العقاب والدولة

مبدأ العقاب مبدأ مرتبط بمبرر أخلاقي و أدبي , وهو مبدأ , في تاريخه , كان يقوم إما على التفكير الديني ( المرحلة الفرعونية , شرائع الهنود ) , بحيث كانت الجريمة تعتبر ” خطيئة ” دينية , و إما على فكرة تحقيق العدالة الدنيوية , بحيث نُظِر إلى الجريمة على أنها ” خطأ ” من الناحية الاجتماعية , لأنّها تؤثر على القيم الّتي يسير عليها المجتمع .

و الدولة الحديثة تستأثر بحق العقاب , لأنّها بواسطته تحقق مجموعة من المصالح العامة , مصالح أو منافع لا تتحقق إلاّ عن طريق الردع العام الّذي يُبْعِد المواطنين عن فعل الجرائم مستقبلاً .

و نجد تفسيراً لمشروعية تمتع الدولة بحق العقاب عند ” جان جاك روسو ” في كتابه الشهير ” العقد الاجتماعي ” , فالدولة حسب نظرية ” روسو ” شخص معنوي لا يحقق هدفه , وهو حماية بقائه الخاص , إلاّ إذا كان له سلطة إكراه كبيرة يستطيع من خلالها تَوجِهَ كل شخص على النحو الملائم للجماعة ككل , و من أجل الحصول على هذه السلطة , على الأفراد أن يتنازلوا على جزء من حريتهم في سبيل مصلحة المجتمع .

هكذا تكونت ” الحرية التعاقدية ” و بالتالي مفهوم دولة القانون الّذي يتكون من الإرادة العامة , وهكذا أيضا أصبحت الدولة هي المكلفة بحق العقاب .
*******************************************************************************
*******************************************************************************
سقوط العقاب
يسقط الحق في تنفيذ الأحكام الجزائية في حالات تناولها المشرع وهي :

-1 سقوط العقاب بموجب الوفاة :

تزول بوفاة المحكوم عليه جميع العقوبات الأصلية و التكميلية باستثناء الحجز و المصادرة و غلق المحلات . و يعتبر ذلك كنتيجة طبيعية لمبدإ شخصية العقوبة المنصوص عليه بالفصل 13 من الدستور.

-2 سقوط العقاب بالرجوع في دعوى الزنا:

نص الفصل 236 ق ج أنه لا يسوغ التتبع في دعوى الزنا إلا بطلب من الزوجة أو الزوج الذين لهما وحدهما الحق في إيقاف التتبع و المحاكمة و التنفيذ. فالمشرع التونسي انتهج هذا المسلك لأنه خير العفو عن الزجر في مثل هذه الحالة و عمل على توطيد العلاقة بين الأزواج و الحفاظ على الأسرة و لمّ شملها.

-3 سقوط العقاب بموجب العفو العام :

وردت مؤسسة العفو العام صلب م إ ج بعد أن وقع إقرارها بالفصل 34 من الدستور. و نظام العفو العام جاء مقتضبا من حيث النصوص إذا أورد المشرع فصلين فقط هما : 376 م إ ج المتضمن للمبدأ (إن العفو العام يمنح بقانون وتمحي به الجريمة مع العقاب المحكوم به) وكذلك الفصل 377 م إ ج (إن ما وقع العفو فيه يعتبر كأن لم يكن ). فهو إذا عمل من أعمال السلطة التشريعية و يقصد منه محو الصفة الإجرامية عن بعض الجرائم و إزالة جميع آثارها و جعلها في حكم الأفعال المباحة أصلا.

-4 سقوط العقاب بموجب العفو الخاص :

وردت مؤسسة العفو الخاص صلب م إ ج بعد أن وقع إقرارها بالفصل 48 من الدستور (لرئيس الجمهورية حق العفو الخاص). ونظمّ المشرع التونسي هذه المؤسسة القانونية صلب الفصل 371 م إ ج الذي نص على أن العفو الخاص هو إسقاط العقاب المحكوم به أو الحط من مدته أو إبداله بعقاب آخر أخف منه نص عليه القانون. و العفو الخاص لا يمنح إلا إذا كان العقاب المحكوم به واجب النفاذ أي لا تقبل مطالب العفو الخاص في شأن أحكام مؤجلة التنفيذ أو أحكام غيابية قابلة للطعن بالاعتراض. والعفو و لئن كان يعفي المحكوم عليهم من تنفيذ العقاب فإن ذلك العقاب يرسم بالسجل العدلي ولا يقع حذفه إلا باسترداد الحقوق معنى ذلك يبقى العقاب معتبرا في السوابق العدلية.

-5 سقوط العقاب بمرور الزمن :

إن الخوف و الإضطراب و تأنيب الضمير الذي يعيشه المجرم خلال مدة التقادم هو عقاب معنوي عن جريمته وقد يكون أشد صرامة من العقاب

نفسه. كما أن الشخص يتغير بمرور الزمن وبالتالي تساهم مؤسسة سقوط العقاب في استقرار وضع من تاب و اندمج في المجتمع. و قد حدد المشرع التونسي في الفصل 349 م إ ج آجال سقوط العقاب ب 20 عاما عندما يتعلق الأمر بجناية و 5 أعوام بجنحة و عامين عندما يتعلق الأمر بمخالفة. لكن ماهو منطلق احتساب أجل السقوط ؟ نص الفصل 349 م إ ج أن آجال السقوط تبتدأ من تاريخ صيرورة الحكم باتا أو من يوم الإعلام بالحكم الغيابي إذا لم يقع ذلك الإعلام للمحكوم عليه نفسه ما لم يتبين من أعمال التنفيذ أنّ المحكوم عليه حصل له العلم به.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت