شخصانية السلطة

المؤلف : علي سعد عمران
الكتاب أو المصدر : ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة في بعض النظم الدستورية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مظاهر شخصانية السلطة
ابتداءً علينا ان نوضح ما المقصود بشخصانية السلطة ؟ فهي تعني ان يمثل شخص هو – عادة – الحاكم السلطة ، فالسلطة ليست مجردة وإنما لها وجه تظهر من خلاله وهو وجه الحاكم ( القائد ) وبهذا تصبح السلطة مرتبطة بانسان(1) .

وشخصانية السلطة يتخذ المظاهر الاتية :
أولا : تقوية السلطة التنفيذية
ان ضعف السلطة التنفيذية يعد في مقدمة الانتقادات التي توجه إلى النظم السياسية المعاصرة ، لأن ضعف السلطة التنفيذية ينتج عنه عدم قدرتها على مواجهة المشاكل المعقدة في العصر الحديث ولاسيما بعد التطور العلمي الحاصل في شتى مجالات الحياة(2) .

لذا كان لابد من قيام سلطة تنفيذية قوية في الدولة الحديثة ، ولابد من وجود زعيم سياسي على راس هذه السلطة ( رئيس دولة أو رئيس وزراء ) يكون قادر على ادارة شؤون البلاد وهذا الزعيم يكون له الدور الأساسي في تكوين الرأي العام في المجتمع والتأثير عليه وتكون له القدرة ايضا على اقناع العامة من الشعب(3)، وإذا ما استطاع الزعيم السياسي التأثير في جمهور الشعب في تكوين ارائه واتخاذ قراراته فانه سيضمن بالتالي دعم الشعب له، فالقابضون على السلطة يضعون في حساباتهم أهمية الرأي العام ويحاولون التأثير عليه واستمالته من ناحية ويحاولون مراضاته من ناحية اخرى وفي جميع الحالات يهدفون من ذلك ان يكون الرأي العام لهم سندا، فالسلطة الحاكمة تستطيع التأثير على رأي الشعب من خلال العديد من المؤثرات منها مايتصل بشخص الحاكم نفسه وخلفيته التاريخية ومنها مايتصل بالقيم والعادات السائدة في المجتمع والتي يستطاع من خلالها التأثير على رأي الشعب فضلاً عن تأثير وسائل الدعاية والاعلام على تكوين الرأي لدى افراد الشعب ، فالرأي الشعبي يكون – في ظل نظام الحزب الوحيد أو المسيطر- منقادا لأية جهة يوجهه اليها شخص الحاكم بما يتفق مع ميوله ورغباته(4) .
ثانيا : تركز السلطة بيد رئيس السلطة التنفيذية
قد تجتمع أكثر الصلاحيات وأهمها في يد رئيس السلطة التنفيذية – رئيس الدولة عادة – فيغدو في موقع اسمى من باقي الهيئات الاخرى ، ويصبح هو المهيمن على ما عداه من المؤسسات القائمة فيترك بصماته على جميع قطاعات الحياة السياسية بحيث لا يوجد شيء بمنأى من تدخله(5)، فيضحى هو رئيس السلطة التنفيذية وراسها الفعلي والمسيّر لها ويسهم في تعيين رئيس الوزراء والوزراء واقالتهم ويرسم السياسة الداخلية والخارجية للدولة ويصدر اللوائح ، ثم نجده يشارك البرلمان في عمله التشريعي وتكون له صلاحيات تشريعية تفوق صلاحيات البرلمان نفسه ، فضلاً عن حقه في حل البرلمان وانهاء وكالة اعضائه وحتى في مجال القضاء نجد له بصمات تدخل في ميدان السلطة القضائية مما يجعلها في محل ضعف تجاه ارادة الرئيس(6) .

وعليه يبرز دور رئيس السلطة التنفيذية إلى الدرجة التي يغيب معها دور الهيئات الاخرى في الدولة ، ويلاحظ ان هذه الصلاحيات الواسعة التي يعطيها الدستور لرئيس الدولة لا بد وان يكون إستخدامها بما يتفق مع مبدأ المشروعية(7) .

ودساتير الدول التي تأخذ بشخصانية السلطة كدستور فرنسا لعام 1958 ( ودستور تونس لعام 1959 ودستور مصر لعام 1971 ، ودستوري العراق لعام 1925 و 1970 ) لا تأخذ بالمساواة بين السلطات الثلاث التي تقيمها ، فهي تأخذ بثنائية السلطة التنفيذية غير انها ثنائية غير متوازنة ، وغير واضحة المعالم بالنسبة لتوزيع الصلاحيات والمسؤوليات بسبب تفوق جهة الرئاسة مع عدم مسؤوليتها ومسؤولية الوزارة التي هي في مركز التابع لجهة الرئاسة ، يضاف إلى ذلك عدم خضوع السلطة التنفيذية – الحكومة – لرقابة صارمة من البرلمان بصورة فعلية ، وهذا مما يضعف دور البرلمان في ممارسة وظيفته الرقابية(8). لذا فقرارات رئيس الدولة وسياسته تعد قرارات وسياسات سيادية ، صادرة من الشعب باجمعه على اعتبار ان الرئيس منتخب من الشعب وممثل له(9).
ثالثا : تولي رئيس الدولة لمنصبه
… أهم الأساليب المتبعة لتولي رئيس الدولة لمنصبه سواء الأساليب الغير ديمقراطية أم الديمقراطية منها ، وفي مجال الأساليب الديمقراطية لتولي رئاسة الدولة اتضح لنا كيفية تأثير أسلوب تولي رئيس الدولة لمنصبه على تدعيم مركز رئيس الدولة، فإنتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة يقوي من مركزه ويجعله قوة كبرى في مواجهة سلطات الدولة الاخرى(10) اما إنتخابه عن طريق البرلمان فان رئيس الدولة سيكون بمثابة التابع له ، هذا ان كان رئيس الجمهورية قد وصل إلى سدة الرئاسة خلال أحد الطريقين السابقين ، ولكن قد يصل رئيس الجمهورية إلى سدة الرئاسة عن طريق الإستفتاء الشخصي(11)، والإستفتاء الشخصي(12) ، يؤدي إلى شخصانية السلطة فهو أحدى طرق ( الإختيار المفروض ) على الشعب فحينما يعرض على الناخبين مرشح واحد فقط لاختياره فهذا يعني إذعانهم لهذا المرشح وتكون عملية إستفتاء المواطنين عبارة عن نوع من التصديق لهذا الإستفتاء(13) .

وهذا ما هو معمول به في النظم الدستورية محل البحث فنجده في دستور تونس لعام 1959 ودستور مصر لعام 1971 – قبل التعديل الذي اجري عام 2005 – ودستور العراق لعام 1970 – بعد تعديل الدستور عام 1995 – وكذلك في فرنسا(14) ، فضلاً عن الاثار الاخرى التي يخلفها الإستفتاء الشخصي فهو يؤدي إلى القضاء على فكرة تداول السلطة الأمر الذي يؤدي إلى تحويل النظام الجمهوري إلى نظام شبه ملكي يتوارث فيه الحكم عن طريق الإستفتاء الشخصي ، وهو يؤدي ايضا إلى تهميش دور المؤسسات الدستورية الاخرى ، لذا فهو يعمل على تدعيم مركز رئيس الدولة من نواح عدة ، أهمها انه يؤدي إلى عدم تغيير رئيس الجمهورية ومن ثم استمراره في منصبه إلى اجل غير مسمى ، وايضا يضفي الشرعية على قرارات الرئيس وسياسته ، وان كانت شرعية مزيفة ، وهذا بدوره يعمل على تضخيم دور رئيس الدولة في النظام السياسي على حساب المؤسسات الدستورية الاخرى(15) ولعل مما يزيد في شخصانية السلطة اجازة الدساتير تجديد مدة ولاية رئيس الجمهورية بصورة مطلقة ، اي لعدد غير محدود من المرات ، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية الترشيح والفوز حتى نهاية عمره(16) وهذا الحال يؤدي إلى عدم امكانية تداول السلطة بصورة سلمية ، إذا ان رئيس الجمهورية إذا ما رشح نفسه لولاية رئاسية جديدة فهو بالتاكيد في مركز متميز على باقي المرشحين بسبب ما يملكه الرئيس من قدرات مادية ومعنوية يستطيع من خلالها التفوق على غرمائه في (الإنتخابات)(17) .

وقد ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين شخصانية السلطة والسلطة الشخصية ، فالسلطة الشخصية تكون عندما يكون هناك شخص وأحد يتحكم ويركز كل السلطات بين يديه ويسيطر بذلك على اجهزة الدولة جميعا وهو ما يعرف بتركيز السلطة ، ويتمثل بالأنظمة الإستبدادية التي كانت سائدة في العصور القديمة والملكية المطلقة التي عرفتها العصور الوسطى والأنظمة الدكتاتورية في العصر الحديث (18) .

اما شخصانية السلطة فهو يتعلق بالسيكولوجية الإجتماعية ولا يتعلق بمجال المؤسسات اي المؤسسات الدستورية ، إذ يوجد شخص واحد يعتبر رمزا وتجسيدا للامة تجد الجماعة نفسها فيه وتتوحد به ، ويمكن ان يوجد شخصانية السلطة دون ان يكون مصحوبا بالسلطة الشخصية كما هو الحال في الرؤساء (روزفلت و كيندي ) ، إذ كان كل منهما يشخص السلطة مع وجود مؤسسات تتوزع عليها السلطة(19). كما قد توجد سلطة شخصية دون شخصانية للسلطة ، كما هو حال الرئيس الجزائري الاسبق ( هواري بومدين )(20) ، ولكن غالبا ما توجد الظاهرتان معاً ، اما لأن الزعيم التاريخي ياتي فيركز كل السلطات بين يديه ، واما لأن من قام بالإنقلاب سيطر على جهاز الدولة واستطاع على المدى الطويل ان يجسد الجماعة الوطنية بحيث أصبحت الجماعة تجد نفسها فيه(21) .
_____________________
1- د. سعاد الشرقاوي : النظم السياسية في العالم المعاصر –تحديات وتحولات-، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2002، ص 121 .
2- د. عبد الحميد متولي : نظرات في انظمة الحكم في الدول النامية وبوجه خاص في مصر ، الاسكندرية ،
منشاة المعارف ، 1985 ، ص551 .
3- د. كريم كشاكش : ” الرأي العام واثره في نفاذ القاعدة الدستورية ” ، مجلة ابحاث اليرموك ، المجلد
(10 ) ، العدد (1) ، جامعة اليرموك، اربد ، 1994 ، ص 82 .
4- فتحي عبد النبي الوحيدي : ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، اطروحة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ، 1982 ، ص 258 ، 315 – وما بعدها ،وهذا ما يلاحظ في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت عام 2004 في تونس فعلى الرغم من الدعوات إلى مقاطعة الإنتخابات بسبب عدم وجود مناخ سياسي ملائم لهذه الإنتخابات ، الا ان الإنتخابات قد جرت في موعدها المحدد ، وكانت النتيجة – كما هو متوقع – فوز الرئيس ( زين العابدين بن علي ) بولاية رئاسية رابعة ، وهيمنة حزبه على مقاعد البرلمان ، ويفسر بعض المحللين ما حدث بانه يعود إلى أسباب عدة والمتمثلة بالاتي :
* الدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات كانت مفتقدة إلى برنامج عمل لا نجاح المقاطعة .
* احتكار وسائل الاعلام من قبل السلطة الحاكمة والتضييق على المعارضة .
* خوف الجماهير من السلطة الحاكمة أو الخوف من عدم وجود بديل حقيقي يمكن ان يبث الحيوية داخل الحياة السياسية ، ينظر هادي يحمد : أحزاب المعارضة تدعو الى مقاطعة الإنتخابات المصدر السابق http: // www. Islam online . net
وايضا يمكن ملاحظة ذلك في الإستفتاء الدستوري الذي جرى في فرنسا عام 2000 والذي بموجبه عدلت مدة ولاية الرئيس بانقاصها إلى خمس سنوات بدلا من سبع سنوات فبالرغم مما اثاره هذا التعديل من سجال بين القانونيين و السياسيين قبل الإستفتاء وبعده ، وبالرغم من التناقص الملحوظ في عدد المقترعين ، فإن الاقتراح بالتعديل تمت الموافقة عليه بأغلبية عدد الأصوات المعبر عنها ، وذلك بسبب تأثير الرئيس (( J. CHIRAC)) على الرأي العام ، ينظر د. عبد العليم محمد : خفض ولاية الرئيس ، الدستور ، الحداثة والواقع ، http: // www. Ahram. Org. eg .
5- د. سعاد الشرقاوي : المصدر السابق ، ص 121 .
6- د. عبد الله ناصف : مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1981 ، ص 261 .
وذلك لأن تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء يؤدي به إلى الانحراف عن إستقلاله وحيادته المضمونين له شرعا وقانونا ، ينظر بهذا المعنى: د. اسماعيل إبراهيم البدوي : نظام القضاء الاسلامي ، القاهرة ، جامعة الازهر ، 2000 ، ص 67
وبقدر ما يكون القضاء مستقلا راسخا تكون حريات الناس واموالهم وارواحهم مصونة حرة كريمة ، إذن فلابد من توافر امرين معترف بهما للقضاء هما :
* إستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية .
* إستقلال القضاة في عملهم وهذا لا يتحقق في ظل تدخل رئيس الدولة في عمل وتكوين السلطة القضائية ينظر المحامي هيثم المالح : القضاء في التشريع السوري http://www. Ikhwan – muslimoon – Syria . org
7- ينظر بهذا المعنى خميس حزام والي: اشكالية الشرعية في الانظمة السياسية العربية مع اشارة الى تجربة الجزائر ، اطروحة دكتوراه ، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 1998، ص 135 .
8- اندريه هوريو : القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة علي مقلد ، شفيق حداد ، عبد الرحمن
سعد، الجزء الثاني ، بيروت ، الاهلية للنشر والتوزيع ، 1977 ، ص 315 .
9- جابر جاد نصار : الإستفتاء الشعبي والديمقراطية ، اطروحة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ،
1992 ، ص 60 .
10- يذهب راي في الفقه إلى ان ما ذكر اعلاه ما هو الا استنتاج نظري وذلك لأن إنتخاب الرئيس من الشعب فإن الرئيس سيجعل من المصلحة العامة فوق كل اعتبار ، ومن ناحية اخرى ليس لمثل هذا الفرض اعلاه أساس حيث يوجد من المبادىء الدستورية ما يكفل القضاء عليه والحد منه كمبدا الفصل بين السلطات فضلاً عن قوة ورقابة الرأي العام ، جابر جاد نصار : المصدر نفسه ، ص 58 .
11- فالإستفتاء الشخصي هو أخذ راي الشعب بالموافقة أو الرفض على شخص أو مجموعة اشخاص اما الإستفتاء الشعبي فهو أخذ راي الشعب حول موضوع معين وقد يكون إستفتاءاً دستوريا أو تشريعيا أو سياسيا ، لمزيد من التفاصيل ينظر جابر جاد نصار : الاستفتاء الشعبي والديمقراطية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ، 1992، ص 41 – وما بعدها .
12- يطلق د. ماجد راغب الحلو على الإستفتاء الشخصي لفظ ( الاسترآس ) ، ينظر مؤلفه ماجد راغب الحلو : الاستفتاء الشعبي والشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ، 2004 ماجد راغب الحلو : الاستفتاء الشعبي والشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ، 2004، ص 79 .
13- د. رأفت فودة : الموازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية الاستثنائية في دستور 1971 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2000، ص 315 .
14- ففي فرنسا وعلى الرغم من تعدد المرشحين لتولي منصب الرئاسة في ظل دستور 1958 فإن تعلق الشعب بشخصية الجنرال (( DEGAULLE )) قد جعل الإنتخاب يصطبغ بصبغة الإستفتاء الشخصي ، إذ ان الشعب كان يصوت على أساس شخصية الجنرال (( DEGAULLE )) فقط لا على أساس من البرامج والأيدلوجيات واستمر هذا الوضع في جميع انواع الإستفتاءات التي اجريت وكذلك إنتخابات الرئاسة حتى عام 1969 ، ولذا فان كثيرا ما ترتبط الإستفتاءات الشعبية بشخص رئيس الجمهورية فتتحول تلك الإستفتاءات من حيث الواقع إلى إستفتاءات شخصية يكون التصويت فيها بالثقة لشخص رئيس الجمهورية فقط فالإستفتاء الشخصي له صورتان فهو اما ان يكون وسيلة لاسناد رئاسة الدولة ، أو قد يكون وسيلة للاقتراع على الثقة على قرارات رئيس الدولة وتوجهاته ، لمزيد من التفاصيل ينظر : د. ماجد راغب الحلو : المصدر السابق ، ص431-433 ، داود عبد الرزاق داود الباز : حق المشاركة في الحياة السياسية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة الإسكندرية ، كلية الحقوق ، 1992 ، ص37 ، جابر جاد نصار : المصدر السابق ، ص46 ، 52 .
15- لمزيد من التفاصيل ينظر : جابر جاد نصار : المصدر نفسه ، ص56 – وما بعدها .
16- فالدستور الفرنسي لعام 1958 قضى في المادة ( 6 ) على أن مدة ولاية الرئيس هي خمس سنوات ولم يحدد عدد المرات التي يجوز للرئيس ان يرشح فيها للمنصب ، وكذلك فعل دستور تونس لعام 1959 في المادة (39) ،ودستور العراق لعام 1970 في المادة (57 مكررة) ، ودستور مصر لعام 1971 في المادة (77) إذ جاء فيها ((…ويجوز اعادة إنتخاب رئيس الجمهورية لمدد اخرى )) .
17- جابر جاد نصار : المصدر السابق ، ص56.
18- د. محمود عاطف البنا : الوسيط في النظم السياسية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995-1996 ،
ص48 .
19- د. سعاد الشرقاوي : المصدر السابق ، ص 122- 123.
20- خميس حزام والي : إشكالية الشرعية في الأنظمة السياسية العربية مع إشارة إلى تجربة الجزائر ، أطروحة دكتوراه ، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 1998 ، ص136-138 .
21- د. سعاد الشرقاوي : المصدر السابق ، ص 123 .

موقف الفقه الدستوري من شخصانية السلطة
لقد تباينت اراء الفقه الدستوري بشان ظاهرة شخصانية السلطة ويمكن ان نلخص هذه الاراء بما يأتي :
الرأي الأول: شخصانية السلطة ظاهرة طبيعية
يرى أنصار هذا الرأي ان شخصانية السلطة ليس ظاهرة استثنائية بل هي ظاهرة طبيعية موجودة في جميع النظم الدستورية ، وان عدم شخصانية السلطة هو الذي يبدو غير طبيعي ، بل ان هذه الظاهرة لا تتعارض مع الديمقراطية ، لانه من الطبيعي ان يكون وصول الزعماء في الأنظمة الديمقراطية إلى السلطة معتمدا على شعبيتهم وعلى خصائصهم الذاتية(1).

ونجد ان بعض النظم الدستورية تمهد للشخصانية فالنظام الرئاسي الامريكي وطريقة إنتخاب رئيس الجمهورية يؤدي إلى تنصيب رؤساء يتمتعون بالشعبية ، والشيء نفسه يقال عن النظام البرلماني الانكليزي حيث تلعب الأحزاب السياسية دورا أساسيا في شخصانية السلطة(2) .

الرأي الثاني: شخصانية السلطة ظاهرة غير طبيعية
ويذهب أنصار هذا الرأي إلى ان السياسة كانت في القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في اوربا قائمة على فكر ، اما اليوم فإنها تعتمد على الاشخاص حيث يقوم كل زعيم بتمثيل دور في مسرح السياسة فبعد ان كانت السلطة مجرد فكرة باردة تحولت اليوم إلى وجه مليء بالحركة اي -أصبحت مجسدة في الاشخاص(3).

لذا فان أنصار هذا الاتجاه ينتقدون هذه الظاهرة ويوضحون مخاطرها بالاتي :
تصبح العلاقة بين رئيس الدولة و افراد الشعب علاقة رئاسية فالرئيس يملي الاوامر ولا يقبل المناقشة ، وبذا يصبح الشعب غير قادر على تحمل المسؤوليات .
عدم امكانية المواطنين من تحكيم عقولهم في المسائل القومية نتيجة لردود الفعل العاطفية التي يتركها تحرك الزعيم الذي يشخص السلطة .
عدم فعالية السلطة ذاتها ، لأن الاهتمام مركز على ابراز شخص حاكم ، من خلال الخطب والمقالات وغيرها ، اما الهيئات الاخرى في الدولة فتاتي في المرتبة الثانية ، وهذا يؤدي بالضرورة إلى الحد من كفاءة السلطة في حل المشاكل التي تواجه المجتمع(4) .
وهنا نتساءل عن تأثير شخصانية السلطة على حقوق الافراد وحرياتهم ؟
نشير إبتداءً إلى ان الحقوق والحريات في النظم المعاصرة تعاني من ازمة حقيقية، وذلك نتيجة القيود الصارمة التي تفرضها السلطة الحاكمة على هذه الحقوق والحريات – مع وجود اختلاف نسبي في مدى صرامة هذه القيود في النظم الدستورية – وعلى ذلك فلا يظهر من الحريات الا ما تجيزه السلطة الحاكمة ، وتحت رقابة مباشرة ، وذلك بحجة حفظ النظام العام ، يضاف إلى ذلك سيطرة اصحاب رؤوس الاموال – في الديمقراطيات الغربية – على النظام الاقتصادي في الدولة واحتكارهم للاعلام والصحافة والسيطرة على الادارات ، بل والسيطرة على مصادر القرار السياسي في الدولة وهنا يظهر التناقض بين الديمقراطية وهذه السيطرة (الاحتكار ) .

وكذلك الحال في دول العالم الثالث حيث تحتكر وسائل الاعلام من قبل الاقلية الحاكمة وتسخرها لمصلحتها(5) ، وشخصانية السلطة –ولاسيما الإستفتاء الشخصي- يتعارض مع الحقوق السياسية الممنوحة للإنسان بموجب دساتير العالم وبالاخص حق الترشيح والإنتخاب والإستفتاء الشعبي(6) ، وكذلك يتعارض الإستفتاء الشخصي مع مبدا المساواة بين المواطنين ، إذ ان مقتضى هذا المبدا ان الشروط المتطلبة إذا توافرت في مجموعة اشخاص وجب اعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية(7) . اما في ظل الإستفتاء الشخصي فلا تداول للسلطة وهو ما يؤدي إلى اهدار مبدأ المساواة لأن من توافرت فيهم شروط الترشيح القانونية لا يمكنهم المنافسة الفعلية والوصول إلى سدَّة الرئاسة ، وقد لا يستطيعون الوصول حتى إلى المقاعد البرلمانية ، لأن السلطة الحاكمة قد تعمد إلى سن قانون إنتخاب يبعد بعض الأحزاب أو يعمل على تمزيق الدوائر الإنتخابية لصالح بعض الأحزاب أو لاستبعاد المرشحين المستقلين(8) .

اما بالنسبة لتقوية دور السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الدولة والاختصاصات الواسعة التي يتمتع بها فإن افضل طريقة لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم من سوء إستخدام السلطة والتعدي على الحقوق والحريات يكمن في ضرورة ايجاد هيأة قضائية مستقلة فعلا لحماية حقوق الافراد وحرياتهم من تعسف السلطة(9) . وبذلك يتضح ان شخصانية السلطة بكافة مظاهره يعمل على تدعيم وتعزيز مركز رئيس الدولة وبذلك تكون الكلمة الاولى والاخيرة له وفي جميع قطاعات الحياة السياسية .
__________________
1- نقلا عن : د. سعاد الشرقاوي : النظم السياسية في العالم المعاصر –تحديات وتحولات-، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2002، د. محمود عاطف البنا: الوسيط في النظم السياسية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995 – 1996، ص49-50 .
2- نقلا عن د. سعاد الشرقاوي :المصدر نفسه ، ص 124.
3- نقلا عن د. سعاد الشرقاوي :المصدر نفسه ، ص125، انور زكار : السلطة
السياسية وشرعيتها http://www.alraaFidmag.com
4- نقلا عن د. سعاد الشرقاوي : المكان نفسه .
5- د. اسماعيل إبراهيم البدوي : دعائم الحكم في الشريعة الاسلامية والنظم الدستورية المعاصرة، القاهرة ،
دار النهضة العربية ، 1994 ، ص223-224، د. كريم كشاكش : الرأي العام وأثره في نفاذ القاعدة الدستورية ، مجلة أبحاث اليرموك ، المجلد (10) ، العدد (1) ، جامعة اليرموك ، اربد ، 1994، ص106 .
6- وقد جاء في حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر عام 1989 بانه ((… الحقوق السياسية المنصوص عليها في المادة (62) من الدستور … ومن بينها حق الترشيح … وحق الإنتخاب وابداء الرأي في الإستفتاء اعتبرها الدستور من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها لضمان اسهامهم في اختيار قياداتهم … لذا فإنه لا يجوز ان تؤدي القواعد التي يضعها المشروع تنظيما للحقوق العامة ومنها الحقوق السياسية ، إلى مصادرتها أو الانتقاص منها …)) اورده د. ﭽورﭽي شفيق ساري : رقابة التناسب في نطاق الدستوري ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2000، ص156 .
7- د. محمد علي السالم عياد الحلبي : مبدأ المساواة في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي ، ط1 ، عمان
، الدار العلمية للنشر والتوزيع 2002 ، ص159- وما بعدها ، د. محمد مخادمة : حقوق الإنسان في القانون الدولي ، عمان ، 2001 ، ص313 . وقد جاء في حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر لعام 1989 بانه (( … لا يجوز ان تؤدي القواعد التي يضعها المشرع تنظيما للحقوق العامة ومنها الحقوق السياسية إلى مصادرتها أو الانتقاص منها و يشترط الا تخل القيود … بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة … )) اورده د. ﭽورﭽي شفيق ساري : المصدر السابق ، ص156 .
8- وقد جاء في حكم للمحكمة الدستورية العليا المصرية عام 1990 بانه (( … وان كانت للمشرع سلطة تقديرية في اختيار النظام الإنتخابي الملائم للمجتمع فإن هذه السلطة تجد حدها في عدم الخروج على القيود والضوابط التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات العامة التي كفلتها نصوصه )) اورده د. ﭽورﭽي شفيق ساري ، المصدر نفسه ، ص157 ولمزيد من التفاصيل حول سلطة الحكومة القائمة في سن قوانين الإنتخاب لتحقيق مصالحها أو مصالح مرشحيها والاحكام القضائية بهذا الصدد ينظر د. ﭽورﭽي شفيق ساري : النظام الإنتخابي على ضوء احكام المحكمة الدستورية العليا ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2005 ، ص171 – وما بعدها .
9- حول دور الرقابة القضائية في حماية الحقوق والحريات ينظر د. هاني سليمان الطعيمات : حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، عمان ، دار الشروق ، 2001 ، ص 337-339 ، 353-ومابعدها
د. جابر إبراهيم الراوي : حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في القانون الدولي والشريعة الاسلامية ، ط1، عمان ، دار وائل للنشر ، 1999 ، ص213-215
د. محمود محمد حافظ : الوجيز في القانون الدستوري ، ط3 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1999 ، ص 64- وما بعدها .