الضريبة على العقارات المبنية في القوانين المصرية – اجتهادات ومبادئ قضائية

دستورية الضريبة على العقارات المبنية
الطعن 48 لسنة 32 ق “دستورية” جلسة 5 / 5 / 2018
الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر ب في 13 / 5 / 2018 ص 46
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس من مايو سنة 2018م، الموافق التاسع عشر من شعبان سنة 1439هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار وسعيد مرعي عمرو
ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبد العزيز محمد سالمان
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 32 قضائية “دستورية”.

———-
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعي بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 179 لسنة 2006 مدني، أمام محكمة العطارين الجزئية بالإسكندرية، طلبا للحكم ببراءة ذمته من قيمة الضريبة العقارية المربوطة على العقار رقم …. شياخة الصبحية – قسم محرم بك – مستجدات 2005/ 2006، بقيمة إجمالية 7958 جنيها، واحتياطيا بندب خبير في الدعوى لتقدير قيمة الضريبة العقارية، وذلك على سند من أن محافظة الإسكندرية كانت قد أسندت لشركة …. مصر للتنمية السياحية والعقارية تطوير الحديقة الدولية والانتفاع بها بموجب عقد مؤرخ 21/ 5/ 1998، على أن تؤول كافة المنشآت التي شيدت للمحافظة وذلك في نهاية عام 2018، نظير أن تدفع للمحافظة تسعة ملايين جنيه مدة التعاقد، وبتاريخ 1/ 10/ 2000 تم التعاقد بين شركة …. مصر للتنمية السياحية والعقارية وبين الشركة المدعية، بالترخيص للأخيرة باستغلال مساحة 69662 مترا مربعا بالحديقة الدولية، وذلك حتى 1/ 12/ 2018، وقد أخطرت محافظة الإسكندرية الشركة المدعية بتاريخ 10/ 5/ 2004 بفسخ التعاقد بين المحافظة وشركة …. مصر، ثم فوجئت الشركة المدعية بورود إنذار من حي وسط الإسكندرية (إدارة الإيرادات والتحصيل والحجز) بتوقيع الحجز الإداري على الشركة وفاء لمبلغ 7958 جنيها بزعم أنها ضريبة عقارية على العقار رقم …. شياخة الصبحية – قسم محرم بك – مستجدات 2005/ 2006، رغم كون الشركة المدعية منتفعة وليست مالكة أو مستأجرة، فضلا عن أن أرض الحديقة الدولية كلها مملوكة ملكية عامة لمحافظة الإسكندرية، ومعفاة من أداء الضريبة، وبجلسة 28/ 7/ 2009 قضت محكمة العطارين الجزئية برفض الدعوى، وقد استندت في قضائها إلى ما أثبته تقرير الخبير من أن الشركة المدعية هي مقيمة المباني المفروض عليها الضريبة العقارية موضوع الدعوى والمالكة لها والمنتفعة بها، والملتزمة بأداء هذه الضريبة، وإذ لم ترتض الشركة المدعية هذا القضاء فقد طعنت عليه بالاستئناف رقم 1388 لسنة 2009 مدني مستأنف الإسكندرية، بطلب الحكم بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء لها بطلباتها، وأثناء نظر الاستئناف دفع الحاضر عن الشركة بجلسة 3/ 1/ 2010 بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 56 لسنة 1954 في شأن الضريبة على العقارات المبنية المعدلة بالقانون رقم 549 لسنة 1955، والمادتين الثامنة والتاسعة من قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع وصرحت للشركة برفع الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.

بتاريخ الثاني والعشرين من فبراير سنة 2010، أقامت الشركة المدعية هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية المعدل بالقانون رقم 549 لسنة 1955، والمادتين الثامنة والتاسعة من قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

—————
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية المعدلة بالقانون رقم 549 لسنة 1955 تنص على أن “تفرض ضريبة سنوية على العقارات المبنية أيا كانت مادة بنائها، وأيا كان الغرض الذي تستخدم فيه دائمة أو غير دائمة مقامة على الأرض أو تحتها أو على الماء مشغولة بعوض أو بغير عوض.
وفي تطبيق أحكام هذا القانون يعتبر في حكم العقارات المبنية الأراضي الفضاء المستغلة أو المستعملة سواء كانت ملحقة بالمباني أم مستقلة عنها، مسورة أم غير مسورة ما لم تكن هذه الأراضي مجاورة لمساكن العزب ومستعملة أجرانا خاصة لأهالي القرية.
كما تعتبر في حكم العقارات المبنية التركيبات التي تقام على أسطح واجهات العقارات إذا كانت مؤجرة أو كان التركيب مقابل نفع أو أجر.
وتفرض الضريبة على العقارات المخصصة لإدارة واستغلال المرافق العامة التي تدار بطريق الالتزام سواء كانت مقامة على أرض مملوكة للدولة أم للملتزمين، وسواء نص في العقود على أيلولتها للدولة في نهاية مدة الالتزام أم لم ينص”.
كما تنص المادة الثانية من القانون رقم 196 لسنة 2008 بإصدار قانون الضريبة على العقارات المبنية على أن “مع مراعاة حكم المادة التاسعة من هذا القانوني، يلغى ما يأتي:
– ………….
– القانون رقم 56 لسنة 1954 في شأن الضريبة على العقارات المبنية.
– ………..”.
وتنص المادة التاسعة منه على أن “ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره، مع مراعاة ما يأتي:
1- تستحق الضريبة المربوطة وفقا لأحكام القانون المرافق اعتبارا من أول يناير للسنة التالية التي تبدأ فيها إجراءات الربط.
2- يعمل بالمادتين الثانية والثالثة من هذا القانون اعتبارا من تاريخ استحقاق الضريبة المربوطة وفقا لأحكام القانون المرافق طبقا لحكم البند السابق”.
وتنص المادة (8) من قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008 على أن “تفرض ضريبة سنوية على العقارات المبنية أيا كانت مادة بنائها وأيا كان الغرض الذي تستخدم فيه، دائمة أو غير دائمة، مقامة على الأرض أو تحتها أو على الماء، مشغولة بعوض أو بغير عوض، سواء أكانت تامة ومشغولة أو تامة وغير مشغولة أو مشغولة على غير إتمام، وتحدد اللائحة التنفيذية إجراءات حصر العقارات المبنية.
وتسري الضريبة على جميع العقارات المبنية وما في حكمها في جميع أنحاء البلاد”.
وتنص المادة (9) من القانون ذاته على أن “يعتبر في حكم العقارات المبنية ما يأتي:
(أ) العقارات المخصصة لإدارة واستغلال المرافق العامة التي تدار بطريق الالتزام أو الترخيص بالاستغلال أو بنظام حق الانتفاع، سواء كانت مقامة على أرض مملوكة للدولة أو للملتزمين أو المستغلين أو المنتفعين، وسواء نص أو لم ينص في العقود المبرمة معهم على أيلولتها للدولة في نهاية العقد أو الترخيص.
(ب) الأراضي الفضاء المستغلة سواء كانت ملحقة بالمباني أو مستقلة عنها، مسورة أو غير مسورة.
(ج) التركيبات التي تقام على أسطح أو واجهات العقارات إذا كانت مؤجرة أو كان التركيب مقابل نفع أو أجر”.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب الشركة المدعية براءة ذمتها من مبلغ 7958 جنيها قيمة الضريبة العقارية المربوطة على العقار رقم ….. شياخة الصبحية – قسم محرم بك – مستجدات 2005/ 2006 – الذي تديره الشركة بموجب عقد الاستغلال المؤرخ 1/ 10/ 2000
المبرم بينها وبين شركة …. مصر للتنمية السياحية والعقارية، المسند لها تطوير الانتفاع بالحديقة الدولية بموجب عقد الالتزام المبرم مع محافظة الإسكندرية والمؤرخ 21/ 5/ 1998، وتلتزم بتسليمه فور انتهاء مدة العقد والترخيص بالاستغلال في 1/ 12/ 2018، وتم ربط هذه الضريبة استنادا لنص المادة (1) من القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية المعدلة بالقانون رقم 549 لسنة 1955 في فقرتها الأخيرة والتي بمقتضاه تفرض ضريبة سنوية على العقارات المخصصة لإدارة واستغلال المرافق العامة التي تدار بطريق الالتزام المقامة على أرض مملوكة للدولة، والتي تؤول ملكيتها للدولة في نهاية الالتزام، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على هذا النص وحده، محددا نطاقا على النحو المتقدم، لكون الفصل في دستوريته ذا أثر وانعكاس على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها.
وحيث إنه بشأن الطعن على نص المادتين (7، 8) من قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008، فإنه لما كان ربط الضريبة محل النزاع الموضوعي قد ارتكن – كما سلف البيان – على أحكام القانون رقم 56 لسنة 1954 المشار إليه الملغى، ولا يسري في شأنه أحكام كل من النصين المشار إليهما، ومن ثم لا تتوافر للشركة المدعية مصلحة في الطعن عليهما ويغدو هذا الطعن غير مقبول.
وحيث إن الشركة المدعية تنعي على النص المطعون فيه أنه يناقض مفهوم العدالة الاجتماعية المنصوص عليه في المادة (38) من الدستور الصادر سنة 1971، وينطوي على عدوان على الملكية الخاصة بالمخالفة للمادة (34) من الدستور ذاته، وكذا لا يشجع على الاستثمار أو الادخار.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلا صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر القانون المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا القانون قد عمل بمقتضاه، إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان ذلك الدستور.
متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهتها الشركة المدعية للنص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه ضمن أحكام القانون رقم 56 لسنة 1954 بشأن الضريبة على العقارات المبنية، المعدل بالقانون رقم 549 لسنة 1955، وقد عمل بمقتضى أحكامه في ظل العمل بأحكام دستور سنة 1971، إلى أن تم إلغاؤه بموجب القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة على العقارات المبنية، الذي حل محله، في ظل العمل بأحكام ذلك الدستور، ومن ثم تتولى هذه المحكمة الرقابة على دستورية النص المطعون عليه في ضوء أحكام دستور سنة 1971.
وحيث إن الدستور الصادر سنة 1971 قد حرص في المادتين (38، 119) منه، وتقابلها المادة (26) من الدستور الصادر سنة 2012، على تحديد القواعد الضابطة والحاكمة لفرض الضريبة العامة، وذلك تقديرا منه لأهميتها، بالنظر إلى خطورة الآثار التي ترتبها، ومايز – ترتيبا على ذلك – بينها وبين غيرها من الفرائض المالية، فنص على أن أولهما لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، وأن ثانيتهما يجوز إنشاؤها في الحدود التي بينها القانون، مما مؤداه: أن السلطة التشريعية هي التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بنفسها تنظيم أوضاعها بقانون يصدر عنها، متضمنا تحديد نطاقها، وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها، والملتزمين أصلا بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة، عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث كان ما تقدم، وكان الأصل أن يتوخى المشرع، بالضريبة التي يفرضها، أمرين يكون أحدهما أصلا مقصودا منها ابتداء، ويتمثل في الحصول على غلتها، لتعود إلى الدولة وحدها لتعينها على مواجهة نفقاتها، ويكون ثانيهما مطلوبا منها بصفة عرضية أو جانبية أو غير مباشرة، كاشفا عن طبيعتها التنظيمية، دالا على التدخل بها لتغيير بعض الأوضاع القائمة، وبوجه خاص من خلال تقييد مباشرة الأعمال التي تتناولها، أو حمل المكلفين بها – عن طريق عبئها – على التخلي عن نشاطهم، وعلى الأخص إن كان مؤثما جنائيا. وينبغي أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونا لمحتوى النظام الضريبي وغاية يتوخاها، ويتعين تبعا لذلك – بالنظر إلى وطأة وخطورة تكلفة الضريبة – أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنا عليها بمختلف صورها؛ محددا الشروط الموضوعية لاقتضائها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العدالة في غاياتها لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفا إلا إذا كان كافلا لأهدافها، فإذا ما زاغ ببصره عنها أو أهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منها للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطا كل قيمة لوجوده، ومستوجبا تغييره أو إلغاءه.
وحيث إن التنظيم التشريعي للضريبة العقارية في القانون رقم 56 لسنة 1954 المشار إليه المعدل بالقانون رقم 549 لسنة 1955 يقوم على فرض ضريبة مباشرة سنوية على العقارات المبنية، تقدر على أساس القيمة الإيجارية للعقار، ويلتزم بها المستفيد من العقار، وقد أعفى المشرع بعض العقارات من هذه الضريبة على النحو الوارد في المادة (21) منه، ومنها العقارات المملوكة للدولة، وكذا العقارات المملوكة لمجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية والمحلية
المخصصة لمكاتب إدارتها أو للخدمات العامة، سواء كانت هذه الخدمات تؤدي بالمجان أم بمقابل كمباني عمليات الكهرباء والغاز والمياه والمجاري والإسعاف وإطفاء الحرائق والمذابح والمغاسل العامة وما شابهها، أي إن مناط الإعفاء فيها هو تخصيص تلك العقارات للمنفعة العامة مباشرة، أما إذا تم الترخيص للغير بامتياز استغلالها أنتفى مناط الإعفاء.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد تغيا بالنص المطعون فيه فرض الضريبة العقارية على العقارات المخصصة لإدارة واستغلال المرافق العامة التي تدار بطريق الالتزام، المقامة على أرض مملوكة للدولة، والتي ينص في عقد الالتزام على أيلولة ملكيتها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام، وذلك طوال مدة استغلال وانتفاع الملتزم بها، وصولا إلى شمول فرض هذه الضريبة لمختلف الأموال التي تمثل وعاء حقيقيا لها، بما يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية التي جعلها الدستور أساسا لبناء النظام الضريبي، وهو ما التزمه النص المطعون فيه، فليس ثمة ما يبرر إعفاء هذه العقارات تمييزا لها عن غيرها، فهي تدار وتستغل بواسطة أشخاص القانون الخاص، للاستثمار وتحقيق ربح لهؤلاء الأشخاص، وتدر دخلا سنويا يقتضي فرض الضريبة عليها أسوة بكافة العقارات التي يسري عليها القانون، وبذات الأسس التي تطبق بشأنها، ومن ثم فإن ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه يندرج في نطاق سلطته التقديرية في مجال تنظيم الحقوق والحريات، دون افتئات عليها أو مساس بجوهرها وأصلها، ويقوم على أسس مبررة تستند إلى واقع يرتبط بالأغراض المشروعة التي توخاها، برابطة منطقية وعقلية، دون تناقض بين فرض الضريبة في هذه الحالة ومفهوم العدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي، ولا يخالف من ثم نصي المادتين (38، 119) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المادة (26) من الدستور الصادر سنة 2012.
وحيث إن الشركة المدعية تنعي على النص المطعون فيه عدوانه على الملكية الخاصة بالمخالفة لنص المادة (34) من الدستور الصادر سنة 1971، وتقابلها المادة (24) من الدستور الصادر سنة 2012. فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الملكية – في إطار النظم الوضعية التي تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة – لم تعد حقا مطلقا، ولا هي عصية على التنظيم التشريعي، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهي وظيفة يتحدد نطاقها ومراميها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التي ينبغي توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة التي يجريها المشرع، ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية، وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور.
وحيث إن الضريبة في أساسها الدستوري تستند إلى ورود التكليف بقيمتها على المال الخاص للممول، وهو ما لا يجوز معه الادعاء بأن الضريبة في ذاتها – متى استوفت أوضاعها الدستورية – يمكن أن تشكل عدوانا على الملكية الخاصة. متى كان ذلك، فإن ما تضمنه النص المطعون فيه من فرض ضريبة سنوية على العقارات المخصصة لإدارة واستغلال المرافق العامة التي تدار بطريق الالتزام المقامة على أرض مملوكة للدولة والتي تؤول ملكيتها للدولة في نهاية مدة الالتزام، كونها تدر دخلا حقيقيا نتيجة نشاط استثماري، ولا يستنزف رأس المال أو يرهقه، ومن ثم لا يمثل عدوانا على حق الملكية.
وحيث إن الضريبة المفروضة بالنص المطعون فيه لا تلحق بفرص الاستثمار أية أضرار، إذ لم تحملها أعباء تحد من نطاقها أو ترهق نشاطها، بما يجاوز حدودها المنطقية، فلا يكون تنافسها متكافئا مع غيرها ممن يباشرون مجال عملها ذاته، وهي كذلك لم تعوق الادخار، بل نظم المشرع بموجب سلطته التقديرية أحوال فرضها بحسب تقديره للإسهام في التكاليف والأعباء والخدمات العامة، فجاء تنظيمه ملتئما مع النصوص الدستورية واجبة التطبيق، لا يناقضها في مبدأ فرضها ولا ينافرها في ضوابط تنظيمها.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أي أحكام أخرى في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .