المسؤولية الجنائية للسكران فى القانون الليبي

اٍساس المسئولية الجنائية – كقاعدة عامة – فى جميع القوانين العقابية هى قوة الشعوروالاٍرادة , فلا يتصور ان تتم مسائلة اٍنسان جنائيا عن سلوكه , ما لم يكن متمتعا بحرية الاٍرادة للقيام بدلك السلوك , واٍن تكون تلك الارادة واعية و مميزة . و القانون الليبي لا يشد على تلك القاعدة .

اٍذ تنص المادة (79) عقوبات ليبي : ( لا يسأل جنائيا الا من له قوة الشعور و الأرادة .).

وتنص المادة (62) منه: ( لا يعاقب على فعل أو أمتناع يعده القانون جريمة الا اذا ارتكب عن شعور و ارادة .).

ودهب الدكتور احمد الالفى الى ٍان القانون الليبي يقصد بقوة الشعور هو قدرة الشخص على فهم ماهية سلوكه وتقدير النتائج التى تترتب عليه ,ويقصد بالارادة قدرة الشخص على توجيه ارادته الوجهة التى يبتغيها بحيث يكون حرا فى اختيار السلوك الدى يقوم به . (شرح قانون العقوبات الليبي – ص321- ط 1979 ) .

وقد دهبت المحكمة العليا الليبية على تأكيد هذا المفهوم عند نظرها للطعن الجنائى رقم 129/15ق جلسة 24/2/1970 حيث قضت انه : –

( لا تقوم المسئولية الجنائية فى حق الفاعل الا اذا كان وقت ارتكابه للفعل يتمتع بقوة الادراك , أي التمييز بين الخير و الشر و بين ما هو مباح و ما هو محظور , و ادراك ماهية العقاب للسلوك المخالف , و أن يتمتع أيضا بقوة الادراك أي حرية الاختيار الذى يقوم به اٍقداما و اٍحجاما .)

– {منشور فى الشامل للتعليقات على قانون العقوبات – ج1 – ص268 – ط2 – 2006}.

وحيث ان الموضوع يتناول المسئولية الجنائية لمتناول للخمر ,

فهو عند تناوله للخمر غالبا ما يفقد قوة الشعور و الارادة لدية , مما اثار اللبس عند البعض حول مسئوليته الجنائية .

موقف القانون الليبي من المسألة

اتبع المشرع الليبي المدهب الحديث اٍسوة بالقانون الايطالى , ودلك فى التفرقة ما بين حالات السكر المختلفة , و بين أثر كل منها على مسئولية متناول الخمر, بحيث قام بتقسيم حالات السكرالعادى الى أربع حالات مختلفة , و دلك على النحو التالى : –

اولا :- حالة السكر غير الارادى .

وهو السكر الدى ينتج عن أسباب خارجة عن ارادة الفاعل أو توقعه , نتيجة حادث طارىء أو قوة قاهرة , ففى هذة الحالة يعفى الجانى من المسئولية اٍدا كان السكر غير الارادى قد أفقده ادراكه كلية أو تنتقص المسئولية بنقصان الشعور . وهدا ما نصت علية المادة 87 عقوبات ليبي , وهى تقابل المادة 62 عقوبات مصرى والمأخودة عن القانون الهندى .

ودهب شراح القانون الليبي الى ان المادة 87 عقوبات ليبي تتعلق بان تكون حالة السكر بغير اختيار الشخص , وسواء كان تناوله للمادة المسكرة راجعا لحادث طارىء أو قوة قاهرة أو اعتقادا منه بأن هذة المادة غير مسكرة . و يحدث السكر غير الاختيارى عادة تحت تأثير اكراه أو استجابة لضرورة علاج مرض أو الاستعداد لاجراء جراحة , كما يحدث فى حالات نتيجة جهل الشخص بأثر المادة التى يتناولها .

( انظر د. احمد الالفى – مرجع سابق – ص358) .

ثانيا : – حالة السكر الأرادى الأختيارى .

وهى الحالة التى يتناول فيها الجانى الخمر بأرادته , و هو يعلم ان السائل الدى يتناوله هو خمر , وهنا تعتبر مسئولية الجانى كاملة , وبالتالى يسأل عن جميع اعماله من الناحية الجنائية , وحتى ولو لم يكن يقصد الوصول لحالة السكر عند تناوله للخمر , واعتبرت المحكمة العليا الليبية ان حالة السكر تعتبر نتيجة متوقعة لتناوله للخمر ( طعن جنائى رقم96/2ق جلسة5/12/1956) .

وقد نصت المادة ( 90) عقوبات ليبي على انه : – (لا يحول السكر الاختيارى دون مسئولية الفاعل و لا ينقصها .)

وعلى ضوء هدا النص فقد دهب القضاء العالى فى ليبيا الى اعتبار من يتناول الخمر بارادته يتمتع بمسئوليته الجنائية عن جميع الجرائم التى يقترفها لا فرق فى دلك بين الجرائم العمدية والخطئية, ولا فرق بالنسبة للجرائم العمدية بين ما يكتفى فيه القانون بالقصد العام و ما يتطلب لتوافره القصد الخاص , و لو كان المشرع الليبي يقصد غير دلك لكان فى وسعه مخالفته بالنص الصريح .( طعن جنائى 259/30ق جلسة 13/12/1984) .

وخلصت المحكمة العليا فى الطعن الجنائى 198/28ق الى ان السكران باختياره يسأل كما لو كان غير فاقد الشعور , ورفضت بناء على دلك طعن المتهم والدى دفع بعدم مسئوليته عن جريمة القتل العمد لعدم امكانية تصور قيام القصد الجنائى الخاص فى حقه ودلك لانه كان بحالة سكر اختيارى .

( منشور بالشامل للتعليقات – مرجع سبق دكره -ص300 ) .

ثالثا :- حالة السكر المدبر.

وهى ان تتجه ارادة الجانى الى ارتكاب جريمة معينة , ويتناول مواد مسكرة لكى يقوى عزمه ويزيد من جرأته . ولدلك رأى المشرع الليبي الى استحقاق مثل هذا الشخص لتشديد العقاب عليه , وليس فقط معاقبته بالعقوبة المقررة للجريمة .

ولدلك نصت المادة (88) عقوبات ليبي على انه : –

( لا يبرىء من المسئولية الجنائية ولا ينقص منها السكر المدبر لارتكاب الجريمة أو لتبريرها و انما تزاد العقوبة بمقدار لا يجاوز الثلث . ) .

ويدهب شراح القانون الليبي الى نص المادة 88 عقوبات يسرى على كافة الجرائم العمدية وغير العمدية.

رابعا : – حالة السكر المعتاد .

وهى كانت منصوص عليها بالمادة 89 عقوبات ليبى , ولكنه تم الغاء هدة المادة , وعلى دلك لم تعد حالة السكر المعتاد معمول بها , ودلك لتشديد المشرع الليبي على جرائم الخمر بكافة صوره من حيازة و احراز وشرب وتعاطى واتجار وتصنيع وتقديم واهداء وتسليم … الخ ,واصدار قانون خاص للمعاقبة عليها .