الطرق الديمقراطية وغير الديمقراطية لتولي الرئاسة

المؤلف : علي سعد عمران
الكتاب أو المصدر : ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة في بعض النظم الدستورية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الطرق الديمقراطية لتولي رئاسة الدولة
ان الطريقة الديمقراطية لتولي رئاسة الدولة تتمثل بالإنتخاب حصرا ، فهي تهدف إلى اشراك الشعب في اختيار رئيس الدولة ، وكذلك يهدف الإنتخاب إلى قيام الشعب باختيار ممثليهم في البرلمان ، وقد اضحى الإنتخاب في النظم الدستورية المعاصرة الاصل في اختيار الحكام وتوليتهم(1) ، وإنتخاب رئيس الدولة نجده متمثلا في الدول ذات الأنظمة الجمهورية لأن تولي رئيس الدولة لمنصبه في الأنظمة الملكية يتم وفقا لقواعد توارث العرش بحسب دستور كل دولة(2).

لذا فأساليب اختيار رئيس الدولة في الأنظمة الجمهورية قد يأخذ أحد الأساليب الاتية :فقد يتم اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الشعب مباشرةً ، أو قد يتم اختياره عن طريق البرلمان ، وقد يتم اختياره بالمزج بين الطريقتين السابقتين ، اي بطريقة مختلطة تجمع بين البرلمان والشعب(3) . وهو ما سنتولى بيانه تباعا في ثلاث فقرات .
اولا : اختيار رئيس الجمهورية من الشعب
تتبع بعض الدساتير الجمهورية هذه الطريقة في إنتخاب رئيس الجمهورية وهذا الإنتخاب قد يكون مباشرا اي على درجة واحدة ، وقد يكون غير مباشر اي على درجتين(4)، وقد أخذ الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 بعد تعديله عام 1962 بأسلوب الإنتخاب العام المباشر(5)، إذ جاء في المادة ( 6 ) منه (( ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر … ))(6) ، وقد جاء في المادة ( 7 ) منه بان (( ينتخب رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها ، وإذا لم يحصل على الأغلبية في الدور الأول للاقتراع يتم اجراء دور ثانٍ ، يستطيع التقدم لهذا الدور المرشحان اللذان حصلا على أكثر عدد من الأصوات في الدور الأول … )) .

ومن الدساتير العربية التي أخذت بهذه الطريقة لإنتخاب رئيس الجمهورية دستور مصر الصادر عام 1971 في المادة (76) بعد تعديلها في 25 /5/2005 -بالإستفتاء الشعبي- فالمادة (76) قبل تعديلها كانت تتضمن ترشيح مرشح من مجلس الشعب وعرضه على الإستفتاء الشعبي(7) اما بعد تعديل المادة المذكورة فإن إنتخاب رئيس الجمهورية أصبح من الشعب مباشرة وهذا يسمح بتعدد المرشحين لمنصب الرئاسة وقد نصت المادة (76) بعد تعديلها بان ((ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر ، ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية ان يؤيد المتقدم المستقل للترشيح 250 عضوا على الاقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى ، والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات ، على أن لايقل عدد المؤيدين عن 65 من أعضاء مجلس الشعب و25 من أعضاء مجلس الشورى ، وعشرة من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من 14 محافظة على الاقل ، واستكمال ال 20 الباقين من المجالس النيابية والمحلية ))

كما نصت على أن ((للأحزاب السياسية التي مضى على تأسيسها خمسة اعوام متصلة على الاقل قبل اعلان فتح باب الترشيح ، واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول اعضائها في اخر إنتخابات على نسبة 5% على الاقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشورى، ان ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا وفقا لنظامها الأساسي متى مضى على عضويته في هذه الهيأة سنة متصلة على الاقل .واستثناء من ذلك يجوز لكل حزب سياسي ان يرشح في أول إنتخابات رئاسية تجري بعد العمل باحكام هذه المادة أحد أعضاء هيئته العليا المشكلة قبل العاشر من مايو 2005 وفقا لنظامه الأساسي )) ، غير ان التعديل المذكور قد اثار حفيظة السياسيين والقانونيين على حد سواء(8) . اما طريقة الإنتخاب غير المباشر فيتم من خلالها إنتخاب رئيس الجمهورية على درجتين إذ يقوم ناخبو الدرجة الاولى اختيار مندوبين عنهم وفي إنتخابات الدرجة الثانية يتولى هؤلاء المندوبون إنتخاب رئيس الجمهورية(9) .

ونجد لأسلوب اختيار رئيس الجمهورية من الشعب مؤيدين ومعارضين من الفقه الدستوري فمن ايده ذهب إلى ان إنتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرةً يخلق لدى المواطنين تربية سياسية في جميع المجالات ، إذ ان اشتراك معظم المواطنين في هذه الإنتخابات يشحذ فيهم الاهتمام بالمسائل العامة ، ويبرز دورهم ليس في اختيار رئيس الدولة فحسب وإنما كذلك الاهتمام بسائر المجالات التي تتطلب مشاركتهم ويجعل هذا الإختيار أكثر تمشيا مع ارادة الشعب وابعد عن المناورات والصراعات والتأثيرات غير السلمية التي تشتد كلما تم الإختيار من جانب هيئات محدودة العدد(10) ، فضلاً عن ذلك فهي تعطي لرئيس الدولة قوة اضافية إذ انه سيسمو على قوة البرلمان ، فالرئيس بموجب هذه الطريقة سينتخب من الشعب باجمعه ليمارس السيادة الوطنية على خلاف أعضاء البرلمان إذ ان كل عضو منهم ينتخب من دائرة معينة(11) ، لذا فهذه الطريقة تقوي من مركز رئيس الدولة إلى حد كبير ، وتأخذ بها الدساتير التي تعمل على تقوية مركز رئيس الدولة وجعله في موقع اسمى من باقي المؤسسات الدستورية الاخرى(12).

في حين نجد ان فريقا اخر من الفقه قد عاب على هذا الأسلوب بانه سيؤدي إلى إستقلال رئيس الدولة عن البرلمان واعتماده على أنه منتخب من الشعب بمجموعه وهذا ما سيدفعه إلى الاستئثار بالسلطة ومناوئة البرلمان ، وهذا ما افرزه التطبيق العملي لدساتير دول امريكا اللاتينية ، إذ ان طريقة إنتخاب رئيس الجمهورية في هذه البلاد قد دعمت كثيرا من مركز رئيس الجمهورية ومهدت السبيل إلى الدكتاتورية(13) .
ثانيا : اختيار رئيس الجمهورية من البرلمان
ان طريقة إنتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان هي الطريقة الأكثر اتباعا في الأنظمة الجمهورية التي أخذت بالأسس التقليدية للنظام البرلماني ، فلقد اتبع هذه الطريقة دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية لعام 1875 فقد جاء في القانون الدستوري الصادر في 25 فبراير عام 1875 بإنتخاب رئيس الجمهورية بواسطة مجلس الشيوخ والنواب مجتمعين في هيأة مؤتمر تعقد في فرساي ، ولا ينتخب أحد الا إذا حصل على الأغلبية المطلقة لأصوات أعضاء المجلسين معاً اما مدة الرئاسة فهي سبع سنوات قابلة للتجديد إلى ما لانهاية(14) .

وقد وجد أسلوب اختيار رئيس الجمهورية من قبل البرلمان من يؤيده ومن يعارضه في الفقه ، فقد ذهب راي إلى القول بان إنتخاب رئيس الجمهورية من البرلمان هو في جوهره إنتخاب من الشعب ولكن على درجتين إذ ينتخب الشعب النواب اولا ، ثم يقوم هؤلاء النواب بعد ذلك بإنتخاب رئيس الجمهورية كما ان إنتخاب البرلمان للرئيس هو ترجمة صادقة للشعور الشعبي(15) . ولا نتفق مع الرأي السابق لأن الأسلوب غير المباشر لإنتخاب رئيس الجمهورية يتلخص في ان المندوبين الذين يتم إنتخابهم في الدرجة الاولى ينتخبون خصيصا لإنتخاب رئيس الجمهورية في الدرجة الثانية وهذا ما لا نجده في هذه الطريقة ، فالنواب في البرلمان لا يتم إنتخابهم لإنتخاب رئيس الدولة حصرا وإنما هذه المهمة تعد من ضمن المهام العديدة المناطة بهؤلاء النواب إلى جانب مهامهم الأساسية في التشريع والرقابة .

لذا فإن الفقه الدستوري يرى ان قيام البرلمان بإنتخاب رئيس الجمهورية يؤدي بالضرورة إلى ان تكون لهذا الرئيس عقيدة الولاء للبرلمان ويشعر بانه مدين للمجلس النيابي في وصوله للحكم ومن ثم يكون أكثر استعدادا للخضوع لهذا المجلس ، وبالتالي يضعف مركز رئيس الدولة ويكون تحت رحمة الأحزاب ومناوراتها ، وهذا بالتالي يؤدي إلى ضعف السلطة التنفيذية بحيث يسيطر البرلمان سيطرة فعلية على السلطة التنفيذية وهو مايؤدي إلى اهدار مبدا الفصل بين السلطات(16) .
ثالثا : اختيار رئيس الجمهورية بطريقة مختلطة :
وعلى خلاف ما سبق عرضه اتبعت بعض الدساتير الجمهورية أساليب اخرى لاختيار رئيس الجمهورية ويلاحظ ان هذه الدساتير بمجملها تأخذ بالنظام المختلط ، ويجمع بينها ان الشعب والبرلمان يشتركان معاً في اختيار رئيس الجمهورية وانها تقوي وتدعم من مركز رئيس الدولة . وقد أخذ دستور تونس الصادر عام 1959 بهذا الأسلوب لاختيار رئيس الجمهورية فقد جاء في المادة (40)(*) بان (( … يقع تقديم المرشح من قبل عدد من أعضاء مجلس النواب ورؤساء المجالس البلدية … )) والمادة (39) نصت على أن (( ينتخب رئيس الجمهورية (17) لمدة خمسة اعوام خلال الأيام الثلاثين الأخيرة من المدة الرئاسية ، إنتخابا عاما، حرا مباشرا ، سريا ، وبالأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها ، وفي صورة عدم الحصول على هذه الأغلبية في الدورة الاولى تنظم دورة ثانية يوم الأحد الثاني الموالي يوم الاقتراع ، ولا يمكن ان يتقدم للدورة الثانية الا المرشحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الاولى مع اعتبار الانسحابات عند الاقتضاء ، وذلك طبقا للشروط المنصوص عليها بالقانون الإنتخابي … )).

وقد أخذ دستور العراق الصادر عام 1970 بالطريقة المختلطة لاختيار رئيس الجمهورية غير ان الدستور لم يأخذ بهذه الطريقة الا في عام 1995 اما قبل ذلك فنجد ان الدستور قضى في المادة (38 /1) ((بان ينتخب رئيس مجلس قيادة الثورة من قبل مجلس قيادة الثورة بأغلبية ثلثي عدد اعضائه ويكون حكما رئيسا للجمهورية )) وعلى هذا فإن منصب رئاسة الجمهورية لم يعد منصبا متميزا وإنما تابع لمنصب رئاسة مجلس قيادة الثورة (المنحل)، لأن العضو الذي ينتخب لرئاسة هذا المجلس يكون رئيسا للجمهورية حكما(18)، ورئاسة المجلس ارتبطت بالهيكل التنظيمي لحزب البعث، فامين سر القطر للحزب هو من سيكون رئيسا للمجلس وبالتالي رئيسا للجمهورية، لذا فإن منصب رئيس الجمهورية من المناصب الخاصة المرتبطة بمراكز سياسية وحزبية(19). واستمر الحال إلى ما هو عليه حتى صدور التعديل الرابع والعشرين في عام 1995 وبموجبه الغيت الفقرة (1) من المادة ( 38) وحل محلها النص الاتي : ((إنتخاب رئيس له من بين اعضائه يسمى رئيس مجلس قيادة الثورة )) وبذلك لم يعد رئيس مجلس قيادة الثورة رئيسا للجمهورية حكما كما كان قبل التعديل وإنما المجلس هو من يختار رئيسه من بين اعضائه ، وعملية إنتخاب رئيس المجلس من بين اعضائه عملية شكلية ، لأن عرفا دستوريا قد استقر في العراق منذ دستور العراق لعام 1968 يقضي بان يكون أمين سر القيادة القطرية للحزب رئيساً لمجلس قيادة الثورة –المنحل- (20).

ونحن لا نتفق مع الرأي السابق في وجود ( عرف دستوري ) في المسألة وإنما هي عادة اتبعها النظام القائم انذاك ، لأن العرف الدستوري يقوم على ركنيين ( مادي و معنوي ) ولئن كان الركن المادي متحققا والمتمثل ( بالسير على نهج معين من جانب إحدى السلطات في الدولة بصورة مطردة وثابتة وواضحة وعامة ) فإن الركن المعنوي المتمثل ( بضرورة اعتقاد افراد الجماعة بضرورة اتباع هذه العادة وانها أصبحت واجبة الاتباع والاحترام ) فمثل هذا الإعتقاد لم يترسخ في ضمير المجتمع العراقي والمتمثل في الشعور العام بالزام القاعدة المدعاة عرفا ، وان كان قد ترسخ هذا الشعور لدى السلطة الحاكمة انذاك فهذا لا يكفي لقيام العرف الدستوري ، لأن الفقه الدستوري يكاد يجمع على ضرورة توافر هذا الإعتقاد لدىافراد المجتمع والسلطة معاً وبدون ضغط واكراه ، فإن انتفى هذا الإعتقاد لدى أحد الطرفين ولاسيما افراد المجتمع فينتفِ الركن المعنوي في هذه الحالة ، لذا فالعرف المذكور في الرأي السابق غير قائم وانما هو مجرد عادة ، لأن الشعب العراقي لم يكن راضيا عنه وإنما فرض على الشعب فرضا ، لذا فما هو الاعادة اتبعتها السلطة والنظام الدكتاتوري انذاك(21). وقد اضاف التعديل المذكور إلى الدستور نص المادة (57 مكررة) والتي بموجبها أصبح اختيار رئيس الجمهورية يتم بالإستفتاء الشعبي إذ نصت المادة (57 مكررة) على ما يأتي:

((ا- يرشح مجلس قيادة الثورة رئيسه لتولي منصب رئيس الجمهورية ويحيل الترشيح على المجلس الوطني للنظر فيه . ب- يعقد المجلس الوطني جلسة خاصة للنظر في الترشيح ويتخذ قراره بالأغلبية وإذا لم يوافق المجلس الوطني على الترشيح يعقد اجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة والمجلس الوطني برئاسة نائب رئيس مجلس قيادة الثورة للبت في الترشيح ج- بعد إقرار الترشيح يعرض على الإستفتاء الشعبي العام . د- يجري الإستفتاء الشعبي العام بالاقتراع الحر السري المباشر خلال مدة لا تزيد عن ستين يوما من تاريخ موافقة المجلس الوطني على الترشيح وينظم القانون اجراءات الإستفتاء(22) . هـ – إذا حصل المرشح على أغلبية عدد المقترعين يعلن رئيس الهيأة العليا المشرفة على الإستفتاء فوزه بمنصب رئيس الجمهورية )) .

ومن خلال النص الدستوري يتضح ان طريقة إنتخاب رئيس الجمهورية تمر بمراحل ثلاث تتمثل الاولى بترشيح مجلس قيادة الثورة لأحد أعضاء المجلس ، والثانية تتمثل في إقرار المجلس الوطني للترشيح بعد عقد جلسة خاصة لذلك ، والثالثة تتمثل في عرض المرشح على الإستفتاء الشعبي(23) ويلاحظ ان الاجتماع المشترك للمجلسين ( المجلس الوطني و مجلس قيادة الثورة ) المذكور في الفقرة ( ب ) من المادة السالفة الذكر لا يعتمد على النسبة العددية لكلا المجلسين وذلك للاختلاف الواضح بين أعضاء المجلس الوطني البالغ ( 250 ) عضو وأعضاء مجلس قيادة الثورة البالغ ( 8 ) أعضاء ، وإنما يعتمد على الحوار المشترك وبناء القناعات لدى أعضاء المجلس الوطني في الاتجاه الذي يجعل المجلس الوطني يقر الترشيح وذلك نظرا للتأثير السياسي الذي يمثله أعضاء مجلس قيادة الثورة(24) ، ولم يحدث ان رفض المجلس الوطني مرشح مجلس قيادة الثورة ( المنحل) لأن المجلس الوطني كان معبرا عن اتجاهات شخص الحاكم ولم يكن معبرا عن الاتجاهات الشعبية انذاك ، بل ان جميع الأعضاء في المجلس الوطني كانوا يدينون بالولاء للنظام الفردي الذي كان قائما ، فدور المجلس الوطني في عملية إقرار الترشيح عملية شكلية ، إذ ان دوره يقتصر فقط على مجرد الموافقة على اسم المرشح وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه . ومما يلاحظ على نص المادة المذكورة في الفقرة (هـ) انها اشترطت حصول المرشح على أغلبية عدد الأصوات الا انها لم توضح نوع هذه الأغلبية وعدم تحديد نوعها يعني انها أغلبية اعتيادية بسيطة (25) .

وقد طبقت المادة ( 57 ) مكررة مرتين لاختيار المرشح الوحيد المفروض على الشعب وذلك في ( إستفتاء شخصي ) وكانت نتيجة الإستفتاء الأول الذي تم في 15 تشرين الثاني عام 1995 فوز المرشح الاوحد بنسبة 99.96 % وكانت نتيجة الإستفتاء الثاني الذي تم في 15 تشرين الثاني عام 2002 حصول المرشح الاوحد نسبة 100% من عدد الأصوات المدلى بها(26)! وقد أظهر الواقع العملي للإستفتاء الشخصي في العراق سيطرة وهيمنة الحزب الحاكم على جميع مراحل عملية الإستفتاء إذ ان الإستفتاء كان صوريا لأن النتائج كانت معروفة مسبقا وهي كما اشرنا اليها اعلاه فضلاً عن ذلك فلم يوجد هنالك اي مرشح اخر فعلي ليتنافس مع المرشح الاوحد لأن جهة الترشيح كما حددها النص الدستوري هي مجلس قيادة الثورة (المنحل) فقط، فالترشيح حكرا على هذا المجلس هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انعدام الحريات السياسية بشكل ملحوظ في العراق انذاك ولاسيما حرية التعبير وحرية انشاء الأحزاب والانضمام اليها فالأحزاب كانت محظورة في العراق ما عدا الحزب الحاكم إضافةً إلى استئثار السلطة الحاكمة لجميع وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وبشكل لافت للنظر ، ولئن نصت المادة ( 57 ) مكررة على أن التصويت يتم بصورة سرية فهذا مالم يتحقق أبداً لأن رجال الأمن ورجـال الحزب المستبد قـد مارسـوا أشد وسـائل الضغط والإكراه للتأثير في ارادة الناخبين ، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الإستفتاء لم تفرض عليه اية رقابة قضائية بصورة فعلية ، ولذلك فإن الإستفتاء بدل ان يكون تعبيراً عن ارادة الناخبين أصبح في العراق وسيلة لسلب الارادة الشعبية بشكل جماعي .

ان طريقة اختيار رئيس الدولة من الشعب والبرلمان معاً قد وجدت من اجل تجنب العيوب التي وجهت إلى الطريقتين السابقتين وذلك ليكون رئيس الدولة في مركز التوازن مع الهيئات الاخرى(27) . غير ان التطبيق العملي لهذه الطريقة قد وضع رئيس الدولة في موضع اعلى من الهيئات الاخرى ، فالإختيار الحقيقي للافراد قد انعدم وذلك بسبب اختيار رئيس الدولة عن طريق الإستفتاء الشخصي – كما لاحظنا عند اختيار رئيس الجمهورية التونسي في ظل دستور 1959 وكذلك في دستور العراق لعام 1970 ودستور مصر لعام 1971 – لاعن طريقة الإنتخاب الحقيقي وذلك لأن هذا النظام كما يشير إلى ذلك الفقه لا يسمح للمقترعين بحرية حقيقة في اختيار رئيس الدولة نظرا لعدم تعدد المرشحين حقيقةً ، بل ان هذه الحرية لا تتوافر حتى في عملية اختيار المرشح للرئاسة قبل عرضه على الاقتراع ، حتى وان قام بهذا الترشيح برلمان منتخب ، الا في حالة وجود معارضة برلمانية حقيقية قادرة على المنافسة في الترشيح للرئاسة وهو شرط صعب التحقق عملاً في البلاد التي تأخذ بالإستفتاء الشخصي (كما هو الحال في مصرمنذ عام 1956 )(28)، وهذا ما يجعل رئيس الدولة هو المهيمن على باقي العمليات الإنتخابية القادمة ، لأن رئيس الدولة ومن خلال حزبه الحاكم ، سيضمن ترشيحه مرة اخرى ، ولكونه رئيس الهيأة التنفيذية ستتاح له امكانيات مادية ومعنوية التي لا تتاح لمنافسيه ( ان وجودوا ) وبالتالي سيضمن فوزه بالإستفتاءات القادمة مرة اخرى ، وبذلك سيتعزز مركز رئيس الدولة كثيرا تجاه المؤسسات الاخرى ولاسيما البرلمان وذلك استنادا إلى طريقة توليه السلطة(29) .
_______________
1- د. ادمون رباط : الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، ط1 ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1965، ص381 .
2- يشير الفقيه الفرنسي ( موريس دوفرﭼيه ) إلى ان الدستور الذي وضعه نابليون بونابرت عام 1804 قد جاء بحكم مخالف لقواعد توارث العرش المعروفة في الملكيات القديمة ، إذ جعل الإمبراطورية وراثية في اسرة نابليون للارشد فالارشد من الذكور ، فإن لم يكن هنالك ابن شرعي للامبراطور كان له ان يختار خلفه بالتبني من اسرة اخوته ، وهذه القاعدة الأخيرة محل نظر ، ومع ذلك فقد بينت المادة الاولى من الدستور بان ((يتولى حكومة الجمهورية امبراطور لقبه امبراطور الفرنسيين))، ينظر موريس دوفرﭼيه: المصدر السابق، ص68.
3- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : القانون الدستوري – تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المبادئ الدستورية العامة – ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1983، ص 245 .
4- د. عبد الكريم علوان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ، عمان ، مطبعة الأرز ، 2001،ص134 .
5- لقد كان إنتخاب رئيس الجمهورية في ظل دستور 1958 الفرنسي قبل تعديل 1962 يتم بواسطة هيأة ناخبين تضم أعضاء البرلمان ومجالس المقاطعات ومجالس اقاليم ما وراء البحار والممثلين المنتخبين عن المجالس البلدية ، غير ان هذه الطريقة قد عدلت بموجب الإستفتاء الذي اجري في 6 نوفمبر عام 1962 لتجعل إنتخاب رئيس الجمهورية يتم بالاقتراع العام المباشر، وذلك لتدعيم مركز رئيس الدولة .
Claude Leclercq: Institutions politiques et droit constitutionnel، deuxieme edition، paris، 1977، p. 294.
6- لقد تم تعديل المادة ( 6 ) اعلاه في 2/10/2000 وذلك بموجب الإستفتاء الذي اجري في 24/9/2000 وقد طرح في بطاقة الإستفتاء السؤال الاتي ( هل توافق على جعل ولأية الرئيس لمدة خمس سنوات بدلا من سبع سنوات ) وقد تمت الموافقة على تخفيض مدة الرئاسة 73.15% من الأصوات المعبر عنها ، وقد تخلف عن الإستفتاء 69.68% من الناخبين المقيدين في جداول الإنتخابات اي ما يعادل (26مليون ناخب ) . وقد احتدم السجال بين الفقهاء السياسيين والقانونيين حول مشروعية هذا الإستفتاء من ناحية ودوافعه السياسية من ناحية اخرى ، لمزيد من التفاصيل ينظر: د. عبد العليم محمد : خفض ولاية الرئيس ، الدستور ، الحداثة والواقع ،http://www.ahram.org.eg/.
7- ومن الملاحظ ان الطريقة التي اتبعها دستور مصر لعام 1971 في المادة (76) قبل تعديلها هي نفس الطريقة التي أخذ بها دستورا مصر لعام 1956 في المادة (121) وكذلك دستور 1964 في المادة (102) وإذا وجد هنالك اختلاف فهو في بعض الجزئيات – كالأغلبية المطلوبة للموافقة على الترشيح – مع وحدة الجوهر ويشير الفقه الدستوري في مصر إلى انه ومنذ عام 1956 لا يعرض على الإستفتاء الا مرشح واحد هو رئيس الحزب الحاكم المهيمن على البرلمان ( إستفتاء شخصي ) بالرغم من ان النص الدستوري يسمح بترشيح أكثر من مرشح وذلك لأن الترشيح –حسب النص – لا يستلزم سوى اقتراح ثلث أعضاء المجلس كما ان تمام الترشيح لا يستلزم سوى موافقة ثلثي الأعضاء في المرة الثانية لذا فإنه من الممكن ترشيح أكثر من ثلاثة اشخاص وعرضهم على الإستفتاء وذلك لأن النص الدستوري لا يحدد نصاب معين لعملية الترشيح فهو لا يحدد نصاب ثلث أعضاء المجلس بمرشح واحد فقط وإنما يسمح النص لهذا الثلث ان يرشح أكثر من شخص واحد . لذا فالفقه الدستوري المصري اجمع على ضرورة تعديل المادة المذكورة بما يجعل إنتخاب رئيس الجمهورية ينتخب من الشعب مباشرةً وضرورة وجود أكثر من مرشح للرئاسة وان يجرى إنتخابا لاإستفتاء شخصيا لتتم الموازنة مع سلطات رئيس الدولة الواسعة كما هو الحال في فرنسا بعد تعديل الدستور عام 1962 إذا أصبح اختيار الرئيس يتم من الشعب مباشرةً وبالإنتخاب لا الاستفتاء . ينظر د. رافت فودة : الموازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية الاستثنائية في دستور 1971 ، القاهرة، دار النهضة العربية، 2000، ص299 – وما بعدها ، د.سعد عصفور : النظام الدستوري المصري ( دستور سنة 1971 ) ، الاسكندرية ،منشاة المعارف، 1980 ، ص74-75 ، د. يحيى الجمل : النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية ، القاهرة ،دار النهضة العربية ،1974 ، ص159 – 160 ، داود عبد الرزاق داود الباز : حق المشاركة في الحياة السياسية ، اطروحة دكتوراه ، جامعة الاسكندرية ، 1992 ، ص 107 – وما بعدها .
8- فالشروط التي وضعها التعديل للتقديم بالترشيح للإنتخابات الرئاسية اثارت استياء الاوساط القانونية والسياسية في مصر ، ووصفت بانها شروط ( تعجيزية ) تمنع مرشحين اخرين من غير الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم من الترشيح لرئاسة الجمهورية ، وهذا التعديل يضمن احتكار الحزب الحاكم لمنصب رئاسة الجمهورية إذ بموجب التعديل الدستوري المذكور – يمكن للأحزاب المعترف بها قانونا تقديم مرشحين لخوض الإنتخابات الرئاسية دون شروط لهذا العام فقط ، ولكن في الإنتخابات التالية يجب ان يكون قد مضى على تأسيس الحزب خمس سنوات وان يحصل على نسبة 5% من مقاعد مجلسي الشعب والشورى وهذا الشرط مما يتعذر تحقيقه حتى في السنوات القادمة ، وذلك لهيمنة الحزب الوطني الحاكم فعلا على مقاعد البرلمان المصري ، غير ان المرشح المستقل يحتاج حتى في إنتخابات العام الجاري إلى تاييد (65) عضو من بين (444) عضو في مجلس الشعب و (25) عضو في مجلس الشورى ، و (140) عضو في (14) محافظة على الاقل ، وهذه الشروط إنما وضعت كما – يصفها البعض – بقصد ابعاد المرشحين المستقلين عن إنتخابات الرئاسة ، وهي تزداد صعوبة بسبب هيمنة الحزب الحاكم على مقاعد البرلمان باكملها تقريبا فالحزب الحاكم حاصل على (400) مقعد في مجلس الشعب وحده مقابل (34) مقعداً لكل أحزاب المعارضة ، اما مجلس الشورى فلا توجد فيه مقاعد للمعارضة ماعدا المعينين من قبل رئيس الجمهورية ، لمزيد من التفاصيل ينظر : إستفتاء التعديل ” الدستور المصري ” http://union.alltalaba .com
المعارضة المصرية تشكك في نتائج الإستفتاء http://www.al jazeera.net
وهو ما حصل فعلا في الإنتخابات التي اجريت في العام نفسه إذ فاز الرئيس (محمد حسني مبارك ) بأغلبية ساحقة على منافسيه.
9- د. عبد الكريم علوان : المصدر السابق ، ص134-135 . ولعل اشهر تطبيق لهذه الطريقة ماهو معمول به في الدستور الامريكي لعام 1787 ، لمزيد من التفاصيل حول الانتخابات الرئاسية الامريكية ومراحل تطورها ينظر، د. عبد الحميد متولي ، د. محسن خليل ، د. سعد عصفور : القانون الدستوري والنظم السياسية ، الاسكندرية ،منشاة المعارف ، بلا سنة طبع ، ص240 – ومابعدها ، د. مصطفى ابو زيد فهمي : النظام الرئاسي في امريكا ومصر ، الاسكندرية ، دار المعارف، 1966،ص280- ومابعدها ، مروان محمد محروس المدرس : مسؤولية رئيس الدولة في النظام الرئاسي والفقه الاسلامي ، رسالة ماجستير ،جامعة بابل ، كلية القانون ، 1995 ، ص 78-79. د. سعيد السيد علي : حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1999 79 – وما بعدها . وقد تعرضت طريقة الإنتخابات غير المباشرة والتي أخذ بها دستور الولايات المتحدة الامريكية إلى العديد من الانتقادات أهمها :
1. تعد طريقة معقدة وطويلة ولذا فهي تحتاج إلى اموال طائلة لتمويلها وهذا ما يتيح لاصحاب الاموال دعم أحد المرشحين وايصاله إلى ( البيت الابيض ) وبالتالي مراعاة وتفضيل مصالح جماعات الضغط على مصالح الشعب الامريكي ومن ثم تصبح ارادتهم هي السائدة .
2. تقوم هذه الطريقة على أساس حزبي فاختيار رئيس الجمهورية يكون حكرا على أعضاء أحد الحزبين المسيطرين على الساحة السياسية ، لذا فلا مجال لتقدم الأحزاب الصغيرة الاخرى والمستقلين لأن التصويت في المرحلتين ( الدرجتين ) سيكون وفقا للانتماء الحزبي ، وبالتالي سهولة معرفة المرشح الفائز بمجرد انتهاء إنتخابات الدرجة الاولى وذلك بالنظر إلى التركيبة الحزبية للمندوبين ، وهذا هو المشاهد عملاً ولذا تعد هذه الطريقة بعيدة عن المنطق الديمقراطي السليم ، فهي اقل ديمقراطية من طريقة الإنتخاب المباشر ، فكلما كان دور الشعب في الإنتخاب مباشرا كلما كان ذلك اقرب إلى الديمقراطية .
ينظر اسامة اسماعيل عطا الله دراج : اختيار رئيس الدولة في النظام الاسلامي مقارنة بالأنظمة الدستورية المعاصرة ، رسالة ماجستير ، جامعة القدس ، كلية الحقوق ، 2001 ، ص136 ، 153 – 154
10- د. سعد عصفور : النظام الدستوري المصري (دستور سنة 1971) ، الإسكندرية، منشأة المعارف ، 1981، ص74 – 75 .
11- د. مصطفى ابو زيد فهمي : النظام البرلماني في لبنان ، ط1 ، بيروت ، الشركة الشرقية للنشر والتوزيع
1969 ، ص22 .
12- د. عبد العليم محمد : خفض ولاية الرئيس المصدر السابق . http://www.ahram.org
13- د. حسين عثمان محمد عثمان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، بيروت ، الدار الجامعية 1989 ،
ص212 ، 241 ، د. عبد الكريم علوان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ، عمان ، مطبعة الأرز ، 2001، ص 135 ، د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : المصدر السابق ،ص 246 .
14- وقد عمد واضعو الدستور الأخذ بهذه الطريقة لإنتخاب الرئيس لكي لا تتكرر سابقة 1848 إذ كان الرئيس ينتخب من الشعب مباشرةً ، وقد اعتلى لويس نابليون سدة الرئاسة وقلب نظام الحكم بعد ثلاث سنوات واعلان الإمبراطورية على يده ، ينظر موريس دوفرجيه : المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ، ترجمة د. جورج سعد، بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 1992، ص 84 -وما بعدها،عبده عويدات : النظم الدستورية في لبنان والبلاد العربية والعالم، ط1، بيروت، منشورات عويدات، 1961 ص68 د. ادمون رباط : الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الأول، ط2 ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1968، ص 294. ومن الدساتير العربية التي اخذت بهذا الاتجاه دستور العراق لعام 2005 في المادة (70) ودستور لبنان لعام 1926 في المادة (49/2) .
15- د. محمد رفعت عبد الوهاب : القانون الدستوري ، الاسكندرية ، منشاة المعارف ، 1991 ،ص 312 .

16- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظم السياسية – الدول والحكومات- ، الإسكندرية، منشأة المعارف ، 2003 ، ص247 ، د. سعد عصفور : النظام الدستوري المصري (دستور سنة 1971) ، الإسكندرية، منشأة المعارف ، 1981 ، ص 74 ، د. حسين عثمان محمد عثمان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1989 ،ص241 ،د. عبد الكريم علوان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ، عمان ، مطبعة الأرز ، 2001 .،ص135 – 136 .
ومما يشار اليه بهذا الصدد ان رئيس الجمهورية اللبناني كان يتمتع بصلاحيات واسعة يمارسها فعلياً وكان المهيمن على السلطة التنفيذية – مع الأخذ بنظر الاعتبار – ان لبنان تأخذ بالنظام البرلماني الذي يتسم بعدم ممارسة رئيس الدولة لأية سلطات بصورة منفردة ، غير ان دستور لبنان لعام 1926 قد منح رئيس الجمهورية العديد من الصلاحيات التي يمارسها بنفسه دون الرجوع إلى الوزارة واستمر وضع رئيس الجمهورية متسما بالقوة ( النصية والفعلية ) حتى جاء التعديل الدستوري لعام 1990 ، إذ سلب من رئيس الجمهورية أكثر هذه الصلاحيات واعطاها لرئيس الوزراء ، وجعل ممارسة الوظيفة التنفيذية شركة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مع رجحان كفة الوزارة ، لمزيد من التفاصيل ينظر: د. محسن خليل : الطائفية والنظام الدستوري في لبنان ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1992 ، ص 433 – وما بعدها ، د. يوسف سعد الله الخوري : القانون الاداري العام ، الجزء الأول ، بيروت ، دار صادر ، 1998 ، ص 51 – وما بعدها ، د. محمد المجذوب : القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان (وأهم النظم الدستورية والسياسية في العالم ) ، ط 4 ، بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2002، ص 307 – 309 ، 323 –وما بعدها .
(*) يستعمل الدستور التونسي لفظ ( فصل ) للدلالة على لفظ ( المادة ) لذا فإننا سنستخدم لفظ ( المادة ) .
17- لقد جرت الإنتخابات الرئاسية والنيابية في تونس في 30/10/2004 وكانت النتيجة فوز الرئيس ( زين العابدين بن علي ) بمنصب رئيس الجمهورية ( في إستفتاء شخصي ) وفوز حزبه الحاكم بالأغلبية الساحقة لمقاعد البرلمان ، وقبل يوم الإنتخابات طالبت ثلاثة أحزاب معارضة مقاطعة الإنتخابات الرئاسية والنيابية ودعت المواطنين إلى عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع ، وذلك بسبب عدم التوفر الاجواء اللازمة لاجراء الإنتخابات إذ هناك مصادرة للحريات العامة وحرية التعبير والتجمع فضلا عن كونها إنتخابات معلومة النتائج مسبقا بالرغم من وجود مرشحين مع رئيس الجمهورية لمزيد من التفاصيل ينظر هادي يحمد:أحزاب معارضة تدعو لمقاطعة الإنتخابات بتونس
http://www. Islamonli.net تونس: التقرير العالمي 2005 ، http://www.isiamonlin.net
وليس غريبا إذن ان نجد اكبر أحزاب المعارضة المجازة رسميا في تونس ( حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ) تعلن تاييدها لترشيح الرئيس زين العابدين بن علي لولأية رئاسية رابعة وذلك – كما يشير البعض – لقناعتها بان المعركة الإنتخابية الرئاسية ( الإستفتاء الشخصي ) محسومة سلفا لصالح الرئيس وانه من الافضل التركيز على الإنتخابات التشريعية ، د. خالد شوكات : حزب تونسي يسلم مقدما بالتجديد لابن علي . http.//www.islamonlin.net
18- د. صالح جواد الكاظم ، د. علي غالب خضير ، د. شفيق عبد الرزاق السامرائي : النظام الدستوري في
العراق ، بغداد ، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر 1980 – 1981 ، ص104 .
19- د. رعد ناجي الجدّة: دراسات في الشؤون الدستورية العراقية، بغداد، مطبعة الخيرات، 2001، ص159 – 160 .
20- د. رعد ناجي الجدّة : المصدر نفسه ، ص160-161 .
21- لمزيد من التفاصيل حول اراء الفقه الدستوري حول ضرورة توافر الإعتقاد بلزوم العادة وما يترتب على انتفاء مثل هكذا اعتقاد لدى افراد الشعب ينظر د. اسماعيل مرزة : القانون الدستوري ،ط3 ، بغداد ، دار الملاك للفنون والادب والنشر ، 2004 ، ص92-ومابعدها د. سعد عبد الجبار العلوش : قيام القاعدة العرفية في القانون الدستوري ، مجلة جامعة النهرين للحقوق ، المجلد (3) ، العدد (3) ، بغداد ، 1999، ،ص93 ، د. عبد الكريم علوان : المصدر السابق ، ص296-297 ، د. محمد السناري : القانون الدستوري – نظرية الدولة والحكومة – ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995 – 1996، ص119-121 ، د. عبد الغني بسيوني عبد الله : القانون الدستوري ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1987، ص65-66 ، د. محمد انس قاسم جعفر : النظم السياسية والقانون الدستوري ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1999 ، ص324 ، د. خالد سمارة الزغبي : مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية ، ط1 ، عمان، المركز العربي للخدمات الطلابية ، 1996، ص35-36 .
22- لقد صدر قانون تنظيم الإستفتاء الشعبي بالرقم 13 لسنة 1995 .
23- د. عبد الكريم علوان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ، عمان ، مطبعة الأرز ، 2001، 137-138 .
24- د. رعد ناجي الجدّة : المصدر السابق ، ص162 .
25- د. رعد ناجي الجدّة : المصدر نفسه ، ص161 .
26- ابتهال كريم عبد الله : الإستفتاء الشعبي ، رسالة ماجستير ، جامعة بابل ، كلية القانون 2003 ،
ص136-137 .
27- د. عبد الكريم علوان : المصدر السابق ، ص136 ، د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظم السياسية ،
المصدر السابق ، ص248 – 249 .
28- د. ماجد راغب الحلو : الإستفتاء الشعبي والشريعة الاسلامية ، الاسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ، 2004 ، ص82، 90 – 92 وتختلف طريقة الإنتخاب عن الإستفتاء الشخصي فالإنتخاب يتطلب توافر أكثر من مرشح لتتم المفاضلة بينهم على أساس البرامج التي يطرحونها ، اما الإستفتاء بمفهومه العام يتمثل بطرح موضوع معين على الشعب لأخذ رايه فيه ، والإستفتاء الشخصي يقتضي التوجه إلى الشعب لاستحصال موافقته على مرشح واحد لتقلد منصب رئيس الدولة ، والإستفتاء لا يستقيم مع طريقة تولي أهم منصب في الدولة ، لمزيد من التفاصيل حول الفرق بين الإستفتاء والإنتخاب ينظر : د. فاروق الكيلاني : شرعية الإستفتاء الشعبي ، عمان ، جامعة مؤته ، 1991 ، ص19 ، د. داود عبد الرزاق داود الباز : حق المشاركة في الحياة السياسية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة الإسكندرية ، كلية الحقوق ، 1992 ، ص34 – وما بعدها .
29- أسامة إسماعيل عطا الله دراج : اختيار رئيس الدولة في النظام الإسلامي مقارنة بالأنظمة الدستورية المعاصرة ، جامعة القدس ، كلية الحقوق، 2001، ص162 .
الطرق غير الديمقراطية لتولي رئاسة الدولة

ان أسلوب وصول رئيس الدولة إلى السلطة يعد معيارا حاسما في تمييز النظم السياسية التي قد تكون ملكية أو جمهورية ، فإنتخاب الشعب لحكامه أساس من أسس الديمقراطية، وفيما عدا الإنتخاب فالأساليب الاخرى لوصول رئيس الدولة لمنصبه تعد غير ديمقراطية ، وهذه الوسائل غير الديمقراطية متعددة وهي :
اولا : تولي رئيس الدولة لمنصبه عن طريق الوراثة
يعد أسلوب الوراثة لتولي السلطة اقدم الأساليب وأكثرها شيوعا في التاريخ ، وهي من أهم الوسائل غير الديمقراطية لتولي السلطة ، إذ كانت تعد الوسيلة الوحيدة لتولي وانتقال السلطة(1)، فالوراثة كأسلوب لتولي السلطة وانتقالها تتمثل في وراثة العرش فالملك يرث منصبه عن غيره وبذلك يقبض على السلطة كليا ، اوقد يسهم في ممارستها مع القابضين الاخرين ولا تقتصر الوراثة على وراثة العرش بل يمكن ان تتضمن وراثة العضوية في المجالس السياسية ، كما هو الحال في مجلس اللوردات البريطاني (2) .
وقد قيلت نظريات عدة لتسويغ تولي السلطة عن طريق الوراثة لاضفاء الشرعية عليها وهي :
1. النظرية المالية : لقد صيغت هذه النظرية من قبل أنصار الملكية في فرنسا ومقتضاها ان السلطة تعود إلى الملك ، فللملك الحق المطلق على السلطة ، وبناء عليه فإن السلطة يمكن ان تنتقل بالوراثة كما هو الحال في الملكية الخاصة(3) .

2. النظرية الثيوقراطية : وهي النظرية الثانية التي قيلت لتسويغ شرعية انتقال السلطة بالوراثة إذ ان هذه النظرية ترجع مصدر السلطة في الدولة إلى العناية الالهية فهي التي تختار الحاكم الذي يقوم بممارسة السلطة ، حيث كان الإعتقاد السائد بان الحاكم ما هو الا ( اله ) أو من نسل ( الالهة ) ، لذا فالحاكم له طبيعة تسمو على طبيعة البشر فالسلطة أصبحت حقا للحاكم يمارسها بمفرده ولذلك سميت هذه المرحلة ( بالطبيعة الالهية للحكام ) وفي مرحلة ثانية من مراحل تطور النظرية ساد الإعتقاد بان الحاكم يختار من قبل (الالهة) ليمارس شؤون الحكم والحاكم بذلك ما هو الا منفذ للارادة الالهية ، وسميت هذه المرحلة ( بالحق الالهي المباشر) وانتهت النظرية الثيوقراطية إلى مرحلة متطورة مقارنة بالمرحلتين السابقتين وبموجبها أصبح الحاكم يختار من الشعب ولكن بتوجيه من العناية الالهية لاختياره وسميت هذه المرحلة ( بالحق الالهي غير المباشر ) وبذلك فقد تم اسباغ القدسية على مصدر السلطة ومن يمارسها(4).

يتضح من النظريات السابقة التي قيلت لتسويغ شرعية الوراثة انها تسوغ السلطة المطلقة للحكام وبالتالي اسباغ الشرعية على سلطة الحكام وتصرفاتهم(5) ، فالنظرية المالية تجعل من السلطة ملكا خالصا للملك يمارسه كيفما يشاء دون رقابة أو محاسبة شعبية وهي بذلك تدعم من سلطة الملوك وتسوغ هيمنتهم المطلقة على السلطة ،لان السلطة السياسية اختلطت بحق الملكية العقارية(6) .

اما النظرية الثيوقراطية فهي ايضا تدعم من مركز رئيس الدولة ( الملك ) لانها تسوغ السلطة المطلقة للحكام ولا يستطيع الشعب محاسبتهم أو مساءلتهم عما يرتكبونه من اخطاء أو تقصير وبذلك يغدو سلطانهم مطلقا لا مقيدا ، وهو ما يؤدي الى استبداد رئيس الدولة في ممارسة السلطة ، إذ انه سيضحى في موقع اسمى من الافراد وسلطانه يسود الجميع، وبالتالي انعدام الرقابة القضائية أو السياسية على تصرفاته لانه مصون وغير مسؤول(7) ، لذا فالفقه الدستوري يذهب إلى عدم جواز تسمية النظريات الثيوقراطية بالنظريات الدينية لانها قيلت لغرض تسويغ السلطان المطلق للملوك(8) . إذن نخلص إلى ان النظريات السابقة إنما قيلت من اجل تدعيم سلطة الحاكم المطلقة وابعاد المسؤولية السياسية والجنائية عن شخص الحاكم ومن ثم عدم اخضاع هذه السلطة المطلقة لأي قيد يحد منها، غير انه لابد من الاشارة إلى ان هذه المسوغات أصبحت غير مقبولة في الوقت الحاضر وقد تلاشت فعلا كمسوغات لتولي السلطة –بصورة عامة (9) .

ثانيا : تولي رئيس الدولة لمنصبه عن طريق الإختيار الذاتي
الإختيار يعني قيام الحاكم بتعيين من يخلفه في الحكم ، بشرط ان لا يكون ( الخلف ) من الورثة والا فنكون امام أسلوب الوراثة ، اي ان السلف يختار من يخلفه في السلطة(10)، والإختيار الذاتي قد يكون فرديا وقد يكون جماعيا .

1. الإختيار الذاتي الفردي : ويتحقق هذا الإختيار حينما يكون الحاكم فردا يختار الحاكم الذي سيخلفه ، وهذا الإختيار قد يكون قانونيا حينما يستند على نص دستوري وقد يكون واقعيا حينما لا يستند على نص دستوري(11). وقد يكون الإختيار الفردي مباشرا إذا كان للسلف اختيار الخلف بصورة نهائية ودون تعليق الإختيار على اي شرط وقد يكون غير مباشر وذلك عندما يرشح السلف من سيخلفه فقط على أن توافق هيأة اخرى على هذا الترشيح ليصبح الخلف حاكم المستقبل(12) ، كما كان عليه الحال في عصر الإمبراطورية الرومانية إذ كان الامبراطور يختار من سيخلفه غير ان هذا الإختيار لم يكن نهائيا وإنما لابد من موافقة مجلس الشيوخ عليه ، وقد يكون الإختيار الفردي الذاتي معلقا على بيعة الناس للخلف(13) .

2. الإختيار الذاتي الجماعي : وتفترض هذه الطريقة ان الحاكم هيأة جماعية وليست فردا فيقوم أعضاء هذه الهيأة ( المجلس) باختيار الحاكم(14) ، وقد كان مجلس الشيوخ الفرنسي في ظل دستور السنة الثامنة للثورة لعام 1799 يمارس الإختيار الذاتي الجماعي ، إذ كان للمجلس اعادة إنتخاب القناصل الثلاثة الذين يحكمون فرنسا ، ثم كان له ان يعين أعضاءاً في المجلس ذاته بان يختارهم من بين قوائم تقدم من مجلس (التريبون) والمجلس التشريعي والقنصل الاول(15).

ومن الدساتير العربية التي أخذت بهذه الطريقة دستور العراق الصادر في 29 نيسان عام 1964 وذلك في المادة (55) منه إذ بينت هذه المادة بان اختيار رئيس الجمهورية يتم من قبل مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني في جلسة مشتركة ، واشترطت المادة الحصول على ثلثي المجموع الكلي للأعضاء وذلك خلال مدة لا تتجاوز اسبوعاً من تاريخ خلو المنصب، وكذلك أخذ دستور العراق لعام 1968 بذات الطريقة لاختيار رئيس الجمهورية إذ يتم اختياره من قبل مجلس قيادة الثورة وفقا للمادة ( 44/ 1 ) . وطريقة الإختيار الذاتي بصورتيها – الفردي والجماعي – تعمل على تقوية مركز رئيس الدولة تجاه باقي المؤسسات الاخر وتؤدي إلى انعدام مسؤولية رئيس الدولة امام الشعب، لأن الشعب لم يكن له دور في اختيار رئيس الدولة ، وهذا ما حدا بجانب من الفقه الدستوري إلى القول بانه من الصعب اقامة شرعية هذه الطريقة من طرق القبض على السلطة فهي لا يمكنها الاستناد مباشرة على الشرعية الثيوقراطية ولا على الشرعية الديمقراطية لذا فالدساتير التي تأخذ بهذه الطريقة تتبع أساليب ملتوية وغير مباشرة لاسباغ الشرعية على الإختيار الذاتي(16) .

ثالثا : تولي رئيس الدولة لمنصبه عن طريق الإستيلاء
وهذا الأسلوب من أساليب الوصول إلى سدة الحكم تستعمل فيه القوة بمعناها المادي الكامل والإستيلاء على السلطة يتم بواسطة الثورة أو الإنقلاب(17) ، واللجوء إلى القوة لاعتلاء سدة الحكم يعد طريقة غير دستورية لاسناد السلطة، غير ان القابضين على السلطة قد يحصلون على التاييد الشعبي من خلال الإستفتاء أو الإنتخاب –لاضفاء شرعية مزيفة-(18) . ويحتل موضوع الإستيلاء على السلطة عن طريق الثورات والإنقلابات أهمية خاصة في الفقه الدستوري لما يثيره من الاشكالات العديدة ، وقد ظهر في الفقه معياران للتمييز بين مفهومي الثورة والإنقلاب :
المعيار الأول : وبموجبه يكون الفصل بين الثورة والإنقلاب يتمثل بالجهة التي تقوم بالحركة فإذا كانت هذه الجهة هي الشعب فإن الحركة تعد ثورة اما إذا كان القائم بالحركة فئة محدودة وغالبا ما تكون من افراد السلطة القائمة فالحركة تعد إنقلابا ، غير ان الفقه الدستوري يعيب على هذا المعيار بانه ما من ثورة يقوم بها افراد الشعب بصورة خالصة ، بل قد يشترك فيها فئة من افراد السلطة القائمة للقضاء على النظام القائم ، وكذلك لا يوجد هنالك من إنقلاب خالص ، فقد تساند جماهير الشعب هذا الإنقلاب والوقوف إلى جانبه ، لذا فالفقه يرى عدم كفاية هذا المعيار للتمييز بين الثورة والإنقلاب(19) .
المعيار الثاني : وبمقتضاه فإن الفرق بين الثورة والإنقلاب إنما يكمن في الهدف من الحركة ، فإذا كان هدف الحركة مجرد الوصول إلى السلطة فالحركة تعد إنقلابا اما إذا كان هدف الحركة اجراء تغيير جذري وشامل في جميع نواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية لمصلحة مجموع الشعب فالحركة تعد ثورة .
ومما يلاحظ ان هذا المعيار ليس انيا بطبيعة الحال وإنما لاحق على فعل الإستيلاء على السلطة ، وقد لاقى هذا المعيار قبولا في اوساط الفقه الدستوري(20) .
ان ظاهرة الإستيلاء على السلطة بواسطة الثورات والإنقلابات العسكرية ومن ثم احتكار السلطة وممارستها بطرق تعسفية أو إستبدادية من طرف الاقلية ، لازالت تتكرر في العديد من بلدان العالم ، وهي تؤدي بالضرورة إلى تهميش دور افراد المجتمع واستحوإذ الاقلية على مقاليد السلطة السياسية في الدولة(21) ويلاحظ ان الطابع المميز لكل الحكومات التي تاتي في اعقاب الثورات أو الإنقلابات (الحكومات الفعلية) هو اتسامها بالدكتاتورية الفردية أو الجماعية وهي تهمل مبدا الفصل بين السلطات لانها تركز كل السلطات بيد حكومة الثورة(22) .

فقد نص الاعلان الدستوري الصادر عام 1953 في مصر بعد قيام ثورة 1952 في المادة (9) منه بان (( يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية )) والمادة ( 10 ) نصت بأن (( يتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه اعمال السلطة التنفيذية )).

اما في العراق فان دستور 1958 قد نص في المادة ( 21 ) منه بان (( يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية … )) والمادة ( 22 ) نصت بأن (( يتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه اعمال السلطة التنفيذية )) ، اما دستور 4 نيسان لعام 1963 فقد حصر السلطة بين يدي المجلس الوطني لقيادة الثورة وفقا للمادتين ( 2و3 ) .

وبذلك فإن من يقبض على السلطة في خلال هذه الفترة وهو عادة-رئيس مجلس قيادة الثورة أو رئيس مجلس الوزراء – والذي هو رئيس الدولة يضحى في موقع متميز وقوي ولا توجد اي سلطة أو جهة تعلو على سلطته ، إذ هو يجمع بين يديه العديد من الصلاحيات التي يمارسها فعلياً يضاف إلى ذلك انعدام الرقابة السياسية والقضائية خلال فترة الانتقال(23) وبعد وضع الدستور فإن الأخير يضفي الشرعية على جميع التصرفات والاعمال التي اتخذها قادة الحركة خلال تلك الفترة وهذا مما يدعم من مركز رئيس الدولة الذي هو عادة ما يكون (زعيم الحركة ) ويجعله بمنأى عن المساءلة القانونية(24) .

وهذا بدوره يؤدي إلى ان يكون رئيس الدولة في مركز اسمى من باقي المؤسسات الدستورية الاخرى وهذا متحقق سواء في الفترة التي تسبق وضع الدستور أم في الفترة اللاحقة لوضعه .

__________________
1- د. نوري لطيف ، د. علي غالب العاني : القانون الدستوري ، بغداد ، بلا سنة طبع ، ص56 .
2- د. منذر الشاوي : القانون الدستوري (نظرية الدولة) ، بغداد ، منشورات مركز البحوث القانونية ، 1981، ص158
3- د. منذر الشاوي : المصدر نفسه، ص159، د. طعيمة الجرف : نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي ، الكتاب الثاني ، القاهرة ، مكتبة القاهرة الحديثة ، 1966، ص133 .
4- لمزيد من التفاصيل ينظر: د. محمد السناري : القانون الدستوري ( نظرية الدولة والحكومة ) ، القاهرة، دار النهضة العربية ، 1995 – 1996 ،ص 636 – وما بعدها ، د. محمد أنس قاسم جعفر : النظم السياسية والقانون الدستوري ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1999، ص 23 – وما بعدها، د. عبد الغني بسيوني عبد الله : النظم السياسية والقانون الدستوري ، بيروت ، الدار الجامعية ، 1992، ص 45 -47.
5- د. ادمون رباط : الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، ط1 ، بيروت ، دار العلم
للملايين ، 1965 ، ص 378 .
6- د. طعيمة الجرف : نظرية الدولة ، المصدر السابق ، ص 135 .
7- د. محمد السناري : القانون الدستوري – نظرية الدولة والحكومة – ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995 – 1996، 636 – 637 ، 643 – 644 ، د . عبد الحميد متولي : القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 1993، ص 34 – 36 ، د. عبد الغني بسيوني عبد الله : النظم السياسية والقانون الدستوري ، المصدر السابق ، ص 45 ،47 .
8- د. عبد الحميد متولي : المصدر نفسه ، ص 46 ، د. عبد الغني بسيوني عبد الله : المصدر نفسه ،
ص 45 .
9- د. ثروت بدوي : النظم السياسية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1975، ص 288 .
10- د. صالح جواد الكاظم ، د. علي غالب العاني : الأنظمة السياسية ، بغداد ، دار الحكمة ، 1990 – 1991، ص 57 .
11- د. طعيمة الجرف : نظرية الدولة ، المصدر السابق ، ص 137 .
12- د. صالح جواد الكاظم، د. علي غالب العاني : المصدر السابق ، ص 57 .
13- د. منذر الشاوي : القانون الدستوري (نظرية الدولة) ، بغداد ، منشورات مركز البحوث القانونية ، 1981، ص 161 – 162 .
14- د. ثروت بدوي : النظم السياسية ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1975، ص 290 .
15- موريس دوفرجيه : المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ، ترجمة د. جورج سعد، بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 1992، ص 290 .
16- د. منذر الشاوي : القانون الدستوري ، المصدر السابق ، ص 161 .
17- د. ادمون رباط : الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، ط1 ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1965، ص 375 .
18- د. ثروت بدوي : المصدر السابق ، ص 291 .
19- د. ثروت بدوي : المصدر نفسه ، ص 292 – 293 ، د. منذر الشاوي : القانون الدستوري ، المصدر السابق ، ص 166 د.
20- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظم السياسية – الدول والحكومات – ، الاسكندرية ، منشاة المعارف ، 2003 ،ص 115 ، د. طعيمة الجرف : نظرية الدولة ، المصدر السابق، ص 158 – 159 ، د. منذر الشاوي : القانون الدستوري ، المصدر السابق ، ص 166 هامش رقم (1) ، د. عبد الكريم علوان : النظم السياسية والقانون الدستوري ، ط2 ، عمان ، مطبعة الأرز ، 2001 ، 326،.
21- انور زكار : السلطة السياسية وشرعيتها http : // www . alraafid mag . com
ويلاحظ ان دول العالم الثالث كثيرا ما تعاني من الثورات والإنقلابات فأصبح امر الوصول إلى السلطة في هذه الدول كثيرا ما يتم عن هذين الطريقين ، ولعل الدول العربية كان لها نصيبها من ذلك ، فمثلا في تونس قام رئيس الوزراء ( زين العابدين بن علي ) بإنقلاب ضد الرئيس انذاك ( الحبيب بو رقيبة ) عام 1987 وسمي بالإنقلاب الابيض ، فعزل رئيس الوزراء الرئيس ( بو رقيبة ) وعرض كمرشح وحيد على الشعب لاختياره كرئيس دولة (إستفتاء شخصي ) وتم تنصيبه فعلا رئيسا للبلاد منذ عام 1987 بعد ان قدم العديد من مشاريع التعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان ومشاريع اصلاحية وتنموية اخرى، ومن الملاحظ ان الرئيس السابق ( الحبيب بو رقيبة ) قد قام بإنقلاب ضد النظام الملكي المعلن انذاك في تونس ويلاحظ ان كلا الإنقلابين كان الهدف منه الوصول إلى سدة الحكم فقط دون أحداث اي تغيير فعلي في اي مجال من مجالات الحياة مع تركيز اكبر قدر من الصلاحيات بيد رئيس الدولة ، ولمزيد من التفاصيل ينظر : طه حميد حسن العنبكي: النظام السياسي في تونس 1956 – 1989 ، رسالة ماجستير، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 1992 ، ص 200 – وما بعدها .
22- د. عبد الحميد متولي : القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 1993، ص80 ، د. طعيمة الجرف : نظرية الدولة ،المصدر السابق ،
ص161 .
23- د. عبد الحميد متولي : المصدر نفسه ، ص81 ، د. طعيمة الجرف : المصدر نفسه ، ص161-162 ،
د. عبد الغني بسيوني عبد الله : القانون الدستوري ، المصدر السابق ، ص105-106 .
24- لقد نص الدستور المصري 1956 في المادة (190) على أن (( كل ما قررته القوانين والمراسيم والاوامر والقرارات من احكام قبل صدور هذا الدستور يبقى نافذا … )) والمادة (191) نصت على أن (( جميع القرارات التي صدرت من مجلس قيادة الثورة وجميع القوانين والقرارات التي تتصل به وصدرت مكملة أو منفذة لها وكذلك كل ما صدر من الهيئات التي امر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو احكام وجميع الإجراءات والاعمال والتصرفات التي صدرت من هذه الهيئات أو من اية هيأة اخرى من الهيئات التي انشات بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بالغائها أو التعويض عنها باي وجه من الوجوه . وامام اية هيأة كانت )) . واما دستور العراق لعام 1958 فقد نص في لمادة (27) على أن (( يكون للقرارات والاوامر والبيانات والمراسيم الصادرة من قائد القوات المسلحة أو رئيس الوزراء أو مجلس السيادة من 14 تموز 1958 إلى تاريخ تنفيذ هذا الدستور المؤقت قوة القانون وهي تعدل ما يتعارض مع احكامها من نصوص القوانين النافذة قبل صدورها )) وكذلك فعل دستور 4 نيسان لعام 1963 في المادة (3) منه ودستور 1968 في المادة (88).