الرهن العقاري المسجل وسيلة فعالة لضمان الوفاء بالديون

يعد الرهن العقاري إحدى أهم الضمانات القانونية الفعالة في حماية الائتمان والمعاملات المالية على الصعيدين المدني والتجاري، حيث تقوم فكرة هذا الضمان على تخصيص عقار معين لضمان الوفاء بالدين المضمون بالرهن، وذلك بأن يكون للدائن المرتهن في حال عدم وفاء المدين المرتهن، الحق في أن يستوفي دينه من قيمة العقار محل الرهن بعد بيع العقار جبرا بالمزاد العلني، وتقديم هذا الدائن على بقية الدائنين العاديين، وكذلك الدائنين المرتهنين التالين له في الدرجة أو في تاريخ تسجيل الرهن.

يعد الرهن العقاري المسجل عقدا يكتسب بموجبه الدائن المرتهن حقا عينيا على عقار معين له سجل خاص، ويكون تسجيل الرهن على العقار الذي لم يطبق عليه نظام التسجيل العیني للعقار بالتأشیر على سجله الخاص لدى المحكمة أو كتابة العدل المختصتين حيث لا تسرى آثار الرهن العقاري على الغير إلا بعد تسجيله سواء كان ذلك التسجيل حسب نظام التسجيل العيني للعقار “الصادر عام 1423هـ“، وإذا كان العقار غير خاضع لنظام التسجيل العيني للعقار فيكون تسجيل الرهن لدى المحكمة أو كتابة العدل.

يلتزم المدين الراهن بنفقات عقد الرهن وتسجيله، وإذا دفعت هذه النفقات عن طريق الدائن أو الغير فإن هذه النفقات تدخل في دين الرهن وتأخذ مرتبته ما لم يتفق الدائن والمدين على خلاف ذلك. يشترط في العقار محل الرهن عدة شروط لعل أبرزها هو أن يكون العقار مملوكا للمدين الراهن بحيث يكون أهلا لرهنه والتصرف فيه، إلا أنه استثناء من ذلك، يجوز أن يكون الراهن كفيلا عينيا يقدم عقارا يرهنه لمصلحة المدين ولو بغير إذنه، وفي هذه الحالة أي إذا كان المدين الراهن غير مالك للعقار المرهون، كان رهنه موقوفا على إجازة المالك بوثيقة، ويبدأ الرهن من تاريخ الإجازة لا من تاريخ وقوع الرهن، فإذا لم تصدر هذه الإجازة فإن حق الرهن لا يترتب على العقار إلا من الوقت الذي يصبح فيه هذا العقار مملوكا للراهن.

يشترط أيضا في العقار محل الرهن أن يكون معينا موجودا، أو محتمل الوجود مما يصح بيعه. كما يجب أن يكون العقار المرهون معلوما علما نافيا للجهالة مبينا في عقد الرهن ذاته أو في عقد لاحق، ويصح بيعه استقلالا بالمزاد العلني. يشمل الرهن الواقع على العقار ملحقات العقار المرهون من أبنية وأغراس وما أعد لخدمته وما يستحدث عليه من إنشاءات أو تحسينات بعد العقد ما لم يتفق على غير ذلك، كل ذلك مشروط بعدم المساس بحقوق الغير المتصلة بهذه الملحقات.

الآثار النظامية المترتبة على الرهن العقاري المسجل

تكملة لما تم تناوله في المقالين السابقين حول الرهن العقاري وأهميته كأداة فعالة في حماية الائتمان والمعاملات المالية سنتحدث في مقالنا هذا وفي مقال لاحق ـــ إن شاء الله ـــ عن الآثار النظامية المترتبة على الرهن سواء على المدين الراهن أو الدائن المرتهن، حيث يلتزم المدين الراهن بضمان سلامة العقار المرهون حتى تاريخ وفاء الدين الثابت في ذمته، ويجوز للدائن المرتهن أن يعترض على كل تصرف أو امتناع من شأنه إنقاص قيمة الشيء المرهون أو تعريضه للهلاك أو العيب، وله أن يتخذ من الإجراءات التحفظية كل ما يضمن سلامة حقه، على أن يرجع بالنفقات على المدين الراهن.

وعليه؛ إذا وقعت تصرفات من المدين المرتهن من شأنها أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التعيب أو تجعله غير كاف للضمان، فللمرتهن أن يطلب من المحكمة أو الجهة القضائية المختصة وقف هذه الأعمال واتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر وفقا لأحكام القضاء المستعجل. كما أنه إذا هلك العقار المرهون أو نقص لأي سبب كان، انتقل حق المرتهن إلى المال الذي حل محل دون الحاجة إلى موافقة الراهن، وللدائن المرتهن أن يستوفي حقه منه وفقا لمرتبته. تجدر الإشارة هنا، إلى أن المدين الراهن ملزم بضمان ما يطرأ على المرهون من نقص في قيمته أو مانع يمنع الدائن المرتهن من استيفاء حقه منه، كهلاك أو عيب أو استحقاق، وذلك بشرط أن يكون ذلك بفعل الراهن أو تفريطه أو لأسباب لها علاقة به، وللدائن المرتهن في هذه الحالة إلزام الراهن بسداد دينه حالا أو مطالبته بتقديم ضمان الرهن الفائت بمثله.

وبذلك يمكن القول إنه يترتب على التصرفات التي تنقص من قيمة المرهون أن المدين الراهن سيكون بالخيار، إما أن يقدم ضمانا كافيا للدين بدلا من الضمان السابق، أو يصبح دينه حالا ويلتزم بالوفاء بقيمته.

يظل التزام المدين الراهن قائما طوال فترة الرهن، كما يجوز له سداد الدين قبل حلول أجله، وإذا حل أجل الدين وجب على المدين الوفاء به، فإن أداه المدين أخذ رهنه، وإن لم يؤده بيع محل الرهن بطلب المرتهن ويقدم على جميع الغرماء في استيفاء دينه من ثمنه طبقا لمرتبته ووفقا للإجراءات المقررة نظاميا، وفي حال كان الراهن كفيلا عينيا أو كان المرهون من غير المدين، فلا يجوز التنفيذ على ما سوى محل الرهن من أموال مالك المرهون غير المدين.

الآثار المترتبة على الرهن العقاري المسجل في مواجهة الغير

في إطار سلسلتنا المخصصة لموضوع الرهن العقاري المسجل وبعد الحديث عن مفهوم الرهن وآثاره في المتعاقدين، سنتحدث في مقال هذا الأسبوع عن آثار الرهن العقاري في مواجهة الغير. بداية تجدر الإشارة إلى أنه لا تسري آثار الرهن المسجل في مواجهة الغير إلا من تاريخ تسجيله، كما أن هذه الآثار لا تسري في حق الغير الذي اكتسب حقا عينيا على العقار المرهون قبل تسجيل الرهن، كما أنه لا يحتج في مواجهة غير المتعاقدين بنقل الدين المضمون بالرهن المسجل أو التنازل عن مرتبته إلا بعد قيد ذلك في وثيقة الحق الأصلي وسجل العقار.

من أهم الآثار المترتبة على الرهن في مواجهة الغير هو أنه يحق للدائن المرتهن حق تتبع العقار المرهون في يد أي حائز له لاستيفاء حقه منه عند حلول الوفاء به طبقا لمرتبته، ويعد حائزا للعقار المرهون كل من انتقلت إليه بعد الرهن بأي سبب من الأسباب ملكية هذا العقار أو أي حق عيني آخر عليه قابل للرهن دون أن يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الدين المضمون بالرهن. كما أن للدائن المرتهن رهنا مسجلا أن يتخذ إجراءات النزع الجبري لملكية العقار المرهون وبيعه إذا لم يقم المدين بالوفاء في الأجل المعين، وذلك بعد إنذار المدين وحائز العقار المرهون. هذا ويكون لحائز العقار المرهون أن يؤدي دين الرهن والنفقات بعد إنذاره، على أن يرجع بما أداه على المدين، وله أن يحل محل الدائن الذي استوفى دينه فيما له من حقوق.

بالمقابل؛ يجوز لحائز العقار المرهون أن يدخل في إجراءات بيعه في المزاد، فإذا رسا المزاد عليه وأدى الثمن، عد مالكا للعقار بمقتضى سند ملكيته الأصلي، ويتطهر العقار المرهون من كل حق مسجل عليه إذا دفع الحائز الثمن الذي رست عليه المزايدة به أو أودعه حساب المحكمة. إذا رسا مزاد بيع العقار المرهون على غير حائزه، فإنه يكسب ملكيته بمقتضى قرار رسو المزاد عليه، ويتلقى حقه من الحائز، سواء دخل الحائز في المزاد أم لم يدخل.

د. أبو بكر المسيب
مستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت