دخول وتفتيش المنازل بواسطة الضابطة القضائية

يحتل المسكن حرمة خاصة في معظم التشريعات. وإنه لما كان ينضوي على خصوصيات جمة، فإن المشرع السماوي والمشرع الوضعي أحاطاه

بمجموعة من الضمانات حماية لحقوق الأفراد وممتلكاتهم كونه يعد أخطر الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية . والأصل أن التفتيش عملا من

أعمال التحقيق ، لا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على تهمة موجهة إلى شخص مقيم بالمسكن المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو اشتراكه في

ارتكابها ، أو في حالة وجود قرائن على وجود أشياء تتعلق بالجريمة في المسكن. و كان المفروض ألا يكون من حق ضابط الشرطة القضائية

اللجوء إلى تفتيش المسكن كإجراء من إجراءات البحث التمهيدي. ولكن المشرع خروجا عن هذا الأصل ، أعطى لضابط الشرطة القضائية حق تفتيش المسكن كإجراء من إجراءات البحث التمهيدي ، و لكنه قيد ذلك بشرط رضاء الشخص الذي يراد تفتيش مسكنه . فإجراء التفتيش يعتبر عملا من أعمال البحث التمهيدي وليس عملا من أعمال التحقيق ، و يشترط لصحته .

إن واجب الدولة في تعقب الجناة و ضبطهم و ضبط الأدلة التي تفيد في كشف الحقيقة، بهدف تحقيق العدالة الجنائية التي يجسدها ضباط الشرطة القضائية في مرحلة البحث التمهيدي، و قضاة التحقيق أثناء فترة التحقيق الإعدادي يستدعي هؤلاء – انتهاك – دخول المنزل وفق القانون لضبط الأدلة . لذلك قبل الغوص في قواعد تفتيش المنازل الشكلية و الموضوعية موضوع المطلب الثاني ينبغي منا محاولة تحديد مفهوم تفتيش المنازل و تمييز المفاهيم المشابهة له كمطلب أول.

مفهوم تفتيش المنازل و خصائصه

لم تتضمن التشريعات تعريف للتفتيش ( سواء الشخصي أو المنزلي ) و اكتفت بالنص على أنه من إجراءات أو معاملات التحقيق. لذلك تولى الفقه و القضاء مهمة وضع تعريف له الفقرة الأولى و ما دام أن إجراءات التحقيق ومنها التفتيش تشترك في مجموعة من الخصائص الأساسية : الأساس القانوني ، وحياد المحقق ، السرية ،

لم يعمل المشرع المغري شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي و المصري على تعريف التفتيش بل ترك ذلك للفقه و القضاء. و قد عرف ذالك بأنه إجراء من إجراءات التحقيق تقوم به سلطة حددها القانون تستوجب البحث عن الأدلة المادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها في محل خاص يتمتع بالحرمة بغض النظر عن إرادة صاحبه ” ، كما عرف” بأنه من التدابير المهمة أو الإجراءات الدقيقة التي تنصب على شخص أو محل أحاطه المشرع بضمانات خاصة سواء أثناء البحث التمهيدي، أو أعمال التحقيق للتثبت من وقوع الجريمة و ذلك في الحدود التي يقتضيها كشف الجريمة أثناء التلبس بجناية أو جنحة ” و ذهب رأي آخر يمثله: ” الإطلاع على محل له حرمته للبحث عما يفيد التحقيق”

” إجراء تحقيق يقوم به موظف مختص للبحث عن أدلة مادية لجناية أو جنحة و ذلك في محل خاص أو لدى شخص وفقا لأحكام القانون ” .

لم يعمل المشرع المغري شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي و المصري على تعريف التفتيش بل ترك ذلك للفقه و القضاء. و قد عرف بأنه إجراء من إجراءات التحقيق تقوم به سلطة حددها القانون تستوجب البحث عن الأدلة المادية لجناية أو جنحة تحقق وقوعها في محل خاص يتمتع بالحرمة بغض النظر عن إرادة صاحبه ” من التدابير المهمة أو الإجراءات الدقيقة التي تنصب على شخص أو محل أحاطه المشرع بضمانات خاصة سواء أثناء البحث التمهيدي، أو أعمال التحقيق للتثبت من وقوع الجريمة و ذلك في الحدود التي يقتضيها كشف الجريمة أثناء التلبس بجناية أو جنحة ” يعني :

” الإطلاع على محل له حرمته للبحث عما يفيد التحقيق” بأنه ” إجراء تحقيق يقوم به موظف مختص للبحث عن أدلة مادية لجناية أو جنحة وذلك في محل خاص أو لدى شخص وفقا لأحكام القانون ” .

و يتبين منه أن التفتيش بنوعيه، من إجراءات التحقيق الذي يعهد به إلى السلطات المخولة قانونا حق القيام بهذا الإجراء أو بأمر منها . فهو بذاته ليس بدليل و إنما وسيلة للحصول على الدليل . فالحفاظ على المصلحة العامة استوجب تعطيل و تجاوز الفردية وانتهاك حرمة المنزل قانونيا، لأنه لا يجوز أن تترك الأماكن و المساكن حيث تمارس الأعمال المخلة بالنظام العام أوالمنافية للآداب العامة مثل ممارسة أعمال الفسق و الدعارة أو استغلال الأطفال ….

و باستقراء تعريف الدستور المغربي للمسكن – المنزل – سواء في التعريفات الدستورية السابقة، أو حسب تعريف دستور 29 يوليو 2011 نجده ينص على أنه ” … لا تنتهك حرمة المنزل . ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلى وفق الشروط و الإجراءات التي ينص عليها القانون”

فالفصل أعلاه لم يعرف المنزل و لم يحدد طبيعة إجراءات التفتيش غير أنه بالتوسل بالفصل 511 القانون الجنائي المغربي نجده يحدد مفهوما للمنزل بقوله : ” يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى ، ثابت أو متنقل ، سواء كان مسكونا فعلا أو معدا للسكنى ، وكذلك جميع ملحقاته ، كالساحات و حظائر الدواجن و الخزين والإصطبل أو أي بناية داخلة في نطاقه مهما كان استعمالها، حتى و لو كان لها سياج خاص بها داخل السياج أو الحائط العام “

فالمشرع العقابي الموضوعي، توسع في مفهوم المنزل. مما يجعل معه أن أي تفتيش للمنزل قد يطال ملحقاته شريطة أن تكون متصلة اتصال قرار، مما يحيلنا إلى تعريف العقار في ظهير التحفيظ العقاري المغربي، وهو ما لا يستقيم طبعا لان القول بدلك سيلغي اخصاع ملحقات المسكن لإجراء التفتيش. لأن الاستنطاق الهادئ للمفاهيم المعبرة عن إرادة المشرع تتطلب منا معرفة واسعة بخبايا و أسرار اللغة القانونية فلفظ “مسكونا ” تثير أكثر من علامة استفهام بمعنى هل يحق إجراء التفتيش على منزل غير مسكون و يعتد بأي ضبط للأدلة في نطاقه ؟

و هل هدا الضبط إن صح قانونا سيعتد به كوسيلة إثبات جنائي لإدانة المتهم ؟ أما لفظ – داخلة في نطاقه – تثير إشكالا بخصوص هذا النطاق هل يجب توافر شرط الاتصال الترابي لملحقات المنزل أم لا، أو يجب فقط أن تكون توابع المنزل من ملحقاته متصلة به حتى لو كان له سياج خاص كما جاء في الفقرة الأخيرة من تعريف الفصل 511 .

قواعد تفتيش المنازل

إن البحث في كل جريمة ينطلق أساسا من مكان وقوعها، ولذلك فان الانتقال إلى مسرح الجريمة يعد من أهم الإجراءات التي يعتمد عليها ضابط الشرطة القضائية. وإذا كان التنقل إلى عين المكان ومعاينته من أهم العناصر في البحث الجنائي، فإن خيوط هذا البحث قد تقود ضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش المنازل وغيرها من المحلات وحجز ما بها من أدوات إثبات للجريمة. غير أن ذلك يكون محكوما بقواعد وشروط إجرائية كفقرة أولى وحتى يكون الإجراء سليما ولا يتعرض لجزاء البطلان فإنه ينبغي احترام شروط موضوعية كفقرة ثانية.

الاجراءات التشكيلية

إن الهدف من كل تفتيش هو إثبات الحقيقة أي ضرورة الوصول والاهتداء إلى الدليل المادي. لذلك عمد المشرع المغربي إلى تنظيم كيفية حفظ المحجوزات أولا ثم ألزم ضابط الشرطة القضائية المكلف بالتفتيش تحرير محضر حسب منطوق المادة 24 ق.م.ج ثانيا.

حفــــظ المحجوزات

طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 59 ق.م.ج، فإنه فيما عدا حالات جرائم المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية حيث يكون عدة جهات على الصعيد الوطني كالجهات المختصة بحماية أمن الدولة أو مكافحة الإرهاب معنية بالإطلاع على الوراق والمستندات. فانه لا يحق إلا لضابط الشرطة القضائية الإطلاع على الوثائق قبل حجزها. ويتعين على ضابط الشرطة القضائية إحصاء الأشياء والوثائق المحجوزة فورا وأن يلفها ويضعها في غلاف أو وعاء وأن يختم عليها، وفي حالة تعذر إحصائها فورا وجب عليه الختم عليها مؤقتا إلى حين إحصائها والختم عليها نهائيا.

ويجب أن يتم إجراءات إحصاء الوثائق والأشياء ولفها والختم عليها بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش سواء كان الختم نهائيا أو مؤقتا .

فإذا لم يحترم ضابط الشرطة القضائية الإجراءات أعلاه في حفظه للمحجوزات فإنه قانون المسطرة الجنائية وطبقا للمادة 63 منه يترتب على ذلك بطلان إجراءات التفتيش. ذلك أن هدف المشرع من السماح بالاعتداء على حرمة المسكن بإجراء التفتيش به، إنما هو الحصول على وسائل إثبات الجريمة بواسطة الحجز. فإذا لم يتم حفط هذه المحجوزات فهذا يدل على أن التفتيش لم يرم إلى تحقيق الهدف الحقيقي الذي توخاه المشرع منه ويتعين التصريح ببطلانه.

مـــحظر التفتيش والحجز

إن العمليات التي أنجزها ضابط شرطة قضائية تضمن لزوما في محضره، ويشار فيه إلى الحصيلة والنتائج التي أسفر عنها التفتيش مع وضع جميع المتحصلات المحجوزة في غلاف أو وعاء أو كيس مختوم بعد وصفها بدقة، ويوقع ذلك المحضر من قبل جميع من حضر عملية التفتيش إلى جانب ضابط الشرطة القضائية، وبشار إلى الممتنع منهم أو تعذر التوقيع .

كما يجب أن يبين المحضر الصفة التي يتمتع بها ضابط الضابط الشرطة القضائية و اسمه و زمان ومكان إجراء التفتيش، وما قام به من عمليات الحجز.

وفي هذا الصدد أكد المجلس الأعلى: “أن تحرير المحضر ممن ليس لهم الصفة يكون باطلا” . كما أن توقيع المتهم كما أشارت إلى ذلك المادة 24 تثير مجموعة من التساؤلات في حالة رفض المتهم التوقيع على المحضر الذي أعده ضابط الشرطة القضائية وهيأه مسبقا وهو المشاع عمليا، أو لرفض المتهم التوقيع أو الإبصام تلقائيا إما تعنثا أو لعدم تقته بجهاز الشرطة ككل…

فالفقرة الأخيرة تشير ذكر بيان أسباب الرفض غير أن هذه الصياغة لم تأتي بصيغة الإلزام، مما يفيد معه أن رفض التوقيع لا يؤثر في صحة المحضر وبالتالي يعتد به كوسيلة من وسائل الإثبات التي تعدم ضمانات الأفراد. وكون المشرع رجح كفة -محاضر الشرطة القضائية- على كفة -قرينة البراءة- هده الاخيرة كمبدأ يتصدر ق.م.ج المغربية ككل، ويتربع على هرم الدستور حاليا 29 يوليوز 2011- وهو ما لقي له صدى في إحدى قرارات المجلس الأعلى الذي اعتبر بأن عدم توقيع المتهم على المحضر لا يؤثر في صحة المحضر وبالتالي لا يخول البطلان.

إن عدم التزام الشكليات أعلاه من طرف محرر المحضر خاصة- صفة ضابط الشرطة القضائية، اسم وزمان ومكان إجراء التفتيش…- يجعل هذا المحضر باطلا طبقا لما نصت عليه المادة 63 ق.م.ج.