حرية تأسيس الأحزاب السياسية بالدول المغربية

ﺗﻌﺘﺑﺮ اﻷﺣﺰاب اﻟﺳﻴﺎﺳﻴﺔ أﺣد ﻋﻧﺎﺻﺮ اﻟﻧظﺎم اﻟﺳﻴﺎﺳﻲ اﻟﺣدﻳث، اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺣدد دورھﺎﺑﻣدى ﻣﺷﺎرﻛﺘها اﻟﺳﻴﺎﺳﻴﺔ – ﺑﺻورة ﻣﻧﻔﺮدة أو ﻣﺷﺘﺮﻛﺔ – ﺳواء في اﻟﺣﻛم أو في ﻣﻌﺎرﺿﺘﻪ، على اﻟﻣﺳﺘوﻳﺎت اﻟوطﻧﻴﺔ والإﻗﻠﻴﻣﻴﺔ واﻟﻣﺣﻠﻴﺔ، وﻓﻘﺎ ﻷﺣﻛﺎم اﻟدﺳﺘور واﻟﻘواﻧﻴن المؤطرة لها في اﻟدوﻟﺔ .

ولهذا نجد مختلف الدول التي تعرف الظاهرة الحزبية تعمل على ضبط مجال اشتغالها وتحديد وظائفها.

أولا: التأصيل الدستوري للظاهرة الحزبية بالدول المغاربية

في دول المغرب الكبير نجد أن دساتير هذه الدول تنص صراحة على الأحزاب السياسية وتحدد وظائفها؛ ففي المغرب كل الدساتير المغربية بدءا من دستور 1962 إلى غاية دستور 1996 دأبت على التنصيص في بابها الأول ” أحكام عامة”، في فصلها الثالث على أن الأحزاب السياسية(…) تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، لكن ففي دستور سنة 2011 تم الارتقاء بالأحزاب على المستوى الدستوري وإعطائها أهمية بالغة حيث أصبحت مؤسسة دستورية منصوص عليها في فصل مستقل ؛ حيث نجد الدستور ينص في فصله السابع على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية. وتم أيضا إسناد عملية تنظيمها إلى قانون تنظيمي بدل قانون عادي.

أما الدستور الجزائري لسنة 1996 نجده في الباب الأول المتعلق بالمبادئ العامة ينص في الفصل 42 منه على أن حق تأسيس الأحزاب السياسية معترف به ومضمون.

في حين في تونس؛ فلا نجد لعبارة الأحزاب السياسية مكانا في الدستور التونسي لسنة 2006 ما عدا التلميح إلى بعض الحقوق والحريات كحرية الاجتماع وتأسيس الجمعيات.
أما في ليبيا فالإعلان الدستوري المؤقت الصادر عن المجلس الانتقالي لما بعد ثورة 17 فبراير 2011 ينص في مادته 15 على أن الدولة تكفل حُرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر مُنظمات المُجتمع المدني.
وبخصوص الدستور الموريتاني فإنه ينص على أن الأحزاب السياسية تساهم في تكوين الإرادة السياسية والتعبير عنها، وتضمن الدولة حرية تأسيسها وممارستها لنشاطها بكل حرية .
من خلال ما سبق يتضح أن جل دساتير دول المغرب الكبير تعترف وتضمن حرية تأسيس الأحزاب السياسية، غير أن هذه الحرية تخضع لمجموعة من الضوابط تحدد سواء بموجب أحكام الدستور وفصوله، أو بواسطة قوانين خاصة تؤطر النشاط الحزبي بهذه الدول؛ وتختلف درجات القوانين التي تؤطر الأحزاب في الدول المغاربية حيث نجد في البعض منها تؤطر بموجب قوانين عادية وفي دول أخرى بواسطة قوانين تنظيمية أو عضوية، وأحيانا أخرى بموجب مراسيم.

ثانيا: شروط تأسيس الأحزاب السياسية بالدول المغربية

يضمن الدستور المغربي حرية تأسيس الأحزاب في نطاق احترام الدستور والقانون، بحيث لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان، كما لا يجور أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي أو النظام الملكي أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة.

ويشترط في تأسيس الأحزاب السياسية بالمغرب أن يكون الأعضاء المؤسسين والمسيرين له ذوي جنسية مغربية بالغين من العمر 18 سنة شمسية كاملة على الأقل، ومسجلين في اللوائح الانتخابية العامة و متمتعين بحقوقهم المدنية و السياسية.

كما يجب على الأعضاء المؤسسين و المسيرين أن يكونوا حاملين للجنسية المغربية وغير متحملين لأية مسؤولية سياسية في دولة أخرى قد يحملون جنسيتها . ويوجه تصريح تأسيس الحزب السياسي إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية مقابل تسلم المؤسسين لوصل إيداع.
ويجب أن ينعقد المؤتمر التأسيسي للحزب المصرح بمطابقة تأسيسه للقانون داخل أجل سنة على أبعد تقدير، ولا يعتبر اجتماع المؤتمر التأسيسي قانونيا إلا إذا حضره 1000 مؤتمر على الأقل.
أما عن شروط تأسيس الأحزاب السياسية في الجزائر، فالدستور يضمن حرية تأسيسها لكن لا يجب الاستناد على هذا الحق لضرب الحريات الأساسية والقيم والمكونات الأساسية للهوية والوحدة الوطنية، وأمن التراب الجزائري وسلامته واستقلال البلاد وسيادة الشعب والطابع الديمقراطي الجمهوري للدولة.

وكما هو الشأن بالنسبة للمغرب فإنه يحظر تأسيس أي حزب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. ولا يحق لأي حزب أن يلجأ إلى استخدام العنف أو الإكراه.

كما يمنع تأسيس أي حزب سياسي أو المشاركة في تأسيسه أو في هيئاته المسيرة كل شخص مسؤول عن استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية. كما يمنع من هذا الحق كل من شارك في أعمال إرهابية ويرفض الإعتراف بمسؤوليته في المشاركة في تصور وانتهاج وتنفيذ سياسة تدعو للعنف والتخريب ضد مؤسسات الدولة؛ وهذه المادة أثارت نقاشا حادا بين مختلف مكونات المجتمع السياسي الجزائري باعتبارها موجهة ضد تيار سياسي معين وخاصة أعضاء الجبهة الاسلامية للإنقاذ التي حاول القانون الجديد إقصاءها وقطع الطريق عليها من المشاركة في الحياة السياسية الجزائرية.
كما لا يجوز تأسيس أي حزب سياسي يكون عمله أو موقفه مخالفا لمصالح الامة أو مبادئ ثورة أول نوفمبر 1954 ومثلها. أو له أهداف مناهضة للقيم والمكونات الاساسية للهوية الوطنية، أو الوحدة والسيادة الوطنية، أو الحريات الأساسية. كما تمنع على الأحزاب السياسية كل تبعية للمصالح الأجنبية أيا كان شكلها.

ويشترط في الأعضاء المؤسسين للحزب السياسي بالجزائر أن يكونوا متوفرين على الشروط التالية:

أن يكونوا من جنسية جزائرية ؛
أن يكونوا بالغين سن 25 سنة على الأقل؛
أن يتمتعوا بالحقوق المدنية والسياسية وألا يكون قد حكم عليهم بعقوبة سالبة للحرية بسبب جناية أو جنحة أو لم يرد إليهم الاعتبار؛
أن لا يكونوا قد سلكوا مسلكا معاديا لمبادئ ثورة أول نوفمبر 1954 ومثلها، بالنسبة للأشخاص المولودين قبل شهر يوليو سنة 1942؛
ويجب أن تكون ضمن الأعضاء المؤسسين نسبة من النساء؛
ويسلم التصريح بتأسيس حزب سياسي بإيداع ملف لدى وزارة الداخلية، وللوزير المكلف بالداخلية أجل 60 يوما للتأكد من مطابقة التصريح بتأسيس الحزب السياسي. وبعد مراقبته مطابقة وثائق الملف مع أحكام القانون العضوي يرخص الوزير المكلف بالداخلية للحزب السياسي بعقد مؤتمره التأسيسي.
وقد أثارت هذه المادة جدالا كبيرا في الأوساط الحزبية التي اعتبرت أن الإدارة تحتكر بموجبها سلطة القرار في منح التراخيص، بحيث يستحيل إمكانية عقد أي حزب مؤتمره التأسيسي إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية في مهلة لا تتعدى 60 يوما من إيداع الطلب .

ويتعين على الأعضاء المؤسسين أن يعقدوا مؤتمرهم خلال أجل أقصاه سنة يبتدأ من إشهار الترخيص، ولكي يكون المؤتمر التأسيسي منعقدا بصفة صحيحة، فإنه يجب أن يكون ممثلا بأكثر من ثلث عدد الولايات على الأقل موزعة على التراب الوطني.

ويجب أن يجمع المؤتمر التأسيسي بين أربعمائة وخمسمائة مؤتمر، دون أن يقل عدد المؤتمرين عن 16 مؤتمرا عن كل ولاية.
أما في تونس فيجب على الأحزاب السياسية أن تحترم في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ الجمهورية وعلوية القانون والديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة والشفافية والمساواة وحياد الإدارة ودور العبادة والمرافق العامة واستقلال القضاء وحقوق الإنسان كما ضبطت بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية التونسية. كما يمنع أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية.

ويشترط في مؤسسي الحزب السياسي ومسيريه ـ في تونس ـ التمتع بالجنسية التونسية وبحقوقهم المدنية والسياسية كاملة. كما يشترط في المنخرطين في حزب سياسي أن يكونوا حاملين للجنسية التونسية وأن لا تقل أعمارهم عن ستة عشر (16) سنة. ولا يجوز الانخراط في أكثر من حزب سياسي.

ويسهر الوزير الأول في تونس على تلقي تصاريح تأسيس الأحزاب السياسية من الراغبين في تأسيس حزب سياسي حيث يجب أن يرسلوا مكتوبا مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ إلى الوزير الأول يتضمن الوثائق المطلوبة لتأسيس حزب سياسي والواردة في المرسوم المتعلق بالأحزاب .
ويمكن للأعضاء المؤسسين للحزب السياسي أن يعقدوا المؤتمر التأسيسي بعد توصلهم ببطاقة الإعلام بالبلوغ ، و يعتبر عدم رجوع بطاقة الإعلام بالبلوغ في أجل ستين (60) يوما من إرسال المكتوب قرارا ضمنيا بعدم الاعتراض على تأسيس الحزب.
في ما يخص موريطانيا، فالأحزاب السياسة يمنع عليها القيام بأية دعاية مخالفة لمبادئ الإسلام الحنيف. ولا يمكن لأي حزب سياسي أن ينفرد بحمل لواء الإسلام، وتلتزم الأحزاب السياسية بأن تمتنع في أنظمتها الأساسية وفي برامجها وفي أدبياتها وأنشطتها السياسية عن ما يلي:

– أية دعوة إلى عدم التسامح أو العنف؛
– إثارة أي تحركات من شأنها المساس بالنظام والسلم والأمن العموميين؛
– أي انحراف عن غرضها في اتجاه إقامة منظمات عسكرية أو شبه عسكرية أو ميليشيات مسلحة أو مجموعات حرب؛
– كل دعاية تستهدف المساس بالحوزة الإقليمية للبلاد أو من وحدة الأمة .

كما أن الأحزاب السياسية في موريطانيا تلتزم بالامتناع عن أي تعاون أو تنسيق مع جهة أجنبية على أسس مناقضة للقوانين .ولا يسمح لأي حزب أو تجمع سياسي بأن يتكون على أساس عنصري أو عرقي أو جهوي أو قبلي أو جنسي أو طائفي .
ويجب على كل حزب سياسي ليكون تكوينه مشروعا أن يصرح بهذا التكوين لدى الوزير المكلف بالداخلية ويتم هذا التصريح عن طريق إيداع ملف مقابل وصل. ولا يجوز أن يقل عدد المؤسسين لأي حزب عن عشرين شخصا.
كما لا يجوز أن يكون أعضاء مؤسسين أو قادة لحزب إلا الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط التالية :
– أن يكونوا من جنسية موريتانية منذ الولادة أو حائزين على الجنسية الموريتانية بالاكتساب منذ عشر سنوات؛
– أن لا تقل أعمارهم عن 25 سن؛
– أن يتمتعوا بحقوقهم المدنية والسياسية وأن لا يكونوا قد حكم عليهم بسبب ارتكاب جريمة أو جنحة في القانون العام بعقوبة مخلة بالشرف ويجب أن يقيم الأعضاء المؤسسون والقادة داخل التراب الوطني.
في حين في لييبا فالأحزاب السياسية تساهم في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي باعتبارها تنظيمات سياسية شعبية ديمقراطية تعمل على تنظيم وتوعية المواطنين وتمثيلهم سياسيا .

ويشترط للتصريح للحزب بممارسة نشاطه ما يلي :
ـ ألا تتعارض مبادئه وأهدافه وبرامجه ووسائله مع المبادئ الثابتة في دستور الدولة.
– ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين عن (100) عضو.
ـ علانية مبادئه وأهدافه ووسائله ومصادر تمويله.
ـ عدم قيامه على أساس قبلي أو جهوي أو عرقي أو لغوي .
ـ ألا يكون امتداداً أو فرعاً لحزب سياسي أجنبي، أو مرتبطاً به تنظيمياً.
ـ أن يكون له نظام داخلي وبرنامج عمل سياسي
ويقدم طلب تأسيس الحزب إلى دائرة الأحزاب السياسية التابعة للمحكمة العليا، موقعاً عليه خمسين عضواً من أعضائه المؤسسين ممن تتوفر فيهم الشروط الآتية :
ـ أن يكون العضو المؤسس ليبياً، وإذا كان متجنساً بالجنسية الليبية ينبغي أن يكون قد مر على تجنسه عشر سنوات على الأقل.
‌ـ متماً 21 عاماً من العمر.
‌ـ مقيماً عادة في ليبيا.
‌ـ متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية.
‌ـ غير منتسب لحزب سياسي آخر
و تقرر دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة العليا الموافقة على تسجيل الحزب بعد فحص وثائقه والتأكد من عدم تضمنها ما يمنع من ذلك وفق ما ينص عليه القانون، وتبلغ بالقرار الهيئة طالبة التسجيل خلال (60) يوماً من تاريخ تقديم الطلب. ويعد عدم البت بالطلب بانتهاء المدة المذكورة بمثابة الموافقة على التأسيس .

استنتاج:

من خلال قراءة متمعنة في شروط المطلوبة لتأسيس الأحزاب السياسية بدول المغرب الكبير، والهيأة المشرفة على التأسيس المتمثلة في وزارة الداخلية .يتضح أن هذه القوانين تمنح سلطة واسعة لوزارة الداخلية لقبول أو رفض التصريح لتأسيس الأحزاب السياسية، كما لها سلطات مطلقة في إحالة ذلك على القضاء.
وبالتالي تستطيع وزارة الداخلية التحكم في المشهد الحزبي والسياسي والانتخابي بشكل بئيس. ومن ثم فإن الحل يكمن في استقلالية تدبير تأسيس الأحزاب السياسية عن وزارة الداخلية واضطلاع القضاء بذلك.
غير أن إحالة ملف تأسيس حزب معين أو ملف انتخابي معين على القضاء لا يؤسس لحياة سياسية ديمقراطية نزيهة وحرة ، بل يجب أن تضطلع سلطة قضائية مستقلة تدبير ملف تأسيس الأحزاب السياسية وتدبير الانتخابات. أما دون ذلك سيظل التحكم القبلي والبعدي في المشهد الحزبي والسياسي والانتخابي لوزارة الداخلية هو سيد الموقف.