تسليم المجرمين في التشريع الجنائي الإسلامي

كثيرا ما يرتكب الفرد جريمة في إحدى الدول ثم يهرب إلى دولة اخرى خفية عن الأنظار و تخلصا من العقاب . و مما يسهل

عملية الهرب في زمننا الحالي المواصلات التي أتاحت تكوين عصابات إجرامية عالمية منظمة و من جهة اخرى الحدود بين الدول

الغير مراقبة و التي لا يوجد صعوبة كبيرة في إجتيازها .

لقد إهتمت جمنيع الدول بوضع قواعد و قوانين واضحة لتسليم المجرمين خاصة بعد إنتشار عصابات المخدرات و تزييف العملة

و تهريبها , فأوجدت الدول مراكز لها لها صفة دولية لمراقبة المجرمين الدوليين و إرسال المعلومات عنهم إلى الدوائر المختصة ,

كما أعطت الفرصة للدوائر القضائية كي يتصل بعضها ببعض مباشرة دون الرجوع إلى وزارة الخارجية او السلطات

الدبلوماسية .

و قد عرف التشريع الجنائي الإسلامي نظام تسليم المجرمين منذ صدر الإسلام ( عصر النبي محمد صل الله عليه وسلم )

عند القيام بالصلح بين المسلمين و كفار قريش و الذي أطلق عليه بصلح الحديبية .

و عقد المسلمون إتفاقيات و معاهدات بين الدول المجاورة بشأن هذا الموضوع و عالجوا في حياة الرسول صل الله عليسه وسلم

العديد من حالات اللجوء إليهم من العبيد و غيرهم .

أولا – التسليم لدولة إسلامية ( دار الإسلام ) :

لا يفرق التشريع الجنائي الإسلامي بين دولة إسلامية و دولة اسلامية اخرى طالما أن النصوص المطبقة فوق إقليمهم واحدة ,

فضلا على أن الأصل في مفهوم الشريعة الإسلامية هو وحدة العالم الإسلامي .

و عليه فإذا إرتكب مسلم أو ذمي أو مستأمن جريمة في دولة إسلامية ثم هرب إلى دولة إسلامية أخرى و طالبت الدولة التي و قعت

على إقليمها الجريمة بتسليمه فإن الدولة التي يقيم فيها الجاني على أرضها ملزمة بهذا التسليم إلا إذا كانت قد حاكمته طبقا لنصوص الشريعة الإسلامية و نفذت العقوبة عليه لأنه وفقا للقاعدة المتعارف عليها لا يجوز معاقبة نفس الشخص على نفس الفعل مرتين .

فإن كانت المحاكمة تمت على غير أساس التشريع الجنائي الإسلامي فلا يمكن للدجولة المطلوب منها التسليم أن تمتنع

عن تسليم الجااني إذا كانت الدولة طالبة التسليم تنوي محاكمته وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية .

و لا عبرة بالعقوبة التي وقعت على الجاني و لا قيمة للمحاكمة التي إنتهت بهذه العقوبة لأنها محامة باطلة لقيامها على

أسس و نصوص باطلة .

و للدولة المطلوب منها التسليم ان تمتنع عن التسليم إن كانت تنوي محكامة الجاني و تطبيق نصوص التشريع الجنائي الإسلامي

عليه و كانت الدولة طالبة التسليم لا تطبق نصوص التشريع الجنائي الاسلامي أو لا تنوي تطبيقها , و هذا لا يكون إلا في الجرائم

ذات العقوبات المقدرة ( حدود . قصاص و دية )

ثانيا – التسليم لدولة غير إسلامية ( دار الحرب ) :

يفرق التشريع الجنائي الإسلامي بين تسلمي المسلم و الذمي و تسليم المستأمن .

أ- تسليم المسلم و الذمي :

لا يجوز لدولة إسلامية أن تسلم رعاياها سواء كانوا مسلمين او ذميين ليحاكموا في دار الحرب عن جرائم إرتكبوها في تلك الدار ( دار الحرب ) .

و لا يجوز لدولة إسلامية أن تسلم رعايا دولة إسلامية أخرى لدولة غير إسلامية لأن هؤلاء في حكم رعاياها شرعا.

و لا يجوز لدولة إسلامية أن تسلم مسلما منتميا لدولة كافرة إذا هاجر إليها هربا و خوفا من الظلم و لو طالبت به دولة الغير مسلمة

, ما لم يكن هناك إتفاق و معاهدة بينهما فإن كان هناك إتفاق فيجب الوفاء بكل الشروط إلا الباطل منها .

و من بين الشروط الباطلة * تسليم النساء المسلمات اللاجئات لدار الإسلام * سواء لجأن قبل الإنفاق أو بعده عند إرتكاب جريمة أو

عدم إرتكابها .

و قد إختلف الفقهاء في صحة تسلمي الرجال لدولة غير مسلمة و ظهرت 3 آراء :

* الإمام أحمد و بعض فقهاء المالكية : يرون أن الشرط صحيح و يجب الوفاء به

* أبو حنيفة و بعض فقهاء المالكية : يرون أن الشرط باطل لانه لا يجوز تسلطي غير المسلم على المسلم بأي حال

*الشافعية : يفرقون بين من لهم عشيرة و من ليس لهم عشيرة تحميهم في دار الكفر , فيجيزون تسليم الأول دون الثاني خشية الفتنة .

بـ – تسليم المستأمن :

الأصل عدم جواز تسليم المستأمن للدولة التي يتبعها او لغيرها إذا طالبت به لمعاقبته على جريمة إرتكبها فيها لأنه يتنافى مع العهد بالامان الذي أعطته إليه الدولة الإسلامية .

لكن التسلمي يصبح واجبا إذا وجد إتفاق مع الدولة طالبة التسلمي يقضي بذلك , لأن التعهد بالأمان حينما أعطي للمستأمن كان مقيدا بالعهود التي قطعتها الدولة الإسلامية على نفسها للدولة غير الإسلامية .