سياسة التعذيب الممنهج في سجون النظام السوري

نزار أيوب
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ظاهرة التعذيب في السجون السورية هي سياسة ممهنجة، تمارسها مختلف الأجهزة الأمنية لنظام الأسد على مدار عقود، بقرارات رسمية تصدر عن المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين والأمنيين. ولم تتوقف سياسة التعذيب، بعد استيلاء حزب البعث على السلطة، وفرض حالة الطوارئ عام 1963، بل اتسع نطاقها، وازدادت حدتها.

وقد تم استغلال حالة الطوارئ التي فُرضت في سورية، منذ آذار/ مارس 1963 حتى نيسان/ أبريل 2011؛ في ممارسة التعذيب ومختلف أشكال المعاملة السيئة والمهينة والحاطّة بالكرامة ضد المواطنين السوريين، إذ وفرت لأجهزة الأمن المختلفة الغطاءَ لتنفيذ عمليات الاعتقال التعسفي فترات غير محدودة، غالبًا ما تستمر سنوات أو عقودًا، فضلًا عن الاختفاء القسري لعشرات آلاف السوريين والعرب (الفلسطينيين واللبنانيين) في سجون الأسد. وقد أدت هذه السياسة إلى حرمان المعتقلين من الحماية القانونية والقضائية التي تكفلها القوانين العادية، فضلًا عن حماية أفراد قوات الأمن الضالعين في ارتكاب أفعال التعذيب، وتمكينهم من الإفلات من العقاب.

اتسع نطاق التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والمهينة والحاطّة بالكرامة، في عهد حافظ الأسد ووريثه بشار الأسد، إذ أضحى التعذيب سياسة ممنهجة، تُمارَس بقرارٍ صادرٍ عن رأس السلطة وبموافقته؛ بهدف القضاء على أي حركة معارضة فاعلة أو محتملة لنظام حكم الأسد الشمولي “التوتاليتاري”، بصرف النظر عن توجهات هذه المعارضة، ولو كانت سلمية.

وبات المواطن السوري، حتى بمجرد التفكير في معارضة سلطة “بيت الأسد” المطلقة، مهددًا بالاعتقال التعسفي، والتعرض لكافة صنوف التعذيب على أيدي رجال الأجهزة الأمنية المختلفة كإدارة المخابرات الجوية، شعبة المخابرات العسكرية، شعبة الأمن السياسي، إدارة المخابرات العامة، فضلًا عن الشرطة العسكرية. وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية عشرات أساليب التعذيب، وغيرها من أشكال المعاملة السيئة والمهينة والحاطّة بالكرامة التي تنتهجها أجهزة الأمن السورية، بما في ذلك: الضرب المبرح واللكم والركل لمدة طويلة، الضرب باستخدام الأسلاك والسياط والعصي والمواسير، بما في ذلك على باطن القدمين (الفلقة)، تعليق الضحية من السقف من المعصمين، بحيث لا تكاد قدماه تلمسان الأرض أو تعليقه في الهواء تمامًا، بحيث يقع ثقله كله على المعصمين؛ ما يؤدي إلى التورم والألم الشديد (الشبح)، تعليق الضحية مع تقييد المعصمين خلف الظهر، تقييد الضحية على لوح مسطح، مع تعليق الرأس في الهواء حتى لا يدافع الضحية عن نفسه (بساط الريح)، إرغام الضحية على الانحناء من الخصر ووضع رأسه وعنقه وساقيه وأحيانًا ذراعيه داخل إطار سيارة، بحيث تشل حركته تمامًا ويعجز عن حماية نفسه (الدولاب أو إطار السيارة)، الصعق بالكهرباء، الإعدام الوهمي، تهديد الشخص المعتقل بالإعدام والاغتصاب، وكذلك وباعتقال واغتصاب أفراد أسرته، تعريض الشخص المعتقل للبرودة والحرارة، الاعتداء الجنسي، التعليق مع قلب الرأس إلى أسفل، انتزاع الأظافر، استخدام الأحماض لحرق الجلد والجسد..

مع بدء الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في جميع أنحاء سورية في آذار/ مارس 2011؛ لجأ النظام إلى استخدام القوة المفرطة في مواجهة المحتجين السلميين، بما في ذلك استهدافهم بالقتل، وعمليات الاعتقال التعسفي لكل من يشتبه بمشاركته في الاحتجاجات السلمية. وبالرغم من إعلان النظام عن إلغاء حالة الطوارئ في نيسان/ أبريل 2011، إلا أن ذلك لم يؤدِّ إلى أي تغيير يذكر في ممارسات التعذيب والاعتقال التعسفي والاختفاء القسري للأشخاص المشتبه بمعارضتهم للنظام، والمشاركة في الاحتجاجات السلمية من أجل الحرية والكرامة.

وتُظهر تقارير المنظمات الدولية انتهاج الأجهزة الأمنية السورية التعذيبَ وسائر أشكال المعاملة السيئة والمهينة واللاإنسانية، على نطاق واسع منذ آذار/ مارس 2011، في السجون ومراكز الاحتجاز والمشافي التابعة للسلطة. وقد أدى التعذيب إلى إلحاق معاناة شديدة بعشرات آلاف السوريين، معظمهم من المدنيين الذكور، إضافة إلى محتجزات يتعرضن للإيذاء والعنف الجنسي. وتدل وتيرة التعذيب ومدته وقسوته على وفاة كثيرين، حيث توفي في سجن صيدنايا منذ 2011 ما يزيد عن 17 ألف شخص، من الرجال والنساء والأطفال (لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، منظمة العفو الدولية – أمنستي).

لا يمكن لأي جهة نفي صحة التقارير، بشأن ممارسات التعذيب في سورية؛ لأنها مبنية على شهادات الناجين، إذ يؤكد تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في شباط/ فبراير 2017 أن: “سجن صيدنايا العسكري هو المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء. ويشكل المدنيون، الذين تجرؤوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا. وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص، خارج نطاق القضاء، في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة. وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا، من جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية.

ويُدفن قتلى صيدنايا في مقابر جماعية. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب من دون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها”. (سورية: المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسورية).

ينفي بشار الأسد صحة التقارير الدولية، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، ومن ضمنها ممارسات التعذيب. لكن حقيقة تصميمه على منع دخول مراقبين دوليين إلى سورية، والوصول إلى السجون ومراكز التحقيق من أجل الاطلاع على حقيقة الأوضاع، تدلل بقوة على أنه يخفي أمورًا كثيرة، منها أعمال التعذيب المنتهجة داخل السجون التابعة للنظام.

هذا الأمر تؤكده الوثائق والشهادات التي تدحض مزاعم بشار الأسد، بشأن نفي حدوث أعمال تعذيب في سجونه، حيث تُظهِر الصور التي التقطها المنشق “قيصر” الذي عمل مصورًا لدى النظام، مدة 13 عامًا إلى يوم انشقاقه، حجمَ الجرائم التي ترتكبها الأجهزة الأمنية ضد المعتقلين في سجون الأسد، من جراء التعذيب والضرب الوحشي والخنق والتجويع.