبارها مكونا لجوهر دستور الدولة، فلا يتناولها التعديل.

و تكريسا لتصور سميث السابق ذكره، يؤكد الفرنسي”O.Beaud”أن عمل الدستور و إجراء التعديل يختلفان و يتعارضان بصورة جوهرية، فعمل الدستور يصدر عن عمل تأسيسي، و إجراء التعديل ينسب إلى سلطة التعديل، و يسمى الأول من الناحية القانونية السليمة بالسلطة التأسيسية بدلا من السلطة التأسيسية الأصلية، بينما يسمى الثاني سلطة التعديل الدستوري بدلا من السلطة التأسيسية المنشأة.

و نتيجة لهذه التوصيفات، يعتقد الفقيه بوجود تدرج بين السلطة التأسيسية و سلطة التعديل يقوم على أسس موضوعية.فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، و سلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، و بعبارة أخرى، فالسلطة التأسيسية هي سلطة غير مقيدة و سلطة التعديل هي سلطة مقيدة.أي أن السلطة التأسيسية هي سلطة أصلية و سلطة التعديل هي سلطة منشأة.و على ذلك فالسلطة التأسيسية المنشأة أو سلطة التعديل تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست فقط ذات طبيعة شكلية أو إجرائية، و إنما أيضا ذات طبيعة موضوعية، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية و تستعصي على أي تدخل لسلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام أساسية أو جوهرية تتعلق بذاتية الدولة و لا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل1.

المطلب الثاني:القيود الوضعية لتعديل الدستور
تتنوع القيود التي تأتي بها الدساتير بين موضوعية و زمنية و شكلية، فالعديد من الدساتير تحظر من الناحية الموضوعية المساس بموضوعات معينة، بحيث لا يمكن أن يطالهاأي تعديل لاحق عن نفاذها لارتباطها في الحقيقة بجوهر النظام السياسي الذي تتبناه الدولة، مثل حظر المساس بالنظام الجمهوري أو بأحد رموز الدولة2.
كما توجد العديد من الدساتير أيضا التي تحظر إدخال أي تعديل عليها في فترات معينة، كحظر تعديلها خلال مدة محددة تالية لبدء سريانها، بهدف تمكين المؤسسات التي أنشأها الدستور من أن تثبت فاعليتها و تفاعلها مع الواقع لتحقيق الاستقرار المؤسساتي و السياسي في الدولة.

أما من ناحية القيود ذات الطبيعة الشكلية، فهي تلك التي ترتبط بإجراءات تعديل الدستور، بدءا من تحديد السلطة التي يمكن منحها هذا الحق و هل هي السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أو هما معا أو الشعب باعتباره صاحب السيادة الأصلي، مرورا إلى الهيئة التي تتولى إعداد التعديل الدستوري و هل يتم عن طريق جمعية تأسيسية أم عن طريق البرلمان كسلطة تشريعية و طبيعة الأسلوب الذي تنتهجه هذه الهيئة حتى تمام الانتهاء من صياغة التعديل، و انتهاء بإقرار التعديل الدستوري.

و موضوع القيود الوضعية لتعديل الدستور سنتعرض له من خلال الدساتير الجزائرية و التعرض للقيود التي جاءت بها و القيمة القانونية لمثل هذه القيود من ناحية سريانها و مدى إمكانية تجاوزها عن طريق سلطة التعديل.

الفرع الأول:القيود ذات الصبغة الشكلية
بالرجوعإلى المادة89من الدستور الفرنسي و بعض النصوص الأخرى، نجد أن القيود ذات الصبغة الشكلية المتوجبة للتعديل الدستوري يمكن أن تنقسم إلى قيود زمنية و أخرى إجرائية و سوف نتناول هذه القيود من خلال دستور فرنسا و الدساتير الجزائرية.

أولا:القيود الزمنية:تتمثل هذه القيود تتمثل في:
القيد الأول:حظر تعديل الدستور في أحوال الاعتداء على أراضي الدولة1.
القيد الثاني:حظر تعديل الدستور في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية2.
القيد الثالث:حظر تعديل الدستور أثناء العمل بالمادة16المنظمة لحالة الأزمة3.
من خلال ما تقدم و بالرجوعإلى دستور الجزائر لعام1996، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لم يتناول القيود الزمنية للتعديل الدستوري المنصوص عليه في الباب الرابع في المواد174إلى178.و لكن لدراستنا للدستور الفرنسي يفهم ذلك من خلال المادة88من دستور1996.و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المادة90فقرة أولى و التي تنص: “لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول مانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه”.
إضافةإلى المواد من91إلى96المنظمة لحالات الطوارئ و الحرب و الاعتداء على الدولة حيث أنه في هذه الحالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري و لا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور و لهذا فان فترة تطبيق المادة93من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور.
و بالرجوع إلى دساتير الجزائر فان نص المادة59من دستور1963المنظمة للحالة الاستثنائية، و المادة194من دستور1976و التي تنص: “لا يمكن الشروع في إجراء أي تعديل أو مواصلته اذا كان هناك مساس بسلامة التراب الوطني”.
و المادة84من دستور1989و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المواد85إلى المادة90من نفس الدستور(د1989)و التي تنظم حالات الطوارئ و الحرب.
من خلال هذه المواد يمكن اعتبارها كقيود زمنية لتعديل الدساتير الجزائرية.

ثانيا:القيودالإجرائية:من خلال دراسة نصوص المواد71إلى74من دستور1963، حيث أن القيود الإجرائية تتمثل في أن المبادرة بالتعديل تكون من طرف رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى قيد آخر يتمثل في ضرورة إجراء تلاوتين و تصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني.و هنا نجد أن المشرع الدستوري الجزائري كان أكثر تشدد في إجراء أي تعديل دستوري و يمكن تفسير ذلك أن الحفاظ على الدولة و المؤسسات من الأولويات ذلك أن الجزائر استقلت عام1962و كان من واجب المشرع الدستوري التشدد في إجراءات التعديل الدستوري أما دستور1976فقد كان أقل تشددا من حيث الإجراءات بالمقارنة مع دستور1963حيث جعل المبادرة حق لرئيس الجمهورية لوحده، يليه إقرار المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ثلثي2/3أعضائه.

و قد نص دستور1996على القيود الإجرائية و التي تتمثل في اقتراح التعديل الدستوري كخطوة أولى ممنوحة لرئيس الجمهورية أو أعضاء غرفتي البرلمان و هذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، فإذا بادر البرلمان باقتراح التعديل فانه يشترط أن يكون موقعا من طرف ثلاثة أرباع أعضاء الغرفتين.

و في مرحلة أخيرة نجد الاستفتاء الدستوري فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء و للرئيس الخيار بين اللجوء إلى الاستفتاء أو طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين1.

الفرع الثاني:القيود ذات الصبغة الموضوعية
بالرجوعإلى نصوص الدستور الفرنسي، يمكن رصد قيد موضوعي واحد تلتزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامه عند إحداث أي تعديل دستوري جديد.و هذه القيد تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة89من الدستور1958و التي تنص”الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري”.
و ينبغي أن نشير أن دستور الجزائر لعام1963لم يشر إلى أي قيد موضوعي للتعديل الدستوري على عكس دستور1976في نص المادة195و التي سبق الإشارة إليها عند دراستنا لإجراءات التعديل الدستوري في الجزائر و مضمونها يتلخص في أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم و بدين الدولة، و بالاختيار الاشتراكي و بالحريات الأساسية للمواطن، و بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري و بسلامة التراب الوطني.
و جاء في المادتين164من دستور1989و176من دستور1996على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية.في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع من أصوات أعضاء الغرفتين معا و تنص المادة:178من دستور1996على: “لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس:
الطابع الجمهوري للدولة،

النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية،

الإسلامباعتباره دين الدولة،
العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية،
الحريات الأساسية و حقوقالإنسان و المواطن
سلامة التراب الوطني و ووحدته”
و أضاف التعديل الجزئي الأخير في نوفمبر2008لدستور1996في نص المادة الخامسة منه قيدا آخرا و يتمثل في عدم جواز و قابلية تغيير العلم و النشيد الوطنيين باعتبارها من مكاسب الثورة.

الفرع الثالث:القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور
اختلف فقهاء القانون الدستوري حول القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر التعديلسواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق.

أولا:الاتجاه الأول
يجمع أنصار هذا الاتجاهعلى تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، و دون استثناء أو تمييز فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر إلى أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور و ماهيته.فالدستور بوضعه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل و التبديل لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، و الأكثر من ذلك أن حظر التعديل يخالف مبدأ سيادة الأمة، و يحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية و إدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغير الظروف و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و يرى أنصار هذا الاتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل، فكل أمة كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة1791لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بالتقادم، في تغيير الدستور، كما أن للشعب كله أن يعدل الدستور و يغيره و أن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة.

و من هنا ينطلق هذا الاتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تخطر تعديل الدستور و يجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو ظروف خاصة.

ثانيا:الاتجاه الثاني
يجمع أصحاب هذا الاتجاه بعكس ما ذهبإليه الاتجاه الأول، على النصوص التي تخطر تعديل الدستور تعد مشروعة، و تتمتع بقوة قانونية ملزمة، و بلا تمييز، و إن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية.
و يقدم أنصار هذا الاتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، و إن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، و حقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فانه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، فان النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة نظر قانونية، و يجب احترامها، احتراما للسيادة التي عبرت عنها.

ثالثا:الاتجاه الثالث
ظهر هذا الاتجاه للتخفيف من حدة الاتجاهين السابقين، و يرى أنصاره أن ما ذهبإليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، و مشروعية التعديل و يذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فانه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية و تفكير.
إذنهذا الاتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الاعتبارات القانونية و السياسية، فهو يحافظ على احترام مبدأ المشروعية من جهة، و من جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية و الأجيال المقبلة، إذا ما دعت الحاجة إلى التعديل و توفر القبول الشعبي.

رابعا:الاتجاه الرابع
يذهب أنصار هذا الاتجاه و على رأسهم جورج بوردوإلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر، فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور(حظر موضوعي)بشكل دائم تفتقر إلى القيمة القانونية، و لهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، و على الأجيال القادمة بينما يقر هذا الاتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، و هذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية.

و يدعم هذا الاتجاه ما ذهب إليه على أساس اختلاف نوعي الحظر السابقين، و لهذا ليس من المنطق أن يأخذ الحكم نفسه، إذ لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، و ليس الفرق بين الخطر(الذي رفضه أنصار هذا الاتجاه)ة الجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، و لهذا يأخذ حكمة في البطلان.

و يجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة من ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، و من ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه و بين إبداء الرغبة في تعديل الدستور و التصويت عليه، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم اقتراح التعديل و التصويت عليه، و هذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته، و لعل هذا الاتجاه أكثر منطقية و قبولا من غيره من الاتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها.

خامسا:الاتجاه الخامس
يقوم هذا الاتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبةللسلطة التأسيسية الأصلية، و قيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق و لا يجوز تقييدها، بينما يجب احترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية المنشأة لأن الدستور هو من أنشأها و منحها اختصاصا محددا فعند ممارستها لهذا الاختصاص يجب احترام الحدود التي رسمها الدستور لها، غير أن هذا الاتجاه و إن كان يلقي تأييدا من جانب أساتذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقدم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل خصوصا أن هناك شبه اتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه عليهما هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث انقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة، فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى و يسقط أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية.و هذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل1.

المطلب الثالث:القيود غير الوضعية لتعديل الدستور

تعرضنا فيما سبق لقيود تعديل الدستور المنصوص عليها في الدساتير الجزائرية، الشكلية منها و الموضوعية، و حاولنا استخلاص المعايير التي تعطى لهذه القيود مشروعيتها القانونية، و بصورة تؤدي إلى التزام سلطة التعديل(السلطة التأسيسية المنشأة)بأعمالها عند التدخل لتعديل الدستور و السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في معرفة مدى وجود قيود أخرى لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه و بعبارة أخرى، هل توجد قيود خارج نصوص الدستور تلزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامها عند إحداث تعديل دستوري؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فعلى أي أساس تلتزم سلطة التعديل باحترام مثل هذه القيود غير المنصوص عليها؟ و هل يعني ذلك أن عدم احترامها ينتج خرقا للدستور من قبل سلطة التعديل؟
و الحقيقة أن مصدر هذه التساؤلات و غيرها يرجعإلى أن العديد من الفقهاء لم يكتفوا فقط بقيود تعديل الدستور الواردة في الوثيقة الدستورية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك معتقدين بوجود قيود أخرى غير منصوص عليها تفرض على سلطة التعديل، مستندين إلى فكرة وجود مبادئ و قواعد أسمى من الدستور أو فوق دستورية.

الفرع الأول:أثر تدرج القواعد الدستورية على اختصاص سلطة التعديل
إذخرجنا من إطار القيود المنصوص عليها دستوريا إلى نطاق قيود غير منصوص عليها، و يعترف لها الفقه بقيمة تعلو أو تسمو على القيود الدستورية، فانه يمكن أن نفرق بين اتجاهين كبيرين، أحدهما يعتقد بوجود مبادئ قانونية أسمى من الدستور و تتمتع بقوة أعلى منه و الآخر يدور حول مناقشة مدى وجود تدرج بين مختلف نصوص الوثيقة الدستورية، و يطلق الفقه على الاتجاه الأول اصطلاح المبادئ الأسمى من الدستور بالمعنى الكامل أو الفني و الثاني، المبادئ الأسمى من الدستور غير الكاملة أو المستترة.

و إذا كانت الفكرتين السابقتين تختلفان في أن إحداهما تعتقد بوجود قواعد أعلى من الدستور ذات أصل غير دستوري و الثانية تؤمن بوجود قواعد أسمى من الدستور و لها أصل دستوري أي تومن بتدرج نصوص الوثيقة الدستورية من حيث القيمة القانونية، فانه يجمعهما بالرغم من ذلك قاسم مشترك و هو أنهما تبحثان معا في وجود قيود لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه، تلتزم سلطة التعديل باحترامها كما تحترم القيود المنصوص عليها، بحيث إذا حدث تعرض بين قاعدة فوق دستورية و قاعدة أخرى دستورية فانه يجب إكمال الأولى و إهمال الثانية.كما أنه طبقا للاتجاه الثاني الذي يقيم تدرجا بين نصوص الدستور، فحيث يحدث تعارض بين قاعدة دستورية أسمى من قاعدة دستورية أخرى، فانه يجب إكمال الأولى دون الثانية و في كل الأحوال فان الاتجاهين لهما هدف مشترك واحد يتمثل في إيجاد قيود تحد من تعديل الدستور ليس لها أصل في نص دستوري يقننها.

أولا:مدى خضوع سلطة التعديل لقيود أسمى من الكتلة الدستورية
نادى بعض الفقهاءبسمو مبادئ القانون الطبيعي على الدستور، فالقاعدة الدستورية تكتسب صحتها من مطابقتها لمقتضيات تتعلق بالغاية المرتبطة بفكرة العدالة التي تستهدفها هذه القاعدة و إلا فقدت صفتها كقاعدة قانونية، و في هذا الإطار فان فكرة العدالة كأحد عناصر القانون الطبيعي تعد قيدا من قيود تعديل الدستور، فإذا تم إجراء تعديل دستوري غير مستوفي لمبادئ العدالة، فانه لا يكون مشروعا و لا يكتسب قوة نفاذه الدستورية لأن معيار العدالة أسمى من مبادئ الدستور المكتوب و تخضع له سلطة التعديل.

فسلطة التعديل لا توجد إلا من أجل بناء الإطار السياسي و المجتمع السياسي لأجل الإنسان، و لا يمكنها بهذه الصفة أن تعدل الدستور بطريقة لا تحترم الميول و الاتجاهات الطبيعية لهذا الإنسان و ذلك لأن هذه السلطة خاضعة للقانون الطبيعي، فسلطة التعديل لا تستطيع أن تغفل مقتضيات العدالة و لا تستطيع أن تنشئ علاقات قانونية مدنية بين الأفراد على أساس غير العدالة و إلا كانت سلطة متعسفة يجب استبعاد ما استحدثته مخالفا لمبادئ القانون الطبيعي كما يؤمن البعض الآخر من الفقهاء بوجود مبادئ عامة للقانون أسمى من حيث القوة القانونية من النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة.

و في هذا الإطار تساءل بعض الفقه حول مدى وجود مبادئ عامة للقانون لا تلزم فقط المشرع العادي، بل تلزم أيضا المشرع الدستوري، أي سلطة التعديل، فالعميد فيدلVedelتساءل عما إذا كان يجب على سلطة التعديل أن تحترم فكرة المبادئ العامة للقانون و بطريقة تضمين تعديل لم يطبقها بعدم المشروعية القانونية، بحيث لا تكون نافذة.و في ذات المعنى يعلن البعض الآخر أن القانون الدستوري لا يتحدد بحاله بالنظر إلى النصوص الدستورية فقط، و لكن أيضا بالنظر إلى بعض المبادئ العامة التي لم يكرسها المشرع في نصوص قانونية و تلزم المشرع الدستوري نفسه بحيث لا يمكن له أن يتعداها لسموها على النصوص الدستورية المكتوبة.

و قال البعض الآخر من الفقه بوجود عرف له قيمة فوق دستورية و يفرض على سلطة التعديل و لا تستطيع مخالفته عند إجراء تعديل دستوري.

من خلال ما تقدم فان مجال القانون الدستوري هو مجال حيوي فلا يمكن أن نتحدث عن قيود غامضة غير دقيقة لتعديل الدستور بما يمكن أن يؤدي إلى تعسف سلطة التعديل و خرق نصوص الدستور المكتوب بما قد يؤدي أيضا إلى هدم النظام القانوني للدولة.المحدد وفق الأسس التي وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، و بعبارة أخرى فان غياب التحديد الدقيق للمبادئ فوق الدستورية يؤدي بالتبعية إلى عدم وجودها المادي و يحرمها من ثم من قيمتها الدستورية.فلا يمكن إلزام سلطة التعديل بضوابط لا وجود لها فمثل هذه المبادئ و في مجال القانون الدستوري ليس لها سوى طبيعة سياسية لا قانونية و لا تشكل أي قيد لممارسة سلطة التعديل الدستوري.

ثانيا:مدى التباين في القيمة القانونية لمكونات الكتلة الدستورية وأعمال سلطة التعديل لها:
تدور الأفكار الفقهية بين نوعين من التدرج بين مكونات الكتلة الدستورية فالبعض يؤمن من جانب بوجود تدرج بين النصوص المكونة لهذه الكتلة، بينما يؤمن البعضالآخر بوجود تدرج لا بين نصوص هذه الكتلة، بل بين مختلف القواعد الدستورية المكونة لها، و كلا الرأيين يؤمن بالتالي بوجود قيود على سلطة تعديل الدستور غير تلك المنصوص عليها فيه.

الرأي الأول:المناداة بالتدرج بين نصوص الكتلة الدستورية استناداإلى اعتبارات تاريخية
يمكن تعريف الكتلة الدستورية بأنها ذلكالإطار الذي يضم كل القواعد ذات القيمة الدستورية و المتضمنة في الدستور بالمعنى الدقيق أو غير متضمنة فيه و استمدت قيمتها الدستورية منه.و ليس المقصود بالتدرج هنا التدرج بين القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية، و لكن نقصد به التدرج بين مختلف النصوص الدستورية المكونة للدستور في الدولة، و لا يثور هذا الفرض إلا حيث تتعدد الوثائق المكونة للدستور.

و في هذا الإطار نجد أن المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور1963ما يلي: “إن ضرورة قيام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في إعداد و مراقبة سياسة الأمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حملا على اختيار شتى الحلول لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية و بذلك يتم ضمان السير المنسجم، و الفعال للنظم السياسية المقررة في الدستور عن طريق جبهة التحرير الوطني التي:تعبئ و تنظم الجماهير الشعبية، و تهذبها لتحقيق الاشتراكية….و يتم إعداد هذه السياسة و تنشيطها و توجيهاها من طرف أشد العناصر الثورية وعيا و نشاطا….إن الحزب وحده باعتباره الجهاز المحرك الدافع الذي يستمد قوته من الشعب هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي الاقتصادية….”.

أما دستور1976حيث جاء في ديباجته ما يلي:”إن المصادقة الشعبية على الميثاق الوطني في استفتاء27يونيو1976، قد أتاحت من جديد فرصة للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها و ترسم إستراتيجيتها….و يمثل الدستور أحد الهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني…”و جاء في نص المادة السادسة من نفس الدستور ما يلي:”الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة.و هو المصدر الإيديولوجي و السياسي المعتمد لمؤسسات الحزب و الدولة على جميع المستويات.
الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور”كما نجد أن المادة10تنص على:”الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك بكامل السيادة في الميثاق الوطني، و هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني.
مفهوم الاشتراكية، طبقا لما ورد في الميثاق الوطني نصا و روحا، هو تعميق لثورة فاتح نوفمبر1954…”
من خلال ما تقدم نطرح السؤال الآتي ما القيمة القانونية للميثاق الوطني الذيتحدث عنه دستور1976؟

استناداإلى الظروف السياسية التي صدر فيها دستور1976، ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الميثاق الوطني أعلى قيمة من النصوص الدستورية التي تأتي في المرتبة الثانية، و بالتالي فان نصوص الميثاق تعلو على نصوص الدستور(دستور1963و1976)و إذا ما تعارضا تكون الأولوية و الأفضلية لنصوص الميثاق، باعتبارها أسمى من نصوص الدستور.و يترتب على ذلك، خضوع سلطة التعديل(السلطة التأسيسية المنشأة)لكل نصوص الميثاق باعتبارها قيدا لتعديل الدستور إلى جانب القيود المنصوص عليها فيه.فقيود تعديل الدستور ذات قيمة دستورية عادية، في حين أن نصوص الميثاق لها قيمة فوق دستورية.

الرأي الثاني:المناداة بالتدرج بين القواعد الدستورية استناداإلى اعتبارات موضوعية:
يتساءل العميد جورج فيدلG.Vedelعما إذا كان من الممكن الحديث عن قواعد أو مبادئ ذات مرتبة أولى و أخرى ذات مرتبة ثانية أو ثالثة.فإذا كانت كل القواعد المكتوبة في الدستور هي دستورية، فهل يمكن القول بأن بعضها أعلى قيمة دستورية من البعض الآخر؟.
فيالإجابة على تساؤلات العميد فيدل، ذهب الفقه إلى المناداة بوجود مثل هذا النوع من التدرج بين القواعد الدستورية.و اتجه هذا الفقه إلى القول بأن القواعد التي يمكن وصفها بالقواعد ذات المرتبة الأولى تعد قيدا على تعديل الدستور، فلا تستطيع السلطة التأسيسية المنشأة أن تعدلها أو تخالفها، فهي عصية على التعديل، و ذلك يرجع غالى أهميتها الخاصة.
المناداة بنظرية الحقوق ذات المرتبة الأولى:يعتقد العديد من الفقهاء أن القيمة القانونية للحقوق و الحريات الواردة في الدستور ليست متماثلة، إذ يمكن القول بوجود حقوق أساسية أو جوهرية أكثر من غيرها، و بعبارة أخرى يميز الفقه بين الحقوق ذات المرتبة الأولى فالثانية فالثالثة.و بصورة تؤدي بالتالي إلى إثبات تدرج بين النصوص الدستورية المتعلقة بهذه الحقوق.و من مقتضى هذا التصور بطبيعة الحال أن التعديل الدستوري لا يجوز له أن ينقض أو يخالف القواعد الدستورية المتضمنة لحقوق ذات مرتبة أولى و يجوز له ذلك بالنسبة للقواعد المتضمنة لحقوق ذات مرتبة تالية، إذ أن القواعد الأولى تعد قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة.و لا تنال منها بالتغيير أو الإلغاء إلا السلطة التأسيسية الأصلية فقط.

المناداة بسمو القواعد الدستورية المتعلقة بالسيادة الوطنية:توجد في الدستور مبادئ جوهرية لا يمكن المساس بها، و من بينها السيادة الوطنية، حيث تنص المادة27من دستور1963على ما يلي: “السيادة الوطنية للشعب يمارسها بواسطة ممثلين له في مجلس وطني….”، و تنص المادة الخامسة من دستور1976:”السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين”.أما دستور1989فقد نص أيضا في المادة السادسة منه على أن السيادة الوطنية هي ملك للشعب و بين في المادة السابعة من نفس الدستور كيفية ممارسة هاته السيادة.و هو نفس الحال في دستور1996.

من خلال النصوص السابقة الذكر يتبين أن المشرع الدستوري الجزائري جعل السيادة للشعب، فالسيادة لا ترتدإلى فكرة القانون الطبيعي بل إلى القانون الوضعي(الدستور)كفكرة قانونية، فإذا كانت حيازة السيادة تجد مصدرها في القانون الطبيعي فان القانون الوضعي فقط هو الذي يتولى تحديد مضمونها و حدودها.

إنالسيادة ما هي إلا مبدأ يتمتع بقيمة أعلى من القيمة الدستورية العادية، على أساس أن السيادة الوطنية لا تعدوا أن تكون جوهر الدولة ككيان مستقل بالنسبة للكيانات الدولية، دولا كانت أم منظمات و بعبارة أخرى، يقيم الفقه تدرجا بين قواعد الدستور بالنظر إلى تعلقها أو عدم تعلقها بالسيادة الوطنية التي يمتلكها الشعب، و يعطيها من ثم مكانة أعلى على غيرها من القواعد.بهدف الحيلولة بين السلطة التأسيسية المنشأة و بين أن تعدل قاعدة تتعلق بالسيادة الوطنية لأنها قواعد محصنة ضد التعديل، فالسلطة التأسيسية الأصلية فقط هي التي تملك الاختصاص بتعديل القواعد المتصلة بالسيادة الوطنية.

الفرع الثاني:مدى خضوع سلطة التعديل لقيود مستمدة من القانون الدولي
استند الفقه المنادي بالتزام سلطة التعديل باحترام قواعد القانون الدولي عند تدخلها بتعديل دستوري، إلى العديد من الحجج فقواعد القانون الدولي تستند في مجملها إلى قواعد القانون الطبيعي.
و يشير البعض إلى سمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما فيها الدستور، بالإسناد إلى طبيعة القانون الدولي ذاته.هذا القانون يلزم الدول في إطار المعاهدات بحقوق و واجبات لا تستطيع الدولة التخلص منها بطريقة غير مشروعة أو غير رضائية و من هنا فان إنكار سمو القانون الدولي لا يعني سوى إنكار وجوده من الأساس، و هو ما لم يقل به أحد من الفقه.فالمعاهدة بالنسبة لأطرافها لا تعدوا أن تكون دستورا ملزما، يتمتع بالسمو على ما عداه من قواعد خاصة بكل دولة دخلت طرفا فيها.فالدولة لا يمكن لها بحال أن تخالف قاعدة هذه المعاهدة، التي لا تكون لها قوة ملزمة إلا من خلال العديد من الإجراءات و القواعد المشتركة و ليس من خلال تصرفات انفرادية مثل قانون داخلي تصدره، حتى و إن كان ذا طبيعة دستورية و ليس مجرد قانون عادي.
كما أن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي تكرسه النصوص و المحاكم الدولية.

و يعلن بعض الفقه في ذات أن سمو القانون الدولي على الدستور الداخلي قد تم تأكيده بالفعل سواء في التحكيم الدولي أو القضاء الدولي، ففي قضية مونتيجو عام1875أرادت كولومبيا أن تتخلص من أحكام معاهدة أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أن أحكام دستورها تسمو على المعاهدة الدولية و هو ما لم تؤيده هيئة التحكيم.فالدولة لا يمكنها أن تهمل أو تخالف اتفاقا دوليا أبرمته مع دولة أخرى حتى و إن خالف دستورها الداخلي.

و خلاصة الرأي السابق و الذي يؤمن بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما في ذلك الدستور، و لا تستطيع سلطة التعديل أن تتبنى تعديلا يناقض مبادئ و قواعد القانون الدولي، لأن هذه القواعد تمثل قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة، بل إن هذه القيود تمثل قيدا على السلطة التأسيسية الأصلية نفسها، و ذلك إكمالا لمبدأ استمرار الدولة الذي يحول بين السلطة التأسيسية الأصلية و بين أن تتدخل بطريقة ترتب المسؤولية الدولية للدولة1.
و بالعودة للدساتير الجزائرية و موقفها من الرأي السابق نجد أن المشرع الدستوري في دستور1963يتطرق إلى مبدأ سمو المعاهدات على النصوص الدستورية، و إنما نص في المادة11على ما يلي:”توافق الجمهورية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنظم إلى كل منظمة دولية تستجيب لمطامح الشعب الجزائري و ذلك اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي”.
أما دستور1976فهو كذلك لم ينص على الموقف من المعاهدات الدولية التي تبرمها الجزائر و هل المعاهدة تكتسب قوة الدستور أو أعلى منه.فمن خلال الفصل السابع من نفس الدستور و المعنون بمبادئ السياسة الخارجية وضح المشرع الدستوري موقف الجزائر من المواثيق الدولية و منظمة الوحدة الإفريقية و الجامعة العربية1.

أما دستور1989، فقد كان واضحا في هذا الإطار حيث نصت المادة123منه على ما يلي:”المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون”.فمن خلال هذه المادة، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لا يعترف بسمو القانون الدولي على نصوص الدستور، و هو نفس الحال مع دستور1996.

من خلال ما تقدم، فان قواعد القانون الدولي لا تسمو في نظر المشرع الدستوري الجزائري على الدستور و لا تساويه، حتى بالنسبة للمعاهدات الملزمة للجزائر، و التي لا تعدو و أن تماثل في قوتها المجال بين الدستور و القانون العادي.فقواعد القانون الدولي لا تعد مرجعا للرقابة الدستورية، لأنها أدنى من الدستور و لا تعد من ثم قيدا من قيود التعديل الدستوري في الجزائر حيث لا تسمو عليه.

المبحث الرابع:الصياغة القانونية للتعديل الدستوري

ينبغي أن نميز في دراستنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بين ثلاث مفاهيم، أولها الكتابة القانونية، حيث يميزالفقيه”بهاتيا”بين ثلاثة أنواع من الكتابات القانونية هي الكتابة القانونية الأكاديمية و الكتابة القضائية و الكتابة التشريعية.
و تعني كلمة صاغ في اللغة العربية،”هيأ و رتب”، فيقال:”صاغ الكلام”بمعنى هيأه و رتبه.و يقال:”كلام حسن الصياغة”بمعنى”جيد و محكم”.و في الانجليزية يعبر عن كلمة صاغ بالفعلDraftو يقصد بهذه الكلمة في اللغة الانجليزية”شكل و هيأ”Compose, Prépare.
أما المفهوم الثاني فهو الصياغة القانونية، حيث ينطوي مفهومها على شقين رئيسيين، أحدهما متعلق بالشكل أو القالب، و الآخر يتعلق بالأسلوب اللغوي.
فمن حيث الشكل تختلف صياغة كل وثيقة قانونية عن غيرها من الوثائق أما الأسلوب اللغوي الذي تصاغ به كل الوثائق القانونية فهو لا يتغير و يقصد به تلك الخصائص و التراكيب اللغوية المستخدمة في كتابة الوثيقة القانونية.
و يصف الفقيه”ديكرسون”مفهوم الصياغة القانونية بالقانون الوقائي.
أما المفهوم الثالث فهو الصيغة التشريعية، فمن المنظور الضيق للمصطلح، بمعنى صياغة التشريعات، حيث أن هناك ثلاثة أنواع من التشريعات، هي الدستور، التشريع العادي، ثم التشريع الفرعي.

و من الشائع أن مصطلح التشريع يقصد به فحسب التشريع العام(الدستور، القوانين، اللوائح).

فالصياغة التشريعية ليست مجرد شكلا من أشكال الصياغة القانونية،إنما تعتبر أصعب من الصياغة القانونية بسبب تعقد المشكلات التي تتناولها و النزاعات التي تصاحب عملية تبني التشريعات، و عدم المعرفة الكافية بالجمهور الذي تسري عليه تلك التشريعات و صفة الدوام التي تميزها، و في عام1955أوضح”ديكرسون”أن الصياغة التشريعية هي أصعب شكل من أشكال الصياغة القانونية.و رغم أن المشكلات الأساسية في الصياغة التشريعية و الصياغة القانونية متماثلة، فان المشكلات التشريعية أكثر تعقيدا من الناحية الفنية، و أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية.

من خلال ما تقدم ندرس فيما يلي عناصر الصياغة القانونية و الصيغ الآمرة و بناء الجمل القانونية ثم نتطرق للوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.و سوف نتناول بالدراسة للدستور الجزائري لعام1996، حيث نحاول التمعن في نصوص الدستور و الملاحظات التي نخرج بها من خلال الأصول العامة للصياغة القانونية و هل توفرت في نصوص الدستور و هذا لا يمنع للإشارة إلى بعض نصوص دساتير1963و1976و1989و مدى توفر شروط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية.

المطلب الأول:عناصر الصياغة القانونية

يعد الفقيه كود من أوائل من كتبوا عن موضوع الصياغة القانونية حيث يقسم الصياغة القانونيةإلى المخاطب بالحكم القانوني(الفاعل القانوني)ثم الفعل القانوني ثم وصف الحالة.و نتناول هذه العناصر بالدراسة و التحليل.

الفرع الأول:المخاطب بالحكم القانوني(الفاعل القانوني)
يقصد بالفاعل القانوني، الشخص الذي يخول حقا أو امتياز سلطة أو يفرض عليه التزاما أو مسؤولية.و في رأي كود:”لا يمكن تخويل حق أو امتياز أو سلطة، و لا يمكن فرض أي التزام أو مسؤولية إلا على شيء ما”.و يعتبر الشخص الذي يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أن يفعل شيئا ما، أو يخضع لشيء ما، هو الفاعل القانوني.
و من المبادئ التقليدية في الصياغة القانونية أن يكون فاعل الجملة في صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع، حيث يقول الفقيه”مارتينيو”: “إن استخدام صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع أمر مهم لعدة أسباب هي ما يلي:
1-أن صيغة المفرد تجعل عملية التشريع أكثر بساطة لأنه لن يكون داع للقلق حول الانتقال العارض بين المفرد و الجمع في الأسماء أو الأفعال.
2-إن صيغة المفرد تخصص أثر الحكم المصاغ بحيث يسري ذلك الحكم على فرد بعينه بدلا من أن يسري على مجموعة مجهولة الهوية.
3-إن صيغة المفرد توضح أن الحكم يسري على كل فرد في الفئة التي يطبق عليها الحكم و ليس فقط الفئة كمجموعة منفصلة.”
و رغم أن العديد من الصائغين الماهرين قد تبنوا منذ أمد طويل استخدام صيغة المفرد فانه لا يزال هناك عدد من صائغي التشريعات يستخدمون صيغة الجمع.
و يشترط أيضا أن يكون الفاعل منفي، فمن الشائع أنه لحظر القيام بعمل ما يستخدم صيغة الفاعل المنفي و من أمثلة ذلك ما ينص عليه التعديل الدستوري الأمريكي الرابع حيث جاء فيه:”لا يجوز لأية ولاية أن تسن أو تطبق أي قانون ينتقص من الامتيازات و الحصانات الممنوحة مواطني الولايات المتحدة”.
و مثال الفاعل المنفي في دستور1996ما نصت عليه المادة42الفقرة الرابعة: “لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة…”1.
و يرى”ديكرسون”أن صيغة الفاعل المنفي، من الناحية الفنية، لا تعني سوى”ما من أحد عليه أن يفعل….”بينما يقصد من هذه الصيغة أن تعبر عن معنى:”يحظر على أي شخص أن يفعل…”.

و يقترح الفقيه”ديكرسون”استخدام صيغة”ما من أحد”للتعبير عن الحظر.حيث و استنادا لهذا الرأي يمكن تعديل الفقرة السابقة من المادة42من الدستور الجزائري لتصبح”ما من حزب سياسي أن يلجأ إلى الدعاية الحزبية….”.

و يفضل أيضا في الصياغة القانونية للتعديل الدستوري تجنب استخدام الصفات النكرة للفاعل إلا في حالات معينة ففي أغلب الأحوال، يجب استخدام أداة التنكير بدلا من استخدام الصفات النكرة مثل”أي”، أو”كل”أو”ما من شخص”و غالبا ما تستخدم الصفات النكرة السابقة الذكر في حين يكون الأصح هو استخدام أداة التنكير.
كما يجب تجنب وضع أداة التعريف”ألـ”قبل الفاعل المعرف، حيث تستخدم أداة التعريف قبل الاسم لتشير إلى شخص أو شيء سبق الإشارة إليه أو ذكره.إضافة إلى تجنب استخدام الضمائر، فقد يكون الفاعل في الجملة ضميرا، و في هذه الحالة يجب على الصائغ القانوني أن يتوخى الحرص بسبب احتمال حدوث غموض حول الاسم الذي يشير إليه الضمير و لننظر إلى الأمثلة التالية من دستور1996، حيث تنص المادة3على:”اللغة العربية هي اللغة الوطنية و الرسمية”و كذلك المادة3مكرر:”تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها و تطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني”.

بالإضافةإلى المادة7فقرة2تنص على:”يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها”1.

و من الأسباب التي أدت إلى الحاجة إلى تجنب استخدام الضمائر، هو وجود كلمات مميزة لكل جنس(ذكر و أنثى)و حتى الآونة الأخيرة كان الصائغون يستخدمون بشكل شبه دائم ضمير المذكر فقط للإشارة إلى الجنسين2، مالم يكن من غير الممكن أن يكون الفاعل مذكر، و فيما يلي بعض القواعد التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا الخصوص:
1.استخدام المصطلحات المحايدة من حيث الجنس.
2.تجنب استخدام الضمير تماما، و هو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري من خلال العديد من المواد التي تتضمن في محتواها ضمائر بالجملة.
3.تكرار استخدام الاسم بدلا من الضمير.
4.استخدام الضمير المحايد، عندما يكون الاسم السابق يشير إلى كيان قانوني مثلا البلدية، الولاية…و لكن إذا كان الاسم السابق لا يمكن أن يكون إلا بئرا، ففي هذه الحالة لا يمكن استخدام الضمير المحايد.

الفرع الثاني:الفعل القانوني
يعرف جورج كود الفعل القانوني بأنه:”ذلك الجزء من الجملة الذي يعبر عن حق أو امتياز أو سلطة أو التزام أو مسؤولية تخول أو تفرض على الفاعل القانوني، و الذي يقال فيه أن شخصا ما يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أو لا يجب عليه، أن يفعل أو لا يفعل أي تصرف، أو يخضع لفعل ما”.
و يرى الفقيه كود أن الفاعل القانوني و الفعل القانوني الكامل هما العنصران الجوهريان لكل جملة قانونية، و بدونهما لا يمكن كتابة أي قانون، و حتى يومنا هذا لا يزال رأي كود صحيحا إلى حد كبير.و لننظر إلى المثال التالي من دستور1996حيث تنص المادة101فقرة3على ما يلي:

أما عن زمن الفعل القانوني فيرى الفقيه كود أن استخدام زمن المضارع البسيط في صياغة التشريعات يحقق ميزتين رئيسيتين، هما:
1/تفادي الحاجة إلى استخدام تراكيب معقدة جدا عند توضيح الحالات و الشروط التي يسري فيها الفعل القانوني، و هو ما يحدث غالبا في التراكيب الشرطية، و ما تتضمنه من استخدام أزمنة المستقبل، و المستقبل التام، و الماضي.
2/يقتصر استخدام زمن المضارع البسيط على الوقائع بينما تخصص صيغة”يجب”للتعبير عن الالتزامات القانونية فقط.
ومن المزايا الأخرى لاستخدام زمن المضارع البسيط في الصياغة القانونية أنه يجعل من السهل على القارئ فهم التشريع الأساسي(الدستور)أو القاعدة لأنه لا تكون هناك حاجة للانتقال الذهني من صيغة المضارع إلى صيغة المستقبل، كما أن استخدام زمن المضارع سيجعل التشريع أو القاعدة أقصر لأنها ستستخدم كلمات أقل من صيغة المستقبل.و في معظم الحالات يمكن تفادي استخدام الفعل في زمن الماضي أو المستقبل.

و لا يميل الصائغ القانوني عادةإلى استخدام زمن الماضي في اللغة القانونية لكنه يتعرض لإغراء شديد لاستخدام زمن المستقبل، و من الطبيعي أن يفكر الصائغ القانوني من منظور المستقبل لأن كل ما يكتب اليوم لن يؤثر إلا عل أحداث تقع في المستقبل، و حتى إذا كان الصائغ يفكر من منظور الإجراء الذي ستتخذه الجهة الوصية، فانه عندما تتصرف تلك الجهة فإنها ستفعل ذلك في يوم معين لتنظيم أفعال في المستقبل بعد ذلك اليوم و لا يعد استخدام زمن المستقبل أمرا صحيحا لأنه يتجاهل المبدأ الأساسي و هو أن التشريع حسب نوعه دائما يتحدث في الوقت الذي يطبق فيه على وقائع محددة.و بالنسبة للتشريع فان ذلك الوقت هو دائما”الآن”لأي حكم نافذ.

و عندما يضع القانون أو الدستور شرطا لتحقق الحكم القانوني فانه لا داعي لاستخدام أزمنة متعددة لتوضيح هذا المعنى.
و من بين المبادئ الهامة في الصياغة القانونية استخدام صيغة المبني للمعلوم و يعد استخدام هذه الصيغة أساسيا مالم تكن هذه الصيغة غير ملائمة لكن لماذا يعتبر استخدام المبني للمعلوم أمرا مهما في الصياغة القانونية؟ الإجابة تتمثل في أن صيغة المبني للمعلوم تحقق مزايا من بينها تحديد الفاعل القانوني و إجبار الصائغ القانوني على أن يدرس الفعل في الجملة الذي ينشئ الميزة أو العبء، أما الميزة الأخيرة فهي أن استخدام صيغة المبني للمعلوم عادة، تكون فيها الكلمات أقل من صيغة المبني للمجهول.

كما يجب على الصائغ القانوني استخدام صيغة الإيجاب بدلا من النفي، بقدر الإمكان.و هناك كلمات تسبقها مقاطع بادئة تفيد معنى النفي بطبيعتها مثال ذلك:ينكر، يحرم، يرفض، يحظر و يوضح الفقيه”ويديك”و يديك أن استخدام صيغة النفي بينما يمكن استخدام صيغة الإيجاب يتضمن عادة استخدام النفي المتعددة و يعني ذلك استخدام أداة النفي”لا”قبل كلمة تفيد معنى النفي بطبيعتها و من أمثلة ذلك المادة13من الدستور الجزائري لعام1996حيث تنص: “لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني”.1

الفرع الثالث:وصف الحالة
نادرا ما يسري الحكم القانوني على جميع الأوضاع و الظروف، وإنما يسري الحكم القانوني عادة على حالة معينة.و يعتبر تحديد هذه الحالة و إدراجها في الحكم القانوني جانبا هاما من عمل الصائغ القانوني.
و يقصد بالحالة الظروف التي ينطبق عليها الحكم و التي عند التعبير عنها بوضوح في الجملة تجعل القانون أكثر وضوحا و دقة.و من أمثلة ذلك ما نص عليه المشرع الدستوري في نص المادة51من دستور1963حيث جاء فيها ما يلي: “إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها فان رئيس المجلس الوطني يتول إصدارها”.
فمن خلال هذه المادة، توضح عبارة”إذ لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها”، الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى عدم إصدار القوانين من طرف رئيس الجمهورية.و بعبارة أخرى فانه في حالة عدم وجود هذه الظروف، لن يتول المجلس الوطني إصدار القوانين.

و تنص المادة117من الدستور الجزائري لعام1976المعدلة بالقانون79-06و المتضمن التعديل الدستوري على ما يلي:”إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير مزمن، تجتمع اللجنة المركزية للحزب وجوبا، و بعد التأكد من حقيقة هذا المانع…”.

و تنص المادة82من دستور1996على ما يلي: “إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني، ينحل وجوبا…”.
من خلال النصوص الدستورية السالفة الذكر فان الحالة في تلك المواد تعبر عن خلفية جوهرية أو سياقا للأوضاع التي تسري فيها الحكم القانوني، و من ثم يساعد على تحديد الأوضاع و الحالات التي يكون فيها الحكم القانوني نافذا و لا يتم التعبير عن الحالة إلا عندما يكون أداء الفعل القانوني مقصورا على ظروف معينة.

و للتعبير عن الحالة تستخدم صيغة”إذ”في اللغة القانونية، بصيغة رئيسية لوصف الحالة.و عبارة”متى”فالأصل في هذه الأخيرة أنها أداة شرط للزمان غير جازمة و تستخدم”متى”أيضا لوصف الحالة.

إضافةإلى عبارة”في حالة”فهي تستخدم لوصف الحالة في الحكم القانوني خاصة قبل العبارة الاسمية.و مثال ذلك نص المادة88فقرة3من دستور1996حيث تنص على ما يلي: “…..و في حالة استمرار المانع بعد(45)يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه….”و تضيف الفقرة الرابعة من نفس المادة على:”….و في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية….”.

و مما سبق فانه من الأفضل لوصف الحالة في نصوص الدستور و اللغة القانونية بصفة عامة، استخدام صيغة”إذ”، و ينصح الفقيه كود بضرورة التعبير عن الحالة في بداية الجملة لأن كتابة حكم يوحي بأن تطبيقه سيكون عاما ثم تقييد هذا الحكم بعبارات مقيدة للمعنى أو عبارات شرطية من شأنه أن يضلل القارئ، إذ أن القارئ لن يكتشف إلا في نهاية المادة ما إذا كان هذا الحكم واجب التطبيق أم لا، و إذا اكتشف أن الحكم غير واجب التطبيق فانه سيكون قد أضاع وقته و يقول كود: “كلما كان المقصود من القانون ألا يسري إلا في ظروف معينة، فان هذه الظروف يجب وصفها قبل التعبير عن أي جزء آخر من التشريع”.و يضيف كود: “لو أن هذه القاعدة قد روعيت لأمكن تجنب تسعة أعشار العبارات الشرطية و العبارات المقيدة للمعنى التي تشوه القانون”.

و يلتزم كل الصائغين القانونيين تقريبا و منهم الصائغ و المشرع الجزائريينبهذه القاعدة العامة، غير أنه شأن كل قاعدة عامة هناك استثناءات لتلك القاعدة و مثال ذلك نص المادة93من دستور1996و التي تنص على ما يلي: “يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها….”.
كما تتضمن نصوص الدستور و القانون بصفة عامة صيغ الشرط و يقصد بهذه الأخيرة الأوضاع التي يجب تحقيقها قبل أن يصبح الحكم القانوني نافذا و يتم التعبير عن الشرط في اللغة القانونية بالأدوات التالية:
صيغة الجملة الشرطية إذا.
صيغة التقييد الشرطي اللاحق”بشرط أن”،”شريطة أن”،”على أن”.
صيغة”رهنا بـ”.
صيغة الشرط المنفي”مالم”.

و في هذاالإطار تنص المادة169من دستور1996على ما يلي: “إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري،يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس”.و يمكن تحليل عناصر هذه المادة على النحو التالي:

الحالة:إذا ارتأى المجلس الدستوري.
الشرط:أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري.
الفاعل القانوني:المجلس الدستوري.
الفعل القانوني:يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.1

المطلب الثاني:الصيغ الآمرة و بناء الحملة القانونية

يقصد بالصيغ الآمرة الصيغ التي تستخدم في الوثائق القانونية و من بينها الدساتير، لتحديد الواجبات و فرض الالتزامات و خطر القيام بأعمال معينة و تخويل السلطة التقديرية و منح الحقوق و الاختصاصات.أما بناء الجملة القانونية فتتسم في الأغلب، بالطول المبالغ فيه مع ما يتطلبه ذلك من استخدام تراكيب معقدة.

الفرع الأول:الصيغ الآمرة
من المهم دراسة هذه الصيغ لمعرفة القواعد الصحيحة لاستخدامها و تجنب الاستخدامات الشائعة الخاطئة لها و سوف نناقش فيما يلي هذه الصيغ حسب وظائفها في الدساتير الجزائرية، و بصفة عامة فان صيغالإلزام في اللغة العربية تشمل ما يلي:
صيغة”يجب على فلان أن يفعل”.
صيغة”يلتزم فلان بأن يفعل”أو”فلان ملزم بأن يفعل”.
صيغة”يتعهد فلان بأن يفعل”.
صيغة”يتعين(ينبغي)على فلان أن يفعل”.
صيغة”يفعل فلان”.
و من أمثلة ما تقدم من الصيغ نص المادة40من دستور1963حيث جاء فيها يلي: “يؤدي رئيس الجمهورية قبل مباشرته لمهام وظيفته القسم أمام المجلس الوطني بالعبارات التالية…”1.
و تنص المادة75من دستور1976على ما يلي: “يجب علىكل مواطن أن يحمي بعمله و سلوكه، الملكية العمومية و مصالح المجموعة الوطنية،و يحترممكتسبات الثورة الاشتراكية،و يعملحسب مقدرته لرفع مستوى معيشة الشعب”2.و في هذا الإطار أيضا تنص المادة63من دستور1989على ما يلي: “يجب علىكل مواطن أن يحمي الملكية العامة، و مصالح المجموعة الوطنية و يحترمملكية الغير”.
و تنص المادة72من دستور1996: “يمارس رئيس الجمهورية السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور”.
و تتضمن أيضا الصيغ الآمرة، صيغ منح و إبطال السلطة التقديرية و يقصد بها تحويل الفاعل القانوني حرية التصرف في أن يؤدي الفعل القانوني أو لا يؤديه.و تستخدم في اللغة القانونية بصفة عامة الصيغ التالية:
1-يجوز لفلان أن يفعل.
2-مسموح لفلان أن يفعل.
3-فلان حر في أن يفعل.
4-لفلان أن يفعل.
و تعتبر صيغة”يجوز لفلان أن يفعل”أكثر الصيغ شيوعا و أكثرها دقة.و فيما يلي أمثلة على صيغ منح السلطة التقديرية في الدستور الجزائري لعام1996:
-نص المادة7فقرة4: “لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة”.
-نص المادة84فقرة4: “للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا….”.
-نص المادة116فقرة3: “يجوز للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة أن يعقدا جلسات مغلقة بطلب من رئيسها، أو من أغلبية أعضائهما الحاضرين أو بطلب من الوزير الأول”.
و من الصيغ الآمرة نجد أيضا صيغ الحظر و مثال ذلك نص المادة التاسعة من دستور1996حيث جاء فيها: “لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي:
-الممارسات الإقطاعية، و الجهوية، و المحسوبية،….”.و هناك صيغ للحظر نذكر منها صيغة”محظور”،”ليس”،”غير مسموح”،”يمتنع على”،”يمتنع”.و مسألة اختيار الصيغ المذكورة تتعلق بالملائمة مع السياق أكثر مما يتعلق بالمعنى.و تعتبر صيغة”لا يجوز”أنسب هذه الصيغ عندما لا يكون الفاعل محددا في الجملة.
بالإضافةإلى الصيغ المذكورة أعلاه نجد صيغ تخويل السلطة و الاختصاص و صيغ الاشتراط.و من أمثلة صيغ تخويل السلطة و الاختصاص ما تنص عليه المادة77من دستور1996حيث جاء فيها: “يضطلع رئيس، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات و الصلاحيات الآتية….”1.
أما عن صيغ الاشتراط فهي التي تفيد أن هناك متطلبا ما ينبغي تلبيته، قبل تحقق الفعل القانوني.و من أمثلة ذلك صيغة”يشترط فيمن يفعل أن يكون….”.

و فيما يلي نحاول تسليط الضوء على الاستخدامات الشائعة الغامضة للصيغ الآمرة.

و من بين الصيغ الغامضة لاستخدام الصيغ الآمرة، صيغة”لفلان أن يفعل”، فالأصل في استخدام هذه الصيغة هو أنها تخول للفاعل سلطة تقديرية لتنفيذ الفعل القانوني من عدمه، و بعبارة أخرى فان صيغة”لفلان أن يفعل”ما هي إلا صيغة مختصرة”يجوز لفلان أن يفعل”كما في المثال التالي:
المادة126فقرة2من دستور1976: “للمجلس الشعبي الوطني في نطاق اختصاصاته، سلطة التشريع بكامل السيادة….”
و في المثال المذكور أعلاه، تعني عبارة”للمجلس الشعبي الوطني”تخويل المجلس سلطة التشريع و من ثم يجوز للمجلس الشعبي الوطني التشريع في كل الحالات.
لكن هذه الصيغة يعتريها الغموض في كثير من الأحيان، و تفسر بمعاني مختلفة قدتخرج عن المعنى المراد من استخداماتها و كثير ما يساء استخدام هذه الصيغة لتشير إلى إعطاء حق، و ليس سلطة تقديرية للفاعل ومن أمثلة ذلك ما يلي:
المادة50من دستور1996: “لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ”.
المادة55: “لكل المواطنين الحق في العمل….”
و في المثال الأول:تعني هذه الصيغة أن للمواطن الحق في أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ، و ليس مجرد أن المواطن له حرية التصرف في يَنتَخِبْ و يُنتَخَب أو العكس.
و تكمن المشكلة الرئيسية في استخدام صيغة”لفلان أن يفعل”في أنها يمكن أن تفسر لمعاني مختلفة عن المعنى الذي قصده المشرع الدستوري كما في المثال التالي:
المادة84من دستور1996فقرة4: “للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة و في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته”.
إنهذه الفقرة لا يمكن تفسيرها، وفقا للمعنى الشائع لصيغة”لفلان أن يفعل”، على أن الوزير الأول حر في أن يطلب أو لا يطلب تصويتا بالثقة.و إنما المقصود هنا هو أن الوزير الأول مختص وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة.و إذا أعدنا صياغة الفقرة السابقة من المادة84على النحو التالي:
– “يختص الوزير الأول وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة من طرف المجلس الشعبي الوطني…”.
فأي الصياغتين أوضح؟إن مقارنة بين الصياغتين السابقتين تقودنا إلى مقارنة صيغة”لفلان أن يفعل”المستخدمة في المادة84السابقة، بصياغة المادة137من دستور1989و التي تنص على ما يلي:
“يختص القضاة بإصدار الأحكام….”

و كما نلاحظ من صياغة المادة137المذكورة أعلاه، استخدمت صيغة”يختص”لتفيد الاختصاص و لا نظن أن أحدا يمكن أن يساوره الشك حول المعنى المراد التعبير عنه في هذه المادة.

و في المثال التالي استخدمت صيغة”لفلان أن يفعل”:
المادة124فقرة1: “لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، أو بين دورتي البرلمان…”.
و في المثال دلالة قاطعة على أن لصيغة”لفلان أن يفعل”و بالتالي يكون أمامنا خياران، الأول تفسيرها بمعنى حق رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.
و الثاني، تفسيرها حسب معناها المتعارف عليه و هو إعطاء الفاعل السلطة التقديرية لأداء الفعل.و سواء فسرناها حسب التفسير الأول أو الثاني يكون المعنى أن”لرئيس الجمهورية الحرية في أن يشرع أو لا يشرع بأوامر”.و بالطبع لا يمكن قبول هذا التفسير، و إنما المعنى المقصود هنا هو أن رئيس الجمهورية يتولى التشريع بأوامر و بعبارة أخرى، فان الحكم القانوني المنصوص عليه هنا هو تقدير قاعدة و ليس إعطاء سلطة تقديرية للفاعل(رئيس الجمهورية).

و يرى الفقهاء أن صيغة”لفلان أن يفعل”صيغة مبهمة، و من الأفضل عدم الإسراف في استخدامها لأنها قد تحمل أكثر من دلالة و بالتالي تثير الغموض حول المقصود منها.و نظرا لعدم وضوح هذه الصيغة فإنها تؤدي إلى توريط الصائغ القانوني في استخدامها في غير المقصود منها.و إذا كان الغرض من استخدام هذه الصيغة هو إعطاء سلطة تقديرية للمخاطب بالحكم القانوني فان صيغة”يجوز لفلان أن يفعل”تؤدي هذا الغرض بكفاءة كبيرة و بوضوح تام.و إذا كان المقصود منها هو تخويل الحق أو الاختصاص من الأفضل تحديد ذلك بصراحة، كما في صيغة”لفلان الحق في”أو”يختص فلان بعمل”، و لا داعي إطلاقا لاستبدال صيغة واضحة بصيغة مبهمة.

الفرع الثاني:بناء الجملة القانونية
يمكن تلخيص السمات التي تميز الجملة القانونية في الأغلب الأعم، فيما يلي:
طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه و اعتمادها دائما على تراكيب معقدة.
التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجملة العادية، عادة، بجوار بعضها البعض على سبيل المثال التباعد بين الفاعل و الفعل.
استخدام العبارات المقيدة للمعنى بشكل مفرط لتقييد أجزاء معينة في الجملة، أو لتقييد الجملة كلها.
ازدحام الجملة عادة بتفاصيل تجعل من الصعب اختراقها و التوصلإلى العلاقات بين أجزائها.
و يتضح لنا ذلك من المثال التالي:

المادة95من دستور1996: “إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسبما نصت الترتيبات الملائمة لميثاق الأمم المتحدة، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء و الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن و استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة…”.

و إذا نظرنا إلى المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أنها تندرج تحت ما يسمى بالجملة المعقدة، و في هذا النوع من الجمل تكون هناك عبارة تابعة و عبارة رئيسية.و تقوم العبارة التابعة بدور إعطاء معلومات حول العبارة الرئيسية و عادة ما تبدأ بأداة إسناد، و يمكن وضع العبارة التابعة قبل العبارة الرئيسية أو بعدها أو حتى في داخلها.
و إذا نظرنا في المثال المذكور أعلاه فإننا نتوقع أن تكون لدينا عبارة تابعة(فعل الشرط)تبدأ بأداة الشرط”إذا”، و عبارة رئيسية(جواب الشرط).و يوضح الشكل التالي بناء الجملة الشرطية:
إذا+فعل الشرط←جواب الشرط

و لشرح ذلك نورد المثال التالي:

المادة176من دستور1996: “إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية و علل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع(3/4)أصوات غرفتي البرلمان”.
إنأول ما نلاحظه في المادة المذكورة أعلاه هو أننا لا نستطيع التعرف بسهولة على الأجزاء الرئيسية للمادة(أداة الشرط:فعل الشرط، جواب الشرط)بسبب تباعدها عن بعضها البعض.
و السؤال المطروح لماذا تتباعد الأجزاء الرئيسية للجملة عن بعضها البعض؟

و الإجابة ببساطة هي بسبب إدخال العبارات المقيدة للمعنى فيما بينها لتقييد معاني أجزاء معينة في الجملة، و إذا قمنا بإحصاء عدد العبارات المقيدة في المادة95السالفة الذكر، فإننا نجد عددها4عبارات:

1-يعلن رئيس الجمهورية الحرب.
2-بعد اجتماع مجلس الوزراء.
3-الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن.
4-استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة.
و هو نفس الحال الذي ينطبق على المادة176.

فتعقد بناء الجملة القانونية ليس هو ناتج عن التركيبة المعقدة التي تستخدم في بناء الجملة، و إنما التفاصيل المفرطة التي تزدحم بها الجملة و التي تستخدم لتقييد أجزاء معينة في الجملة كما سبق أن وضحنا و الأمثلة على ذلك كثيرة في الدستور الجزائري لعام1996و الدساتير الجزائرية السابقة.

و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كل من أسلوب الإسناد و أسلوب العطف معا في نفس الجملة القانونية و مثال ذلك:
المادة134من دستور1996: “يمكن أعضاء البرلمان أن يوجهوا أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة.
و يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا، خلال أجل أقصاه ثلاثون(30)يوما.
و تتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس.

إذارأت أي من الغرفتين أن جواب عضو الحكومة شفويا كان أو كتابيا يبرر إجراء مناقشة، تجري المناقشة حسب الشروط التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، تنشر الأسئلة و الأجوبة طبقا للشروط التي يخضع لهل نشر محاضر مناقشات البرلمان.”

مما سبق يتضح لنا أن هناك ثلاثة أساليب رئيسية تستخدم في بناء الحملة القانونية و تؤدي إلى تعقد بناءها، و هذه الأساليب هي:الإسناد و العطف و الفصل بين الجزاء الرئيسية للجملة، لكن ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، و تجعل الجملة القانونية تبدو في أغلب استعمالاتها لاسيما في الدستور بهذا التعقيد؟
يمكن تلخيص السباب التي تكمن وراء ذلك إلى:

1.صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريعأيا كان نوعه، و على حد قول”دريدجر”: “إن الحاجة إلى سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا و من الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف”.

و على سبيل المثال فان الدستور الجزائري لعام1996تكلم عن عدد من النقاط من بينها أن الدستور أوجد المحكمة العليا للدولة و هذا ما نصت عليه المادة158و التي تحاسب رئيس الجمهورية و شخصيات عليا، و نصت على أن يحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها، و السؤال المطروح أين هو القانون العضوي الذي تتحدث عنه المادة، و من يملك السلطة لمحاكمة رئيس الجمهورية؟

و أوجد الدستور أيضا رقابة المجلس الشعبي الوطني للميزانية عن كل سنة مالية(المادة120فقرة سابعة).

فما الفائدة أن نورد أحكاما في الدستور و لا نعمل بها في نهاية المطاف و كان من الأفضل استبعادها.1
2.اختلاف جمهور اللغة القانونية:يصاغ التشريع حسب نوعه لعلاج مشكلة قائمة أو لتجنب حدوث مشاكل محتملة.و قد تطرح فكرة التشريع من الفئة المهمة بموضوعه و قد تطرح الفكرة من الحكومة أو من البرلمان و عند إقرار الدستور يحال الأمر إلى المختصين بالصياغة القانونية ثم يعرض على الأحزاب و المنظمات المدنية لشرح مضمون الدستور، مثل ما حدث مع دستور1996حيث قامت مجموعة من الأساتذة في القانون و ذوي الاختصاص بشرح أهداف و مضامين دستور1996و منهم الدكتور رزق الله العربي بن مهيدي عميد كلية الحقوق و العلوم الاجتماعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط.

3.التقاليد المتوارثة في الصياغة القانونية:توارث صائغو اللغة القانونية على مر العصور عادات معينة في صياغة الدساتير أصبحت تمثل لهم طوقا يصعب الخروج منه و من بين الموروثات في مجال الصياغة القانونية، عادة الحرص على أن تكون الجملة مكتفية ذاتيا، و من هنا يحرص أغلب إن لم نقل كل الصائغين على أن تحتوي الجملة القانونية بداخلها على كل ما يتصل بها، بحيث تضم بداخلها ككل ما يلزمها، و من هنا نشأت عادة تقييد معاني أجزاء الجملة في داخل نفس الجملة، و أيضا حشو الجملة بكل التفاصيل التي تتعلق بها.

5.سوء الصياغة:تنشأ أحيانا، التركيبة المعقدة للجملة القانونية بسبب سوء الصياغة و ننظر إلى المثال التالي على تعقد بناء الجملة القانونية:
المادة42من دستور1996: “حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون و لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية و القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، و الوحدة الوطنية و أمن التراب الوطني و سلامته، و استقلال البلاد، و سيادة الشعب، و كذا الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.

و في ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي…..

و لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
يحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون”.
هذه المادة جاءت بالكثير من التقييد في المعنى للفاعل القانوني ألا و هو الحزب السياسي و كان يمكن التغلب على سوء الصياغة، ببساطة باللجوءإلى التبنيد لتصبح المادة كما يلي:
“حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون.

لا يمكن التذرع بهذا الحق للمساس بـ:
الحريات الأساسية.
القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية.
الوحدة الوطنية.
أمن التراب الوطني.
سلامة و استقلال البلاد.
سيادة الشعب.
الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.

و في ظل احترام أحكام هذا الدستور يحظر على الأحزاب السياسية ما يلي:

1.تأسيس الحزب السياسي على أساس ديني، لغوي، عرقي، جنسي، مهني، جهوي.
2.اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر السابقة.
3.كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
4.استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
تحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون”.

و كما نلاحظ، فانه دون أدنى شك، أصبحت المادة الآن أكثر وضوحا و أقلإجهادا لذهن القارئ و كل ما حدث هو أن المادة قد نظمت بشكل جيد دون إجراء أي حذف أو إضافة كبيرة عليها.

أما عن الأساليب المستخدمة في بناء الجمل القانونية و القواعد الدستورية فإننا نجد الربط و الإسناد حيث أنه يقصد بالأول ربط أجزاء الجملة باستخدام أدوات الربط وهي حرف العطف”و”و حرف”أو”و عبارة”ولكن”.أما الثاني(الإسناد)فيقصد به استخدام جملة تابعة لإضافة معلومات إلى جملة أخرى داخل الجملة الرئيسية.

و يميل الصائغ القانوني إلى الاستخدام المفرط لهذه الأساليب داخل الجملة نفسها، كما يفعل ذلك بشكل متكرر يكون في كل الحالات التي يستخدمها و هذا تحديدا هو وجه الغرابة في استخدام هذه الأساليب و ليس استخدامها في حد ذاته هو الأمر الغريب.و هو الأمر بالنسبة للمادة السالفة الذكر.

أما الأسلوب الثاني الذي يجب أن تتسم به الجملة القانونية عموما و القاعدة الدستورية خصوصا هو أسلوب التوازي و التراكيب المتوازنة، و الكلمات التكرارية التركيبية.
و يقصد بالتوازي استخدام تركيبة مماثلة لتركيبة سابقة في الجملة.بمعنى تكرار كلمات شبيهة بنفس الترتيب الذي وردت فيه من قبل في الجملة.

و يقصد بالتوازي استخدام مجموعات من الكلمات متساوية في العدد أولها نفس الطول تقريبا.

و يقصد بالكلمات التكرارية التركيبية، تكرار أول كلمة في التركيبة المكررة في قالب متوازي أو متوازن.
و يلجأ الصائغون القانونيون مرارا و تكرارا إلى استخدام الأساليب السابقة لتوضيح المعنى في الجملة القانونية، خاصة عندما تحتوي الجملة على تفاصيل كثيرة و بدون استخدام هذه الأساليب تصبح الجملة صعبة الفهم.
و من بين أصول حسن صياغة القواعد القانونية و الدستورية، يمكن حصرها فيما يلي:
1-تخصيص جملة لكل فكرة و لا تخصص أكثر من فكرة للجملة الواحدة.
2-استخدام الجمل القصيرة و متوسطة الطول حيث يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو20كلمة في الجملة.و بالنسبة للصائغين القانونيين، يمكن أن يتراوح هذا الرقم من20إلى25كلمة في الجملة.و رغم أن تنويع طول الجملة مطلوب لتفادي الإحساس بالرقابة و الممل فانه حتى أطول الجمل يجب ألا تزيد عن35كلمة.
3-استخدام التوازي و التوازن و الكلمات التكرارية التركيبية.
4-البدء بالفعل.
5-وضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان.
6-استخدام المبني للمعلوم.1

وإذا أردنا إسقاط مثل هذه المسائل على الوثيقة الدستورية لعام1996، نجد أن هناك في بعض مواد الدستور صياغات طويلة، منها صياغة المادة88من الدستور و التي تتكلم حول حالة الشغور، فالمشرع الجزائري حاول أن يضبط هذه المادة، حيث أنها تشمل حوالي صفحة و نصف من الدستور و هذا خلاف أحكام الدستور التي ينبغي أن تكون مقتضبة جدا و تؤدي المعنى.هذه المادة مع الأسف من حيث المضمون الذي اعتمدته تشمل تناقضات كثيرة، منها أنه في حالة المرض المزمن الذي يشمل رئيس الجمهورية فهنا لدينا مرض مزمن و قد يكون هذا المرض لا يحول دون ممارسة المهام و لدينا أيضا مرض مزمن يمكن أن يحول دون ممارسة مهام رئيس الجمهورية.

مهما يكن من أمر المسألة التي تطلبت أنه ينبغي على المجلس الدستوري أن يتثبت من الأمر بالإجماع، فكيف نعلق أمر توجد فيه شهادة طبية و وثائق رسمية تقول أن شخص رئيس الجمهورية يستحيل عليه ممارسة مهامه –بإجماع المجلس الدستوري، و ناحية ثانية نعلقها بموافقة2/3أعضاء البرلمان، فالشهادة الطبية كافية وحدها دون أن نعلق الأمر لا بإجماع المجلس الدستوري و لا بالنسبة لأعضاء البرلمان.

ثم في اشتراط المدة الزمنية فالنص يميز بين أمرين الشغور المترتب عن المرض المزمن و الذي علقه الدستور لـ45يوما و بين الاستقالة المرتبطة بـ60يوما فما هو المعيار بين45يوما و60يوما؟ الجواب لا شيء، لماذا المرض المزمن45يوما، و الاستقالة60يوما، لابد أن تكون هناك مبررات موضوعية لحل هذا الإشكال و ليس هناك أي مبرر يمكن أن نستمده من نص المادة.

ثمإن نص المادة88في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ثم الشغور المرتبط بالشغور، و الشغور المرتبط بشغور الشغور.فدخلنا في فرضيات لا علاقة لها و كان يمكن حل هذه المسألة عن طريق إحدى الوسيلتين:
تعيين نائب الرئيس.
في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الأمة المنصب، و في حالة شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى رئيس المجلس الدستوري المنصب1.

المطلب الثالث:الوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم

يجب على الصائغ القانوني مراعاة الوضوح في صياغة القوانين بصفة عامة و التعديل الدستوري بصفة خاصة.إضافة إلى انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.

الفرع الأول:الوضوح
يساعد الوضوح في الصياغة القانونية بصفة عامةعلى إزالة الالتباس و الغموض و هناك عدة اعتبارات عامة ينبغي مراعاتها في هذا الخصوص، و تتمثل فيما يلي:
الكلمة ليس لها معنى في حد ذاتها و إنما تستمد معناها من السياق الذي توجد فيه.
يكون المفهوم غامضا إذا ترك مجالا، في سياق معين، مفتوحا بشكل واسع جدا بحيث يصعب معه تحديد معنى دقيق للكلمة.
يجب أن تتطابق النية الذاتية للمتحدث مع المعنى الموضوعي للكلمة أو العبارة المستخدمة في السياق.
إذاحاولت النية الذاتية التعبير عن معنيين موضوعيين – أي التوصل إلى حد وسط-يمكن ينشأ الغموض.و من أمثلة ذلك أن يحاول الصائغ القانوني، التوفيق بين معنيين، فيستخدم كلمة تعني كلا المعنيين.

إنما يمكن حذفه في بعض السياقات، لا يمكن حذفه في سياقات أخرى حتى لا يتأثر وضوح النص.

إنالبساطة لا تعني دائما الوضوح.
و ينشأ الغموضمن استخدام الكلمات التي ليس لها حدود معينة، و من ثمة، تتيح الاختيار حول درجة هذه الحدود و نطاقها.و كقاعدة عامة ينبغي تجنب استخدام الكلمات الغامضة في الصياغة القانونية لأنها تؤدي إلى حدوث تأويلات.
و كذلك قد يحدث الالتباس عند استخدام كلمة لها مدلولين أو أكثر في سياق يتعذر معرفة المعنى المقصود من الكلمة، و ينشأ هذا النوع من الالتباس ليس بسبب المعاني المتعددة للكلمة و إنما لأن الكلمة أستخدمت في سياق من غير الواضح فيه المعنى المقصود منها.
و قد تؤدي طريقة ترتيب الكلمات داخل الجملة إلى احتمال تفسير الجملة بطريقتين أو أكثر.و لقد كتب وليام كوبيت عن ذلك سنة1818قائلا: “من بين كل الأخطاء في الكتابة، يعد وضع الكلمات في أماكن خاطئة من أكثر الأخطاء شيوعا، و ربما يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من سوء الفهم”و في الصياغة القانونية كثيرا ما ينشأ الالتباس نتيجة وضع العبارات المقيدة للمعنى في أماكن خاطئة في الجملة.

و قد ينشأ الالتباس نتيجة استخدام واو العطف أو التخيير”أو”للربط بين اسمين تستخدم معهما صفة واحدة.و من الأفضل في هذه الحالة أن يوضح الصائغ القانوني المعنى الذي يقصده.

و قد تكون الكلمات نفسها المستخدمة في الوثيقة القانونية واضحة تماما في مظهرها و لكن عندما يتم الكشف عن حقائق أخرى، يظهر لبس في المعنى و يطلق على ذلك النوع من الالتباس السياقي بسبب إما تضارب داخلي أو خارجي، و يحدث الالتباس الداخلي عندما يتناقض حكم في الوثيقة القانونية م حكم آخر في نفس الوثيقة.و مثال ذلك التنسيق بين نص المادة165و التنسيق بين المادة168.فنص المادة165ينص على أن المجلس الدستوري له أن يعلق إما بقرار أو برأي، برأي هو السابق و بقرار هو اللاحق.لكن نص المادة168يتكلم على الرقابة السابقة فقط.و لذلك لابد أن تكون إحالة بين هذه المادة و غيرها من المواد.1

الفرع الثاني:انتقاء الكلمات
تستخدم في اللغة القانونية بشكل متكرر كلمات و تعبيرات غير مألوفة، و يمكن استبدال هذه الكلمات و التعبيرات بكلمات و تعبيرات أكثر بساطة تؤدي إلى تحسين وضوح المعنى دون تغييره و لأن الكلمات المستخدمة في الوثيقة القانونية الغرض منها هو نقل معنى معين فانه يجب ألا تترك هذه الكلمات أي شك حول المعنى المقصود منها.
و ينصح فقهاء الصياغة القانونية باستخدام الكلمات المألوفة بدلا من الكلمات الغريبة و الكلمات الملموسة بدلا من الكلمات المجردة و الكلمات المفردة بدلا من الكلمات المركبة، و الكلمات القصيرة بدلا من الكلمات الطويلة و من الأفضل أيضا استخدام الكلمات الأصلية في اللغة القانونية –و خصوصا في الوثيقة الدستورية-بدلا من الكلمات المستعارة أو المعربة، و الكلمات البسيطة بدلا من الصعبة، و المعاصرة بدلا من الكلمات القديمة المهجورة، و فيما يلي بعض الإرشادات في هذا الصدد:

أولا:استخدام الكلمات و العبارات الطبيعية المألوفة بدلا من الغريبة:
يجب على الصائغ القانوني أن يستخدم الكلمات حسب معناها العادي و الطبيعي حتى يتأكد من أن القارئ سيفهم منها المعنى الدقيق الذي أراد الصائغ نقلهإليه.و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كلمة أو عبارة فنية يقتضيها السياق.و هنا ليس هناك حرج على الإطلاق في اللجوء إلى أسلوب الملاحظات الهامشية لشرح معنى المصطلح الفني حتى لا يجد القارئ و خصوصا المتخصص صعوبة في فهمه.1
ففي هذاالإطار تتكلم المادة175من دستور1996بشكل أساسي أنه عندما يعرض مشروع التعديل الدستوري، إذا رفضه الشعب اعتبر لاغيا أما الفقرة الثانية من هذه المادة غير المقبولة فتنص على عدم إمكانية عرض هذا المشروع على الشعب خلال الفترة التشريعية.الإشكال يطرح، هذه الوثيقة عرضت على الشعب و رفضها فكيف يمكن القول أنه في الفترة التشريعية الأخرى يعرض على الشعب.لو كانت المسألة عرضت على البرلمان و رفضها البرلمان في ظل تشكيلة معينة و حل محله برلمان جديد لقبلت الفكرة على أساس أن البرلمان الأول رافض، يمكن أن يقبلها البرلمان الثاني، لكن أن تعرض على الشعب مرة ثانية في فترة تشريعية أخرى و هو أمر غير مقبول منطقيا.لأن الشعب عندما رفض هذه الوثيقة من غير المعقول عرضها من جديد، حتى السلطة تكون غير شرعية.

ثانيا:استخدام الكلمات و العبارات الملموسة بدلا من المجردة
يقول”فاولر”: “إن الكاتب يستخدم كلمات مجردة لأن أفكاره مشوشة، و يؤدي تعود الكاتب استخدام الكلمات المجردة إلى زيادة تشوش أفكاره و قد ينتهي به الأمر بإخفاء المعنى الذي يقصده ليس فحسب عن قرائه و إنما أيضا عن نفسه”.

ثالثا:استخدام الكلمات المفردة بدلا من العبارات الزوجية و الثلاثية
تستخدم أحيانا في الوثائق القانونية عبارات من كلمتين أو أكثر بدلا من كلمة واحدة، و من أمثلة ذلك”في حالة ماإذا”، في حين أنه يمكن تماما الاكتفاء بأداة الشرط”إذ”لتفي بالغرض، و عبارة”كما يمكن أن”.
و مثال ذلك ما نصت عليه المادة84من دستور1996، الفقرة الثانية و الثالثة منها، حيث جاء فيها: “…..يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة، كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة……..”.
و كان بالإمكان تفادي هذه العبارات أو حذفها.

و ينطبق نفس الكلام أيضا على استخدام العبارات الزوجية و الثلاثية بدلا من استخدام كلمات مفردة و مثال ذلك عبارة”غير أنه إذا”حيث نصت المادة126من دستور1996الفقرة الثانية على ما يلي: “غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة166…”.و كان بالإمكان الاكتفاء بأداة الشرط”إذا”لتفي بالغرض.

رابعا:تجنب استخدام الكلمات و العبارات القديمة
تحظى الكلمات والعبارات القديمة بسحر خاص يجذب إليها أغلب الصائغين القانونيين.و يقصد بالكلمات و العبارات القديمة تلك الكلمات و العبارات التي توقف استخدامها في اللغة العادية.

خامسا:تجنب استخدام الكلمات و العبارات غير الضرورية
يستخدم الصائغون القانونيون، في بعض الأحيان كلمات غير ضرورية، أما بسبب انجذابهم لاستخدام الكلمات المهجورة أو لرغبتهم في استخدام لغة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم و من أمثلة الكلماتو العبارات التي تستخدم في اللغة القانونية بدون داع ما يلي:
استخدام كلمة المذكور و ضمائر الإشارة”هذا”و”ذلك”و ما يناظرها.فهذه الكلمات قد تضفي على الوثيقة شكلا رنانا إلا أنها لا تساعد في توضيح النص.

الفرع الثالث:علامات الترقيم
هناك ميل، بصفة عامة، لدى صائغي اللغة القانونيةللإقلال من استخدام علامات الترقيم فهي نادرا ما تستخدم في الوثائق القانونية القديمة، و كان من المألوف أن تمتد، الوثيقة القانونية القديمة عبر عدة صفحات، و من بداية الوثيقة، حتى نهايتها بدون استخدام أية نقاط لتمييز نهايات الجمل أو فاصلات أو غير ذلك من علامات الترقيم.
و يمكن إرجاع الرغبة في تجنب استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية إلى الأسباب التالية:
أ-اللغة القانونية لغة مرئية و ليست سمعية.
ب-الحفاظ على وحدة و تماسك النص القانوني.
ج-الخوف من تفسير علامات الترقيم بما يغير معنى النص.1
و تظهر أهمية استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية في أن المشكلة ليست في استخدام هذه العلامات في حد ذاتها و إنما في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد الزائد عليها في نقل المعنى.و يجادل الذين يعارضون استخدام علامات الترقيم في الوثيقة القانونية بأن هذه العلامات ضعيفة نسبيا، و من ثم فانه يجب تحاشي استخدامها لنقل المعنى، و فضلا عن ذلك، فإنها غالبا ما يساء استخدامها، إذ قد يتم حذفها عندما تكون هناك ضرورة لوضعها، و قد تستخدم إما بطريقة خاطئة أو في المكان الخطأ.

و من ناحية أخرى، فان عدم استخدام هذه العلامات من شأنه أن يؤدي إلى خلق غموض أو لبس في فهم النص القانوني، و من ثم تنشأ صعوبة في فهم المعنى الحقيقي المقصود التعبير عنه في الوثيقة القانونية.

و يدافع الفقيه”ثورونتون”عن استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية قائلا: “إن علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة، و هي وسيلة مكملة لترتيب الكلمات لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة، و من ثم، لتكشف طريقة تركيبة الجملة، و يتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة أسرع و ذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيبة الجملة”.
و يقول الفقيه”ماكسويل” “إنه حينما يكون من الضروري تفسير نص ما بطريقة تختلف عن طريقة ترقيمه بعلامات الترقيم، يمكن افتراض عدم وجود أية علامة ترقيم في النص، و بنفس القدر يمكن افتراض وجود علامة ترقيم في النص بينما لا تكون موجودة أصلا فيه”.
و نشرح ذلك، يمكن قراء نص118من دستور1996كما لو كانت قد استخدمت فيه علامات الترقيم، بينما لا تظهر أية علامات ترقيم، حيث تنص المادة على ما يلي:

“يجتمع البرلمان في دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة4أشهر على الأقل.

يمكن أن يجتمع البرلمان في دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
و يمكن كذلك أن يجتمع باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو طلب من ثلثي(2/3)أعضاء المجلس الشعبي الوطني، تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعى من أجله”.
و يمكنإعادة صياغة نص المادة السابقة على النحو التالي:
“يجتمع البرلمان في:
دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة(4)أشهر على الأقل.
دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو بطلب من(2/3)أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعي من أجله”.
و في هذاالإطار دائما يرى الفقيه”ديكرسون”أن المشكلة فيما يتعلق باستخدام علامات الترقيم بشكل متقن و بدلا من أن يتجاهل صائغ اللغة القانونية علامات الترقيم، ينصح ديكرسون بأن على صائغ اللغة القانونية أن يتقن استخدامها و ألا يعتمد عليها وحدها في أن تفعل ما يجب أن يفعله ترتيب الكلمات داخل الجملة القانونية و كذلك، إن علامات الترقيم هي أكثر الأدوات التي يساء استخدامها.

و القول السابق ينطبق على الدساتير الجزائرية و عمليات التعديلات التي عرفتها.

فمن خلال دراسة المواد88،89،90،93،95من دستور1996يتبين عدم اعتماد المشرع الدستوري الجزائري على علامات الترقيم.
و يرى الفقيه”دونان”أن الاستغناء عن كل علامات الترقيم قلما يناسب الصياغة القانونية، و أن هناك مبرر قوي لاستخدام علامات الترقيم حتى و لو كان ذلك بقدر محدود لاسيما عند تقسيم مضمون الجملة في الوثيقة القانونية إلى فقرات.و عندما يكون هناك إحساس بان علامات الترقيم قد غيرت من المعنى المقصود للكلمات، فان ذلك يعد إشارة قوية إلى أن هذه الكلمات ينبغي إعادة النظر فيها لأنه يجب أن تكون هذه الكلمات وحدها قادرة على نقل معناها بطريقة لا لبس فيها بدون مساعدة من علامات الترقيم.
1-د/محمد نسيب أرزقي، أصول القانون الدستوري و النظم السياسية، ج1، دار الأمة،1998، ص194،206،207.

1-سورة الانفطار الآية7.

1-د/أحمد العزي النقشبندي، تعديل الدستور، دراسة مقارنة، عمان، الأردن، الوراق للنشر و التوزيع،2006، ص ص12،13.

1-أليفيه دوهاميل-أيف ميني، المعجم الدستوري، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعة للدراسات و التوزيع،1996، ص313.

1-د/الأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية المقارنة، ط5، ديوان المطبوعات الجامعية،2007، ص128.

1-د/أحمد العزي النقشبندي، المرجع السابق، ص ص15،14.

1-د/أدحيمن محمد الطاهر، السلطة التنظيمية في الدستور الجزائري لعام1996، رسالة ماجستير كلية الحقوق جامعة الجزائر ،2002،ص139إلى137.

1-د/أحمد العزي النقشبدي، مرجع سبق ذكره، ص75.

1-عبد الله بوقفة، العلاقة بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية في الدستور الجزائري لعام1963، رسالة ماجستير، ص ص81،78.

1-الجريدة الرسمية، العدد94، السنة الثالثة عشرة،24نوفمبر سنة1976.

2-هناك من يعتبر دستور1996هو تعديل لدستور1989.

3-الجريدة الرسمية، العدد76، السنة الثالثة و الثلاثون،08ديسمبر1996

1-د/إبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية و القانون الدستوري، الإسكندرية، منشأة المعارف،2000، ص32.

2-د/أحمد العزي النقشبندي، مرجع سبق ذكره، ص137.

1-د/بوغزالة محمد الناصر، الصياغة القانونية للتعديل الدستوري، مداخلة ألقيت في الملتقى الدولي حول التعديلات الدستورية، جامعة الأغواط، أيام5-6-7ماي2008.

2-تنص المادة195:”لا يمكن لأي مشرع لتعديل الدستور أن يمس:

1-بالصفة الجمهورية للحكم.

2-بدين الدولة.

3-بالاختيار الاشتراكي.

4-بالحريات الأساسية للإنسان و المواطن.

5-بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري.

6-بسلامة التراب الوطني.”

1-المادة174د.1996.

1-المادة164د.1989.

1-د/الأمين شريط، مرجع سبق ذكره، ص131.

1-و هو ما حدث بعد استقلال الجزائر سنة1962، حيث أسندت مهمة إعداد دستور1963إلى المجلس الوطني التأسيسي، لكن للأسف أزاح المكتب السياسي السلطة التأسيسية و أوكل أمر تحضير الدستور إلى ندوة الإطارات بتاريخ02/07/1963.

1-د/رجب محمود طاجن، قيود تعديل الدستور، دراسة في القانونين الفرنسي و المصري، دار النهضة العربية،2006، القاهرة، ص ص14،15

2-أنظر نص المادة195من دستور1976و نص المادة178من دستور1996.

1-المادة89فقرة رابعة من الدستور الفرنسي.

2-المادة السابعة التي تحدد طريقة انتخاب رئيس الجمهورية الفرنسي و شروط و ضوابط ذلك.

3-على عكس القيدين السابقين، لم يرد هذا الحظر في نصوص المادة16و لا في نص دستوري آخر.

1-المادة176من دستور1996.

1-أ/قاشي علال، ضوابط التعديل الدستوري، مداخلة ألقيت في الملتقى الدولي حول التعديلات الدستورية في البلدان العربية المنظم بجامعة عمار ثليجي، الأغواط، أيام5-6-7ماي2008.

1-د/رجب محمود طاجن، مرجع سبق ذكره، ص131و ما بعدها.

1-المادة86من دستور1976، راجع كذلك المواد87إلى93من نفس الدستور، و الملاحظ أن نص المادة159منه أكدت على أنه”في حالة تناقض بين أحكام المعاهدة أو جزء منها و الدستور لا يؤذن بالمصادقة عليه إلا بعد تعديل الدستور”، هذه المادة يفهم منها أن المشرع الدستوري يتقيد بنصوص القانون الدولي.

1-الفاعل في هذه المادة هم الأحزاب السياسية.

1-راجع أيضا المواد8،11،12،15،17،25،30من دستور1996، بالإضافة إلى مواد أخرى تتضمن استخدام الضمائر.

2-على سبيل المثال الضميرهوليشير إلى المواطن أو المواطنة.

1-راجع أيضا المواد10،13،20،21من دستور1996و المواد49،50،51من دستور1976.

1-د/محمود محمد علي صبره، أصول الصياغة القانونية، دار الكتب القانونية، المجلة الكبرى، مصر2002، ص ص19،112.

1-صيغة”يفعل فلان”.

2-في هذه المادة نجد صيغة”يجب على فلان أن يفعل”و صيغة”يفعل فلان”.

1-نشير إلى أن هذه المادة عدلت بالقانون رقم08-19الموافق لـ15نوفمبر2008و المتضمن التعديل الدستوري.

1-د/بوغزالة محمد الناصر، مرجع سبق ذكره.

1-د/محمود محمد علي صبره، مرجع سبق ذكره، ص230،279.

1-د/محمد الناصر أبو غزالة، مرجع سبق ذكره.

1-راجع المادتين165و168من دستور1996.

1-محمود محمد علي صبره، مرجع سبق ذكره، ص286، ص304.

1-محمود محمد علي صبره، المرجع السابق، ص ص306إلى340