الأذون القضائية الخاصة بتوثيق عقد الزواج

إن الهدف من الإذن القضائي قبل الزواج ليس هو التعسير على المقبلين عليه بل التأكد من المقومات الأساسية لبناء أسرة على أسس صلبة تضمن بقائها واستقرارها لذلك حاول المشرع أن يجعل للقضاء دورا فاعلا منذ فتح الملف إلى أن يتم التأشير عليه، فإصدار الإذن بتوثيقه (فقرة ثانية)، وبالنظر للدور الهام الذي يلعبه الإذن القضائي في الزواج يحق لنا التساؤل عن طبيعته القانونية (فقرة أولى) .

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للإذن القضائي بالزواج
إن أغلب المهام التي يطلع بها اليوم قاضي الأسرة المكلف بالزواج كانت في ضل النص السابق ل (م ح ش) من نصيب قاضي التوثيق، ويقول البعض أن أغلب المهام الموكولة لقضاء التوثيق تطبعها الصبغة الولائية، وذلك لأن قاضي التوثيق يمارس مهامه بصفة عارضة ومستقلة ولا تخضع للقواعد العامة والمبادئ الأساسية المنظمة للوظيفة القضائية، ومن بين هذه المهام منح الأذون بالزواج وقاضي الأسرة وهو يقوم اليوم بهذه المهام بعد إعادة تنظيمها لا يمكن الحكم على عمله هذا بشكل قطعي بأنه ذو طبيعة ولائية محضة، لذلك يتعين البحث عن الفروق التي تميز العمل القضائي عن العمل الولائي.
فمن المميزات التي تطبع العمل الولائي، أن يتم البث في الطلب دون تكليف الخصم بالحضور ويتم فحصه في غيبة الأطراف ودون حضور كاتب الضبط.
– كما أن القاضي يبث في الطلب اعتمادا على اعتبارات الملاءمة، إذ لم يقيد النص اختصاصه هذا وهو يبث في الأوامر المبنية على طلب بأية قاعدة من قواعد الإثبات.
– يتقدم الأطراف بهذا الطلب دون أن يكون هناك نزاع حال وإنما تحصينا لمواقعهم تحسبا لنزاع محتمل أو تفاديا لخطر حال.
– ثم إن ما يأمر به القاضي لا يقبل الاستئناف في حالة القبول.
كما أن من مميزات العمل الولائي أنه لا يتمتع بحجية الشيء المقضي به وذاك لجواز العدول عنه من طرف القاضي الذي أصدره، كما يجوز أن يكون العمل الولائي موضوعا لدعوى أصلية بالبطلان ومن أهم مميزاته كذلك أنه لا يتم البث في الخصومة بمعناها القضائي المعروف.
وانطلاقا من هذا التوصيف فأين يمكن تصنيف العمل الذي يقوم به القاضي للإذن بالزواج؟ يذهب بعض الباحثين إلى القول أن اختصاص قاضي الأسرة بإصدار الإذن إنما يندرج في إطار وظيفته الولائية دون الوظيفة القضائية، إن الحكم بهذه السهولة يجعل الأمر في غاية الصعوبة فيتعين بداية وضع السؤال التالي هل الأذون بالزواج هي ذات طبيعة واحدة؟ بمجرد تصفح نصوص (م أ) يظهر أن هناك اختلافا جوهريا بين كل إذن على حدة إذ أن هناك أذون تصدر عن المحكمة بعد استدعاء الأطراف كالإذن بالتعدد وكذا في حالة الإذن الممنوح للقاصر من طرف محكمة الاستئناف والإذن بالرجعة وهذا بدون شك عمل قضائي خالص.
أما بالنسبة للإذن الممنوح للقاصر فنحن لا نتفق مع الرأي القائل بأنه يمكن الحسم منذ البداية أن البث في طلبات الزواج المقدمة من لدن القاصرين من بين المهام التي تندرج ضمن الأعمال الولائية التي تسند إلى القضاء، فيمكن الوصول إلى هذه النتيجة إذا كان القاضي هو ولي القاصر في حالة رفع الطلب من قبل القاصر ونائبه حيث يكون الطرفان متفقان عليه.
أما في الحالة التي يمتنع الولي عن الموافقة ويقوم القاصر برفع الإذن إلى القاضي ففي هذه الحالة الأمر يختلف، فمن بين ما ينص عليه الفصل (20) من (م أ) ضرورة الاستماع للقاصر ولوليه الشرعي، ومن ثم فالقاضي يبث في نزاع حال ويستمع لدفوعات الأطراف بعدما يقوم باستدعائهم، ومن بين الأشياء التي يتعين على القاضي البحث عنها مصلحة القاصر، وبدون شك يكون الولي الشرعي أدرى بمصلحة موليه ولذلك يصعب القول في هذه الحالة أن القاضي هو من يصبح بالفعل وليا عن القاصر والولي الشرعي كأنه غير موجود، ولا يصدر الإذن بالموافقة إلا بعدما تتكون له قناعة من خلال ما عرض عليه سواء من الأطراف أو عن طريق الخبرة أو البحث الاجتماعي ، علاوة على ذلك فهو بصدد حالة استثناء أثير بشأنها نزاع فالتحري يجب أن يكون دقيقا.
ومن كل هذا يتضح أن خصائص العمل القضائي هي البارزة في عمل القاضي بمنح هذا الإذن رغم أن قراره بالقبول لا يقبل الطعن، ولذلك يمكن لنا أن نسمي إذن القاضي في هذه الحالة إذنا ذو وظيفة قضائية خاصة، وقد ذهب جانب من الفقه في تونس إلا أن الإذن بالزواج في حالة النزاع بين القاصر وذويه هو إذن ولائي من نوع خاص يحسم القاضي بمقتضاه نزاعا قائما بين إرادة القاصر وإرادة من لهم نظر عليه، ولذلك نجد القاضي يستعمل ولايته العامة التي تفوق ولاية الولي القانوني أو من ينوب عنه وموافقة الأم ليحسم في الخلاف بما يفرضه القانون ويمليه الاجتهاد القضائي .
وعلى خلاف ما أثير بشأن هذه الحالة من خلاف فإن الإذن بالزواج الممنوح للشخص المصاب بإعاقة ذهنية عمل ولائي خالص حيث لا يخضع لإجراءات التقاضي العادية.
وعلى العموم وبغض النظر عن طبيعة الإذن القضائي الخاص بالزواج فإن هذا الأخير لا يمكن الإشهاد عليه وتوثيقه إلى بعد تأشير القاضي على ملف المستندات وإصدار الإذن بكتابته.

الفقرة الثانية: التأشير على ملف عقد الزواج وإصدار الإذن بتوثيقه
لقد كان العدلان سابقا يتوليان الإشهاد على الزواج وتوثيقه مباشرة مما أدى إلى حصول مشاكل كبيرة، كنقص شديد في البيانات، وغياب بعض الوثائق… وحتى خطاب قاضي التوثيق على العقود المتلقاة لم يكن ليغير من الأمر شيئا مما دفع بالمشرع إلى تجاوز هذه المعيقات، وذلك بإحداث منصب قاضي الأسرة وإسناده مهمة التأشير على ملف عقد الزواج وهي من الأدوار الحيوية التي يطلع بها، فمن شأن هذه الرقابة أن تيسر له الوقوف على ما قد يشوب وثائق الزواج من عيوب وبالخصوص الوقوف على كل تحايل أو تدليس يعتريها، وهو منهج وقائي يتوخى منه تجنب الخلل في عقد الزواج قبل انعقاده.
وبعدما يتأكد قاضي الأسرة من كون ملف عقد الزواج مستجمع لشروطه، فإنه يأشر عليه ثم يصدر إذنه للعدول بتوثيقه، وإذا كان طلب الإذن يقدم من قبل الراغب في الزواج أو من وكيله أو حتى من العدلين، فإن البعض اقترح أن يسند هذا الإذن إلى العدلين مباشرة من طرف القاضي من اجل توثيق عقد الزواج مع إشعار الخطيبين بالتاريخ والوقت والمكان لتوثيق العقد.
وقد تبنت وزارة العدل الحل القاضي بأن الإذن لا يسحب إلا من طرف المعني بالأمر أو وكيله لكون الأمر يتعلق بإذن قضائي وهذا يقتضي أن لا يتسلمه إلا من له الصفة تفاديا لكل تحايل، ولا يتولى قاضي الأسرة تحديد العدلين اللذين يتوليان توثيق الزواج وإنما الأمر متروك للخطيبين في اختيار عدلين ينتميان لدائرة نفوذ المحكمة.
ويبقى للخطيبين معا كامل الحرية في التراجع عن توثيق العقد إلى حين الإشهاد عليه فإذا تقدم صاحب الإذن بطلب التراجع عن توثيق العقد فيجب أن يرفق طلبه بأصل الإذن المسلم له ويحرر محضرا في الموضوع ، إلا أن هذا الإذن يمكن أن يشكل حجة في النزاعات المتعلقة بالخطبة لترتيب بعض الآثار القانونية والتي تتمثل في بعض الحقوق المالية وبالخصوص إثبات الخطبة من أجل إلحاق نسب الحمل بالخطيب.
وقد اقترح جانب من الفقه أن يحدد القاضي للمستفيد من هذا الإذن أجلا معينا لاستعماله تحت طائلة عدم الإشهاد على زواجه مادام ذلك لا يمنع الراغب من الزواج من تجديد طلبه، فإذا كان الحصول عن الإذن بالزواج داخل المغرب يظل ميسرا، فإن مسطرته في بلاد المهجر بالنسبة للمغاربة المتواجدين هناك تعتريها كثير من المعوقات وهذا ما سعت نصوص المدونة إلى تجاوزه.
من جملة المشاكل التي كانت تعاني منها الجالية المغربية المقيمة بالخارج وجود زيجات معترف بها في بلد الإقامة وغير معترف بها في المغرب، وهذا ما أدى بالمشرع إلى تبني رؤية جديدة أساسها التيسير على أفراد الجالية وخصوصا فيما يتعلق بإبرام عقد الزواج والاعتراف بآثاره.
فبالنسبة للنتيجة الأولى فقد نصت المدونة في المادة (14) على انه “يمكن للمغاربة المقيمين بالخارج أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم إذا توفر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء وانتفت الموانع ولم ينص على إسقاط الصداق وحضره شاهدان مسلمان مع مراعاة أحكام المادة (21)” ، بتحليل هذه المادة يتضح أن زواج المغاربة بالخارج أصبح يجمع في نفس الوقت بين احترام القواعد الجوهرية المنصوص عليها في القانون المغربي وبين الشكل المدني المعمول به في أغلب الدول المستقبلة للجالية.
ومع ذلك فإن إعمال هذه المادة يمكن إن يواجه عدة مشاكل من ضمنها التواجد أمام مؤسسة إدارية أجنبية ترفض التعامل مع المغاربة إلا وفقا لمنظوماتها القانونية كما لو طالبت باستبعاد الشهود أو الولي أو استبعادها للنص المغربي جملة وتفصيلا لكونه يتعارض مع النظام العام.
ويتطلب الحصول على الإذن بتوثيق عقد الزواج إتباع مجموعة من الإجراءات تبتدئ بفتح ملف الزواج من قبل العدل القائم بمهام كاتب الضبط وتضمين كل المعلومات فيه ويرشد المعني بالأمر قصد الإدلاء بكل الوثائق المتطلبة وفق المادة (65)، بالإضافة إلى جواز السفر وشهادة الإقامة في حالة وجودها، وان يتأكد من شكلية الوثائق المضمنة بالملف، وإعطائه له رقما وتضمينه بالسجل، وإذا ما تأكد من كون الملف أصبح جاهزا فإنه يرسله لقاضي الأسرة لتأشير عليه وإصدار الإذن بشأنه.
وقد ذهب البعض إلى القول بشان هذه الإجراءات، أنه قد انتهى ما كان يحاط بالزواج المغربي من قدسية، بل هناك رغبة لتبني عقد الزواج ذو طابع مدني علماني إذا أبرم في الخارج طبق الشروط والشكليات المنصوص عليها في المادة (14).
غير أن هذا الرأي ليس دقيقا على الأقل من وجهين وفق ما يقوله الأستاذ محمد ناصر المتيوي.
– فمن جهة فالزواج الحاصل في الجماعة الحضرية بباريس أو بروكسيل مثلا يكون معلنا مشهرا ويحضره العامة وقبل إبرامه يتم الإعلان عنه سواء بمقر الجماعة أو بمحل سكنى كلا الطرفين ويحق لكل ذي مصلحة الاعتراض عليه.
– ومن جهة ثانية أن جوهر هذه الزيجات الحاصلة بالخارج لا تخالف الفقه الإسلامي، وخاصة المالكي منه، الذي يستلزم الشهرة في الزواج كما أنها تتماشى بشكل كبير مع مدونة الأسرة.