حماية حقوق الطفل من الاستغلال الاقتصادي
اعترفت 191 دولة بحق الطفل بالحماية من أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي. (المادة 32 (1) اتفاقية حقوق الطفل).

في الفقرة (2) من نفس هذه المادة ألزمت الدول الأطراف نفسها بمجموعة من الإجراءات لضمان هذا الحق. على وجه الخصوص فقد ألزمت هذه الدول ذاتها بالأخذ بعين الاعتبار بإجراءات مناسبة وردت في اتفاقيات دولية أخرى:

• تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بالعمل.

• وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه.

• فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة بغية إنفاذ هذه المادة بفعالية.

كما تحتوي اتفاقية حقوق الطفل الدولية على مواد أخرى تتصل بالحماية والوقاية من الاستغلال الاقتصادي.

المادة 33: وقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدرة والمواد المؤثرة على العقل، حسبما تحددت في المعاهدات الدولية ذات الصلة، ولمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد بطريقة غير مشروعة والاتجار بها.

المادة 34: حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي، بما في ذلك الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة وفي العروض والمواد الداعرة.

المادة 35: منع اختطاف الأطفال او بيعهم او الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض او بأي شكل من الأشكال.

المادة 38: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم تبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكا مباشرا في الحرب.

في البروتوكول الإضافي الملحق بهذه المادة فقد تم رفع الحد الأدنى للعمر من 15 عاما إلى 18 عاما، باستثناء التجنيد الاختياري الذي من الممكن أن يكون أقل من 18 عاما، وقد دخل هذا البروتوكول حيز النفاذ في 12 شباط 2002 للدول التي أقرته، والتي يبلغ عددها 13 حتى الآن.

بالرغم من أن المواد السابقة التي تم التطرق لها تشكل الإطار القانوني المرجعي في اتفاقية حقوق الطفل لمعالجة موضوع الاستغلال الاقتصادي وغيره من أنماط استغلال الأطفال، إلا انه من الضروري التأكيد على شمولية اتفاقية حقوق الطفل في معالجتها للقضايا التي تخص الأطفال. وفي استلهام واعتماد مبادئ وردت في اتفاقيات دولية أخرى على علاقة بموضوع حماية ورعاية الطفل، وفي التأكيد على أهمية موضوع التعاون الدولي لتحسين ظروف معيشة الأطفال في كل بلد، ولا سيما في البلدان النامية، كما ورد في ديباجة الاتفاقية.

لقد كان موضوع “تشغيل الأطفال” محل نقاش مستمر في أوساط الخبراء، فبعض هؤلاء الخبراء يعتقدون أن ممارسة الأطفال للعمل ليس بالضرورة أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي، ولتأكيد وجهة نظرهم يذكرون أن اتفاقية منظمة العمل الدولية 138 لم تتضمن حد أدنى عام ودولي للالتحاق بالعمل.

وبما أن اتفاقية حقوق الطفل الدولية هي الإطار القانوني المرجعي، لنستذكر ما تضمنته وما لم تتضمنه المادة 32 من الاتفاقية:

• تضمن لكل طفل الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء عمل يرجح أن يكون خطيرا، أو يؤثر سلبيا على تعليمه أو مؤذي لتطوره.

• لم تمنع الطفل من أداء عمل لا ينطوي على هذه المخاطر.

• تتطلب تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا لضمان تطبيق المادة 32، بمعنى تحديد أعمار دنيا للالتحاق بالعمل، أو بأي عمل ينطوي على خطر.

• لم تتطلب تحديد عمر واحد للالتحاق بالعمل يكون أي عمل من قبل الأطفال دونه ممنوع.

• لم تتطلب تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا، بما يسمح للدول الأطراف بتحديد أعمار دنيا مختلفة اعتمادا على طبيعة العمل وظروفه.

• تأخذ بعين الاعتبار اتفاقية منظمة العمل الدولية 138، بمعنى تحديد حدود دنيا للعمل بشكل عام وللأعمال الخطرة بشكل خاص.

في عام 1993 كرست لجنة حقوق الطفل جلسة النقاش السنوية الثانية لموضوع الاستغلال الاقتصادي للأطفال، وفي التوصيات التي تمخضت عن جلسة النقاش السنوية هذه، أكدت اللجنة على أن الحقوق المشار إليها في الاتفاقية غير قابلة للتجزأة ومعتمدة على بعضها البعض، بحيث تراعي الكرامة المتأصلة لإنسانية الطفل، على ضوء ذلك فان جميع الحقوق التي وردت في الاتفاقية، وفي هذه الحالة الحق بالحماية من الاستغلال الاقتصادي، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تطبيق واحترام بقية الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية.

ويعتبر هذا الإطار الشمولي في قراءة اتفاقية حقوق الطفل، جيد ومثالي، لكن، ماذا يعني ذلك فيما يتعلق بالمادة 32 من الاتفاقية والمواد ذات الصلة التي ترتبط بالحماية من الاستغلال الاقتصادي؟

ولتوضيح ذلك، من الضروري الفصل بين الفقرات (الاشتراطات) التي تعترف بالطفل كموضوع للحقوق وبين الفقرات (الاشتراطات) التي تضع تشغيل الأطفال في سياق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

– الطفل كموضوع للحقوق :

إذا أرادت دولة طرف لاتفاقية حقوق الطفل أن تعالج الاستغلال الاقتصادي للأطفال، او العمل الذي من المرجح أن يكون خطرا او مؤذيا لتطور الأطفال بما يتناغم مع نصوص وروحية اتفاقية حقوق الطفل الدولية، من الضروري احترام الطفل كصاحب لهذه الحقوق، هذا يعني، تطبيق المبادئ العامة لاتفاقية حقوق الطفل الدولية، وللحقوق والحريات المدنية التي كفلتها الاتفاقية، بما في ذلك عدم التمييز، مصالح الطفل الفضلى، الحق في النماء والبقاء والتطور، والحق في التعبير.

تكفل المادة 12 من اتفاقية حقوق الطفل الدولية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولي آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل ونضجه. في نفس الوقت فان هذا الحق يشمل حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول، او بالكتابة او الطباعة، أو الفن او بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل. وبطبيعة الحال فان وجهة نظر مبنية بشكل ناضج تلقى اهتمام أكبر.

وتوفر الحقوق السالفة الذكر للطفل فرصة ثمينة ليصبح مشارك فاعل في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة به، فالطفل ليس متلقي سلبي للخدمات التي يزوده بها الكبار والمؤسسات والدولة، كحقه في التعليم وفي الرعاية الصحية وفي الحماية، فبالتناغم مع مدى تطور قدراته، من المفترض أن يسمح للطفل بممارسة الحقوق المعترف بها بالاتفاقية في المادة 5، فلا يكفي النظر للطفل كصاحب للحقوق إنما يجب الاعتراف واحترام الطفل كشخص يستطيع ممارسة هذه الحقوق اعتمادا على تطور قدراته.

لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي بمختلف أشكاله التي تضمنتها المواد 32-36 في الاتفاقية، على الدولة التي تريد اتخاذ إجراء او إجراءات نصت عليها المادة 32 أن تشرك الأطفال من خلال إعطائهم فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم التي من المفترض أن يتم أخذها بعين الاعتبار، فلا يكفي الإصغاء لوجهات نظر الأطفال فقط، فإذا قامت الحكومة او أية جهة أخرى باتخاذ إجراءات تتناقض مع وجهات نظر الأطفال، يجب عليها تبرير هذا التناقض منطقيا.

ومن ضمن الآليات المهمة للمشاركة الفعالة للأطفال لممارسة حقوقهم ضمان حرية تكوين الجمعيات وحرية الاجتماع السلمي كما تنص على ذلك المادة 15 من الاتفاقية، ففي هذه الحالة تسمح للأطفال العاملين بتنظيم أنفسهم والاجتماع لمناقشة اهتماماتهم المشتركة.

فالأطفال العاملين ليسوا فقط مواضيع للحقوق إنما يجب تمكينهم من خلال تفعيل الآليات المتاحة في المواد 12، 13 و15 من الاتفاقية لممارسة حقوقهم بفعالية، ما هي هذه الحقوق؟ الإجابة السريعة على ذلك هي جميع الحقوق المعترف بها في اتفاقية حقوق الطفل الدولية. ولكن سيتم التركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

بدون أدنى شك فان الفقر يعتبر السبب الرئيسي للاستغلال الاقتصادي للأطفال، ذلك الاستغلال الذي يؤبد الفقر، بكلمات أخرى فان الطريقة المثلى لمنع الاستغلال الاقتصادي للأطفال لا يتم إلا من خلال تقليل واجتثاث الفقر، بمعنى التطبيق الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالمادة 4 من اتفاقية حقوق الطفل الدولية تنص على أن تتخذ الدول الأطراف كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية،

فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم، في إطار التعاون الدولي. هنا تبرز ضرورة توضيح مفهوم “أقصى حدود” و”مواردها المتاحة” مع ذلك ففي ظل أن الموارد المتاحة غير كافية فان التزام الدولة الطرف يحتم عليها تأمين الموارد لتحقيق التمتع الواسع بهذه الحقوق.

علاوة على ذلك فان التزام الدولة الطرف بمراقبة تطبيق او عدم تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطوير استراتيجيات وبرامج للترويج لهذه الحقوق لا يلغى نتاج لمحدودية الموارد.

الإطار الشمولي لاتفاقية حقوق الطفل الدولية، والإجراءات التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية التي من المفترض على الدولة الطرف اتخاذها لحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي يجب أن لا تقتصر على الجوانب التي تم التطرق إليها في الفقرة (2) من المادة 32، فلتنفيذ التزامات الدولة الطرف لحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي، فان الإطار الشمولي يتطلب من الدولة الطرف تطوير سياسة شاملة تركز أيضا على تطبيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بمعنى أن هذه السياسة التي تعتبر جزء من استراتيجية تقليل واجتثاث الفقر، يجب أن تتضمن إجراءات الممارسة الفاعلة لحقوق الأطفال في المجالات التالية:

• مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي (المادة 27).

• أعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي (المادة 24).

• جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع (المواد 28 و29).

إضافة إلى حقوق أخرى على سبيل المثال (الضمان الاجتماعي المادة 26 والمواد 18 و 27 (3) مساعدة الوالدين) في هذا الإطار من الضروري التأكيد على أن الأطفال في ممارستهم لحقهم في الحماية من الاستغلال الاقتصادي يجب أن لا يحددوا أنفسهم بقضايا مثل: العمر او الأعمار الدنيا وأنظمة ساعات العمل وظروفه. بل يجب عليهم أن يصروا على التطبيق الكامل لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دون ذلك فان استغلالهم الاقتصادي سيستمر.