نظريات نشأة القانون

أ* حنين نصار

القانون :-

هو مجموعة القواعد العامة المجردة الملزمة التي تسنها الدول أو تأمر بتطبيقها والمصحوبة بجزاء حال ومادي توقعه السلطة العامة عند مخالفة هذه القواعد .

س : تكلم عن نظريات النشأة الدينية للقانون ؟
هناك إتجاه شائع بين أساتذة تاريخ القانون وعلمائه ، يرى أن قواعد القانون في مراحل نشأتها الأولى قد اختلطت بقواعد الدين والأخلاق .

شواهد من المدونات القديمة :-
يؤيد ” هنري مين” استنتاجه هذا من مطالعته للمدونات القديمة إذ يبدو واضحاً تماماً من مطالعة هذه المدونات سواء في الشرق أو الغرب أنها قد امتزجت بقواعد الدين والأخلاق دون نظر إلى السمات الأساسية التي تميز كل مدونة وهذا يتفق تماماً مع ما نعرفه عن العقلية الإنسانية من مصادر أخرى ولم يأت فصل القانون عن الدين الأخلاق إلا في مراحل متأخرة نسبياً من تطور الفكر الإنساني .

الأحكام الألهية :-
القانون في نشأته الدينية على هذا النحو لم يكن في شكل قواعد عامة مجردة ذات طابع ديني مستمد من مصدرها أو من جزائها ولكن كان في شكل أحكام آلهية تصدر في كل حالة على حدة وقد تحولت هذه الأحكام فيما بعد إلى مجموعة من القواعد العرفية التي اعتاد الناس على اتباعها بتكرار الحوادث واتحاد حكمها أو تماثله فالفكر الإنساني لم يتصور في مرحلة طفولته وجود قانون ما .

أسباب نسبة القانون للديانة :-
ترجع أسباب نسبة القانون للديانة عند أصحاب هذا الرأي إلى أسباب إجتماعية وأسباب نفسية :-

وتتمثل الأسباب الإجتماعية:- في عجز الشعوب القديمة عن إدارك قدرة العادات والأعراف والإرادة الإنسانية على خلق قواعد القانون وتطويرها .

وترجع الأسباب النفسية :- إلى ما كان للدين من سطوة على نفوس الناس في ذلك الوقت فكانوا بذلك يمتثلون لما تمليه عليهم أحكام الدين عن طواعية .

نتائج النشأة الدينية للقانون :-

ترتب على النشأة الدينية للقانون على هذا النحو مجموعة من الآثار فقد أختطلت قواعد السلوك القانونية بالقواعد الدينية والخلقية كما أن كثيراً من المجتمعات كانت تطبق جزاءات دينية على من يخالف قواعد السلوك من هذه الجزاءات الطرد من رحمة الألهة واستنزال اللعنة واكتسبت سلطة الحكام طابعا أوتوقراطياً ودكتورياً يتنافى مع الديمقراطية لان هؤلاء الحكام يمارسون الحكم استناداً إلى إرادة الأهلة وبالإضافة إلى ذلك فقد اتسمت قواعد القانون بالثبات وبعدم القابلية للتعديل حتى لو تغيرت الظروف الاجتماعية التي في ظلها وضعت القاعدة إذ إن الإنسان لم يكن ليجرؤ على تعديل أحكام أملتها الالهة واكتسب القانون طابعاً سرياً .

تطور القواعد من خلال ارتباطها بالدين :-

يرى أنصار نظرية النشأة الدينية القانونية أن هذه القواعد الأخيرة قد تطورت تدريجياً من خلال ارتباطها الوثيق بقواعد الدين إذ أنه نظراً لأطراد الحوادث المتشابهة التي كانت تعرض على رجال الدين للفصل فيها
فقد كان هؤلاء يراعون أن تتطابق أحكامهم في الحالات الجديدة مع الحالات السابقة المتشابهة التي سبق وأن أصدروا فيها حكما ما ونتيجة لذلك فإن الحكم القضائي الذي يصدره رجال الدين أصبح يؤسس على السوابق القضائية بدلا من تأسيسه الأحكام الالهية .

إنفصال القانون عن الدين أسباب ونتائجه :-

لم يبدأ تحرر قواعد القانون وانفصالها عن الشكل الديني في نظر اصحاب هذا الرأي إلا في مرحلة لاحقة من مراحل التطور القانوني وهي مرحلة التقاليد العرفية ويرجع ظهور التقاليد العرفية إلى انفصال السلطة الزمنية عن السلطة الدينية هذا الانفصال الذي يرد إلى اسباب في المجتمعات الغربية تختلف عن مثيلتها في المجتمعات الشرقية إذ يرجع انفصال القانون عن الدين والسلطة الزمنية عن السلطة الدينية في المجتمعات الغربية إلى ضعف سلطة الملوك أما بسبب توارث الملك الذي أدى إلى ظهور ملوك لا يتسمون بسمات خارقة وأما نتيجة اتساع اقليم الدولة وترامي اطرافها مما أدى إلى فقدان الملوك السلطة الدينية واحتفاظهم بالسلطة الزمنية وأما نتيجة الثورات الاجتماعية التي أدت إلى الإطاحة بالملوك ذوي الحق الألهي أما في المجتمعات الشرقية فنظر لما للديانة من تأثير عميق على نفوس أهل الشرق أما في المجتمعات الشرقية فنظر لما للديانة من تأثير عميق على نفوس أهل الشرق فإن فصل القانون عن الدين والسلطة الزمنية عن السلطة الدينية كان ثمرة صراع مرير وتم ذلك في حدود معينة .

تلك هي مجمل أراء من يرون أن القانون قد نشأ في أحضان قواعد الدين ولا شك أنهم قد انتهوا إلى نتائج لا ينكرها عليهم معارضون من القائلين بالنشأة العرفية لقواعد القانون أو من المرجحين لغلبة العوامل الاقتصادية في نشأة القاعدة القانونية فثمة تسليم من الجميع أن قواعد القانون قد اختلطت بدرجة أو أخرى بقواعد الدين في مراحل النشأة الأولى ولكن هذا الاختلاط عن أصحاب نظرية النشأة الدينية للقانون قد وصل إلى درجة التوحد والانصهار في حين أن الدين لدى أصحاب النظريات الأخرى كان أحد العوامل التي ساهمت مع غيره من العوامل الأخرى في صياغة قواعد القانون وعندهم أن البشرية لم تعرف هذه المرحلة التي كانت فيها قواعد القانون دينية خالصة .

س : تكلم عن نظريات النشأة العرفية للقانون ؟

يعارض أصحاب هذا الرأي الاتجاه الذي يرى أن القانون في نشأته الأولى اختلطت قواعده بقواعد الدين أو الأخلاق يرى هؤلاء أنه رغم وجود بعض الدلائل التي تشير إلى اختلاط القانون بالدين والأخلاق في المراحل الأولى لنشأة القاعدة القانونية إلا أن هذه الدلائل لا تسمح بصياغة نظرية عامة حول ارتباط القانون بالدين في النشأة .

المدونات القديمة لا تؤيد القول بالنشأة الدينية للقانون :-

يرى أصحاب هذا الرأي أنه لا يصح الاستناد إلى بعض الإشارات الدينية التي وجدت في المدونات القانونية القديمة للتوصل إلى القول بالنشأة الدينية للقانون إذ أن تناول المدونات بالتنظيم لأمور دينية لا يرجع إلى اختلاف قواعد الدين بقواعد القانون في ذلك الوقت ولكن يرجع إلى أن الواقع الديني كان أحد العناصر الهامة للواقع الاجتماعي في المجتمعات القديمة وبالتالي كان لا بد لأي تنظيم قانوني أن يتعامل معه وينظمه شأنه شأن كافة عناصر الحياة الاجتماعية .

نظام المحنة لا يؤيد نظريات النشأة الدينية :-

لجوء المجتمعات البدائية إلى نظام المحنة مع ما ينطوي عليه هذا النظام من عناصر لم تتوصل اليه المجتمعات البدائية في مراحل تطورها الأولى ففي هذه المراحل كانت الإجراءات تقوم على الأدلة الملموسة وبعد أن عرفت الجماعات البدائية نظام المحنة فلم تكن تلجأ إليه إلا إذا أعوزتها الأدلة الملموسة .

القانون نشأن مستقلاً عن قواعد الدين :-

كافة الأدلة التي يستند إليها القانون بنشأة القانون نشأة دينية إنما ترجع إلى المرحلة الوسطى من مراحل تطور قواعد القانون فالقانون في نشأته البدائية نشأ مستقلاً عن قواعد الدين .

شواهد من المدونات :-

يؤكد أصحاب نظرية النشأة العرفية للقانون أننا إذا طالعنا كثير من المدونات القديمة بعين فاحصة فلن نعثر على أثر يؤيد نظرية النشأة الدينية للقانون فعلى سبيل المثال تعتبر مدونات مدينة جرثون الكريتية مثالا على بداية مرحلة القانون الناضح وترجع في تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد هذه المدونات ذات مضمون علماني ولا تتضمن اية قواعد من قواعد الدين أو الأخلاق حقيقة أن بعض نصوصها تبدأ بذكر كلمة الالة ولكن يرجع إلى أنه وفقاً للتقاليد اليونانية القديمة كانت القوانين تنقش على جدران المعابد باعتبارها أكثر الأماكن التي يتردد الناس عليها .

المجتمعات البدائية المعاصرة :-

يرى اصحاب هذا الرأي أن ما يصدق على المجتمعات القديمة من حيث انفصال الدين عن القانون في النشأة يصدق أيضاً على المجتمعات البدائية المعاصرة إذ أن مجالات كل من الدين والقانون لدى أغلب القبائل البدائية العرفية للقانون .

نشأة وتطور قواعد القانون من خلال تواتر الأعراف الاجتماعية :-

لقد اسهمت كافة عوامل وعناصر الحياة الاجتماعية في نشاة قواعد القانون إذ أن القانون هو تنظيم لحياة الناس ولواقعهم الاجتماعي تلك الحياة وهذا الواقع بمثابة التربة التي منها نمت شجرة القانون وفيها ترعرعت ونادراً ما توجد حقيقة أو واقعة اجتماعية لا تسهم بطريق مباشر أو غير مباشر في نشأة القانون وتطوره لقد نشأت كافة قواعد القانون عن طريق النمو المتدرج والمتعدد المراحل في خطوات متعاقبة أن عملية نشأة القانون هي عملية يتجه بمقتضاها السلوك الإنساني المتفرد والمتكرر إلى خلق معايير وقواعد للسلوك هي أكثر مناسبة من غيرها لتحقيق الأهداف الاجتماعية تماماً وبنفس الكيفية

نشأة الوسائل الفنية القانونية ودورها في تطوير النظم القانونية :-

لقد اثرت النشأة العرفية للقانون على النحو السابق ايضاحه على تصور المجتمعات القديمة لوظيفة القضاء ورجال القانون فهؤلاء لا يطبقون قواعد سنها المشرع أو أمرت بها السلطة العليا ولكنهم يكتشفون الأعراف المؤجودة في الجماعة أي أن وظيفتهم كانت منحصرة في البحث عن القانون الموجود فعلاً وتطبيقه على التصرفات والعلاقات القانونية المختلفة .
ونجد مثالا واضحاً لذلك في مجتمع الفريزيين القدماء فقد ندرت في هذا المجتمع النصوص القانونية المدونة وكان عبء صياغة وإعلان القواعد القانونية العرفية يقع على عاتق موظف يحظى بعلو المكانة يسمى ولم يكن هذا الشخص يقوم بوظيفة القضاء في المجتمع ولكنه كان خبيراً قانونياً ينظر اليه على انه قد أوتى مفاتيح الفقه وعلم القانون على ان وظيفة هذا الشخص من الناحية الفعلية لم تكن تنحصر في مجرد إعلان الأعراف الاجتماعية القائمة بل تعدت ذلك إلى أحداث إضافات قانونية تهدف إلى موائمة الأعراف القائمة مع الواقع الاجتماعي المتجدد هذه الاضافات كان يطلق عليها اسم أي اضافات الحكماء.

س : تكلم عن المدونات القانونية القديمة ؟

طبيعة المدونات القانونية القديمة :

المدونات القديمة كانت تتميز بمجموعة من الخصائص العامة ترجع جميعها إلى الحالة البدائية للنظم القانونية وقت وضع وتجميع هذه المدونات وعلى وجه العموم ودون دخول في تفاصيل متعلقة بخصائص كل مدونة على حدة يمكننا إجمال خصائص المدونات القديمة فيما يلي :

1- المدونات القديمة لا تعتبر مرحلة جديدة في التطور القانوني :-
تمثل المدونات في جملتها تقدماً في القانون وفي المدينة عن عصر الرعي والزراعة إلا أن بعض هذه المدونات تضمنت ذات القواعد القانونية التي كانت سائدة في هذا العصر ويمكن القول بصفة عامة أن أهم ماحققته هذه المدونات هو تحديد العقوبات التي يكون للقاضي سلطة توقيعها وتأكيد المسائل التي كانت في حاجة إلى تأكيد يرفع مالابسها من شك وغموض .

2- المدونات القديمة لا تعتبر مدونات بالمعنى الحديث للكلمة :-
يقصد بكلمة مدونة ( تقنين ) في العصر الحديث والتشريع الجامع للقواعد القانونية المتعلقة بفرع من فروع القانون ولم يكن هذا هو المقصود من المدونات القديمة المعروفة حتى الآن فهي تشترك جميعها في أن الغاية منها لم تكن هي تدوين القانون ولكنها كانت تدويناً لبعض القواعد القانونية التي يثور من حولها النزاع أو التي تكون محلاً للخلاف في التطبيقات القضائية أي أن القواعد القانونية المعروفة جيداً والتي لا خلاف عليها ولم يكن هناك محل لوضعها في المدونة .

3- المدونات القديمة لم تكن مجرد تدوين للأحكام القضائية للأعراف المحلية :-
قد يرى البعض أن المدونات القديمة لم تكن سوى تجميع لبعض الأحكام القضائية أو الأعراف العامة ويقوم هذا الرأي من الناحية الأساسية على مفهوم خاطئ مؤداة أن القانون القديم لم يكن يعرف التشريع ومن ثم فإن المدونات ليست سوى تجميع الأحكام القضاء وللأعراف المحلية ولكن ليس هناك أي دليل على صحة هذا الرأي بل الثابت أن المدونات القديمة كانت عملاً تشريعياً يقوم على الإرادة الواعية .

4- صياغة المدونات بطريقة موجزة في جمل شرطية :-
ايا كان الوضع لإكتشاف الكتابة كوسيلة للتسجيل والتدوين فإن الملاحظ أن كافة هذه المدونات كانت تصاغ في جمل شرطية موجزة يبين شطر منها فرض القاعدة ويبين الشطر الآخر حكمها مع التعرض لتفصيلات دقيقة تفتقر إلى الفن القانوني الحديث في التجريد والعمومية وبلورة المفاهيم القانونية ولا شك أن ذلك يرجع الى بدائية الفن القانوني في هذه العصور .