ملائمة اتفاقية سيداو مع التشريع المغربي

جامعة القرويين
كلية الشريعة
فاس

وحدة ماستر أحكام الأسرة
في الفقه والقانون

من إعداد الطلبة :

نهيد كرتيت
خديجة اليعقوبي
محمد القادي
رشيد أوحساين
هشام شقور
عبد الحق الصمدي

مقدمة :

لقد شكل موضوع المرأة أحد محاور النقاش العمومي والتدافع الوطني منذ الانخراط في بناء مغرب ما بعد الاستقلال، واكتسب هذا الموضوع راهنية كبيرة في الثلاثين سنة الأخيرة بفعل تفاعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية، نتجت من جهة أولى عن تصاعد قوة الحركة النسائية والمتغذية من استمرار معضلات المرأة والأسرة باعتباره مرآة تعكس فشل سياسات التنمية والتحديث في المغرب المعاصر، وتعمقت من جهة ثانية على إثر تطور الاشتغال العالمي والأممي في مرحلة العولمة على قضايا المرأة وارتفاع الضغط الخارجي المستند على مجموع الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات العالمية، وهو انشغال تنامى بشكل كبير منذ اعتماد اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) سنة 1979.[1]
فقد جاءت اتفاقية “سيداو” (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) ضمن جهود الأمم المتحدة الطويلة لإنصاف المرأة وإعادة حقوقها وتمكينها في المجتمعات، حيث ابتدأت إرهاصات هذا المشروع لأول مرة عام 1945، في أول معاهدة دولية من نوعها، لمحت إلى قضية مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، لتتوالى بعد ذلك القرارات الدولية تباعا في إشاعة هذا المفهوم ونشره وتعميمه في المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية… الخ، وصولا إلى الاتفاقية الخاصة “سيداو” التي نحن بصددها سنة 1979، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1981.

وتعتبر اتفاقية سيداو من أكثر الاتفاقيات المجمع عليها في الأمم المتحدة بعد الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعتبر في نفس الوقت، من أكثر الاتفاقيات في الأمم المتحدة التي تتحفظ الدول الموقعة عليها على بنودها.
فقد صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بمقتضى ظهير رقم 2.93.4 وقام بإيداع أدوات التصديق يوم21/06/1993، مع إبداء تحفظاته على المادة الثانية والفقرة الثانية من المادة التاسعة والفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة والمادة السادة عشرة والمادة التاسعة والعشرون، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18/01/2001.[2]
وقد حضي موضوع ملائمة الترسانة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة باهتمام العديد من المجتمعات العربية والإسلامية ومن بينها المغرب، خاصة مع ظهور متغيرات عصرية وعالمية جديدة، تأثرت بتداعيات العولمة والكونية الداعية إلى إلغاء كل الفوارق الاجتماعية والثقافية والحضارية بين الشعوب، وفي هذا الصدد فقد قامت العديد من الدول الإسلامية تحت مجموعة من الضغوطات بملائمة تشريعاتها الوطنية مع الاتفاقيات الدولية.
هذا ما سنحاول دراسته من خلال هذا العرض وذلك وفق التصميم التالي :

التصميم :
مقدمة
المبحث الأول : الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية سيداو
المطلب الأول : الجوانب الشكلية لاتفاقية سيداو
الفرع الأول : التوقيع والمصادقة على اتفاقية سيداو
الفرع الثاني : التحفظات على اتفاقية سيداو
المطلب الثاني : مضمون اتفاقية سيداو
الفرع الأول : الجزء الأول : التعريفات والتدابير
الفرع الثاني : الجزء الثاني : الحقوق السياسية
الفرع الثالث : الجزء الثالث : حق التعليم والعمل
الفرع الرابع : الجزء الرابع : حق الأهلية القانونية
الفرع الخامس : الجزء الخامس : الهيكل الإداري
الفرع السادس : الجزء السادس : النفاذ والتوقيع والتحفظ
المبحث الثاني : ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية سيداو
المطلب الأول : سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني
الفرع الأول : بالنسبة للدستور
الفرع الثاني : بالنسبة للتشريع الوطني
المطلب الثاني : التدابير القانونية لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات اتفاقية سيداو والتحديات المطروحة
الفرع الأول : مسار إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء
أولا : معالجة التحفظات
ثانيا : الإصلاحات التشريعية والسياسية
ثالثا : مأسسة مقاربة النوع
الفرع الثاني : التحديات والآفاق
خاتمة

المبحث الأول : الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية سيداو

قبل الشروع في دراسة الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية سيداو لابد من الإشارة إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي تحدد الضوابط والإجراءات التي يجب اتبعاها في إبرام المعاهدات سواء في الجانب المتعلق بالمفاوضات والتوقيع والمصادقة أو في الجوانب المتعلقة بإبداء التحفظات، أو في الجزء المتعلق بعلاقة الاتفاقيات الدولية مع التشريع الوطني.

المطلب الأول : الجوانب الشكلية لاتفاقية سيداو

تتنوع مراحل إبرام اتفاقية سيداو، لكنها لا تخرج عن الإجراءات التالية، وهي إجراءات مشتركة بين جميع الاتفاقية أو المعاهدة الدولية ويمكن حصرها من خلال الفروع التالية:
الفرع الأول : التوقيع والمصادقة على اتفاقية سيداو
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو سيداو اختصاراً (بالإنجليزية:CEDAW) هي معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم عرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار 34/180 في 18 ديسمبر 1979. وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء. ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981.[3]

ملائمة اتفاقية سيداو مع التشريع المغربي
كانت السويد أول دولة توقع على الاتفاقية وذلك في 2 يوليو 1980 لتدخل حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981 وبتوقيع 20 دولة أخرى على الاتفاقية. وبحلول مايو 2009 صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية 186 دولة كانت أحدثها قطر في 19 أبريل 2009. بعض حكومات الدول التي انضمت أو صادقت على الاتفاقية قدمت بعض التحفظات على بعض ماورد فيها. [4]
أما الدول العربية فقد وقعت عليها جميعا باستثناء ثلاث دول : “عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة”، وكما سبقت الإشارة في مقدمة هذا العرض فقد تمت المصادقة على هذه الاتفاقية من طرف المغرب بمقتضى ظهير 2.93.4، تم إيداع أدوات التصديق عليها في 21 يونيو 1993، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 يناير 2001.، وقد أبدى تحفظه على مجموعة من المواد.

ومن الدول الإسلامية التي انضم

ت إلى الاتفاقية : باكستان، بنغلادش، تركيا، ماليزيا، وإندونيسيا.[5]
كما هناك أيضا دولا غير إسلامية لم تصادق على الاتفاقية، مثل، سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية، الكاميرون، أفريقيا الوسطى وليسوتو.
إضافة إلى ذلك فقد بلغ عدد الدول التي قدمت تحفظات مكتوبة عند توقيعها أو إنضمامها أو مصادقتها على الاتفاقية 55 دولة، ومن بين هذه الدول إسرائيل والهند و”بريطانيا التي بلغ حجم تحفظاتها ثلاثة صفحات”.[6]

الفرع الثاني : التحفظات على اتفاقية سيداو
سمحت اتفاقية سيداو للدول التي وقعتها بإدباء التحفظات على بعض بنودها بناء على المادة 28 منها، على أنه لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيا لموضوعها وغرضها. وبمعنى آخر، فإن أي تحفظ حول آلية هذه الاتفاقية يكون منافيا لموضوعها يعتبر باطلا ويحذف وتبقى الاتفاقية سارية في مواجهة الدولة الموقعة عليها. هذا وقد سببت هذه النقطة إشكالا عند بعض الدول التي رفضت توقيع الاتفاقية، إذ رأت في عبارة : “لا يجوز إبداء أي تحفظ يتعارض مع روح الاتفاقية وغرضها”، ما يخالف قاعدة أساسية من قواعد القانون الدولي.

ولقد سببت كثرة التحفظات التي فاقت أية تحفظات أخرى وضعت على اتفاقيات حقوق الإنسان، قلقا لدى لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تخوفت من عدد التحفظات وشموليتها، كما حث إعلان فيينا وخطة عمل اللجنة المذكورة على متابعة مراجعة التحفظات على الاتفاقية، وحث الدول المنضمة على سحبها وخصوصا “ما يناقض منها غاية وهدف الاتفاقية، أو تلك التي تتنافى مع قانون الاتفاقيات الدولية”. وكذلك “دعا الإعلان وبرنامج عمل بكين الدولي إلى “إجراء مراجعة منتظمة لهذه التحفظات بغية سحبها، إلا أنه لم يفعل ذلك إلا عدد قليل من الدول، وخاصة فيما يتعلق بالتحفظات المرتبطة بالقوانين والممارسات الثقافية”. ويعود السبب في الدعوة لإزالة التحفظات، إلى عدم وجود نص داخل اتفاقية السيداو يحدد آلية داخلية لرفض التحفظات التي تناقض جوهر الاتفاقية وغرضها، وهنا جاء البروتوكول الاختياري ليؤكد على وجوب التخلص من هذه التحفظات، علما بأنه كان هناك اتجاه دولي عام لإلغاء تحفظات الدول بحلول العام 2000″[7]

أما عن المغرب فقد أقدمت الحكومة المغربية على توجيه رسالة سرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 18 أبريل 2011 تعلمه فيها أنها قد رفعت تحفظات المغرب التي قيد بها مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث نشرت الكتابة العامة لهيئة الأمم المتحدة في الصفحة 43 من قائمتها الشهرية (أبريل 2011م) من النص الفرنسي خبر الرفع الجزئي للتحفظات المغربية على الاتفاقية المذكورة، مع التأكيد على أن المغرب أبقى على تحفظاته بخصوص المادة 2، والفقرة الرابعة من المادة 15، وكذا الفقرة الأولى من المادة 29، دون ذكر بقاء تحفظاته على الفقرة الثانية من المادة 9، وعلى كامل المادة 16.
ثم نشرت الجريدة الرسمية بالمغرب في عددها: 5974 الصادر بتاريخ: فاتح شتنبر 2011، ص 4346 خبر رفع تحفظ الحكومة على البندين 1 و2 من الفقرة ب من وثائق انضمام المملكة المغربية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979.

وفيما يلي تصريحات وتحفظات المغرب بشأن هذه الاتفاقية[8] :[9]
التصريحات :
فيما يتعلق بالمادة الثانية :

“تعرب حكومة المملكة المغربية عن استعدادها لتطبيق مقتضيات هذه المادة بشرط :
ألا تخل بالمقتضيات الدستورية التي تنظم قواعد عرش المملكة المغربية.
ألا تكون منافية لأحكام الشريعة الإسلامية،علما بأن بعض الأحكام الواردة في مدونة الأحوال الشخصية المغربية التي تعطي للمرأة حقوقا تختلف عن الحقوق المخولة للرجل لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها، وذلك نظرا لكونها منبثقة أساسا من الشريعة الإسلامية التي تسعى، من جملة ما تسعى إليه، إلى تحقيق التوازن بين الزوجين حفاظا على تماسك كيان الأسرة”
فيما يتعلق بالفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة :
“تصرح حكومة المملكة المغربية بأنه لا يمكن لها الالتزام بمقتضيات هذه الفقرة، وبخصوص تلك المتعلقة بحق المرأة في اختيار محل إقامتها وسكناها إلا بقدر ما تكون هذه المقتضيات غير منافية للمادتين 34 و35 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية”.

التحفظات :
فيما بالفقرة الثانية من المادة التاسعة :

“تتحفظ حكومة المملكة المغربية على هذه الفقرة نظرا لكون قانون الجنسية المغربي لا يسمح بأن يحمل الولد جنسية أمه إلا في حالة ازدياده من أب مجهول، أيا كان مكان هذا الازدياد، أو من أب عديم الجنسية مع الازدياد بالمغرب، وذلك حتى يتضمن لكل طفل حق في الجنسية. كما أن الولد المزداد بالمغرب من أم مغربية وأب أجنبي يمكنه أن يكتسب جنسية أمه بشرط أن يصرح داخل السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد برغبته في اكتساب هذه الجنسية… على شرط أن تكون إقامته بالمغرب عند التصريح اعتيادية ومنتظمة”.
وجذير بالذكر أن المغرب يستعد لرفع هذا التحفظ بعدما تمت ملاءمة قانون الجنسية المغربي مع مقتضيات الاتفاقية الدولية في هذا المجال.[10]

فيما يتعلق بالمادة السادسة عشرة :

“تتحفظ حكومة المملكة المغربية على مقتضيات هذه المادة وخصوصا ما يتعلق منها بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. وذلك لكون مساواة من هذا القبيل تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات في إطار التوازن والتكامل وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج. فأحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بأداء الصداق عند الزواج وإعالة أسرته، في حين ليست المرأة ملزمة بأداء النفقة. وعلى عكس ذلك تتمتع الزوجة بكامل الحرية في التصرف في مالها أثناء الزواج وعند فسخه دون رقابة الزوج، إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته. ولهذه الأسباب فإن الشريعة الإسلامية لا تخول حق الطلاق للمرأة إلا بتدخل القاضي”.

فيما يتعلق بالمادة التاسعة والعشرين :

“لا تعتبر حكومة المملكة المغربية نفسها ملزمة بالفقرة الأولى من هذه المادة، التي تنص على أن يعرض على التحكيم أي خلاف بشأن تأويل أو تطبيق الاتفاقية ينشأن بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف ولا يسوى عن طريق المفاوضات بناء على طلب أحد الأفراد في النزاع. إذ أن حكومة المملكة المغربية ترى أن أي خلاف من هذا القبيل لا يمكن أن يعرض على التحكيم إلا بموافقة جميع الأطراف في النزاع.”[11]

المطلب الثاني : مضمون اتفاقية سيداو

تتألف الاتفاقية من ثلاثين مادة تشكل مدوّنة دولية لحقوق المرأة، وهي تدعو إلى مساواة المرأة مع الرجل في حق التمتع بجميع الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. كما تدعو إلى تنمية كاملة وتامة تؤدي إلى رفاه العالم، كما أنها تربط بين قضية السلام وبين مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين.

“علاوة على ذلك تتناول الاتفاقية المعاملة غير المتكافئة للمرأة في القانون والأنماط الثقافية، وحق المرأة في المشاركة في الحياة العامة، والمساواة في فرص التعليم والعمل، والتمييز ضد المرأة في توفير الرعاية الصحية والمشاكل الخاصة بالمرأة في إطار الفقر الريفي.
وتشير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إلى الحقوق الإنجابية للمرأة، وتشير مادتها المتعلقة بالتعليم إلى إمكانية الحصول على معلومات ومشورة بشأن الأسرة، “كما تشير موادها المتعلقة بالرعاية الصحية والتنمية الريفية والمساواة في الزواج إلى خدمات تنظيم الأسرة. فالمواد الأخيرة تذكر أن المرأة يجب أن يكون لها نفس الحق في أن تقرر بحرية ومسؤولية عدد أطفالها، وفترات المباعدة بين إنجابهم، وأن يكون بإمكانها الحصول على ما يلزمها لممارسة هذا الحق من معلومات وتعليم ووسائل”.[12]

وتبين الاتفاقية في قسمها الأخير ماهية التدابير الواجب اتخاذها لضمان تمتع المرأة بالحقوق العائدة لها، وتضع آلية للإشراف على التزامات الدول الأطراف.

وتنقسم الاتفاقية إلى ستة أجزاء :

الفرع الأول : الجزء الأول : التعريفات والتدابير[13]

تشرح المادة الأولى من الاتفاقية معنى التمييز ضد المرأة، وتنص على التماثل التام بين الرجل والمرأة، بغض النظر عن حالتها الزوجية.
بينما تتعرض المادة الثانية لوصف الإجراءات القانونية المطلوب من الدول الأطراف أن تتعهد بالقيام بها للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتشمل سبعة بنود منها إبطال كل الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها، واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على التمييز ضد المرأة.
المادة الثالثة تناولت التدابير التي يمكن أن تتخذها الدول الأطراف من أجل تطور المرأة وتقدمها على أساس المساواة مع الرجل، بما في ذلك التشريع.

أما المادة الرابعة فقد حظرت وضع أي أحكام أو معايير خاصة بالمرأة، وأوجبت أن تكون القوانين عامة للرجل والمرأة سواءً بسواء، كما سمحت بوضع قوانين مؤقتة خاصة بالمرأة للإسراع بمساواتها مع الرجل، وبعد تحقق هذه المساواة تصبح هذه القوانين الموقتة ملغاة.
أما المادة الخامسة فقد ألزمت الدول الأطراف بتجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنية وقوانينها الأخرى، وتَبَنِّي التدابير التشريعية والجنائية، وإقرار الحماية القانونية ضد التمييز، وتغيير القوانين والأعراف التي تشكل تمييزاً ضد النساء، وحث الدول على العمل على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على العادات العرفية المتحيزة لجنس دون الآخر، والممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، كما تحدثت عن المسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة الأبناء.
أما المادة السادسة فقد اختصت بوضع تشريعات مناسبة لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة.

الفرع الثاني : الجزء الثاني: الحقوق السياسية

ويحوي ثلاث مواد، تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة في المجال السياسي ترشيحاً وانتخاباً، ووظيفة وسلطة، وصياغة للسياسات ومشاركة في العمل التطوعي، وتمثيلاً للحكومات على المستوى الدولي، واشتراكاً في أعمال المنظمات الدولية، وفي حق اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها، وأن لا يُفرض على الزوجة تغيير جنسيتها إذا غير الزوج جنسيته وكذلك الأطفال.

الفرع الثالث : الجزء الثالث: حق التعليم والعمل

ويشتمل هذا الجزء على خمس مواد، تنادي بمساواة المرأة والرجل في مناهج التعليم وأنواعه، والتدريب والتلمذة الحرفية، وتشجع التعليم المختلط، وتدعو للعمل على إزالة المفاهيم النمطية لدور المرأة والرجل في الأسرة، وتساوي الفرص في مجال المشاركات الرياضية، وإدخال معلومات تنظيم الأسرة في المناهج الدراسية، كما تنادي بحق المرأة في اختيار المهنة التي تمتهنها، وضمان الحقوق المتساوية مع الرجل في فرص العمل والأجر والضمان الاجتماعي والوقاية الصحية،

وتدعو إلى حظر فصل المرأة عن العمل بسبب الحمل أو إجازة الأمومة، وتحث على تشجيع إنشاء مرافق رعاية الأطفال وتنميتها، وتدعو إلى اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية، والمجالات الاقتصادية (الحصول على القروض والرهون وغيره من أشكال الائتمان المالي والاجتماعي)، والاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية وجميع جوانب الحياة الثقافية،كما أوْلَت اهتماماً بالمرأة الريفية، وناشدت أن تُكفل لها حقوق مساوية للرجال في وضع خطط التنمية وتنفيذها، والاستفادة من برامج الضمان الاجتماعي، والتدريب، وإنشاء التعاونيات، والمشاركة في جميع الأنشطة المجتمعية، وتوفير خدمات الإسكان والكهرباء والماء والنقل، وتوفير الخدمات والمعلومات في مجال تنظيم الأسرة.

الفرع الرابع : الجزء الرابع : حق الأهلية القانونية

يشتمل هذا الجزء على مادتين، تركزان على منح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل في جميع مراحل الإجراءات القضائية، وتنادي بإبطال كافة الصكوك التي تحد من أهلية المرأة القانونية، وتنادي بمساواتها بالرجل في قوانين السفر واختيار محل السكن، كما تؤكد هذه المساواة في حق اختيار الزوج، وحق فسخ الزواج وحق الولاية والقوامة والوصاية على الأولاد، وحق اختيار اسم الأسرة والمهنة وحيازة الممتلكات والتصرف فيها، والحق في تحديد النسل وتحديد سن أدنى للزواج.

الفرع الخامس : الجزء الخامس: الهيكل الإداري

ويشتمل على ست مواد، تفصل في طريقة تكوين اللجنة الخاصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية، وتدعو الدول الأعضاء للتعهد برفع تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عما تم اتخاذه من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها؛ من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية في غضون سنة واحدة من التوقيع عليها، وتقرير آخر كل 4 سنوات يحوي وصفاً مفصلاً لهيكل البلد القانوني والسياسي ووضع المرأة في الدولة والمنظمات الطوعية، وما اتخذ من إجراءات لتطبيق كل مادة على حدة.كما توضح بعض اللوائح الداخلية لتنظيم أعمال اللجنة (CEDAW) واجتماعاتها، وكيفية رفعها لتقريرها السنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وجواز أن تدعو اللجنة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة للمشاركة في الاجتماعات في ما يقع في نطاق أنشطتها، كما لها أن تطلب تقديم تقرير عن تنفيذ الاتفاقية في هذه المجالات.

الفرع السادس : الجزء السادس: النفاذ والتوقيع والتحفظ

يشتمل هذا الجزء على تقرير أن أحكام هذه الاتفاقية لا تمس أي أحكام تكون أكثر تيسيراً لتحقيق المساواة بين الجنسين وردت في تشريعات الدول الأطراف، أو في أحكام اتفاقية دولية نافذة، كما تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة ـ على الصعيد الوطني ـ التي تستهدف التطبيق الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، بينما تُبقي باب التوقيع على الاتفاقية مفتوحاً لجميع الدول، وكذلك باب طلب إعادة النظر في الاتفاقية عن طريق إشعار كتابي للأمين العام للأمم المتحدة. كما تقرر عدم جواز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية، وجواز سحب التحفظات في أي وقت بتوجيه إشعار للأمين العام للأمم المتحدة.

أما في شأن آلية حل النزاع بين دولتين موقعتين ـ حول تفسير الاتفاقية أو تطبيقها ـ فتقرر التفاوض أولاً، ثم التحكيم الدولي عند طلب أحد الدولتين ثانياً، ثم المحكمة العدلية الدولية ثالثاً. واختتمت الاتفاقية بالنص على حجية نصوصها باللغات الست المعتمدة للأمم المتحدة.

المبحث الثاني : ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية سيداو

شكل موضوع ملاءمة الترسانة القانونية المغربية مع المواثيق الدولية محط نقاش واسع، وهو نقاش عرفته العديد من المجتمعات، خاصة مع ظهور متغيرات عصرية وعالمية جديدة، تأثرت بتداعيات العولمة والكونية الداعية إلى إلغاء كل الفوارق الاجتماعية والثقافية والحضارية بين الشعوب، وقد أفرز هذا النقاش موقفان متباينان بشأن التعامل مع التحفظات الموجودة على الاتفاقيات الدولية، يرتكز الأول على أولوية المرجعية الكونية والاتفاقيات الدولية، ويرتكز الموقف الثاني على سمو القوانين الوطنية على كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ويستند أصحاب هذا الاتجاه في مجموعة من الدول الإسلامية على دساتير هذه الدول التي نصت على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وعلى معطى ثقافي يقوم على أساس أن هذه المجتمعات هي مجتمعات مسلمة ولا يمكن فرض أي قانون لا يحترم خصوصياتها الدينية.[14]

المطلب الأول : سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني

يعد موضوع العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي أو الوطني من الموضوعات التي شهدت نقاشات واسعة على الصعيد الفقهي ، ويرجع ذلك إلى بدايات ظهور القانون الدولي وظهور بوادر العلاقة بينه وبين قانون آخر أقدم منه من حيث الوجود وهو القانون الداخلي للدول . ويكمن واقع العلاقة التي ظهرت بين القانونيين في وجود قانون ينظم العلاقات في الدولة سواء العلاقات القائمة بين الأفراد أو تلك القائمة بين الأفراد والدولة ، أي انه قانون يحكم سلوك الأفراد والدولة والى جانب هذا القانون ظهر قانون جديد يقوم أيضا على أساس حكم سلوك الدولة، ألا وهو القانون الدولي، أي أن الدولة باتت خاضعة لقانونين بحكم سلوكها، قانونها الوطني والقانون الجديد (الدولي) وتخضع الدولة للقانونين وفقاً لآلية القانون المعروفة ألا وهي منح الحقوق وفرض الالتزامات، وإذا كان الاشتراك بين القانونين ملفتاً للنظر والاهتمام بما يتعلق بإخضاع الدولة لأحكامها، فان الأمر قد يكون أكثر إثارة للاهتمام فيما يتعلق بكون أن الاشتراك بين القانونين بات، وبتطور القانون الدولي، لا يقتصر على مخاطبة الدول بل انه اخذ يشترك مع القانون الداخلي في مخاطبة الأفراد من رعايا الدول ووفقاً لذات الآلية سابقة الذكر .

الفرع الأول : بالنسبة للدستور

تثير مسألة مركز الاتفاقيات الدولية في الأنظمة القانونية الوطنية جدلا فقهيا واسعا، خاصة عند غياب النصوص الدستورية المحددة لمركزها القانوني. وهذا الإشكال هو، في حقيقة الأمر، جزء من المشكل العام المتمثل في طبيعة العلاقة بين القانون الدولي والقانوني الوطني.

فبالرجوع إلى أحكام الدساتير السابقة، نستخلص أن المشرع المغربي قد تجنب التنصيص على أي مقتضى صريح، يمكن أن يكرس سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية، وهو ما جعل الدساتير المغربية السابقة تصنف ضمن الدساتير الصامتة أو المبهمة بخصوص العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والتشريع الداخلي. وفي هذا السابق، اكتفت كل الدساتير بتحديد السلطة التي لها حق التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات، وقيد هذه المصادقة بموافقة السلطة التشريعية في حالة ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ترتب تكاليف تلزم مالية الدولة. وتقرر تعديل الدستور من خلال إعمال مسطرة مراجعته في حالة تعارض مقتضياته مع أحكام اتفاقية معينة.
وبخلاف هذا النوع من الدساتير، هناك دساتير واضحة في هذا الاتجاه تقول بعلو القانون الدولي على الدستور الوطني.
ونجد هذا الاتجاه أكثر وضوحا في النظام القانوني الهولندي، وكل من لكسمبورغ وبلجيكا والدنمارك، وكذا الدستور الفرنسي.

وبالمقارنة مع هذه الدساتير التي كانت واضحة بخصوص العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون الوطني، ظلت الدساتير المغربية الممتدة منذ دستور 1972 إلى دستور 1996 كلها دساتير التزمت السكوت حيال العلاقة بين الاتفاقية الدولية والقانون الوطني. إلى حدود سنة 2011 حيث تم تعديل الدستور.
تعود أول إشارة تؤكد انخراط المغرب في حسم السجال العمومي، الذي دام أكثر من 20 سنة حول العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي، إلى الخطاب الملكي السامي ل17 يونيو 2011 الذي جاء فيه: “وفي هذا الصدد، تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية”.

جاء الدستور المغربي لسنة 2011 معبرا بوضوح عن مسألة إعطاء الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على التشريعات الوطنية، إذ نص في ديباجته على ما يلي: جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة».
يبدو أن المشرع المغربي قد حسم في إشكالية العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي عندما نص صراحة على مبدأ سمو الاتفاقية الدولية، إلا أنه ربط هذا السمو بمسألة نشر الاتفاقية والملاحظ أن المشرع المغربي قد نحا في هذا الاتجاه منحى المشرع الفرنسي.

الفرع الثاني : بالنسبة للتشريع الوطني

واكب تصديق الدول العربية على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المؤتمرات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاصة إضافة إلى إعلان الألفية، مما أدى إلى مأسست العمل على تحقيق المساواة وتعزيز العمل على الالتزام بتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين، ومن هذه المؤتمرات على سبيل المثال لا الحصر :
مؤتمر القاهرة للتنمية والسكان سنة 1995.
المؤتمر الدولي الرابع للمرأة بيجين سنة 1994.
إعلان الألفية 2000.

وتكمن أهمية هذه المؤتمرات في التزام الدول بتحقيق الأهداف الواردة في كل منها،والتزام الدول بتقديم التقارير حول التقدم المحرز في إنجاز تلك الأهداف، عن طريق تطوير وتبني السياسات المناسبة وتنفيذ البرامج المحققة للأهداف المنشودة.
ففي هذا المجال اتخذت الدول إجراءات تهدف إلى :
إنشاء آليات وطنية معنية بقضايا المرأة، والتي -وإن اتخذت هياكل مؤسسية تختلف من دولة إلى أخرى- أسهمت في مأسست العمل على تحقيق تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة على مستوى صنع السياسات وتنفيذ البرامج.
مراجعة التشريعات الوطنية المميزة ضد المرأة وتعديلها بما يتوافق مع المواثيق الدولية، إضافة إلى تقديم مقترحات لقوانين من شأنها تحقيق تكافؤ الفرص ومراعية للنوع الاجتماعي، وفي هذا المجال تم تعديل قوانين العمل في معظم الدول العربية، وقوانين العقوبات والانتخاب والأحوال الشخصية مثل رفع سن الزواج وقوانين جوازات السفر والجنسية في بعض الدول، وتم تبني قوانين جديدة مثل مكافحة الاتجار بالبشر ومناهضة العنف الأسري وقانون تسليف النفقة، ولا تزال الآليات الوطنية المعنية بقضايا المرأة في الدول العربية تبذل الجهود الرامية إلى تحقيق المزيد من الإنجازات في هذا المجال.

توفير المساعدة المجانية القانونية والتأهيل النفسي وتوفير المأوى للنساء ضحايا العنف.
زيادة الاهتمام بتوفير الإحصاءات المصنفة على أساس الجنس، وهذا أدى إلى بناء قدرات الآليات المؤسسية المعنية بالإحصاءات الرسمية.
الالتزام بإعداد التقارير الوطنية الدولية المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول.

رفع التحفظات عن بعض الفقرات التي تم التحفظ عليها عن طريق التصديق على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة مثل حق الترشيح والانتخاب،ومنح المرأة الجنسية لزوجها وأطفالها، التنقل.
تخصيص الموازنات لتنفيذ البرامج الرامية إلى تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة.
أخذ التدابير الخاصة مثل الكوتا من أجل تعزيز مشاركة المرأة السياسية، إضافة إلى زيادة نسبة تعيين النساء في مواقع صنع القرار.[15]

وبالنسبة للمغرب شأنه شأن باقي الدول العربية التي سايرت هذا التقدم، فقد قام بخطوات جريئة في إطار ملاءمة الترسانة القانونية مع اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء بحيث نجد أنه قام بمجموعة من الإصلاحات المؤسساتية والالتزامات السياسية في السنوات الأخيرة بما في ذلك :

إعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان انسجامعا مع معاهدة باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية.
عمل هيئة الإنصاف والمعالجة وإدماج مقاربة النوع.
الالتزام بتحقيق الأهداف الألفية للتنمية.
الالتزام بمتابعة رفع التحفظات والانخراط في البروتوكولات الاختيارية للاتفاقيات (العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية السيداو…).

إعطاء الانطلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس وذلك منذ 18 ماي 2005، هذه المبادرة التي تهدف إلى وضع حد للتفاوتات الجهوية والتباينات بين الجنسين في مجال الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعتمد على المقاربة التشاركية والتعبئة الاجتماعية على المستوى المحلي.

التأكيد الصريح للإرادة السياسية وذلك من خلال تعيين عدد لا بأس به من النساء في القطاعات الوزارية والمناصب العليا.
التأكيد من خلال التصريحات الحكومية على التزام المغرب بوضع خطة متعددة المستويات (بين القطاعات) ومندمجة من أجل إدماج مقاربة النوع.
التزام الحكومة بمحاربة جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء وتحسين تمثيلية النساء في الهيئات المنتخبة باتجاه المناصفة.

المطلب الثاني : التدابير القانونية لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات اتفاقية سيداو

تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولاسيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل.

الفرع الأول : مسار إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء

في إطار إعمال مقتضيات اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء قمت الحكومة بمعالجة التحفظات المرتبطة بهذه الاتفاقية وكذا الإصلاحات التشريعية والسياسية بما فيها الإصلاحات التشريعية والمشاركة في الحياة السياسية والعامة ومحاربة الأفكار والسلوكات النمطية، ومأسسة مقاربة النوع، بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة العنف المبني على النوع، هذا ما سنحاول معالجته من خلال هذه النقط التالية :

أولا : معالجة التحفظات

سنحاول في هذه الفقرة سرد التحفظات والتصريحات أثناء مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء سنة 1993 وذلك من خلال الجداول التالية :

المواد التي شكلت موضع رفع التحفظات أو استبدال التحفظ بتصريح تفسيري[16]

المادة

الموقف سنة 1993
الموقف سنة 2008
المادة : 2 تصريح 1- الإبقاء على الجزء الأول من التصريح.
2- مراجعة الجزء الثاني من التصريح.
المادة : 15، الفقرة : 4 تصريح سحب التصريح
المادة : 9، الفقرة : 2 تحفظ رفع التحفظ
المادة : 16 تحفظ شامل حول المادة مراجعة التحفظ الشامل حول موضوع المادة
الفقرة 1 : استبدال التحفظ بتصريح تفسيري
المقاطع (أ) و(ب)
المقاطع (ج) و(د) و(و)
المقاطع (ز) و(ح)

السطر (ه) رفع التحفظ

الفقرة : 2 رفع التحفظ

المواد التي شكلت موضع رفع التحفظات أو استبدال التحفظ بتصريح[17]

رفع التحفظ

التصريحات

المادة : 15 الفقرة : 4 المادة : 2
الاحتفاظ بالجزء الأول من الاتفاقية
مراجعة الجزاء الثاني من التصريح
المادة : 9 الفقرة : 2

المادة : 16
الفقرة : 1 المقطع (ه)

المادة : 16 الفقرة : 2
المادة : 16 الفقرة : 1
استبدال التحفظ بتصريح توضيحي :
المقطاع (أ) و(ب)
المقاطع (ج) و(د) و (و)
المقاطع (ز) و(ح)

ثانيا : الإصلاحات التشريعية والسياسية
لاشك أن الدستور الجديد شكل بارقة أمل للمرأة المغربية التي ناضلت طويلا قبل أن تنتزع مكتسبات هامة على مستوى التشريعات والقوانين، وهذا ما نلمسه من خلال الإصلاحات التشريعية والسياسية التي قامت به المؤسسات المسؤولة في إطار ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، ففي هذا المجال يمكن الإشارة إلى مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الهامة التي يمكن اعتبارها ثورة حقيقية هادئة لفائدة النساء والأطفال وكذا المساواة بين الجنسين، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
إصدار مدونة جديدة للأسرة تقوم على مبدأ المساواة والمسؤولية المشتركة بين الزوجين، وكذا إلغاء إلزامية الولاية، والمساواة في السن ا لأدنى للزواج المحدد في 18 سنة بالنسبة للفتى والفتاة، كما تم جعل الطلاق بيد القضاء وتحت مراقبته، هذا وإن هذه المدونة قد أعطت حق النساء في اللجوء المباشر وعند الضرورة للتطليق بسبب الشقاق.

هذا وقد وصفت الاتفاقية الأممية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) أ،التجربة المغربية في مجال النهوض بحقوق المرأة، ب” التجربة الناجحة والمبتكرة “واعتبرت الاتفاقية، التي أشادت بالتقدم الذي حققته المملكة في هذا المجال أن “اعتماد مدونة الأسرة الجديدة يشكل جزءا من ترسانة إصلاحات قانونية تتوخى الملاءمة مع التزامات (سيداو)”.
فالملاحظ أن مدونة الأسرة الجديدة تكتسي أهمية كبرى لأنها تؤكد التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان، خاصة حقوق النساء، كما أنها تحترم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة اللذان أصبحا يتقاسمان مع المسؤولية داخل الأسرة، إضافة إلى إقرار المساواة بين الجنسية ورفع عدد من التحفظات التمييزية ضد المرأة خاصة في مجال الزواج والطلاق وحقوق الأطفال، فضلا عن إحداث تغييرات هامة جدا في جميع مجالات الحياة.

إصلاح قانون الجنسية سنة 2007 بحيث أصبح يمكن للنساء الحق أن يمنحن جنسيتهن الأصلية لأطفالهن من أب أجنبي.

فإن هذا القانون أصبح يشكل لبنة جديدة في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المتشبث بأصالة هويته، بحيث سيمكن الأم من مزاولة حق أساسي في مجال الجنسية على قدم المساواة مع الأب، وجاء ليلبي مطالب عديدة عبرت عنها القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

وإن هذا الإصلاح الجديد يكرس المساواة بين الأم المغربية والأب المغربي، كما ينص على ذلك الفصل الخامس من الدستور الذي يعتبر جميع المغاربة سواسية أمام القانون، ويعزز الخطوات الرائدة التي تحققت بفضل مدونة الأسرة التي فتحت عهدا جديدا يتجاوب مع التطلعات إلى التغيير النابعة من عمق المجتمع.

كما أن هذا الإصلاح يتوخى كذلك تحقيق أفضل ملاءمة بين قانون الجنسية وقوانين أخرى متعلقة بالأسرة والحالة المدنية والتنظيم القضائي، ويتطابق مع اتفاقيات دولية، في مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل وبالتالي الاعتراف بالمواطنة الكاملة للطفل وتوفير حماية أفضل لحقوقه. فأن هذا الإصلاح جاء ليحل مشكلات عديدة تتخبط فيها أسر كثيرة تعيش في المغرب والخارج، خصوصا منها المتعلقة بالتمدرس والحصول على الوثائق الإدارية.

ويذكر أن جنسية الأم المغربية أصبحت تنقل لأطفالها بصفة تلقائية، وبالتالي يعتبر طفلها مغربيا منذ مولده، سواء في المغرب أو خارجه. وتنص المادة السادسة الجديدة من المدونة على أنه “يعتبر مغربيا الطفل المولود من أب مغربي أو أم مغربية”. وللطفل المولود في إطار الزواج المختلط ويعتبر مغربيا بحكم ولادته من أم مغربية أن يختار لدى بلوغه ما بين 18 و20 سنة الاحتفاظ بجنسية أحد الأبوين فقط، إذا اقتضت ذلك مصلحته الفضلى. وإذا تصرفت الأم في هذا الحق الاختياري قبل بلوغ الطفل سن الرشد، فإنه يجوز له عند بلوغ سن الرشد وقبل سن 21 سنة، أن يطلب استرجاع جنسيته المغربية.

وتسري أحكام قانون الجنسية على المغاربة ذوي الديانة اليهودية، طبقا لمدونة الأسرة. وفي مجال إثبات النسب أو البنوة، تظل أحكام القانون العبري تسري عليهم، وفق ما تنص عليه مدونة الأسرة. وتتميز الصياغة الجديدة لأحكام قانون الجنسية باستبعادها لكل العبارات المهينة للكرامة أو غير الملائمة الواردة في الصيغة الأصلية للنص، من قبيل “اللقيط” التي كانت تطلق على الطفل المولود من أبوين مجهولين.
ويكتسي الإصلاح الجديد لقانون الجنسية بعدا سياسيا واسعا، حيث يشمل مفهوم الحقوق والحريات والواجبات المرتبطة بالمواطنة، وكما هو الشأن بالنسبة لإصلاح مدونة الأسرة، فقد أنجز القانون الجديد في سياق التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي.

ج- إلى جانب الإصلاحات التي طالت كل من مدونة الأسرة وقانون الجنسية فقد تم تعديل القانون الجنائي بحيث تم إلغاء بعد التدابير التمييزية ضد النساء، أما بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية، فد تم اتخاذ تدابير أفضل لحماية الحقوق النسائية، أما بالنسبة لمدونة الشغل، فقد تم اعتماد مبدأ المساواة بين النساء والرجال في مجال ولوج الشغل وتجريم التحرش الجنسي.

ثالثا : مأسسة مقاربة النوع

عرف السياق الدولي حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة، وشجعت الإرادة الملكية والسياسات الحكومية على نهج إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية تخول المرأة المغربية ولوج ميادين متنوعة كانت إلى حـين حكرا على الرجل.
ويسعى المغرب إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في مخططات السياسات العمومية، ضمانا للمساواة بين الجنسين، وتكريسا لمأسسة هذه المقاربة وجعلها رافدا في إقرار وضعية عادلة ومنصفة، وضمانا لتمثيلية شاملة للمواطنين لتحقيق مغرب متطور وعصري، مغرب التلاحم الاجتماعي وتكافؤ الفرص.[18]
ففي إطار مأسسة مقاربة النوع في السياسات العمومية فقد تم إدماج مقاربة النوع في الميزانية وكذا في الإستراتيجية الوطنية من أجل المساواة والإنصاف.

فبالنسبة لإدماج مقاربة النوع في الميزانية فقد تم إدماج مقاربة على مستوى صيرورة التخطيط والبرمجة والميزانية من منذ سنة 2002، بحيث تم تحسين تدبير الاعتمادات وتعميم المقاربة الجديدة المتمركزة على النتائج، كما تمت صياغة وتنفيذ وتقييم السياسيات العمومية لتأخذ بعين الاعتبار المصالح والحاجيات الخاصة للنساء والرجال والأولاد والبنات، هذا بالإضافة إلى إعداد دليل حول مشروع الميزانية لفائدة البرلمانيين والبرلمانيات من طرف وزارة المالية وبتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للمرأة.[19]
أما بالنسبة للإستراتيجية الوطنية من أجل المساواة والأنصاف، فقد تم إعداد إستراتيجية وطنية من أجل الإنصاف والمساواة بين الجنسية بإدماج مقاربة النوع في السياسات وبرامج التنمية بتعاون ومشاركة مختلف القطاعات الوزارية والمنظمات غير الحكومية، والأحزاب السياسية، والبرلمان، والقطاع الخاص.[20]

الفرع الثاني : التحديات والآفاق

تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك، تتعهد بالقيام بما يلي:

تجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى؛
اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة؛
إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي؛
الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة ، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛
اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة؛
اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة؛
إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

خاتمة

من الملاحظ أن المغرب يتابع المجهودات لتعزيز الحقوق الإنسانية والمساواة بين الجنسية، وذلك في اتجاه الوفاء بالتزاماته الدولية وأيضا لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان المصادق عليها، وقام بوضع سياسات تستهدف محاربة التمييز ضد النساء، لكننا نستنج وبقوة، أنه رغم المساواة التي تكرسها النصوص القانونية فإن ثقافة التمييز ضد النساء لا زالت مستمرة.

الهوامش
[1] – الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، اتجاهات وقضايا، منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الطبعة الأولى 2011، ص 7.
[2] – الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، مرجع سابق، ص 181.
[3] – الموقع الإلكتروني http://ar.wikipedia.org
[4] – الموقع الإلكتروني http://ar.wikipedia.org، مرجع سابق
[5] – المرأة في منظومة الأمم المتحدة، رؤية إسلامية،الطبعة الأولى 1426-2006، ص 204.
[6] – نفس المرجع، ص 204.
[7] – د. نهى القاطرجي، المرأة في منظومة الأمم المتحدة، مرجع سابق، ص 205، 206.
[8] – المملكة المغربية المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ص 167، 168.
[9] – الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، مرجع سابق، ص 181، 182، 183.
[10] – الرسالة الملكية الموجهة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يوم 10 دجنبر 2008م بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
[11] -المملكة المغربية، المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ص 167، 168.
[12] – سكان العالم 2001م، تذيير الاتفاقيات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان، صندوق الأمم المتحدة للسكان، بدون رقم الطبعة والبلد. “منقول عن كاتب المرأة في منظومة الأمم المتحدة، مرجع سابق ص 206، 207.
[13] – سيداو في المزيان، لنزار محمد عثمان

[14] – مقال للسيدة جميلة المصلي حول ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية والحق في التحفظ- نشر بجريدة التجديد يوم 30 مارس 2011.
[15] – عايدة أبوراس، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا-الإسكوا، 19-20 نونبر 2012 – الدوحة، ص 16-17.
[16] – إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، التقريرين المرحليين الثالث والرابع، عرض للسيدة نزهة الصقلي، 24 يناير 2008، ص 14.
[17] – إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، مرجع سابق، ص 15.
[18] – جميعا من أجل مأسسة المساواة بين الجنسية في الوظيفة العمومية، لجنة دعم الإنصاف والمساواة بوزارة تحديث القطاعات العامة.
[19] – التقريرين المرحليين الثالث والرابع لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، مرجع سابق، ص 30.
[20] – نفس المرجع، ص 31.