شركة المفاوضة

تعريف المفاوضة:
المفاوضة في اللغة: المساواة:
وسميت الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة في رأس المال والربح وغير ذلك.
وقيل: هي مشتقة من التفويض، لأن كل واحد منهما يفوض أمر الشركة في مالٍ صاحبه على الإطلاق تصرفاً كاملاً.

المفاوضة في اصطلاح الفقهاء: أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في مالٍ على عمل بشروط مخصوصة.

حكم المفاوضة وأدلة الجمهور على بطلانها:
آ- حكمها:
ذهب الحنفية إلى صحة شركة المفاوضة عندما تستجمع شرائطها.
وذهب الجمهور إلى عدم صحتها بمفهومها عند الحنفية.

ب- أدلة الجمهور:
استدل الجمهور لبطلانها بما يلي:
1- أنها تتضمن الكفالة إلى جانب الوكالة، وكل واحد منهما عند انفراده لا يجوز، فبالأولى أن لا يجوز عند اجتماعهما، بيان ذلك أن شركة المفاوضة تضمنت الوكالة والكفالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز، ألا ترى أنه لو قال: وكلتك بالشراء أو بشراء الثوب لا تصح الوكالة؟ والكفالة بمجهول لا تصح أيضاً.

2- أنها عقد لم يرد الشرع بمثله فلم يصح، ولأن فيه غرراً، فلم يصح كبيع الغرر، وبيان غرره أنه يلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر، وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به، وقد أدخلا فيه الأكساب النادرة.

ومن هنا قال الشافعي رضي الله عنه: “إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا” أشار إلى كثرة الغرر والجهالات فيها.

أدلة الحنفية على صحتها:
استدل الحنفية على صحة شركة المفاوضة بما يلي:
1- الحديث: فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “فاوضوا فإنه أعظم بركة” وقال: “إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة”.

2- أن المفاوضة عقد يتضمن أمرين مشروعين هما الوكالة والكفالة فتصح لذلك، وما فيها من الجهالة مغتفر، لأنها تثبت تبعاً، والتصرف قد يصح تبعاً ولا يصح مقصوداً كما في شركة المضاربة، فإنها تتضمن الوكالة بشراء مجهول الجنس، وكذلك شركة العنان فإنها تشتمل على الوكالة العامة، وإن كان لا يصح هذا التوكيل حالة الانفراد.

3- تعامل المسلمين بها من غير نكير، فكان ذلك دليلاً على جوازها.

شروط صحة شركة المفاوضة عند الحنفية:
لصحة شركة المفاوضة شروط، منها الشروط الثلاثة الأولى التي مرت في شركة العنان وهي:

1- أهلية الوكلة في كل من العاقدين
2- أن يكون الربح معلوم القدر
3- أن يكون الربح جزءاً شائعاً
وهذه الشروط عامة في كل شركة.

ويضاف إلى هذه الشروط الشروط التالية، وهي الشروط الخاصة بشركة المفاوضة وهي:
1- أهلية الكفالة في العاقدين.

وذلك بأن يكونا حرين بالغين عاقلين راشدين غير محجور عليهما.
2- أن يكون رأس المال من النقدين: وهما المضروب من الذهب والفضة خاصة، وأما حصولها بالفلوس والتبر والنقرة ففيها ما مرّ في شركة العنان.

3- أن يتساوى الشريكان في مالهما الذي تصح به الشركة، فإذا كان المالان متفاضلين لم تصح مفاوضة، لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة، فلا بدّ من اعتبار المساواة فيها ما أمكن، والمساواة في القدر باتفاق، وفي القيمة على المشهور، فلو كانا متساويين في القدر، ولكنهما مختلفان في القيمة، كأن كان أحدهما دنانير صحاصاً، والآخر مكسرة، واختلفت القيمة لم يصح على المشهور.

4- أن يتساوى الشريكان في الربح: فلو شرط أحدهما لنفسه زيادة من الربح لم تصح مفاوضة، وقد تصح عناناً.

5- أن تكون المفاوضة في جميع التجارات، فلا يختص أحد الشريكين بتجارة دون شريكه، لأن في الاختصاص إبطالاً لمعنى المفاوضة وهي المساواة.

6- أن يتساوى الشريكان في حق التصرف في أموالهما عامة: فلا تصح مفاوضة بين عبد وحرّ، ولو كان العبد مكاتباً أو مأذوناً، لأن المكاتب قد يعجز عن أداء بدل الكتابة، فيعود عبداً فاقداً للذمة والمأذون محدود التصرف بالإذن لا يتعداه، أما الحرّ فمطلق التصرف.

ولا تصح كذلك بين مسلم وغير مسلم، لأنهما مختلفان في حق التصرف، إذ إن غير المسلم يصح منه شراء الخمر، دون المسلم، وأجازها أبو يوسف مع الكراهة، لاستوائهما في أهلية الوكالة والكفالة.

7- أن لا يكون لأحد المتفاوضين مال مما تصح فيه الشركة ولا يدخل في الشركة، فإن كان لم تكن مفاوضة، لأن ذلك يمنع المساواة.

وإن تفاضلا في الأموال التي لا تصح فيها الشركة كالعروض والعقار والدين جازت المفاوضة، وكذا المال الغائب لأن مالاً تنعقد عليه الشركة كان وجوده وعدمه سواء، وكان التفاضل فيه كالتفاضل في الزوجات والأولاد.

8- أن تكون الشركة بلفظ المفاوضة: لأن للمفاوضة شرائط لا يجمعها إلا لفظ المفاوضة ويقوم مقام لفظ المفاوضة ذكر جميع أحكامها وشروطها.

هذا ولا بدّ من البيان هنا أنه إذا فقد شرط من شروط المفاوضة انعقدت شركة عنان.

ما يترتب على شركة المفاوضة من الآثار:
إذا تمت المفاوضة مستوفية شرائطها جميعها نتج عنها حكمها، ويتلخص في الأمور التالية:
1- تطلق يد الشركاء جميعاً في مال الشركة على حد سواء، ويكن كل ما اشتراه أحد الشركاء مشتركاً بين الجميع، إلا طعام أهله وكسوتهم، وكذلك كل ما كان من حوائجه الخاصة، كاستئجار دار للسكن وشرائها لذلك، وما أشبه ذلك.

2- كل ما ينشأ عن تصرفات أحدهم فيما يخص الشركة من دين أو ضمان غصب، أو كفالة بمال أو غير ذلك، فإنه يلزم الآخرين بموجب عقد الشركة.

3- كل ما تحصل من ربح في الشركة يكون بين الشركاء بالتساوي، وكذلك الخسارة.

4- إذا حصل أحد الشركاء على مال من خارج الشركة مما تصح به الشركة، بطريق هبة أو إرث أو غير ذلك فقد فسدت شركة المفاوضة وانقلبت عناناً لاختلال أحد شروطها كما مرّ، لأن شرط التساوي في الأموال شرط صحة في الابتداء والبقاء على حد سواء.

5- إذا هلك مال الشركة جميعه بطلت الشركة.
__________________