مقال قانوني حول قانون عقود التجارة الالكترونية

مقال حول: مقال قانوني حول قانون عقود التجارة الالكترونية

بقلم ذ عبد الرحمان حمزاوي

قانون عقود التجارة الالكترونية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

باحث في قانون الأعمال
سعى الإنسان منذ وجد على سطح الأرض إلى تحقيق الكسب بكل الوسائل لاسيما المشروعة منها، فكانت التجارة إحدى المنافذ لتحقيق الكسب باعتبارها أهم الوسائل التي عن طريقها حاول إشباع حاجاته التي استحال عليه الوصول إليها بمجهوده الشخصي وموارده الذاتية.
ولما كانت التجارة الالكترونية إحدى هذه الوسائل بل وأحدثها، حيث تعرف هذه الأخيرة بأنها \”جميع الأعمال والنشاطات التجارية التي تتم عبر وسيط إلكتروني (كالانترنيت)( )\”، فإن هذه التجارة لا تتم إلا من خلال نوع فريد من العقود وهو العقد الالكتروني، حيث يزداد التعامل به بشكل كثيف مستفيدا من تشجيع الاقتصاديين التعامل به نظرا لبساطة إبرامه وانعكاساته الايجابية على الحياة الاقتصادية، خصوصا ما يتعلق بالربح السريع الذي يتم تحقيقه من خلاله.

ولئن كان المهتمون بالشأن القانوني ينظرون إلى هذا النوع من التجارة نظرة حذرة لكونها تشكل في بعض الأحيان وسيلة للربح غير المشروع لعدم احترامها خصوصيات كل مجتمع على حدا وعدم اهتمامها بحماية المستهلك، وكذا الطابع التقني الذي يميز إبرام عقود هذه التجارة التي تتصف بالعالمية بالإضافة إلى قصور بعض القواعد العامة على الإحاطة بهذا النوع من العقود، الشيء الذي فطنت له بعض التشريعات( ) وكذا الجمعية العامة( ) للأمم المتحدة، فعملت على وضع قواعد تنظم هذا النوع الجديد من العقود .
والتشريع المغربي على غرار باقي التشريعات أهتم بتنظيم عقود التجارة الالكترونية حيث تدخل بموجب القانون رقم 53.05 الصادر سنة 2007 لتقنين إبرام وإثبات هذا النوع من العقود.
وفي خضم هذه الثورة الالكترونية نتساءل كيف تعاملت القواعد العامة مع هذا النوع الجديد من العقود؟ وما هي حدود تأثر عقود التجارة الالكترونية بالقواعد العامة؟ وإلى أي حد استطاع المشرع المغربي ضبط عقود التجارة الالكترونية من خلال قواعد خاصة؟ وما هو دور الميكانزمات التقنية في حماية عقود التجارة الالكترونية؟ وهل استطاعت عقود التجارة الالكترونية تغيير قاعدة سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين التي تقوم عليها العقود التقليدية؟

إشكالات ضمن أخرى سنحاول النبش في فلسفاتها من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: التجارة الالكترونية من خلال القواعد العامة.
المبحث الثاني: التجارة الالكترونية من خلال قواعد خاصة.
المبحث الأول: التجارة الالكترونية من خلال القواعد العامة.

لما كانت التجارة الالكترونية تقوم على أسس لا يمكن الحديث عنها في غيابها، فإن هذا الأمر يحتم علينا بحثها في نقطة أولى (المطلب الأول)، قبل تناول مدى تأثرها بالقواعد العامة في نقطة ثانية (المطلب الثاني)، وذلك على الشكل التالي:

المطلب الأول: أساس التجارة الالكترونية.

تقوم التجارة الالكترونية على أساس العقد الالكتروني فبدونه لا يمكن الحديث عن تجارة الكترونية، لذلك ارتأينا التعريف بالعقد الالكتروني أولا (الفقرة الأولى)، ثم تحديد أنواعه ثانيا (الفقرة الثانية) وذلك على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: مفهوم العقد الالكتروني.

العقد الالكتروني هو ذلك “الاتفاق الذي يتلاقى فيه الإيجاب بالقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية، بفضل التفاعل بين الموجب والقابل([1]) “.

وعرفه البعض الآخر بـ : ” العقد الذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في دول أخرى وذلك من خلال الوسائط التكنولوجية المتعددة ومنها شبكة المعلومات الدولية الانترنيت بهدف إتمام العقد([2])” .

مما سبق يمكن القول أن جميع العقود التقليدية من بيع وكراء وخدمات …، يمكن إبرامها بواسطة الانترنيت، إلا ما نص قانون العقود أو قانون خاص على ضرورة إتباع شكل معين في إبرامها، أو استثناها من طائفة العقود التي تبرم عن طريق الانترنيت.

الفقرة الثانية: أنواع العقود الاليكترونية.

وتنقسم العقود الالكترونية من حيث مدى ارتباط العقد وتنفيذه من خلال الشبكة مباشرة إلى قسمين([3]):

1. عقود تبرم وتنفذ بواسطة الشبكة مباشرة، وما يميز هذا النوع من العقود هو أن محلها يكون غير ملموس أي قد تكون أشياء مسموعة ( موسيقى،…) أو مرئية (صور،…) أو مسموعة ومرئية (أفلام، مسلسلات، برامج الحاسوب…).

2. عقود تبرم من خلال الشبكة وتنفذ خارجها في العالم المادي (الملموس) وهي المبيعات التي يكون محلها سلع مادية ملموسة (سيارات، حواسيب، أثاث منزلية…).

المطلب الثاني: مدى تأثر عقود التجارة الاليكترونية بالقواعد العامة.

نبحث في مظاهر تأثر عقود التجارة الالكترونية بالقواعد العامة في نقطة أولى (الفقرة الأولى)، على أن نبحث في خصوصيات هذه العقود في نقطة ثانية (الفقرة الثانية) وذلك على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: مظاهر تأثر عقود التجارة الالكترونية بالقواعد العامة.

تتأثر العقود الالكترونية أثناء إبرامها بالقواعد العامة خصوصا ما يتعلق بالجوانب التالية([4]):

1. الأهلية:

يرجع في كل ما يتعلق بأهلية التعاقد في العقود الالكترونية إلى القواعد العامة للأهلية، وإن كان المرجع في التشريع المغربي هو بعض القوانين الخاصة ([5]) كمدونة الأسرة وفي هذا الخصوص تنص المادة 208 من م.أ على ما يلي: “أهلية الأداء هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها” ([6]) .

2. الرضا:

رضا العقود الاليكترونية يخضع للأحكام الفصول من14 إلى 56 من ق.ل.ع باستثناء الفصول من23 إلى 30 والفصل 32 غير أنه أثار جدلا فقهيا انتهى باعتبار أن جهاز الحاسوب مجرد وسيلة يسخرها لتوصيل إرادة المتعاقد للمتعاقد الآخر([7]) ، فهو تعاقد بين غائبين متى تم استعمال البريد الالكتروني في عملية التعاقد([8])، حيث في هذه الحالة يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل زمني قد يكون قصيرا كما قد يكون طويلا، وقد يعتبر تعاقد بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان كالتعاقد عبر الهاتف ([9]).

3. المحل:

يخضع محل العقد الالكتروني لأحكام الفصول من 57 إلى 61 من ق.ل.ع، جاء في الفصل 57 من ق.ل.ع ما يلي: “الأشياء و الأفعال والحقوق المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها لأن تكون محلا للالتزام، ويدخل في دائرة التعامل جميع الأشياء التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها”.

4. السبب:

يخضع سبب العقد الالكتروني لأحكام الفصول من 62 إلى 65من ق.ل.ع وبهذا الخصوص ينص الفصل 62 من ق.ل.ع على ما يلي: “الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن. يكون السبب غير مشروع، إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام، أو القانون”.

الفقرة الثانية: خصوصيات عقود التجارة الالكترونية.

تتجلى خصوصيات عقود التجارة الالكترونية في عدة مميزات ينفرد بها العقد الالكتروني دون غيره من العقود التقليدية من ذلك مثلا:

1. إبرام العقد الالكتروني بدون التواجد المادي للمتعاقدين في مجلس عقد حقيقي.

2. العقد الالكتروني لا يتأثر بعيوب الرضا خصوصا الغبن والغلط والتدليس إذ يصعب تصورهم في هذا النوع من العقود، أما الإكراه فيمكن تصوره متى كانت هناك تبعية اقتصادية بين العاقدين.

3. الطابع الدولي للعقد الالكتروني على اعتبار أنه يتم على شبكة الانترنيت.

4. العقد الالكتروني أكثر سرعة خصوصا في مجال الوفاء حيث حلت وسائل الدفع الاليكترونية (البطاقات البنكية، الأوراق التجارية الالكترونية) محل النقود العادية، بالموازاة مع ذلك ظهرت بنوك الكترونية افتراضية على شبكة الانترنيت.

المبحث الثاني: التجارة الالكترونية من خلال قواعد خاصة.

نبحث في التجارة الالكترونية على ضوء قانون 53.05 أولا (المطلب الأول)، على أن نبحثها من خلال قوانين خاصة ثانيا (المطلب الثاني) وذلك على الشكل التالي:

المطلب الأول: التجارة الالكترونية في ظل قانون 53.05.

الحديث عن التجارة الالكترونية في ظل قانون 53.05 يستوجب بحث إبرام العقد الالكتروني على ضوء هذا القانون أولا (الفقرة الأولى)، فإثباته ثانيا (الفقرة الثانية)، ثم حجيته ثالثا (الفقرة الثالثة) وذلك على الشكل التالي:

الفقرة الأولى: إبرام العقد الالكتروني.

إبرام العقد الالكتروني يتأتى عبر وجود إيجاب صادر عن إرادة الموجب (أولا)، وقبول يطابق الإيجاب صادر عن المرسل إليه (ثانيا) نبحث هذين العنصرين على الشكل التالي:

أولا: الإيجاب الاليكتروني.

هو تعبير عن إرادة الموجب والموجه إلى الطرف الآخر بقصد إحداث أثر قانوني، ويترتب عليه انعقاد العقد إذا اقترن بقبول مطابق له( [10])، وقد تناول المشرع المغربي الإيجاب الاليكتروني في الفصل 65.3 من قانون 53.05 حيث حدد ثلاث حالات تدخل في إطار العرض:

· الحالة الأولى: هي وضع الإيجاب في شكل عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من العقود.

· الحالة الثانية: والتي يطلب فيها شخص معين بالذات معلومات إبرام العقد.

· الحالة الثالثة: يتعلق الأمر بتوجيه معلومات أثناء تنفيذ العقد.

والملاحظ أنه في الحالة الأولى يمكن استعمال كل الوسائل الاليكترونية في العرض بما في ذلك البريد الإلكتروني والويب إذا تعلق الأمر بتوجيه المطلق لجمهور الناس، أما في الحالتين الأخريين فإن الوسيلة محددة في البريد الالكتروني لأن الأمر يتعلق بشخص معين بالذات، حيث اشترط القانون موافقة هذا الأخير صراحة على استعمال تلك الوسيلة في العرض.

هذا وقد حدد الفصل 65.4 الشروط التي يجب أن يتضمنها العرض وكذا الوسائل التي تمكن المرسل إليه من التحقق من تفاصيل هذا العرض ومنها على الخصوص:

− إلزامية وضع الاستمارة رهن إشارة المطلوب منه تعبئتها اليكترونيا إذا كان مرسل العرض يشترط إدراج المعلومات في استمارة.

− إلزامية وضع الشروط التعاقدية رهن إشارة عموم الناس مع تمكينهم من استنساخها والاحتفاظ بها.

− التزام مرسل العرض طيلة المدة التي حددها لعرضه، والتزامه به كذاك متى ظل الولوج إليه مسموحا في الحالة التي لم يحدد مدة لعرضه.

غير أننا نجد المشرع سكت عن الحالة التي يقوم فيها إرسال العرض أكثر من مرة، بهذا الخصوص أجابت بعض التشريعات منها التشريع الكويتي بأن كل محرر الكتروني يتسلمه المرسل إليه يعتبر محررا مستقلا ما عدا إذا كان الأمر يتعلق بنسخ المحرر وكان المرسل إليه على علم بها.

ثانيا: القبول الاليكتروني.

القبول هو تعبير عن إرادة من وجه الإيجاب إليه وبتوافقه مع الإيجاب يقوم العقد( [11])، وقد تناول المشرع المغربي القبول الالكتروني في القانون رقم 53.05 من خلال الفصل 65.5 تحت عنوان إبرام العقد بشكل إلكتروني، وباستقرائنا لمضمون هذا النص، يتضح أن المشرع أحاط القبول الالكتروني بمجموعة من الضمانات وهي:

1. أن يتمكن من أرسل إليه العرض من التحقق مما يلي:

− تفاصيل الإذن الصادر عنه قبل تأكيده: أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه العرض قصد التحقق من تفاصيل القبول الصادر عنه قبل تأكيده نهائيا.

− السعر الإجمالي: أي الثمن الإجمالي الذي سيلتزم به أثناء تنفيذ العقد.

− تصحيح الأخطاء المحتملة قبل تأكيد القبول: أي إتاحة الفرصة لمن أرسل إليه الإيجاب قصد تصحيح الأخطاء التي يمكن أن تتسرب إلى تعبيره عن إرادته وذلك قبل إرساله.

2. التزام صاحب العرض بإشعار القابل بتسلمه قبول العرض الموجه إليه بطريقة الكترونية ودون تأخير مبرر.

3. المرسل إليه الذي تسلم العرض يصبح ملزما به فور تسلمه، مع اعتبار قبول العرض وتأكيده والإشعار بتسلمه متوصلا به متى كان بإمكان المرسل إليه الولوج إليه.

ثانيا: إثبات العقد الالكتروني.

1. الكتابة:

الكتابة اللازمة للإثبات هي المحرر الأصلي وهذا المحرر قد يكون محرر رسمي أو عرفي غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك ما يلزم بالنسبة للكتابة أن لا تكون إلا على الورق([12])؟ ليس هناك في القانون أو في اللغة ما يلزم بالاعتقاد أن الكتابة لا تكون إلا على الورق، فقد اتفق الفقه على ثلاث مسائل يجب أن تتوفر في الوسيط المستعمل في الكتابة هي: القراءة، الثبات، الاستمرارية ([13])، والكتابة لا ينظر إليها كوسيلة أو وسيط بقد ما ينظر إلى وظيفتها في إنشاء دليل على وجود تصرف قانوني قابل لأن يرتب آثاره.

2. التوقيع:

فكرة التوقيع الاليكتروني أو الرقمي مرتبطة بمجموعة إجراءات معينة محصلتها جميعا هي الوصول إلى الأمن التقني والقانوني الأمر الذي أوجد فجوة بين الواقع والقانون فهذا الأخير يتطلب حتى تكون الكتابة دليلا كاملا أن تكون موقعة وأن يكون التوقيع كقاعدة عامة مكتوب بخط يد الموقع بينما يتجه الواقع في ظل المعالجة الاليكترونية إلى التوقيع الرقمي الذي يتم باستخدام رقم سري أو مفتاح لا يعلمه إلا المتعاقدان( [14]).

وبالرجوع إلى قانون 53.05 نجد المشرع المغربي لم يعرف التوقيع الاليكتروني( [15]) وإنما ذكر في المادة 6 من نفس القانون مجموعة من الشروط استوجب أن يستوفيها التوقيع الاليكتروني ومنها:

− أن يكون خاصا بالموقع([16]).

− أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية.

− أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق أدخل عليها.

ثالثا:حجية المحرر الاليكتروني.

ينص الفصل 443 من ق.ل.ع على ما يلي: “الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إليكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية”.

من خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع المغربي قد اعترف للمحرر الاليكتروني بالحجية القانونية شأنه في ذلك شأن المحرر الورقي، وذلك متى استجمع جميع الشروط المتطلب قانونا.

وحتى يضطلع المحرر الاليكتروني بهذا الدور أوجد المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات التي سبقتنا في هذا المجال وسيلة تضمن نسبيا سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة اليكترونية أو تخزينها أوهما معا وهي طريقة التشفير التي عهد بها إلى مقدمو خدمات المصادقة الاليكترونية المعتمدون لهذا الغرض.

رابعا: مقدمو خدمات المصادقة الالكترونية.

تعد الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات السلطة الوطنية التي عهد إليها المشرع المغربي بمهام المصادقة الإلكترونية ومراقبتها. وفي هذا الإطار، تتكلف الوكالة بالإذن لمتعهدي خدمات المصادقة وبمراقبة نشاطهم، ومتعهد خدمات المصادقة الإلكترونية هو شخص معنوي مسؤول عن تدبير الشواهد الإلكترونية طيلة مدة سريانها، تجاه حاملي هذه الشواهد ومستخدِميها، وفي إطار اختصاصاتها، أذنت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، باسم الدولة، لبريد المغرب المقر الرئيسي حسان الرباط، بصفته متعهد خدمات المصادقة الإلكترونية.[17]

الفقرة الثانية: الاستثناءات.

أولا: الاستثناءات القانونية.

استثنى المشرع بعض المحررات ذات الطابع الخاص لم يطبق عليها قانون 53.05 وبهذا الخصوص تنص الفقرة الأخيرة من المادة 2 بما يلي: “غير أن الوثائق المتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية، ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لهذا القانون ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته”.

ويمكن القول أن المشرع كان صائبا إلى حد ما عندما استثنى هذه العقود من إبرامها بطريقة الكترونية وذلك لأن قضايا الزواج والطلاق والإرث تضرب في عمق الأحكام الشرعية ومنها ما يرتبط ارتباطا وثيق بالنظام العام كما أنها تحتاج إلى مفاوضات عميقة يكون معها وجود المتعاقدين في مجلس عقد واحد يكاد يكون ضروريا في بعض الأحيان، أما ما يتعلق بالضمانات الشخصية أو العينية فنظرا لتعقدها وارتباطها بالأموال بل ومنها ما يحتاج إلى إجراءات تكون خارجة عن إرادة العاقدين كالقيد والشهر في السجل التجار وسجل كتابة الضبط وسجل الضريبة والتمبر وكذا في سجل المحافظة العقارية، الشيء الذي يصعب على المتعاقدين إلى درجة قد تبلغ التعذر.

ثانيا: الاستثناءات الاتفاقية.

بداية ليس هناك ما يلزم من كتابة المحررات بطريقة الكترونية، فالمسألة إذا تتعلق بمدى رغبة المتعاقدين في إبرام العقد بطريقة اليكترونية أو بطريقة أخرى، أو إذا اقتضت طبيعة المعاملة ذلك وما يعزز هذا الطرح ما نص عليه الفصل 443 ق.ل.ع “…وإذا اقتضى الحال ذلك أن تعد بشكل إليكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية”.

كما أن القواعد المتعلقة بالإثبات هي على نوعين:

قواعد مسطرية لا يمكن الاتفاق على مخالفتها لتعلقها المباشر بالنظام العام.

قواعد موضوعية وهي محل خلاف خصوصا ما يتعلق بإحلال شهادة الشهود محل الكتابة إذا كانت هذه الأخيرة هي المطلوبة، وعبء الإثبات وحجية دليل الإثبات وحدود هذه الحجية وطرق إثباتها وإنكارها وإثبات عكسها وما يتعلق بربط هذه القواعد بالنظام العام ومدى إخضاع هذه القواعد للسلطة التقديرية للقاضي.

المطلب الثاني: التجارة الاليكترونية من خلال قوانين متفرقة.

الفقرة الأولى: قوانين أشارت صراحة إلى موضوع التجارة الاليكترونية.

من ضمن هذه القوانين نجد:

أولا: القانون المتعلق بنشاط الائتمان.

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة الحرة.

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة.

رابعا: قانون الصحافة.

أولا: القانون المتعلق مؤسسات الائتمان.

تنص المادة 4 من القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان على ما يلي: ” وسائل الدفع هي جميع الوسائل التي تمكن أي شخص من تحويل الأموال كيفما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك”.

كما أن المادة 106 من نفس القانون اعترفت بالحجية القانونية لكشوف الحسابات والتي غالبا ما تكون مستخرجة من الحواسيب المرتبطة فيما بينها بنظام معلوماتي.

من خلال استقرائنا لمضمون المادتين يتبين بجلاء أن مؤسسات الائتمان انخرطت بقوة في نظام المحررات الاليكترونية، وما يعزز هذا الطرح الحماية القانونية والقوة الاثباتية التي أعطاها المشرع لهذه المحررات.

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة.

جاء قانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بمقتضيات تسمح باستخدام التقنية الحديثة والمحررات المستخرجة منه، خصوصا ما يتعلق بإعلام المستهلك وهو ما أشارت إليه المادتان 47 و48 من القانون نفسه.

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة

جاء في المادة 372: ” يمكن بطلب من المشغل الاستعاضة عن دفتر الأداء، باعتماد أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى بين وسائل المراقبة التي يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم مقام ذلك الدفتر”. من خلال استقراء مضمون هذه المادة يتبين أن المشرع في المادة الاجتماعية أحاط المحررات المعدة بوسائل التقنية الحديثة حماية توازي إلى حد ما المحررات التقليدية خصوصا متى تعلق الأمر بمجال الإثبات.

رابعا: قانون الصحافة الصادر سنة 1958 والمعدل سنة2002 بمقتضى القانون رقم 77.00.

من خلال استقرائنا لهذا القانون خصوصا الفصول 38، 51، 69، يتبين أن المشرع أعطى قوة إثبات للمحررات المعدة على دعامة التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في مجال الصحافة، والتي يمكن استخدامها كحجج إثبات في الجنايات والجنح والمخالفات المرتبطة بهذا المجال.

الفقرة الثانية: قوانيني أشارت ضمنيا إلى موضوع التجارة الاليكترونية.

إلى جانب القوانين التي أشارت صراحة إلى إمكانية استخدام الدعامات المعدة على وسائل التكنولوجيا الحديثة، هناك قوانين أشارت إليها ضمنيا ونرى أن نستعرضها من خلال النقاط التالية:

القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبة .
· ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 221-93-1 صادر في ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 يتعلق ببورصة القيم

· ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 212-93-1 صادر في 04 ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 متعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة على الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتساب على اسمها أو سنداتها.

· ظهير شريف رقم 19-00-01 صادر في 09 ذي القعدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.

· ظهير شريف رقم 20-00-1 صادر في 09 ذي العقدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00/2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

قانون رقم 97-15 بمثابة مدونة التحصيل الديون العمومية.
القانون رقم 68.99 المتعلق بالإيداع القانوني.
· القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري.

القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك
خـــلاصة:

من خلال الموضوعات التي تم تناولها في هذا القراءة التحليلية يتبين وبما لا يجعل مجالا للشك أن مبدأ سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين يحكم أيضا مجال انعقاد العقد الالكتروني بالإضافة إلى شكلية الكتابة التي تعتبر شرط انعقاده طبقا لنص الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود، غير أن ما يميز هذا النوع من العقود هو دخول طرفين آخرين إلى جانب المتعاقدين هما الوسيط الالكتروني والسلطة المختصة بالتوقيع هذه الأخيرة التي ستعطي معنى آخر لتفعيل قانون 53.05 من خلال تحيق للأمن في مجال إبرام العقد الالكتروني المراهن بمدى جودة الخدمة التي ستقدمها وبالتالي تحقيق الأمن القانوني للتاجر الالكتروني، وفي انتظار ذلك حبذا لو تدخل المشرع فأطفئ نوع من المرونة على هذه الخدمة، وجمع شتات العقد الالكتروني في القواعد المتفرقة في مدونة واحدة تكون بمثابة المرجع للدارس والباحث والمهتم بالمادة القانونية، لأن مجال التجارة الالكترونية مجال واعد لا مفر من الولوج إليه.

[1] أسامة أبو الحسن مجاهد خصوصية التعاقد عبر الانترنيت دار النهضة العربية 2000 ص 39

[2] خالد ممدوح إبراهيم إبرام العقد الاليكتروني دراسة مقارنة دار الفكر الجامعي الإسكندرية الطبعة الأولى ص 73 _ 74.

[3] المادة 5 من التوجيه الأوروبي رقم E/7/97 المتعلق بحق المستهلك في إرجاع المبيع.

[4] أخضع المشرع إبرام العقد الاليكتروني لأحكام الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول من ظهير الالتزامات والعقود الصادر سنة 1913 واستثنى من ذلك الفصول من 23 إلى 30 والفصل 32 المادتان 1-65 و2-65 من قانون 05∙53 المتعلق بالتبادل الاليكتروني للمعطيات القانونية الصادر في 30 نوفمبر 2007 ج.ر عدد 5584 بتاريخ 6 ديسمبر 2007.

[5] للمزيد من التوسع في هذا الموضوع أنظر عبد الحق صافي القانون المدني الجزء الأول المصدر الإرادي للالتزامات العقد الكتاب الأول تكوين العقد مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الأولى 2006 ص 137 وما بعدها.

[6] تنص المادة 207 من م.أ على ما يلي : أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون وهي ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها.

[7] امحمد برادة غزيول، قراءة في القانون المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية،.بحث منشور في الموقع:

http://jeunesavocatsdenador.com/abhath1.htm

[8] محمد إبراهيم أبو الهيجاء م.س ص 54.

[9] المادة 102 من القانون المدني الأردني والتي تنص: “يعتبر التعاقد بالهاتف أو بأية طريقة مماثلة بالنسبة للمكان كأنه تم بين متعاقدين لا يضمهما مجلس حين العقد، وأما في ما يتعلق بالزمان فيعتبر كأنه تم بين حاضرين في المجلس”.

[10] العربي جنان التبادل الاليكتروني للمعطيات القانونية (القانون المغربي رقم53.05) دراسة تحليلية نقدية المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ط. الأولى 2008 ص13.

وعرفه التوجيه الأوروبي الخاص بحماية المستهلك بأنه “كل اتصال عن بعد يتضمن كل العناصر اللازمة بحيث يستطيع المرسل إليه من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان” ذكر هذا محمد إبراهيم أبو الهيجاء م.س ص 42.

للمزيد من التوسع أنظر سمير عبد السميع الأودن العقد الالكتروني منشأة المعارف الإسكندرية طبعة 2005 ص.26 وما بعدها.

[11] المختار بن أحمد عطار الوسيط في القانون المدني مصادر الالتزام المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ط. الأولى 2002 ص.95.

وعرفه محمد إبراهيم أبو الهجاء م.س ص. 48 بقوله: “هو التعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب في إبرام العقد وليتحقق هذا الأثر في انعقاد العقد لا بد من مطابقة القبول للإيجاب وإن تباين القبول عن الإيجاب اعتبر إيجابا جديدا وليس قبولا”.

[12] محمد السعيد رشدي التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات منشأة المعارف الإسكندرية 2005 ص 155.

[13] محمد إبراهيم أبو الهجاء م.س. ص 64 وما بعدها.

[14] محمد السعيد رشدي م.س ص 195.

[15] عرف قانون المعاملات الاليكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001 في المادة 2 التوقيع الاليكتروني بما يلي: “البيانات التي تتخذ هيئة حرف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها وتكون مدرجة بشكل إليكتروني أو رقمي أو ضوئي أو أي وسيلة أخرى مماثلة في رسالة معلومات أو مضافة عليها أو مرتبطة بها ولها طابع يسمح بتحديد هوية الشخص الذي وقعها ويميزه عن غيره من أجل توقيعه وبغرض الموافقة على مضمونه.

وهو نفس مضمون التعريف الذي وضعه المشرع المصري في المادة الأولى من القانون رقم 115 لسنة 2004 المتعلق بتنظيم التوقيع الاليكتروني. .

كما عرفته المادة 2/1 من التوجيه الأوروبي رقم 93/1999 الصادر بتاريخ 13/02/1999 بأنه “المعطيات التي تأخذ الشكل الإليكتروني والتي ترتبط بمعطيات أخرى إليكترونية والتي تستخدم كوسيلة لإثبات صحتها”.

للمزيد من التوسع في الموضوع أنظر:

منير محمد الجنبهي وممدوح محمد الجنبهي التوقيع الإليكتروني وحجيته في الإثبات دار الفكر الجامعي الإسكندرية طبعة 2005 ص. 9 وما بعدها

أنظر كذلك محمد إبراهيم أبو الهيجاء م.س ص. 70 وما بعدها.

أنظر أيضا

Mohamed Diyaâ TOUMLILT Le commerce électronique au Maroc Imprimerie Maghrébines Casablanca Edition 2008 p. 447.

[16] عرفت المادة 7 من قانون 53.05 الموقع بقولها: “هو الشخص الطبيعي الذي يعمل لحسابه الخاص أو لحساب الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يمثله والذي يستخدم آلية إنشاء التوقيع الاليكتروني”.

[17] – www.anrt.ma

بقلم ذ عبد الرحمان حمزاوي
باحث في قانون الأعمال

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.