المحكمة الاتحادية ودستورية اشتراط الشهادة الجامعية
سلام مكي

قانون تعديل قانون الانتخابات الذي صدر بعد خلافات سياسية واختلافات في وجهات نظر الكتل السياسية، واجه اعتراضات عديدة من قبل نواب حاليين، بسبب التعديلات التي طرأت عليه وخصوصا فيما يتعلق بشرط الحصول على شهادة البكالوريوس للموافقة على الترشح للانتخابات، حيث اعترض نواب، لا يملكون هذه الشهادة، لان قوانين الانتخابات السابقة، كانت تشترط في المرشح الحصول على شهادة الإعدادية، او ما يعادلها.

ونتيجة لذلك الرفض، اقام عدد من النواب دعاوى امام المحكمة الاتحادية لغرض الطعن بشرط الحصول على شهادة البكالوريوس على اعتبار انه شرط غير دستوري، ولا بد من الغائه والعودة الى الشرط القديم وهو شهادة الإعدادية. وأول مخالفة حسب رأي المدعين الذين توحدت دعاواهم في دعوى واحدة على اعتبار انها مقامة على نفس الشخص ولنفس السبب وفقا لقانون
المرافعات المدنية.

اول مخالفة هي ان هذا الشرط يخالف نص المادة 14 من الدستور التي نصت على ان العراقيين متساوون امام القانون، دون تمييز.. كما خالف هذا الشرط نص المادة16 التي نصت على مبدأ تكافؤ الفرص، حيث ان اشتراط هذه الشهادة يؤدي الى عدم وجود تكافؤ للفرص بين العراقيين والى عدم المساواة فيما بينهم. كما خالف المادة 20 التي نصت على ان للمواطنين حقوق المشاركة في الشؤون السياسية العامة من ترشيح وانتخاب وممارسة دورهم في الحياة السياسية، وحيث ان اشتراط شهادة البكالوريوس في المرشح لمجلس النواب، يؤدي الى حرمان الذين لا يملكون هذه الشهادة من حقوقهم السياسية.

واستشهد المدعون، على ان المحكمة الاتحادية سبق وان بينت ان رئيس الحزب لا يشترط فيه الشهادة الجامعية، وبالتالي، فإنه يقاس على النائب لا يشترط فيه الشهادة أيضا.

وغيرها العديد من الأسباب التي ذكرها المدعون في عرائض دعاواهم، طالبين من المحكمة الحكم بعدم دستورية شرط الشهادة الجامعية والحكم بأن تكون شهادة الإعدادية.

المحكمة بدورها، بينت في قرارها ان النصوص التي استند اليها المدعون في دعاواهم، لا تصلح لأن تكون سندا للحكم بعدم دستورية النص المراد الغاؤه، حيث ان ذلك النص لا يؤدي الى عدم تمتع المواطنين بالحقوق التي نصت عليها المواد (14-16-20) كما ان تكافؤ الفرص يكون من الأشخاص الذين يحملون مؤهلات علمية واكاديمية متساوية وليس العكس.

كما بينت المحكمة ان مسؤولية عضو البرلمان ودوره في ممارسة التشريع والرقابة على اعمال السلطة التنفيذية، يقتضي ان يكون حاصلا على شهادة جامعية على الأقل وله خبرة في مجال محدد، كالقانون والهندسة والتربية والعلوم وغيرها. وهو رأي صحيح ويستند الى صلب الدستور ومبادئ الديمقراطية، حيث انه من غير المعقول ان يمارس النائب الذي ليست لديه اية مؤهلات او اختصاص معين، تشريع القوانين او عضوية احد اللجان البرلمانية. حيث ان شهادة الإعدادية وكما هو معلوم لا تمنح اختصاصا محددا.

كما ان وضع البلد وحاجته الى الخبرات والمختصين، في جميع المجالات، يحتمان على ان يكون جميع أعضاء المجلس لديهم مؤهلات تمكنهم من مزاولة عملهم بشكل صحيح.

ولو بقيت شهادة الإعدادية في القانون، لما تلمسنا تغيرا في الدورة القادمة، حيث ان اشتراط الشهادة الجامعية خطوة مهمة وصحيحة، يمكن من خلالها ابعاد الكثير من الأسماء التي لم تقدم شيئا في الدورات السابقة ولا يمكنها ان تقدم أي شيء فيما لو فازت في الانتخابات المقبلة، لأنها لا تملك مقومات النيابة الحقيقية التي من أهمها الاختصاص في مجال معين، وهذا الاختصاص يتم على الأقل عبر الحصول على شهادة جامعية. إضافة الى الخبرة والممارسة.

النواب المعترضون على الشهادة الجامعية، بينوا ان الظروف التي عاشها البلد من النظام السابق والإرهاب، حرمتهم والكثيرين من العراقيين من الحصول على الشهادة الجامعية، وهو كلام مردود، حيث شهد التعليم في العراق، افتتاح الكثير من الجامعات الاهلية وفتح تعليم مسائي والتعليم الموازي في الجامعات الحكومية، كلها فرص كان من الممكن للنواب المعترضين ان يستغلونها في الحصول على الشهادة الجامعية.

وقد ذكرت المحكمة في قرارها أسبابا اخرى مهمة وردت في نص الدستور، كلها تذهب الى حقيقة ان اشتراط الشهادة الجامعية امر مهم وضروري في المرشح لمجلس النواب، وهي بحكمها هذا، انما مارست دورها الدستوري في صيانة دعائم النظام السياسي وتوفير ما يمكن توفيره من ظروف سياسية وقانونية لغرض الحفاظ على قواعد الدستور والنظام العام من الانتهاك.

فهي بهذا القرار، اكدت على مسألة غاية في الأهمية وهي ضرورة ارتقاء الكفاءات والخبرات لتولي مسؤولية العضوية في مجلس النواب. ان المحكمة الاتحادية بقرارها هذا، تؤكد على انها تسير بالاتجاه الصحيح والمرسوم لها من قبل الدستور في انها الحصن الأخير للدستور والحامي الأول والأخير له.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت