أنتشرت فى السنوات الاخيرة، ظاهرة إضراب الموظفين بالمرافق العامة المختلفة عن أداء أعمال وظائفهم , للضغط على الدولة لتلبية مطالب مالية أو للحصول على مكاسب وظيفية, بل وأعتبرت جهات الادارة ان الاضراب يمثل أبتزازا لها للرضوخ لمطالب قد تكون غير قانونية ، و قد رأى البعض أن الاضراب حق مكفول لكل الموظفين العموميين, و أنه لا يجوز مساءلة مرتكبيه تأديبيا , وهذا ما تصدت له المحكمة الادارية العليا فى حكم مهم لها .

أن المحكمة الادارية العليا تصدت أخيرا لذلك الموضوع المهم , اذ حسمت الجدل المثار حول مدى مشروعية الاضراب عن العمل الحكومى، وتعطيل أعمال المرافق العامة, إذ قضت فى الطعن – رقم 24587 لسنة 61ق بجلسة – 18أبريل – 2015– بأن إضراب العاملين بالمرافق العامة عن أداء أعمالهم وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم, وذلك بقصد الاعلان من جانبهم عن إحتجاجهم على أوضاع معينة , أوعن مطالب معينة يطالبون بتحقيقها, أو بقصد إظهار السخط والاستنكار لاعمال أو أجراءات لا ترضيهم , يشكل جرما تأديبيا جسيما, يستوجب توقيع أشد الجزاءات التأديبية على مرتكبيه, اذ يتنافى الاضراب مع مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واطراد, والذى يعد من المبادىء الاساسية للقانون الادارى .

وأوضحت المحكمة أن ممارسة حق الاضراب مرهون بألا يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية, بحسب ان أنها مصدر رئيسى للتشريع المصرى, وأن أحكام الشريعة الاسلامية أستنت قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، و قاعدة أن الضرر لايزال بمثله، وأنه لما كان الاضراب يؤدى الى الحاق الضرر بالمتعاملين مع المرافق العامة من المواطنين, فان الشريعة الاسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من أضرار بالناس, بالاضافة الى أن الاضراب سواء كان من الحقوق أومن الحريات, فانه يتعين الالتزام فى ممارسته بحدود هذا الحق، وبعدم الانحراف عن الغاية منه, وبالتالى فإن إعمال حق الاضراب رهين بوضع القوانين المنظمة له، بما لا يخالف أحكام الشريعة الاسلامية, وانه لم تصدر هذه القوانين حتى هذه اللحظة بالنسبة لموظفى المرافق الحكومية المختلفة, ومن ثم فإن الاضراب بالوظائف الحكومية يعد جريمة تأديبية, فالاضراب يؤدى الى توقف العمل فى المرفق العام, وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التى يقدمها, فالموظف العام قد اختير لاداء مهمة معينة وفقا لقاعدة التخصص وتقسيم العمل، ومن ثم فانه يتعين عليه أن يسلك السبيل الذى تحدده القوانين والتقاليد الحكومية التى يتكون من مجملها المركز النظامى الذى يشغله، وبالتالى فهو ملزم باداء العمل المنوط به فى الوقت المخصص لذلك، وفى المكان المخصص له، وأن يطيع رؤساءه لان طاعة الرؤساء تعتبر العمود الفقرى فى كل نظام ادارى، واذا تسرب الى هذا المبدأ أى خلل فلن يجدى فى اصلاح الادارة أى علاج.

المحكمة نوهت وفى حكمها الى أن مجلس الدولة الفرنسى، أعتبر اعتصام الموظفين جريمة تأديبية, وذلك فى حكمه الصادر فى 11 فبراير 1961 حيث قضى بأنه ليس للمضربين حق احتلال الاماكن الادارية لتعارض ذلك مع الغاية من الاضراب, بوصفه شكلا من مظاهر التعبير عن الرأى, وصورة من صور الاحتجاج على أاوضاع معيبة, والذى يجب فى جميع الاحوال ان يبتعد فى ممارسته عن كافة صور التعسف فى استعماله.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .