مقال قانوني – بيع العقار في طور الإنجاز بين تحايل الشركات وقصور القضاء

مقال حول: مقال قانوني – بيع العقار في طور الإنجاز بين تحايل الشركات وقصور القضاء

بيع العقار في طور الإنجاز بين تحايل الشركات وقصور القضاء

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

بقلم ذ محمد الباكير

أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بالدار البيضاء
عندما صدر القانون رقم 00-44 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، استبشر المهنيون، و في مقدمتهم رجال القانون، خيرا بما جاء فيه من مستجدات. ذلك أن المشرع قد سعى فيه، على ما بدا للجميع، إلى وضع إطار قانوني هام للمعاملات و العقود المبرمة بشأن العقارات التي لازالت في طور الإنجاز، قادر على توفير الحماية اللازمة لمصالح المستهلكين، سواء من خلال تجاوز سلبيات العقود المعروفة بتسمية \”الوعد بالبيع\”، أو من خلال تمكين المشترين من ضمانات معقولة مقابل ما يدفعونه من أموال.

و لعل أهم هذه الضمانات و أبرزها تتمثل في ذلك النظام الذي وضعه المشرع بخصوص عملية إبرام عقد البيع الابتدائي، سواء من حيث شكلياته، أو زمنه، أو الالتزامات المفروضة على رب المشروع قبل الشروع في إبرام العقود، أو تلك التي تقع على عاتقه بعد إبرامها. فهذا النظام إذا كان يرمي كما هو حال أنظمة كافة أنواع العقود، إلى ضبط التزامات الأطراف و ضمان حقوقهم خلال التنفيذ، و حماية مصالحهم المشروعة عند وقوع إخلالات في تنفيذ تلك الالتزامات، فإن الهاجس الرئيسي وراءه كان هو حماية أموال المستهلكين من الاستغلال من طرف المنعشين العقاريين الذين يقومون بتحصيلها تحت غطاء اتفاقي لاستعمالها في تمويل مشروعاتهم المختلفة، من دون عناية بمصالح دافعي هذه الأموال، أو مع الإضرار البليغ بها.

فمن بين الممارسات المشينة التي كان و لا يزال عدد كبير من المنعشين العقاريين يقومون بها، أنهم يبرمون وعودا بالبيع مع المستهلكين قبل الشروع في أشغال البناء بواسطة عقود عرفية عموما، مع التعهد بتسليم العقارات في آجال معينة، لكن بدون إعطاء أية ضمانات ما عدا عقد الوعد نفسه و ما يتضمنه من شروط جزائية هزيلة، ثم يستغلون تلك الأموال في تغذية أنشطتهم المختلفة. فإذا استطاعوا إتمام البناء في الأجل المتفق عليه، و هو أمر نادر الوقوع، كان به، و إلا فإنهم يماطلون و يسوفون، و لا يكون أمام المستهلك سوى الانتظار مع وعد بتعويض ضعيف، أو سلوك المساطر القضائية التي لا تخرج عن سبيلين: إما دعوى إتمام البيع، و إما الفسخ مع تعويضات لا تتناسب مع حجم الضرر الذي لحق بهم. و في جميع الأحوال يظل المنعش العقاري هو المستفيد الأكبر لأنه يحتفظ بالأموال التي اختلسها من المشترين لأطول مدة ممكنة ضمن أصوله النقدية و يستخلص منها أكبر نفع ممكن و فوائد أهم من أن تتأثر بالتعويضات التي قد يدفعها لزبنائه.

و لذلك نجد أن التشريع الخاص بالعقارات في طور الإنجاز قد فرض صب المعاملات المتعلقة بها في قالب عقد ذي شكليات و شروط دقيقة، يضمنها تدخل محرر للعقود تتوفر فيه الأهلية اللازمة، و ذلك لتحديد الالتزامات الواقعة على الأطراف بشكل ينفي عنها اللبس و يعزز الحماية المقررة للحقوق المترتبة عن العقد. غير أن الأمر لم يقف عند تحديد الشروط الشكلية للمحرر الحامل للاتفاق، بل تعداه إلى رسم إطار مفاهيمي، و زمني، و إجرائي متميز.

فمن جهة أولى، و رغبة في قطع طريق التحايل، جعل المشرع من صفة “بيع عقار في طور الإنجاز” تكييفا قانونيا يلتصق يكل اتفاق يتضمن التزاما من أحد الطرفين بإنجاز عقار داخل أجل محدد مقابل التزام الطرف الآخر بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال. و بالنالي، فإن نظام بيع العقار في طور الإنجاز يفرض نفسه على الأطراف كلما تضمن اتفاقهم الالتزامات المذكورة، حتى و لو فضلوا تسميته وعدا بالبيع أو أي اسم آخر.

و من جهة أخرى، فقد وضع القانون المذكور لإبرام العقد الرامي إلى بيع عقار لازال في طور الانجاز عتبة زمنية، تتحدد بتاريخ الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي، و الغاية من هذا التحديد الزمني هي تجنيب المستهلك فخاخ النصب و إرغام المنعشين على التحلي بقدر أدنى من الجدية عبر إجباره على مباشرة الأشغال و الاستمرار فيها إلى النهاية. و يبقى من المفيد أن ننبه إلى أن الفصل 5-618 من قانون الالتزامات و العقود الذي نص على ذلك، حتى و إن لم يعتن بتوضيح مصير الاتفاقات المبرمة قبل الانتهاء من أساسات الطابق الأرضي، فإنه عندما أكد على أنه لا يمكن إبرام العقد الابتدائي قبل ذلك التاريخ، يكون قد وضع مانعا قانونيا أساسيا يجعل قيام هذا العقد أمرا مستحيلا استحالة قانونية. و من تم فإن كل اتفاق يتم بدون احترام الحد الزمني المذكور يكون باطلا بطلانا مطلقا و لا يسوغ التمسك به.

بل إنه قد يكون من الممكن مساءلة محرر العقد لتعويض الضرر اللاحق بالطرف حسن النية إذا حرر العقد من دون مراعاة المانع المذكور أو من دون التأكد من ارتفاعه. و هو ما يفسر وجوب إرفاق العقد بشهادة مسلمة من لدن المهندس المختص تثبت الانتهاء من أشغال الأساسات الأرضية للعقار، طبقا لآخر فقرة من الفصل 4-618 من قانون الالتزامات و العقود.

و من جهة ثالثة، نجد أن التأطير التشريعي قد امتد إلى فرض عدد من الالتزامات الوقائية –إذا صح التعبير- الكفيلة يضمان جدية المنعش العقاري و حماية أموال الزبناء. فقد أوجب القانون على البائع أن يضع دفترا للتحملات يتعلق بالبناء و يتضمن مكونات المشروع و ما أعد له و نوع الخدمات و التجهيزات التي يتوجب إنجازها و أجل الإنجاز و التسليم، و أن يودع هذا الدفتر مع التصاميم و مع نظام الملكية المشتركة (إذا تعلق الأمر بسكن مخصص للملكية المشتركة) بالمحافظة العقارية إذا كان العقار محفظا، و إلا فبكتابة ضبط المحكمة الابتدائية المختصة، و ذلك لتمكين العموم من الاطلاع على كافة المعلومات و المعطيات الخاصة بالعقار، و تقليص إمكانيات تلاعب البائعين سيئي النية. ثم إنه لم يقف عند ذلك، إذ جعل هذه الوثائق جزءا من العقد، فأوجب إلحاق نسخ مطابقة للأصل منها بالعقد، كما فرض أن يتم توقيعها من البائع و المشتري معا، و أن تسلم للمشتري نسخة منها مشهود بمطابقتها للأصل و بصحة إمضائه عليها.

هذه الالتزامات تعزز جدية المنعش العقاري و حسن تنفيذه لشروط البيع، من ناحية، و تمنح للمشتري ضمانات إضافية بشأن استجماع العقار لكافة المواصفات التي كانت وراء سعيه لتملكه، من ناحية أخرى.

و إمعانا في حماية أموال المشتري اقترح المشرع سلما زمنيا للأداءات. فحدد نقطة انطلاقه إلزاميا عند إبرام عقد البيع الابتدائي، و منع البائع من طلب أي مبلغ مالي قبل ذلك، و جعل هذا الطلب باطلا و لا تترتب عليه أية نتائج، كما جرد قبول الأداء الذي قد يصدر عن المشتري من كل قيمة قانونية و اعتبره باطلا ( ف 8-618 قانون الالتزامات و العقود). و بناء عليه، لم يعد من حق المقاول الحصول من المستهلكين على أية مبالغ أو إلزامهم بأدائهم لأقساط معينة إلا بعد أن يقوم بإبرام عقد البيع الابتدائي معهم أمام موثق أو عدول أو مهني مؤهل. هذا الموقف الحازم و الجذري الذي وقفه المشرع المغربي كان يرجى منه وضع سد منيع أمام كافة أساليب الاحتيال و المكر الذي قد تصدر عن بعض البائعين إما بناء على وعود بالبيع أو عروض امتيازيه مغرية أو غير ذلك مما هو مألوف في السوق.

و لكي يكتمل الإطار الحمائي الذي جاء به هذا القانون، ألزم المشرع البائع بإنجاز ضمانة بنكية أو ضمانة أخرى مماثلة و عند الاقتضاء تأمينا، بغاية تمكين المشتري من استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تنفيذ العقد. ثم أضاف إلى هذه الضمانة المالية ضمانة إجرائية تتمثل في إمكانية وضع تقييد احتياطي على الرسم العقاري بناء على العقد الابتدائي، و يبقى هذا التقييد نافذا إلى غاية إنجاز البيع النهائي أو فسخ العقد.

على هذا النحو سعى المشرع إلى الابتعاد بأموال المستهلكين عن كل استغلال ممكن، فهل بعد هذا الحصن المنيع من خطر يخشى على المستهلك من تحايلات المقاولين سيئي النية؟

لو كان علينا أن نجيب بالاعتماد فقط على الدراسة الشاملة للمقتضيات القانونية لرددنا بالنفي القاطع. لكن مراقبة العمل القضائي في هذا الشأن تجعلنا نأسف لكون هذه الآلية الحمائية قد صارت عاجزة بشكل تام عن تحقيق الهدف من وضعها، و انقلبت على الطرف الضعيف في هذا النوع من العقود.

ففي الملف الذي كان معروضا على المحكمة الابتدائية بالجديدة تحت رقم 1/203/12، عرض المدعيان، و هما زوجان انجليزيان عجوزان، أنهما قد تعاقدا مع شركة عقارية كبيرة من أجل اقتناء فيلا فاخرة على الشاطئ بثمن إجمالي قدره 9.645.000 درهم، وأنهما قبل إبرام عقد البيع الابتدائي بواسطة موثق و نزولا عند رغبة الشركة وقعا معها على وعد بالبيع عرفي، و حولا لها قسطا أولا، ثم بعد العقد الابتدائي حولا لها قسطا ثانيا، بحيث تجاوزت قيمة الأداءات نصف المبلغ الإجمالي، غير أنها قد تأخرت عن تسليم الفيلا في التاريخ المتفق عليه، وذلك رغم الوعود والالتزامات التي قدمتها لهما، مما دفعها إلى تحقيق الضمانة البنكية التي لم تنجزها الشركة لفائدتهما إلا بعد إلحاحهما لاسترجاع أصل المبالغ التي دفعاها، والتمسا أمام المحكمة الحكم لهما بالفوائد القانونية عن تلك المبالغ مقابل النفع الذي استخلصته البائعة منها طيلة مدة احتفاظها بها، والتعويض عن التأخير في التنفيذ طبقا لشروط العقد، وأخيرا التعويض عن الضرر اللاحق بهما.

وبرغم وضوح الاحتيال في سلوك الشركة العقارية التي عمدت إلى إبرام وعد بالبيع عرفي بدل عقد بيع ابتدائي، ولم تحضر الضمانة البنكية إلا عندما ألح المشتريان، وطالبتهما بالأداء قبل العقد الابتدائي وتأخرت كثيرا في تنفيذ التزاماتها، فإن موقفها في الدعوى كان شديد الغرابة، إذ دافعت عن نفسها بكون الأداءات التي تمت لفائدتها بناء على طلبها أداءات باطلة لوقوعها قبل عقد البيع الابتدائي طبقا للفصل 8-618 من قانون الالتزامات والعقود، وأنه نظرا لكون الالتزام الباطل لا يخول إلا استرداد ما دفع بغير حق، فإن المدعيين لا يحق لهما الحصول على أي تعويض كيفما كان اتفاقيا أو قانونيا ماداما قد استرجعا أصل ما دفعاه.

وجاء حكم المحكمة بعد ذلك (تحت عدد 148 بتاريخ 22-04-2013) أشد غرابة، إذ استجاب لدفاع الشركة، واعتبر أن أداء الأقساط كان قبل عقد البيع الابتدائي، مما يجعله باطلا، وأن المدعيين لا يملكان الحق في التعويض عن التأخير وعن الضرر لأن الالتزام الباطل لا يخول سوى استرداد ما دفع.

وبغض النظر عن العيوب التي تعتري الحكم المذكور، نظرا لأنه أساسا قام بتجاهل عقد البيع الابتدائي المبرم فيما بعد ولم يرتب عليه أي أثر، فإن الشاهد لدينا هنا هو تلك البساطة بل السطحية التي عللت بها المحكمة حكمها عندما اكتفت بالقول بأن الأداءات التي تمت قبل عقد البيع الابتدائي باطلة. و أن هذا البطلان يجرد واقعة الأداء عن كل أثر بما في ذلك تلك الآثار التي رتبها القانون على استخلاص أموال غير مستحقة وجني منافع منها بناء على قواعد الإثراء بلا سبب الفصول 66 إلى 76 من قانون الالتزامات والعقود. وقبل التعليق على هذا الحكم لا بأس من الإشارة إلى حكم مشابه صدر مؤخرا عن المحكمة الابتدائية المدنية بالبيضاء.

ففي الملف عدد 3522-21-2012 عرضت الشركة العقارية المدعية أنها تعاقدت مع شخص بموجب وعد بالبيع حرر في عقد عرفي من أجل بيع عقار في طور الإنجاز، وأنه تأخر في دفع القسط الثاني من ثمن البيع، والتمست فسخ العقد والتعويض. فقدم المدعى عليه مقالا مضادا يوضح فيه أن باقي الثمن قد تم إيداعه بين يدي الموثق، وأن السبب في عدم إتمام البيع هو تغيير الشركة لمواصفات العقار التي تم الاتفاق عليها في الوعد، والتمس إتمام البيع وفق المواصفات الأصلية، واحتياطيا التمس الحكم له باسترجاع المبلغ الذي سبق أداؤه مع التعويض.

فما كان من المحكمة (حكم عدد 2366 بتاريخ 26-06-2013) إلا أن أثارت من تلقاء نفسها بطلان عقد الوعد بالبيع لعدم وقوعه على الشكل المفروض قانونا. وبناء على حكم الفصل 307 من قانون الالتزامات و العقود، رفضت الطلب الأصلي لعدم إمكانية فسخ عقد باطل أصلا، ورفضت الطلب المضاد لاستحالة تنفيذ عقد باطل، واعتبرت طلب استرجاع المبالغ المدفوعة سابقا لأوانه.

الحاصل من توجه المحاكم، الذي يجسده هذان الحكمان، أنه كلما تم إبرام عقد بيع ابتدائي لعقار في طور الإنجاز، فإن الآلية الحمائية التي عرضناها من قبل تصير غير ذات جدوى. بل، وهذا هو الأدهى، تصير تلك الأحكام درعا قويا يحول دون تحميل المقاول مسؤولية أفعاله وسوء نيته، وتؤمن له الحماية القانونية اللازمة لكي يستغل أموال الناس في تمويل أنشطته من دون أي تكلفة و لا جزاء.

وحتى لا نحيد عن واجب الإنصاف والموضوعية، علينا أن نقر أن المشكلة ليست في النظام القانوني الذي تضمنته النصوص، بل في المنطق الفاسد الذي يعتمد في عدد من الأحكام القضائية.

فإذا كان المشرع قد أبطل كل عقد أبرم من أجل تفويت عقار لا يزال في طور البناء إذا لم يتم وفق الشكل المفروض في عقد البيع الابتدائي، وأبطل علاوة على ذلك طلب الأداء أو قبوله إذا وقع قبل إبرام هذا الأخير وذلك حتى ولو تم تنفيذا لاتفاق أو وعد بالبيع لا يتوفر على شروط العقد الابتدائي، فإن واقعة الأداء نفسها تبقى مستقلة عن هذا الحكم.

ومن دون الدخول في نقاش قانوني دقيق قد لا يتسع له هذا المجال، فإن من الواضح أن الأداء الذي يقع في هذه الحالة يبقى خاضعا للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق، ويمكن أن يترتب عنه إلزام المقاول بتعويض الزبون في حدود ما عاد عليه من نفع جراء استغلاله للمبالغ التي تسلمها.

أما ما تتعلل به المحاكم التي تتبنى التوجه المشار إليه أعلاه، فلا وجه لاعتماده هنا، لأن البطلان الذي تقضي به المادة 8-618 المشار إليها إنما يلحق التصرف القانوني المتمثل في طلب الأداء أو قبوله عندما يصدر عن المقاول، وذلك حتى لا يكون له أي أثر ملزم لذمة المشتري.

أما إذا نحن قبلنا هذا التوجه القضائي، فإنه سيؤول بنا إلى نتائج غير مقبولة بتاتا: إذ يكفي أن يحتال المقاول ليدفع بالزبون إلى توقيع عقد عرفي ويشرع في استخلاص ما استطاع الحصول عليه من دفعات، ثم يكون بعد ذلك في حل من الالتزام بما تعهد به في العقد، سواء تأخر في إنجاز المشروع أو توقف عن إتمامه، أو لم ينجزه أصلا، أو غير خصائصه ومواصفاته، أو قسم المشروع إلى رسوم عقارية لأجزاء مختلفة الحدود عما ورد في العقد، بل وحتى إذا فرض على الموعود له زيادة في الثمن، في جميع هذه الأحوال، ومهما فعل هذا الأخير، فإن المحكمة سوف تكتفي بالتصريح ببطلان العقد و ببطلان الأداءات طبقا للفصلين 3-618 و 8-618 من قانون الالتزامات و العقود، ثم تعتمد الفصل 306 من نفس القانون لكي تحكم على المقاول فقط بإرجاع أصل المبالغ التي تحملها كأقساط. وتطهر كل المخالفات والأفعال الاحتيالية التي قام بها، وتمتعه بحماية لا يستحقها، وتعرض مصالح الطرف الضعيف للضياع والضرر لا رجعة فيه، وكل ذلك بعلة أن الالتزام الباطل لا يمكن أن ينتج أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق.

فأين العدالة في ذلك؟

لا يمكن أن نعيب على المشرع أنه رتب البطلان على عدم احترام شكل العقد الابتدائي أو أنه أبطل طلب وقبول الأداء إذا وقعا قبل هذا العقد. فهو لم يرد من ذلك إلا التأكد من تفعيل الضمانات التي قررها للمستهلك عبر تدخل مهنيين متخصصين ومسؤولين في عملية إبرام العقد، وكذلك تجنيب المستهلك الضغط والاستغلال الذين قد يتعرض لهما من الشركات العقارية.

وإذا كان هناك من عيب أو تقصير فإنما ينبغي أن ينسب لعدم كفاءة وسطحية مقررات قضائية عاجزة عن استيعاب البناء القانوني في شموليته وتكميل أجزائه بعضها ببعض على نحو يكفل تحقيق أهدافه، وذلك في وقت كثر فيه الحديث عن الأمن القانوني و القضائي و غيرها من العبارات الرنانة..

وفي انتظار تصويب العمل القضائي وتصحيح مساره في هذا المضمار، فإننا نلح على كل مقبل على اقتناء عقار في طور الإنجاز ألا يبرم أي عقد كيفما كان، حتى وإن صرح فيه المقاول بأنه لن يطلب تسديد أي قسط إلا بعد إتمام البناء أو بعد إبرام العقد النهائي، إلا إذا كان ذلك أمام موثق أو عدول أو مهني مؤهل طبقا للقانون.

فالعقود المبرمة خارج هذا الإطار تبقى باطلة ولا أثر لها ولا حجة لها، بل إن إبرامها قد يحرم المشتري من كافة الضمانات المقررة لمصلحته بشكل نهائي، كما عليه أن يحرص على أن يتم تحديد مواصفات العقار بشكل دقيق في العقد وأن يطلب من محرر العقد أن يضم إليه ملحقا يحتوي على دفتر تحملات المقاول وتصاميم المشروع.

ولا يتردد في الإلحاح على الطرف الآخر وعلى محرر العقد من أجل تضمين العقد بندين مهمين: يتمثل الأول في إلزام البائع صراحة بتمكينه من ضمانة بنكية أو رهن رسمي بقيمة كل أداء ينجزه لفائدته داخل أجل معين، ويتمثل الثاني في موافقة البائع على إجراء تقييد احتياطي على الرسم العقاري بناء على العقد الابتدائي.

كما نناشد القائمين بتحرير العقود الابتدائية لبيع العقارات في طور الانجاز لكي يتحققوا من قيام شروط إبرامها، ولكي يمتعوا المشتري بالضمانات القانونية المقررة لهم ومن بينها إرفاق العقد بدفتر التحملات والتصاميم المشروع، وتضمين شرط التقييد الاحتياطي، وأن يتحققوا على الخصوص مما إذا وقعت أية أداءات قبل تاريخ العقد لكي تدرج مبالغها صراحة في هذا الأخير على أنها تحتسب في أقساط البيع، وذلك لتجنب القصور الذي وصفناه أعلاه وتمتيع المشتري بالحماية المنشودة.

و بعد هذا و ذاك، نناشد القضاة الذين تعرض عليهم هذه الملفات أن يتأنوا و يلتزموا جانب الحكمة في تطبيق القانون، و أن يتنبهوا إلى أن بطلان العقود لا يحول دون تطبيق نظام الإثراء بلا سبب الذي ابتدعته عقول فقهاء القانون لكي يضمنوا إعادة التوازن و إحقاق العدل في المعاملات المالية حين يعجز نظام العقد و يقصر نظام المسؤولية. فهذه هي المهمة التي ينتظر منهم القيام بها، حتى يكونوا أهلا للثقة التي يضعها فيهم الشعب المغربي، و ملجأ للمظلومين و المستغلين، و سيفا صارما على كل من سولت له نفسه التلاعب بمصالح الضعفاء.

بقلم ذ محمد الباكير
أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية بالدار البيضاء

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.