طبيعة العلاقة العقدية بين المحامي وعملائه
لا يزال الخلاف قائما بين فقهاء القانون على طبيعة العلاقة بين المحامي وعملائه، وذهب بعضهم إلى أن تلك العلاقة هي عقد عمل من حيث يتم اتفاق شفهي أو كتابي يتعهد بمقتضاه العامل بأن يعمل لدى صاحب العمل تحت إشرافه وإرادته بمقابل أجر مالي، ويكون العقد لمدة محددة أو غير محددة أو لعمل معين أو غير معين.

إلا أن فقهاء القانون حصروا هذه العلاقة فيما إذا عمل المحامي مع شركة أو مؤسسة، ويحتجون بذلك أن المحامي يتقاضى أتعابا بطريقة مرتبة وثابتة شهريا أو سنويا وهذه العناصر التي يقوم عليها عقد العمل.

وهذا الرأي ناله شيء من النقد بأن المحامي حتى وإن عمل مع شركة أو مؤسسة كمستشار فاستقلاله المهني والعلمي لا يتبع رغبة الشخصية المعنوية المتعاقد معها فله حرية الاتجاه في تقديم رأيه القانوني حيال القضايا والموضوعات التي تعرض عليه من الشركة.

ويتجه بعض فقهاء القانون إلى أن العلاقة بين المحامي وعملائه هي عقد مقاولة بأن المحامي يقوم بأعمال لصالح عملائه دون أن يكون خاضعا لهم، ولم يخل أيضا هذا الرأي من النقد فالأصل في أعمال المحاماة أنها تقوم على الاحتمال والمحامي ليس ملزما أن يحقق نتيجة إنما ملزم ببذل عناية، والمقاول مطالب بموجب عقد المقاولة أن يحقق نتيجة مادية يطلبها لعملائه بخلاف عمل المحامي الذي يقوم على التفكير والاستنباط والاستدلال ونحوه.

وهنالك قول للفقهاء بأن مهنة المحاماة تسمو عن باقي المهن الحرة، بمعنى أنه لا يصح بأن يكون المحامي أجيرا أو ملزما بتحقيق نتيجة لعملائه، وبناء على ذلك فالوصف الأقرب للتكييف الذي يناسب العلاقة بين المحامي وعملائه هي عقد وكالة، مع العلم أن هنالك من الباحثين من يقول إنه لا يمكن اعتبار عقد المحاماة عقد وكالة أو عقد عمل أو مقاولة، فالعلاقة بين المحامي وعملائه تعطي العقد طبيعة خاصة تجعله يقوم بذاته وله قواعده وأحكامه الخاصة وموضوعه الأساسي يختلف عن سائر العقود سابقة الذكر وإن تشابه معها في بعض الخصائص، فهو عقد يفتقر إلى قواعد قانونية تعطيه صورة خاصة، وهذا رأي الفقيه الفرنسي جارسونيه.

على أية حال لم ينته الخلاف الفقهي بتحديد ماهية أو تكييف عقد المحاماة من قبل القوانين العربية وغيرها، إنما الأمر يدور في فلك الفقه، والذي لا يزال مختلفا في وصف وتكييف هذا النوع من العقود، وما أميل إليه إلى أن عقد المحاماة يعتبر عقد وكالة وإن كان أعمالا ذهنية تتمثل بالتفكير والتحليل والاستنتاج وإبداء الرأي، فقد قرأت قوله تعالى «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا»، فالحكمان يقومان بعملية ذهنية من خلال البحث والتفكير المنطقي عن أسباب الخلاف من له الحق وكيفية الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، فهنا المحكم أناب الزوج أو الزوجة في التفكير عنه بالبحث عن أسباب الخلاف وحلها، والمحامي يقوم على هذا النحو بالتفكير المنطقي والبحث في المشكلة القانونية نيابة عن موكله وإبداء الرأي القانوني حيالها، وما أنتهي إليه في مقالي أني أناصر القول بأن عقد المحاماة عقد وكالة.

عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت