الإفلاس موت مدنى اقتصادى واجتماعى
يشير خبراء الاقتصاد إلى ظاهرة التعتيم الشديد على تزايد حالات الإفلاس خلال الأعوام الأخيرة وهو تعتيم -كما قال الخبراء- قانونى حيث أعطى قانون التجارة رقم 17 لسنة 99 والمعمول به اعتبارا من عام 2002 المشروعية لإخفاء عمليات وحالات الإفلاس التجارى عن الواقع الاقتصادى المصرى ولذلك ليس غريبا مثلا أن يقول تقرير مركز معلومات مجلس الوزراء أن هناك انخفاضا فى إجمالى الأحكام الابتدائية من 2458 حكما إلى 1380 حكما بنسبة انخفاض قدرها 9.43% كما انخفض إجمالى أحكام الإفلاس النهائية من 7.8 إلى 141 حكما بنسبة 7.82% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى.

لكن خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر 2006 لم تصل أحكام الإفلاس الابتدائية إلى الألف حالة فى حين ان الأحكام النهائية وصلت إلى 100 حالة.

أسباب قانونية
ربما تكون هناك أسباب قانونية حول ظاهرة الإعلان فقط فعن عدد من حالات الإفلاس التى لا تعبر عن واقع النشاط الاقتصادى فى مصر وفى هذا الصدد يؤكد د.سمير صبرى المحامى بالنقض والخبير فى النزاعات الاقتصادية والتجارية ان المشرع فى قانون التجارة رقم 17 لسنة 99 فرض مبلغا قدره ألف جنيه تسدد كرسوم عند رفع دعوى الإفلاس وكان الغرض من هذا النص الإقلال بأى شكل من كميات قضايا الإفلاس التى وصلت فى المحاكم المصرية إلى 32 ألف حالة إفلاس

وأن هذا العدد الضخم عند الإعلان عنه يؤثر على الحالة الاقتصادية فى الداخل ويظهر الاقتصاد المصرى أمام المؤسسات الاقتصادية والبنكية العالمية بصورة الاقتصاد المفلس وقد ترتب على هذا النص الذى عمد المشرع لإصداره إلى تقليل دعاوى الإفلاس المنظورة أمام المحاكم ونظرا لارتفاع قيمة رسوم رفع الدعوى أصبح عددها لا يتجاوز 100 حالة أمام المحاكم فى مصر.

غير حقيقي
وقال د.سمير صبرى ان هذا الرقم غير حقيقى لأن الحالة الاقتصادية معلومة للعامة وللخاصة بأنها مرتبكة وترتب على ذلك لجوء كل الدائنين من مصالح حكومية وبنوك وشركات وحتى الأشخاص إلى طرق أخرى منها أمر الادعاء الذى لا تزيد رسومه على 55 جنيها فأصبحت أعداد الدعاوى المترتبة على أوامر الأداء حسب إحصائيات 2005 – 2006 حوالى 180 ألف قضية وهذا هو الرقم البديل الحقيقى لحالات أوامر ادعاء ولولا صدور القانون لكان ذلك هو العدد الحالى أمام المحاكم.

دعاوى المطالبة
وكشف أن دعاوى المطالبات وأوامر الأداء لا يتم نشر إحصائياتها ولكن ما يتم نشره دعاوى الإفلاس ولذلك فإننى اعتبر ان دعاوى الأداء أمام المحاكم هو التعبير الحقيقى للحالة الاقتصادية.

وأشار ان هناك على سبيل المثال مصانع ترسل يوميا 170 حالة امتناع عن سداد وإفلاس وهذا يعنى أن الشركة أو المصنع إذا أراد المضى قدما فى حالات الإفلاس فعليه ان يدفع رسوما تصل إلى 170 ألف جنيه وبالتالى يلجأ المصنع أو الشركة إلى أوامر أداء مقابل 55 جنيها عن كل حالة لكن الغريب إذا اتبع الوسيلة الأخيرة فعليه ان يتنظر ثلاث سنوات لحين الفصل.

وقال إن هناك شركات ومصانع تلجأ إلى التفاوض مع المدين لأنه فى هذه الحالة ربما يكون أقوى.. أو يلجأ إلى بنوك للحصول على 70% من القيمة.

وقال إن حالات الإفلاس الآن لا تعبر عن حقيقة النزاعات الموجودة فى مجتمع المال والأعمال والاقتصاد.. ويكفى أن أقول أن آخر قضية فى العام الماضى كانت تحمل رقم 63.. لكن فى نهاية عام 2001 قبل العمل بقانون التجارة كان آخر حالة إفلاس تحمل رقم 32 ألفا.

خروج طوعي
ويشير سمير حمزة أمين عام الجمعية المصرية للأوراق المالية فى دراسته حول قواعد الخروج للسوق إلى نوعين من الخروج وهما الخروج الطوعى حيث يجوز لصاحب المنشأة طبقا لمسار الخروج الطوعى وبمبادرة منه أن يقرر البيع إذا رغب فى عدم الاستمرار أو بيع مؤسسته أو مشروعه لصاحب مشروع جديد يرغب فى الدخو ل للسوق.

كما يجوز للمؤسسة أو للمشروع الذى يتخذ شكل الشركة ذات المسئولية المحددة أو شركة مساهمة التقدم بطلب للمحكمة أو اتخاذ قرار فى الجمعية العامة بتصفية المشروع بسبب خسارة ما يزيد على نصف رأسماله.

خروج جبري
أما الخروج الجبرى من السوق فيتخذ طبقا للقانون المصرى شكل الإفلاس حيث يطلب دائنو صاحب المشروع بموجب دعوى الإفلاس من المحكمة إشهار إفلاسه سواء أكان هذا المشروع يعمل كملكية فردية أو كشخص فرد أو كشركة وذلك بسبب عدم وفائه بديونه والتزاماته عند حلولها.

وبمجرد صدور الحكم بالإفلاس يخسر صاحب المشروع بعضا من حقوقه المدنية التى لا يستردها إلا إذا رد إليه اعتباره بموجب حكم من المحكمة.

آثار
وتشير الدراسة إلى آثار حكم الإفلاس كما جاء فى المواد 586 إلى 604 من القانون التجارى وتتركز هذه الآثار فى تقييد حركة الشخص المشهر إفلاسه ويكون للمحكمة الحق فى أن تأمر هذا الشخص بألا يغادر البلاد لمدة معينة من الوقت قابلة للتجديد أو تحديد إقامته فى مسكنه.

ويجوز للشخص الذى حكم بشهر إفلاسه أن يطعن على حكم المحكمة إلا أن هذا الطعن قد لا ينتج عنه إيقاف تنفيذ الحكم إلا إذا كان حكما بصحة الطعن وعدم تأييد الحكم ولا يجوز للشخص المحكوم بشهر إفلاسه أن يغير محل إقامته إلا إذا حصل على إذن بذلك من القاضى.

ومن أخطر الآثار المترتبة على حكم الإفلاس أنه لا يجوز للشخص الذى أعلن إشهار إفلاسه الانتخاب أو ترشيح نفسه للانتخاب سواء فى المجالس النيابية أو المحلية أو غرف التجارة أو الاتحادات المهنية كما لا يجوز انتخابه ليكون مديرا أو عضوا فى مجلس إدارة أى شركة ولا يجوز له الانخراط فى أى عمل من الأعمال المصرفية أو الوكالات التجارية أو أعمال الاستيراد والتصدير والسمسرة وبيع الأوراق المالية إلا إذا رد إليه اعتباره بموجب حكم صادر من المحكمة.

كذلك لا يجوز له إدارة أموال الغير ولكن يجوز له بإذن من المحكمة أن يدير أموال أولاده القصر.
وبمجرد صدور الحكم بشهر الإفلاس تغل يد الشخص المحكوم بشهر إفلاسه عن إدارة ممتلكاته وأمواله أو التصرف فيها كما لا يجوز للشخص بعد صدور الحكم بشهر إفلاسه ان يسدد ديونه أو يقبض مستحقاته.

رد الاعتبار
أما رد الاعتبار للشخص المفلس فيمكن أن يتم إما عن طريق القانون أى بعد انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ قفل التفليسة أو عن طريق المحكمة عندما يدخل الشخص الذى حكم بشهر إفلاسه فى تسوية مع كل دائنيه وينفذ كل شروط التسوية أو إذا أثبت الشخص الذى حكم بشهر إفلاسه للمحكمة أن دائنيه قد أحلوه من كل ديونه وأنهم جميعا موافقون على رد اعتباره إليه.

أما إذا كان الإفلاس بالتدليس فلا يرد للشخص اعتباره إلا بعد انقضاء خمس سنوات من تاريخ قضائه عقوبة السجن المحكوم بها عليه حيث إن الإفلاس بالتدليس جريمة توقع على مرتكبها عقوبة السجن.

وهنا يشير سمير حمزة إلى الأثر السلبى عن من يتم إشهار إفلاسه فى مصر فأنه يعتبر ميتا من وجهة نظر الحالة المدنية كما يعتبر ميتا اجتماعيا واقتصاديا لحين رد اعتباره مؤكدا ضرورة إحداث تعديل فى القانون التجارى المصرى لتبسيط قواعد التصفية الإجبارية والحد من شدة الآثار السلبية الناجمة عن الإفلاس.

ومن المعروف أن من أهداف أى قانون للإفلاس هو إعادة تأهيل المشروعات المتعثرة ذات الجدوى حتى يستمر المشروع ويحقق أرباحا مرة أخرى فى حالة ثبوت جدوى الاستمرار وقد تتطلب إعادة التأهيل إلغاء جزء من الديون أو إعادة هيكلتها مع فترات سماح للسداد أما فى حالة المشروعات المتعثرة التى لا أمل فى جدوى استمرارها فتم تصفيتها.

والمشكلة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى هى صغر وحدات القطاع الخاص -الرأسمالية الصغيرة- وفى كثير من الأحيان عدم تعاملها مع الجهاز المصرفى أو الحكومة مما يشكل عبئا كبيرا فى محاولة إعادة تأهيل هذه المشروعات فضلا عن نقص الوعى لدى الشركاء فى المشروعات الصغيرة وهو الأمر الذى يؤدى إلى سرعة الاتجاه لإشهار الإفلاس وعدم محاولة تأهيل المشروعات الصغيرة.

ولذا يتطلب الأمر إيجاد آلية قبل الاتجاه إلى الإفلاس لمحاولة إعادة هيكلة هذه المشروعات التى هى عبارة عن وحدات تصنيع صغيرة ورش، أو تجارة جملة أو تجزئة وهذا هو دور الدولة والجهاز المصرفى لتشجيع المشروعات الصغيرة بما يضمن إمكان استمرار هذه المشروعات والحفاظ على حقوق الدائنين.