تفاصيل قانونية حول جريمة التعذيب

إن الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي عرفها العالم جعلت المجتمع الدولي يتحرك لأول مرة أمام ما إرتكبه الأتراك من فضائع ضد الأرمن التي إستمرت ثلاث سنوات بدءا من سنة 1914 مرورا بالفضائح التي إرتكبها النازيون وصولا إلى ما إرتكبه بعض قادة القرن العشرين أمثال بينوشي وحسين حبري من قتل وتعذيب. فقد تمّ تقنين العديد من الإتفاقيات الدولية التي رسخت القيم الجوهرية والضرورية لإستمرار الجنس البشري وكانت أهم هذه القيم منع اللجوء للتعذيب .

مفهوم التعذيب

إن القانون الدولي أعطى للتعذيب تعريف يبدو للوهلة الأولى أنه واسع وذلك مراعاة للخصوصيات الأخلاقية لدول العالم فهو يمثل الحد الأدنى المتفق عليه بين الدول المتعاقدة كما أنه يتماشى مع الضروريات العملية المتمثلة في الحصول على أكبر قدر ممكن من تأييد الدول.

لقد عرف التعذيب في عدة مواثيق دولية غير أن أهم تعريف هو التعريف الذي أوردته إتفاقية الأمم المتحدة للوقاية وقمع التعذيب التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1984 والتي عرفت التعذيب في مادتها الأولى، لكن قبل التطرق لهذا التعريف لا بأس أن نذكر بعض الوثائق الدولية التي عرفت التعذيب سواء العالمية أو الإقليمية.
فنجد أن لجنة الدول الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه قدمت تعريفا للتعذيب بأنه “إستخدام أساليب ضد شخص ما بهدف مسح شخصية الضحية أو إضعاف قدراته الجسدية والعقلية حتى لو لم تسبب ألما جسديا أو مرضا عقليا”.
كما عرفه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد عام 1998 بأنه “إلحاق ألم مبرح أو معاناة سواء كان جسديا أو عقليا بشخص محتجز أو واقع تحت السيطرة”

كما نص مشروع الإتفاقية العربية لمنع التعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو المهينة، والتي صاغتها لجنة الخبراء برعاية المعهد الدولي للعلوم الجنائية بسيراكوزا إيطاليا سنة 1990 على أن “التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى أو العقوبة عنها بالتقادم”، وقد جاء هذا المشروع نتيجة لما إنتهى إليه مؤتمر حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في النظام الجنائي الإسلامي الذي عقد بالمعهد الدولي سنة 1979 والذي خلص إلى أن حقوق الإنسان الأساسية المستمدة من روح ومبادئ الشريعة الإسلامية تشمل فيما تشمل عليه الحق في عدم إكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه وعدم القبض التعسفي أو الجنسي أو التعذيب أو التصفية الجسدية

وقد عرفته المادة الأولى من إتفاقية مناهضة التعذيب كما يلي “1-لأغراض هذه الإتفاقية، يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على إعتراف، أو معاقبته على عمل إرتكبه أو يشتبه في أنه إرتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا
كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.
2-لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل”.

ويلاحظ من هذا التعريف ما يلي:

1-يمتد التعذيب ليشمل الألم الجسدي والنفسي، بمعنى أن التعذيب يمكن أن ينزل آلاما بدنية أو نفسية بالمجني عليه سواء كان متهما أو غير متهم غير أن أي ألم لا يعتبر من قبيل التعذيب إلا إذا كان على درجة من الجسامة.
2-جريمة التعذيب هي من الجرائم العمدية، التي يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي لدى الجاني.
3-يقتصر التعذيب على الفعل الذي يرتكبه موظف رسمي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية.
4-لا يمتد التعذيب إلى الألم أو العذاب الناشئ عن تطبيق عقوبات مقررة قانونا على المجرم.
5-يوحي عنوان الإتفاقية أنها تتعلق بكل من التعذيب ومختلف ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الاإنسانية أو المهينة غير أن الإتفاقية تكتفي بتعريف التعذيب دون المعاملة المقصودة

لقد ميزت الإتفاقية الدولية لعام 1984 بين التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة، إذ أفردت المادة الأولى لتعريف التعذيب كما سبق بيانه، ثم أوردت في المادة 16 تعريفا عاما لغيره من أوجه المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية، وذلك بقولها “تتعهد كل دولة بأن تمنع في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة الأولى عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية هذه الأعمال أو يحرض على إرتكابها أو عندما تتم بموافقته أو سكوته عليها” . ومن خلال هذا التعريف السابق الذي تم تبنيه على المستوى الدولي نجد أن هناك ثلاث عناصر أساسية تميز التعذيب عن غيره من الأعمال اللانسانية اتفقت عليها مختلف الجهات الدولية سواء العالمية منها مثل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أو لجنة مناهضة التعذيب أو الإقليمية مثل المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

1-عنصر الألم والمعاناة الشديدة:
لقد خلصت لجنة حقوق الإنسان إلى القول بوجود تعذيب إعتمادا على السلوك المتبع من الجاني كالإعتداء الجسدي، الصدمات الكهربائية، الإيهام بالإعدام، الوقوف لمدة طويلة إلخ… وهي سلوكات ينجم عنها ألم شديد سواء جسديا أو عقليا، لكنها لم تعطي إلا أمثلة لا يمكن إعتبار أنها هي فقط تعذيب بل يتم التعذيب بسلوكات أخرى لكنها أكدت على جسامة الألم والأمثلة المقدمة من طرفها تشترك جميعا في أنها تحدث معاناة كبيرة للضحايا. في حين أقرت اللجنة الأروبية أن إستعمال بعض تقنيات الإستنطاق مثل الوقوف لمدة طويلة، تغطية الرأس، التعرض للضجيج، الحرمان من النوم، الطعام أو الشرب تعتبر من قبيل أعمال التعذيب لما تحدثه من معاناة شديدة. وقد قررت المحكمة الأروبية في قضية إيرلندا ضد المملكة المتحدة أنه ليس هناك تعذيب إلا إذا تسبـبت المعاملـة

القاسية في معاناة بالغة الجسامة والقسوة. كما أن المقرر الخاص حول التعذيب في تقريره لعام 1986 أعد قائمة مفصلة للأعمال التي من شأنها أن تتسبب في المعاناة التي هي من الشدة بما يمكن تبرير وصفها بالتعذيب فذكر الإعتداء الجسدي، نزع الأظافر والأسنان، الحروق، الصدمات الكهربائية، الصلب إلخ… .

-2- وجوب توافر أحد الأغراض الممنوعة:
لقيام جريمة التعذيب يجب أن يكون الغرض من بين الأغراض المحظورة وإلا كان مجرد معاملة لا إنسانية وحسب إتفاقية مناهضة التعذيب فقد حددت قائمة بالأغراض المحظور ممارسة التعذيب من أجلها

3-وجوب صدور تلك الأعمال عن شخص له الصفة الرسمية:
إن وصف عون الدولة أو المتصرف بصفة رسمية، تنطبق على كل المكلفين بتنفيذ القانون، ويشمل هذا الإصطلاح جميع الموظفين المسؤولين عن تنفيذ القانون واللذين يمارسون صلاحيات الشرطة، ولا سيما صلاحيات الإعتقال والإحتجاز، سواء كانوا معينين أو منتخبين، وفي البلدان التي تتولى صلاحيات الشرطة فيها السلطات العسكرية، سواء كانت بالزي الرسمي أم لا، أو قوات أمن الدولة.

وهذه الصفة تمكنه من ممارسة الأفعال بنفسه أو تمكنه من إصدار أوامر ملزمة لمرؤسيه، وتجدر الإشارة هنا أن المرؤس يقع عليه حسب إتفاقية مناهضة التعذيب واجب رفض إطاعة أي أمر لممارسة التعذيب، كما لا يسمح له بالتذرع بتنفيذ أوامر الرئيس كمبرر للتعذيب