مقال قانوني مفيد حول غسيل الأموال

ا/ هران

غسل الأموال.. حكمه وخطورته!

غسل الأموال أو تبييض الأموال أو الجريمة البيضاء كل هذه مسميات تطلق على جريمة واحدة وإن كان المسمى الأول أكثر شيوعاً من المسميات الأخرى ولقد كثر في الآونة الأخيرة التطرق إلى غسل الأموال عبر وسائل الإعلام وعن اكتشاف عصابات تمارس تلك الجريمة.
تعريفه: تعددت تعاريف غسل الأموال ويمكن أن نقتصر على تعريف واحد وهو إعلان بازل عام 1988م حيث عرفه بأنه (جميع العمليات المصرفية التي يقوم بها الفاعلون وشركاؤهم بقصد إخفاء المصدر الجرمي للأموال وأصحابها). هي عملية تدوير للأموال غير المشروعة تساعد العصابات الإجرامية على إخفاء وستر وتمويه المصدر الحقيقي غير المشروع لهذه الأموال
ولكي نوضح مفهوم غسل الأموال ببساطة شديدة بأن المجرم عندما يحصل على الأموال غير المشروعة عن طريق ارتكاب جريمة ما، فإن إدخاله لتلك الأموال وإخفاء مصدرها ودمجها في عجلة الأموال المشروعة لا يقل خطورة عن الجريمة ذاتها وذلك لأن البنوك تطلب من العميل تحديد مصدر تلك الأموال وإلا أصبحت تلك الأموال مشكوكاً فيها وبالتالي يقوم البنك بإبلاغ الجهات المختصة، فلو أخذنا مثلاً جريمة المخدرات نجد أن إدخال المجرم للأموال التي أكتسبها عن طريق المخدرات إلى المؤسسات المصرفية وإخفاء مصدرها ودمجها في عجلة الأموال المشروعة دون أن يكتشف أمره لا يقل خطورة وصعوبة عن جريمة المخدرات ذاتها.

أهمية موضوع غسيل الأموال:

إذا علمنا بأن حجم الأموال التي تتداول في عمليات غير مشروعة يبلغ تقريباً 1.4 تريليون دولار وإذا علمنا أيضاً بأن تجارة غسيل الأموال هي ثالث أضخم نشاط في العالم من بعد نشاط صرف العملة وصناعة السيارات لعلمنا مدى أهمية مكافحة غسيل الأموال وأسبابه.

وتلاحظ عزيزي القارئ أن المبالغ هذه تعتبر كبيرة جداً وخيالية وتؤكد خطورة جريمة غسل الأموال وما يترتب عليها آثار كبيرة على العالم.

البنوك ودور الوسيط المالي:

لقد مثلت المصارف في الماضي دور “الوسيط الموثوق به” أكثر من أي شيء آخر وفي وقت ندرت فيه المعلومات عن الشركاء التجاريين والتجارة بشكل عام، استطاعت البنوك أن تكون مصدراً جيداً للمعلومات واستطاعت أن تدير المخاطر وتسهل التجارة.

البنوك وسيط عالمي في العالم الإلكتروني:

وما من شك أنه في العصر الحديث استطاعت الإنترنت أن تجمع ما بين الفرقاء في عالم التجارة، وهؤلاء الفرقاء يحتاجون بلا شك أيضاً إلى بنوك خبيرة تقدم لهم المعلومات والإدارة والتسهيلات التجارية.

ومن هنا يجدر القول بأن البنوك هي بلا منازع الطرف الثالث الذي يسمى بـ “المستشارين الموثوق بهم” وهو الدور الذي هيمنت عليه البنوك منذ القدم بلا منازع، ولذلك فعلى البنوك أن تتطور وفي الوقت نفسه عليها أن تأخذ جانب الحذر واليقظة، فلقد قالوا دائماً أنه في لحظة اتخاذ أي قرار يجب أن نتذكر أن أفضل عمل تقوم به هو العمل الصحيح والذي يليه في ذلك هو العمل الخطأ، ولكن يظل دائماً أسوأ شيء يمكن أن يحدث هو ألا تفعل شيء أبداً.

ولكن ما هي الأنشطة التي تؤلف مصدراً جيداً لعمليات غسيل الأموال؟

أهم هذه الأنشطة:

1-تجارة المخدرات.
2-الاختلاسات.
3-التدليس.
4-المقامرة.
5-الابتزاز.
6-الرشوة.
7-التزييف.
8-تجارة الأسلحة غير المشروعة.
9-الإرهاب.
10-الاختطاف.

من هم اللاعبون الرئيسيين في نشاط غسيل الأموال؟

1-عصابات المافيا الأمريكية.
2-عصابات المافيا البلغارية.
3-العصابات الآسيوية.
4-المافيا البولندية.
5-المافيا الروسية.
6-عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية.
7-المنظمات اليابانية الإجرامية.
كيف تتمكن العصابات الإجرامية من غسيل الأموال؟

يتم ذلك على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تسمى مرحلة التوظيف.
المرحلة الثانية: مرحلة التمويه
المرحلة الثالثة: مرحلة الدمج.
وفيما يلي إيجاز لكل منها:

أولاً: مرحلة التوظيف:
والهدف من هذه المرحلة هو وضع الأموال غير المشروعة داخل النظام المالي إما عن طريق نقلها بكميات صغيرة في حقائب بواسطة المسافرين أو عن طريق نقلها بالبحر مع تجار عاديين في بعض الأحيان. كما يمكن الاعتماد على عدد كبير من الأشخاص المرتزقة بحيث يتم من خلالهم ايداع مبالغ صغيرة متعددة في عدد مختلف من الحسابات ومن ثم تجميعها بعد ذلك مصرفياً في حساب واحد بطريقة لا تثير الكثير من الشبهات ويتولى المرتزقة مهمة تفتيت هذا الحجم الهائل من الأموال إلى مبالغ صغيرة ويمكن أيضاً تحويلها إلى بضائع مختلفة صالحة للنقل أو الشحن.

ثانياً: مرحلة التمويه:
ويتم فيها العديد من العمليات المعقدة بهدف إخفاء الدر الحقيقي للأموال ومنها على سبيل المثال:

1-خطابات اعتمادات غير أصلية.
2-شراء ثم إعادة بيع عقارات أو أغراض ثمينة.
3-شراء تذاكر اليانصيب الرابحة.
4-شراء حصص في محافظ استثمارية.

ثالثاً: مرحلة الدمج:
ويتم فيها ضخ الموال في الاقتصاد مرة أخرى لتبرير ثروات “غاسلي الموال” وجعلها تبدو من مصدر مشروع، وأمثلة على ذلك:
1-الودائع النقدية.
2-استثمارات في محافظ استثمارية، أوراق مالية، تحف فنية، رسومات فنية، صناديق استثمار، عقارات.
3-مشاريع رأسمالية.
و هناك عدة طرق غير نقدية يسلكها المجرمون في غسل أموالهم لإخفاء مصدرها ومن ثم دمجها في عجلة الاقتصاد وكأن مصدرها مشروع ومن تلك الطرق أن تقوم تلك المنظمات الإجرامية بشراء عقارات أو ذهب ومجوهرات أو سلع معينة التحويلات بالسويفت والإنترنت وغيرها والشيكات السياحية ولأوامر المصرفية وأوامر الدفع والسندات والأوراق المالية أو أية أدوات مالية شبيهة أخرى ثم يقومون ببيع ما سبق لهم شراؤه مقابل الحصول على شيكات مصرفية بالقيمة ثم يقومون بفتح حسابات لهم بقيمة هذه الشيكات لدى البنوك المسحوب عليها، وإن كانت هذه الطريقة فيها نوع من الصعوبة لأن أغلب الذين يقومون ببيع سلع معينة يطلبون أن يكون المبلغ شيكاً مصدقاً وليس نقداً.

أنشطة حديثة ساهمت في غسيل الموال:

1-ظهور العولمة.
2-الاستعانة المتزايدة بمؤسسات غير مالية في النشاط المالي مثل: (وكالات عقارية – محامين – محاسبون قانونيون)
3-تزايد نشاط الابتزاز المالي.
إن عمليات غسيل الأموال قد تمس كثيراً قطاع البنوك ولا يزال هذا القطاع معني كثيراً ومستهدف بالدرجة الأولى بهذا النشاط لكونه الخط الأول الذي عن طريقه يتم غسيل الأموال لذلك فإن تورط بنك أو مصرف في مثل هذا النشاط يمس كثيراً سمعته المالية والمصرفية، كما يعرضه إلى كثير من المشاكل القانونية ضده وضد موظفيه، الأمر الذي يعرضهم أيضاً إلى العديد من المشاكل والغرامات المالية أو التعرض للحبس القانوني. ولكن مادام الأمر كذلك، فما هي أهم وسائل مكافحة غسيل الأموال.

موقف الشريعة الإسلامية من غسل الأموال:

لا شك أن جريمة غسل الأموال تعتبر في الشريعة الإسلامية محرمة لكونها من كسب خبيث ولقد توافرت النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الخبائث فمن الكتاب قوله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) صورة الأعراف آية 157.
أما من السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)، رواه البيهقي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا).

سياسات مكافحة غسيل الأموال:

طرق مكافحة غسيل الأموال متعددة ومنها على سبيل المثال:

1-عقد برامج تعريفية خاصة للتعرف على العملاء.
2-تصميم وإنشاء وإيجاد وظائف معنية بموضوع “الالتزام” وإيجاد موظفين مختصين بها.
3-إجراءات خاصة بالسجلات والتقارير.
4-نظم مراقبة فعالة لتحديد ومراقبة العمليات المشبوهة والإقرار عنها.
5-المراجعة الذاتية والتدريب المستمر على عمليات مكافحة غسيل الأموال.

والآن نتناول بعض من هذه الوسائل بإيجاز:

أولاً: بالنسبة لوسائل معرفة العميل:
1-حدد الهوية الحقيقية لعملائك.
2-احصل على كافة المستندات والمعلومات المتعلقة بعميلك واحتفظ بها
3-استخدم المعلومات التي حصلت عليها في محاولة التقييم العادل لمركز ونشاط عميلك.
4-استخدم وسائل آلية لتحديد العمليات المشبوهة.
5-تابع وراقب حركة أموال عميلك والتغيرات الهامة فيها.
7-إن أهم عامل في المراقبة هو محاولة اكتشاف العمليات غير العادية والغير متوافقة مع طبيعة النشاط الرسمي للعميل أو لطبيعة حسابه.

ثانياً: بالنسبة لإجراءات المراقبة:
ركز متابعاتك على ما يلي:
1-العملاء أصحاب الأنشطة عالية المخاطر.
3-مصادر أموال العملاء.
3-العمليات غير المتوافقة مع التطور التاريخي لحساب العميل.
كما يجب توخي الحذر عند الاستفسار عن مصدر الأموال، فيجب هنا الأخذ في الاعتبار ما يلي:
1-طريقة وصول الأموال (إيداع نقدي-تحويل بشيك-تحويل آلي)
2-اسم المؤسسة المالية المراسلة.
3-النشاط مصدر المال (شراء أو بيع عقار… الخ)
كما يجب أخذ ما يلي في الاعتبار:
1-التوقعات المستقبلية لنشاط العميل.
2-صافي الثروة.
3-صافي الدخل
. ويمكن للمؤسسة أن تتابع التعرف على العميل المشكوك فيه من خلال ما يلي:
1-زيارات ميدانية لمنزله-لمكتبه-لمصنعه مثلاً.
2-متابعة يومية لحركة حسابه وعملياته اليومية.
3-الصحف اليومية والمجلات والنشرات الدورية.

مؤشرات غسيل الأموال:

يمكن من خلال عدد من المؤشرات والعلامات أن يكون المصرف فكرة عن عميله من العمليات المشبوهة وذلك من خلال ملاحظة ما يلي:
1-نشاط كثيف على الحساب ورصيد منخفض.
2-تحويلات متعددة من وإلى الحساب نفسه.
3-عدم حساسية حساب العميل لتكاليف العمليات.
4-تغيرات مفاجئة على الحساب تتعارض مع النشاط التاريخي له.
5-ايداعات من أشخاص متعددين بنفس الحساب.
6-رفض العميل لإبراز ما يدل على هويته.
7-رسائل خاصة بالحساب واردة عن طريق الفاكس أو عن طريق صورة ورقية فقط.
8-أسماء كفلاء ذوي علاقة يصعب الاتصال بهم أو التعرف عليهم.

الأماكن والدول المشبوهة لغسيل الأموال:

1-دول تعاون في انتاج المخدرات مثل:
بورما-كولومبيا-بيرو-لاوس-كمبوديا.
2-دول تشترك في نقل وشحن المخدرات مثل: نيجيريا-تركيا-هولندا-أسبانيا-المكسيك.
3-دول أسواق للمخدرات مثل: الولايات المتحدة الأمريكية – أوروبا
4-الدول غير المتعاونة مع منظمة مكافحة غسيل الأموال Fatf
الصناعات والأنشطة التي يكثر فيها غسيل الأموال:
1-وكالات شركات السياحة.
2-شركات الاستيراد والتصدير.
3-تجار الذهب والمعادن الثمينة.
4-بنوك الأوفشور وفروعها.
5-وكلاء السيارات-القوارب البحرية-الطائرات-الوسطاء الماليون.
6-مكاتب العقارات ووسطاء العقار.
6-مصانع السيارات.
8-أنشطة كثيفة الاستخدام للنقد مثل: المطاعم-متاجر البيع بالتجزئة -الجراجات.
9-مؤسسات غير مالية.

المنظمات المكافحة لغسيل الأموال:

لقد تم إنشاء منظمة تسمى اختصاراً منظمة الـ(faft) وهي تضم 29 دولة بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي ودول المفوضية الأوروبية. وتختص هذه المنظمة بصياغة وإيجاد إطار قانوني مقبول يتم من خلاله مكافحة عمليات غسيل الأموال. ولقد أصدرت هذه المنظمة (40) توصية موجهة للأنشطة المصرفية بمكافحة وعرقلة عمليات غسيل الأموال. ولقد عنيت توصيات منظمة مكافحة غسيل الأموال بثلاثة أركان أساسية وهي:
1-إنشاء سياسات وإجراءات خاصة بمفهوم (اعرف عميلك)
2-إنشاء نظام خاص بالتسجيل والإبلاغ عن تحويلات المبالغ الكبيرة.
3-إيجاد أسلوب أو صياغة ما للتوفيق بين سياسات البنوك الداخلية وبين ما تتطلبه إجراءات مكافحة العمليات المشبوهة لغسيل الأموال.