” ثابت ديانة لا قضاء “
يوسف الفراج

قد أكون تحدثت عن هذا الموضوع من قبل لكن لأهميته وكثرة السؤال عنه أرى مناسبة الإشارة إليه مرة أخرى، ويتلخص الموضوع في أنه قد يتنازع شخصان في أمر ما ولا يكون لأحدهما ما يثبت حقه أمام القضاء لثقته بخصمه أو ضياع بيناته أو غيابها أو مضي مدة نظامية ترتب على مرورها فوات حقه في الدعوى أو الاعتراض أو ما شابه ذلك من صور، فيحكم القضاء ضد هذا الشخص مع علم خصمه أنه صاحب حق وأن ذمته مشغولة بحقه، فيظن المحكوم له أن الحكم القضائي قد أجاز له ما كان حراما أو أنه قد أبرأ ذمته من الحق أو أن الخصم هو من فرط في حقه، ومن ثم فلا شيء له عنده .

ويقال لهذا الشخص وأمثاله إن هناك فرقا بين ما يثبت قضاء وما يثبت ديانة، فقد لا يستطيع الخصم إثبات حقه أمام القضاء للاعتبارات السابقة إلا أنها ثابتة أمام أحكم الحاكمين فهي في ذمتك ولو لم تثبت أمام قاضي الدنيا، فلا تبرأ ذمتك إلا بالوفاء بالحقوق لأصحابها وأنت آثم لا محالة وأكل للحرام ما لم ترد الحقوق لأهلها. والأمثلة على ذلك كثيرة كما سبقت الإشارة إلى أجناسها فيما سبق،

ولكن من أهمها أن يكون للعامل لدى رب العمل مالا من رواتب أو مستحقات ثم تمضي المدة النظامية لرفع الدعوى، فيسقط حق العامل بالمطالبة لجهله بالنظام فإذا طالب رفضت دعواه فيُحكم لرب العمل “قضاء”، ولكن هو آثم “ديانة” حتى يرد الحق، وكذلك كل دعوى ترفض لمضي مدة المطالبة فإنها تسقط “قضاء” لا “ديانة”، ومن أخطر ما يرد في هذا الموضوع قضايا الطلاق فقد يطلق الزوج زوجته في مكان لا يوجد فيه إلا هما، فتدعي عليه فينكر ذلك وليس لديها بينة بالطبع فيحكم القضاء بعدم وقوع الطلاق، ويغفل الزوج أن هذه الطلقة وإن لم تثبت “قضاء” فهي ثابتة “ديانة”، ويزيد الأمر سوءا في حال لو كانت هي الطلقة الثالثة فتكون زوجته قد بانت منه بينونة كبرى فالفقهاء هنا يوجبون على الزوجة الامتناع منه ولو قرر القضاء عدم ثبوت الطلاق بل يطلبون منها مدافعة لأنه صائل عليه كالأجنبي .

والزواجر الشرعية في هذا الموضوع متعددة في كليات الشريعة وجزئياتها ومن ذلك قوله تعالى ” يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود “، وقوله تعالى :“ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”، وقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال أمريء مسلم إلا بطيب نفس منه “، وقوله صلى الله عليه وسلم:إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من نار يأتي بها يوم القيامة”.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت