موضوع الإنابة القضائية :

موضوع الإنابة القضائية في القانون الدولي الخاص هو الأجراء القضائي وسوف نتعرف على ماهية هذا الأجراء ومحتواه (محله).

الفرع الأول: ماهية الأجراء القضائي

تم تعريف الأجراء القضائي بتعاريف متعددة منها ما عرفه الأستاذ د. آدم وهيب النداوي (هو عمل يرتب عليه القانون أثراً أجرائياً، يكون جزء من الدعوى، سواء تعلق الأمر ببدائها أو المشاركة فيها تدخلاً أو أختصاصاً، أثناء نظرها أو التقدم بها بدعوى حادثة أثناء الدعوى الأصلية)(1) وذكر الأستاذ الدكتور أحمد السيد صأوي (الأجراء في مفهوم قانون المرافعات الورقة المثبتة له، إذ يندمج الأجراء بالورقة التي تحتويه، فلا مجال هنا، كما هو الحال في القانون المدني، للتفرقة بين الشكل والموضوع، أستغراق الورقة كشكل المضمون الذي تحتويه هو مظهر من مظاهر غلبة الشكل في قانون المرافعات)(2). والذي يهمنا، هو الأجراء الذي يتعلق في الدعوى بعد البدء بها كسماع شهادة شاهد في الخارج أو كشف خبرة أو من خلال المعاينة أو القواعد الإجرائية، وهي القواعد التي تبين الطريقة لتحقيق الحق أو المركز القانوني برسم طريقة رفع الدعوى لمختلف المراحل القضائية، حتى الفصل فيها(3). ومن ثم فإن الإجراء القضائي يجب أن يكون أيجابياً وأثناء النظر في الدعوى والذي من شأنه أن يرتب آثاراً قانونية في تلك الدعوى، سواء السير بها أو حسمها ومن ثم لا يمكن عد الأمتناع عن عمل معين أجراءً قضائياً(4). وهذا الأجراء القضائي هو جزء من الدعوى المنظورة أمام القاضي والتي تمكنه من الوصول إلى الحقيقة. ولكن يمكن أن يكون الأجراء القضائي قولياً وفعلياً(5) . فإبداء المدعى عليه دفوعه أجراء قضائي لكنه شفهي، وهذا النوع من الأجراءات القضائية، لا يمكنه أن ينطبق على الإنابة القضائية التي يستلزم قيامها تقديم طلب ومن ثم ليس شفهياً، وَيُعد كل أجراء من الأجراءات القضائية التي تكون الدعوى، عملاً قانونياً قائماً بذاته يتم ضبط شروطه وعناصره من قبل القانون وخصوصاً قوانين المرافعات والأجراءات المدنية أو التجارية وكذلك تبين تلك القوانين الجزاء المفروض على مخالفته، وهذا الأجراء القضائي – للإنابة القضائية – يقدر القاضي أهميته في الدعوى التي ينظرها ومدى تأثيره في هذه الدعوى والذي يجب كذلك أن يكون مؤثراً في الخصومة، ولا يمكن عده أجراءاً قضائياً، إلا بعد صدوره من قبل القاضي. ويلاحظ أن تحديد الطبيعة القانونية للأجراء القضائي يدخل ضمن سلطة القاضي طالب الإنابة القضائية. علماً أن القاضي المطروح أمامه النزاع لا يمكن أن ينفصل من الناحية الواقعية عن بيئته وعن النظام القانوني الذي ينتمي إليه ومن ثم فهو يخضع لا محالة عند تحديد الطبيعة القانونية لمسألة النزاع للأفكار السائدة في نظامه القانوني(6) ، وكيفية الأجراء تكون عند طلب السلطة الذي يجب أن يرسل من قبل قاضي لا يستطيع أطراف الدعوى إرساله بأنفسهم إلى السلطات المعنية أو إلى الممثلين الدبلوماسيين في الخارج وكل ذلك بناء على طلب أحد الأطراف المتداعين، ويثبت القاضي للسلطة المنابة أنه يجب عليه وضع ميزان بذلك الأجراء كذلك الوثائق القضائية الأخرى التي يعدها القاضي ضرورية إذ يرسل الطلب إلى السلطة ذات أختصاص في الدولة الأجنبية(7).

الفرع الثاني: محل (موضوع) الإنابة القضائية

لا يمكن بأي حال من الأحوال حصر محل الأجراء القضائي للإنابة القضائية في العلاقات الخاصة الدولية ولكن يمكن القول أن الأصل بشأن هذا المحل ينصرف إلى مسائل في القوانين المدنية والتجارية والأحوال الشخصية(8)، كأستماع لشهادة الشهود أو استلام الدفاتر التجارية أو أخذ صور منها أو تحليف اليمين لأحد الخصوم أو أستلام الكفالة أو المعاينة، أي كلما كان موضوع الدعوى خارج الأختصاص المكاني للمحكمة المطروح عليها النزاع وكان أنتقالها بذاتها إلى ذلك المحل يستدعي نفقات باهضة ويسبب أرهاقاً للمحكمة وللخصوم فيجوز لها أن تنيب محكمة ذلك النزاع بالإنتقال إلى المحل المتنازع فيه، وأجراء الكشف والمعاينة عليه(9). وقد أتفق الفقه على أن تجوز الإنابة القضائية في جميع المسائل المدنية، والتجارية والأحوال الشخصية – ما عدا الأختصاص الولائي كتسليم طفل مثلاً(10). إلاّ أن الفقه قد أختلف في جواز الإنابة القضائية في دعأوى القانون العام وخصوصاً المالية والإدارية أو الجنائية في حالة عدم وجود اتفاقية تجيز ذلك – فذهب أتجاه إلى عدم جواز الإنابة القضائية في الأمور المتعلقة بالقانون العام كونه يمثل السيادة للدولة فلا يمكن لأية دولة القبول بالتنازل عن سيادتها، وهذا هو الأثر الناتج عن أقليمية القوانين للقانون العام والذي يطبق فقط داخل أقليم الدولة، فلا يجوز والحال هذا أن يطبق أجراء قانوني للقوانين المالية مثلاً وهذا الأمر ينطبق على المسائل الأدارية والجنائية، فلا يوجد تنازع القوانين في هذه المسائل وتبقى تلك القوانين مطبقة داخل الدول التي أصدرتها فقط. ((ولذلك أن موضوع الإنابة القضائية ينصرف إلى مسائل القانون المدني أو التجاري. ويلاحظ أن الأتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع الإنابة القضائية كانت تهتم فقط بالمواد المدنية والتجارية، ومن ثم يخرج في هذا المجال، الإنابة في المواد الجنائية)(11). وقد عزز هذا الأتجاه فضلاً عن عد القانون العام يمثل سيادة الدول، كذلك أختلاف ما يمكن عده جريمة في قانون الدولة طالبة الإنابة والمطلوب منها تنفيذ تلك الإنابة فقد يكون الفعل في الدولة الأولى مجرّماً ولا يعد كذلك في الدولة الثانية وعلى الرغم من كل ما أورده أصحاب الأتجاه الأول من حجج فقد أتجه فريق من الفقهاء إلى أمكانية طلب الإنابة القضائية في المسائل المتعلقة بالقانون العام لأن أساس الإنابة القضائية هو التعايش المشترك بين النظم القانونية وهو ما يقتضي إعلاء فكرة التعاون الدولي على غيرها من الأفكار كفكرة السيادة الأقليمية ومفاد هذا الأساس الفلسفي للقانون الدولي الخاص المعاصر هو أن مقتضيات التعايش المشترك بين الدول تفرض على الدولة أن تعمل على ضمان سيادة العدالة في نطاق العلاقات الخاصة الدولية(12). وإن الفهم الخاطئ لمعنى الأقليمية ولسيادة الدولة على أقليمها هذا يؤدي إلى تحميل مصطلح الإقليمية ما يخرج به عن معناه ومحتواه لأن الأقليمية بهذا المفهوم لم تعرف إلا في العصر الإقطاعي البائد، أما اليوم فلا توجد دولة تعيش في عزلة عن غيرها، متقوقعة خارج حياة الجماعة الدولية فلكل دولة المساهمة في المعاملات والحياة القانونية الدولية. ومن هنا كانت ضرورة التخفيف من غلواء التلازم بين الأختصاص القضائي والأختصاص التشريعي. ثم أن هناك حالات لا يمكن القول فيها بوجود مركز قانوني معين إلا بالنظر إلى أحكام القانون العام والقانون الخاص على حد سواء، فلا يمكن منح الجنسية لدولة ما إلى شخص معين إلاّ بعد ثبوت البنوة الشرعية ووجود عقد الزواج الصحيح على الرغم من أن مسائل الجنسية من القانون العام والبنوة وعقد الزواج من مسائل القانون الخاص(13). كذلك عد عدم تحريم الفعل في الدولة المنابة في المسائل الجزائية كسبب لرفض تنفيذها، يؤخذ عليه أن هذا الرفض لا يمنع الأستمرار في نظر الدعوى المقامة في الدولة المنيبة، ولكنه سوف يساهم في عرقلة تحقيق العدالة من خلال عدم الكشف عن الحقيقة، وقد يؤدي ذلك إلى إدانة شخص بريء خلال تجريم الفعل في الدولة المنابة، يجب أن لا تترتب عليه رفض تنفيذ الإنابة القضائية بصورة تلقائية بل يجب تدقيق طلب الأنابة وفحصه ومن ثم أمكانية تنفيذه. أما سبب الرفض في المسائل المالية، فقد أنتقد على أساس أن قبول الأنابة القضائية في المسائل المالية متعلقة بمنع التهرب الضريبي، ذلك أن من مصلحة كل دولة أن تعمل على أحترام قوانينها الضريبية –وخصوصاً من خلال المقابلة بالمثل- لا أن تعرقل أجراءات التهرب الضريبي الواقع في الدول الأخرى.

___________________

1- د. آدم وهيب الندأوي، قانون المرافعات، بغداد، 1988، ص129

2- د. أحمد السيد صاوي، مصدر سبق ذكره، ص453

3- د. أحمد عبد الكريم سلامة، الأستعجال في المرافعات المدنية الدولية، القاهرة، 1988، ص341.

4- د. آدم وهيب، مصدر سبق ذكره، ص152.

5- د. أحمد مسلم، أصول المرافعات والتنظيم القضائي والأجراءات والأحكام في المواد المدنية والتجارية والشخصية، القاهرة، 1958، ص341.

6- د. فؤاد عبد المنعم و د. محمد خالد الترجمان، مصدر سبق ذكره، ص61.

-7Bernard Audit، Droit international prive، Paris، p. 123.

8- د. أحمد عبد الكريم سلامة، الدفوع الإجرائية …، مصدر سبق ذكره، ص45.

9- د. حسن المؤمن، نظرية الأثبات، القرائن وحجية الأحكام والكشف والمعاينة والخبرة، بيروت، مطبعة الفجر، 1977، ص262.

10- د. أدور عيد، مصدر سبق ذكره، ص13، وكذلك

.Geraldin Beliard، Eric Require and Wang Xiao-Yan، op، cit; p. 73.

11- د. أبو العلا علي أبو العلا النمر، مصدر سبق ذكره، ص61، وكذلك في نفس المعنى الأستاذ د. عكاشة محمد عبد العال، مصدر سبق ذكره، ص295.

12- د. هشام علي صادق، تنازع الأختصاص القضائي الدولي، الإسكندرية، دار المطبوعات الجامعية، 2002ص234 وكذلك د. أحمد عبد الكريم سلامة إذ ذكر (ويلاحظ أن موضوع الإنابة القضائية يقتصر على الأعمال القضائية التي تتعلق بأجراءات التحقيق والأثبات في الخصومات المدنية والجزائية، نذكر منها، أستجواب أحد الخصوم، سماع شهادة أحد الشهود وتوجيه اليمين، فحص الوثائق التي لا يمكن نقلها كدفاتر التجار والمستندات الأخرى)، و د. أحمد عبد الكريم سلامة، أتفاقية الرياض …، مصدر سبق ذكره، ص61.

13- د. أحمد عبد الكريم سلامة، القانون الجنائي الأجنبي أمام القاضي الوطني دراسة في ضوء القانون الدولي الخاص وقانون العقوبات الدولي، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 44 لسنة 1988 ص183.

موضوع الإنابة القضائية بموجب الأتفاقيات الدولية :

أختلفت الأتفاقيات الدولية التي نظمت أحكام الإنابة القضائية في تحديد مواضيع الإنابة القضائية وذلك من إتفاقية لأخرى، فذهبت بعض الأتفاقيات الدولية الى حصر نطاق الإنابة القضائية في المجال المدني أو التجاري، سيما تلك الأتفاقيات الدولية متعددة الاطراف التي نظمت أحكام الإنابة القضائية في بداية التنظيم الدولي لها مثل إتفاقية لاهاي 1905 والخاصة بقواعد المرافعات الدولية والتي نظمت أحكام الإنابة القضائية في المواد 8-16 منها التي أجازت تنفيذ الإنابة القضائية في المسائل المدينة والتجارية فقط. أتجهت بعض الأتفاقيات الدولية الى النص على زيادة نطاق الإنابة القضائية إذ تشمل مسائل في القانون العام ولا سيما في القانون الأداري ولكن يلاحظ أيضاً إن الإنابة القضائية التي تعقدها الدول والتي تكون في مجال القانون الجنائي أنما تعقد ضمن إتفاقية أسترداد المجرمين ومن ثم فهي تخرج عن نطاق القانون الدولي الخاص وتدخل ضمن مجال قانون العقوبات الدولي(1). أما المسائل التي تنأولتها الإتفاقية العربية لعام 1953 فقد تم النص عليها في الإتفاقية على أن: (كل من الدول المرتبطة بهذه الإتفاقية إن تطلب الى أية دولة منها إن تباشر في أرضها نيابة عنها، أي جراء قضائي يتعلق بدعوى قيد النظر وذلك على وفق لأحكام المادتين التاليتين)(2). يتضح مما تقدم إن الإنابة القضائية تكون جائزة على وفق لهذه الإتفاقية بخصوص أي أجراء يتعلق بالتحقيق أو الحصول على أدلة بشأن دعوى مقامة أمام المحكمة المنيبة وأي أجراء قضائي آخر يتعلق بسير في دعوى ما، من ثم يمكن إن تكون موضوع الإنابة القضائية أستجواب أحد الخصوم أو الأستماع الى شهادة شاهد مقيماً في الدولة المنابة أو تحليف شخص اليمين أو معاينة على محل النزاع مثلاً. وكل ما في الأمر يكون الأجراءات متعلقة بدعوى تنظر من قبل المحكمة في الدولة المنيبة، أما المسائل التي تخرج عن نطاق الدعوى فلا يجوز الإنابة فيها(3). مثل المسائل المتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية، وذلك التوسع وعدم تحديد المسائل التي يمكن إن تكون ضمن نطاق الإنابة القضائية في هذه الإتفاقية يساعد في الوصول الى تحقيق تعأون أوسع في مجال التعاون القضائي والقانوني بين الدول، هذا ما تجيزه هذه الأتفاقيات لتنفيذ الإنابة القضائية بخصوصها، على الرغم من خروج القانون الجنائي عن نطاق القانون الدولي الخاص إلا إن نطاق (القانون الجنائي) لم يخرج –في حدود الإنابة القضائية- عن نطاق تلك الأتفاقيات ويجوز للطرف المتعاقد الآخر رفض تنفيذ طلب الإنابة القضائية في المسائل الجنائية إذا كان هذا الطلب يتعارض مع الشروط المنصوص عليها في تلك الإتفاقية شأنها في ذلك شأن أي موضوع آخر يطلب تنفيذ الإنابة القضائية بخصومه. وبالأخص لا يوجد ما يقيد هذا النص المطلق الذي أتفقت عليه الدول المتعاقدة ولا يمكن الأفتراض بان الدول لم تقصد عدم شمول مسائل معينة -بخصوص الإنابة القضائية- من هذه الإتفاقية، مع علمنا بالمراحل الكثيرة والمدة الزمنية الطويلة التي تتاح للدول قبل التصديق على المعاهدة ومن ثم تكون ملزمة لها وحسب النصوص التي أتفقت عليها(4). وعدم تحديد نطاق الإنابة القضائية هذا نجده في كثير من الأتفاقيات الدولية الثنائية منها والمتعددة الأطراف من ذلك ما نصت عليه إتفاقية التعاون القانوني والقضائي لدول أتحاد المغرب العربي لعام 1991(لكل طرف متعاقد إن يطلب الى أي طرف متعاقد آخر إن يقوم في بلده نيابة عنه بأي أجراء قضائي متعلق بدعوى قائمة …)(5)، فأجازت هذه الإتفاقية –شأنها في ذلك الإتفاقية لعام 1953- أن يكون موضوع الإنابة القضائية أي أجراء قضائي متعلق بدعوى منظورة من قبل المحكمة في الدول المنيبة. ومن الأتفاقيات الثنائية التي سارت في الأتجاه نفسه الإتفاقية الأماراتية – التونسية للتعاون القانوني والقضائي لعام 1975 إذ نصت على إن (لكل من الدولتين المتعاقدتين إن تطلب من الأخرى إن تباشر في أراضيها نيابة عنها أي أجراء قضائي متعلق بدعوى قيد النظر وذلك على وفق أحكام هذا الفصل)(6).

كذلك الإتفاقية السورية – التونسية للتعأون القضائي والقانوني لعام 1980 التي نصت (لكل من الدولتين المتعاقدتين إن تطلب الى الدولة الأخرى إن تباشر في أرضها نيابة عنها أي أجراء قضائي متعلق بدعوى قيد النظر وذلك على وفق أحكام هذا الفصل)(7). أما بالنسبة للعراق فقد عقد عدة أتفاقيات دولية أو ثنائية ومتعددة الأطراف أتجهت الى التوسع في مجال الإنابة القضائية وعدم تحديد مسائل معينة، في نصوص تلك الأتفاقيات(8). ومن الأتفاقيات الثنائية الإتفاقية العراقية –الجمهورية العربية المتحدة لعام 1964 إذ نصت على أنه: (يجوز للسلطات القضائية في أحدى الدولتين المتعاقدتين إن تطلب على وفق الأحكام بتشريعها الى السلطة المختصة في الدولة الأخرى من خلال الإنابة (الإستنابة) القضائية إن تباشر في دائرتها أختصاصها القيام بأجراء من أجراءات التحقيق أو من الأجراءات القضائية الأخرى ويكون تبادل توجيه طلبات الإنابة (الإستنابة) القضائية من خلال المكتب يمكن الأشارة اليه في المادة 9)(9). وكذلك إتفاقية التعاون القانوني والقضائي من دول مجلس التعاون العربي 1989 التي نصت على أن: (يتعهد كل طرف من الأطراف المتعاقدة بأن يقوم نيابة عن الطرف الآخر بأي إجراء قضائي متعلق بدعوى قائمة وبصفة خاصة سماع شهادة الشهود وتلقي تقارير الخبراء ومناقشتهم، وإجراء المعاينة (الكشف). وطلب تحليف اليمين)(10). فبموجب هذه الإتفاقية شملت أن يطلب الطرف المتعاقد من الطرف المتعاقد الآخر الإنابة القضائية بأي إجراء قضائي يتعلق بدعوى وأن تعدد بعض الأدلة لم يأتِ على سبيل الحصر وإنما جاء على سبيل المثال ومن ثم يمكن لأي طرف متعاقد إن يطلب من الطرف المتعاقد الآخر الحصول على أوراق أو مستندات متعلقة بدعوى من قبل الطرف المتعاقد الأول(11). وقد إتجهت بعض الإتفاقيات الى تحديد مسائل الإنابة القضائية التي يمكن للأطراف المتعاقدة إن تطلبها فيما بينها، مع إختلاف هذه الإتفاقيات فيما بينها في زيادة تلك المسائل أو تقليلها، وهذا نجده في الإتفاقيات الدولية متعددة الأطراف، وذلك لاحتفاظ بعض الدول المتعاقدة على أكبر قدر ممكن في مجال التعاون القانوني والقضائي الدولي لسيادتها في قبول طلبات الإنابة القضائية وذلك لأختلاف النظم القانونية بين الدول، وهذا ما نجده في إتفاقية لاهاي لعام 1905 والعام 1954 وكذلك إتفاقية الحصول على الأدلة في الخارج لعام 1970 في المسائل المدنية والتجارية(12). والتي تنظم أحكام الإنابة القضائية في المسائل المدنية والتجارية في الخارج. وكذلك هناك إتفاقيات ثنائية حددت مواضيع الإنابة القضائية في تلك الإتفاقية من هذه الإتفاقية الفرنسية التونسية لعام 1972 التي نصت على أن: (الإنابات العربية في المواد المدنية والتجارية التي يجب تنفيذها بين كل من الطرفين الساميين المتعاقدين تسلم وتنفذ بوساطة السلطات القضائية وتقع إحالتها وإرجاعها بالطريق الدبلوماسي)(13)، فقد حددت هذه الإتفاقية فقرتي المواد التجارية والمدنية ولم توسع إمكانية طلب الإنابة القضائية الإدارية من الإتفاقيات التي وقعها العراق وقد حددت مواضيع الإنابة القضائية فيها الإتفاقية العراقية – البريطانية لعام 1935 بقولها: (يجوز للسلطة الدولية في المملكة المصدرة بموجب أحكام قانون المملكة العائدة اليها إن تقدم كتاب طلب الى السلطة المختصة في المملكة المنفذة تطلب منها فيه استماع البينة)(14). فقد حددت هذة الإتفاقية في موضوع استماع البينة لأمكانية تقديم طلب الإنابة القضائية بشأنه ولكنها عرفت استماع البينة على النحو الآتي: (تشمل سماع افادات المدعي والمدعى عليه والخبير أو أي شخص أخر حلف اليمين أولم يحلف وتحليف المدعي أو المدعي عليه أو الخبير أو الشخص الأخر في الأمور القضائية وأبراز الوثائق أوالأشياء الأخرى وتشخيصها وتدقيقها)(15)، ويلاحظ بهذا الشأن إن أستماع البينة قد تجأوز بهذا التعريف السماع لشهادة شاهد أو ادعى احد الخصوم بل شمل كذلك الأدلة كتابية، مثل الحصول على وثائق أو تدقيقها لدى الطرف المتعاقد الأخر(16)، ويلاحظ بأن هذا التوسيع في التعريف لأستماع البينة لم يرد فيه تخصيص في مواد القانون الخاص أو العام وأنما جاء مطلقاً في هذه المادة ولكن يبقى أستماع البينة فقط مقتصراً على المواد التجارية والمدنية، ذلك لأن هذه الإتفاقية خاصة بالمواد المدنية والتجارية وهذا ما نصت عليه الفقرة /أ من المادة الأولى منها (تسري هذه الإتفاقية على القضايا الحقوقية والتجارية فقط وفي ضمنها القضايا غير المتنازع عليها إلا عندما يبين خلاف ذلك صراحة). ومن الإتفاقيات متعددة الأطراف التي صادق عليها العراق، وقد حددت مواضيع الإنابة القضائية إتفاقية الرياض العربية لعام 1983، فأن موضوع الإنابة القضائية فيها حددته المادة(15/أ) منها والتي نصت على ما يأتي: 1- ترسل طلبات الإنابة القضائية في القضايا المدنية والتجارية والأدارية وقضايا الأحوال الشخصية … 2- ترسل طلبات الإنابة القضائية في القضايا الجزائية). لقد أجازت الإتفاقية أعلاه إجراء الإنابة في مواضيع القانون العام الى جانب مواضيع القانون الخاص بذكر القضايا الأدارية وهي قضايا يتضمنها عادةً قسم القانون العام داخل الدولة، وكذلك القضايا الجزائية التي تتعلق بقانون العقوبات وهو من القوانين العامة، ويلاحظ إن موضوع الإنابة يقتصر على المسائل القضائية التي تتعلق بأجراءات التحقيق والأثبات في الدعأوى المذكورة في المادة( 15) أعلاه بأستجواب أحد الخصوم أو سماع شهادة شاهد أو توجيه اليمين وفي هذا الخصوص يذهب الأستاذ الدكتور أحمد عبد الكريم سلامة إلى أنه: إذا كان موضوع الإنابة يشمل أي من القضايا السابقة إلا أنه لا يمتد ليشمل الأعمال التنفيذية أو التحفظية، فهذه لايمكن القيام بناء على أمر سلطة أجنبية، فلا يجوز الإنابة القضائية في توقيع الحجز على الأموال أو وضع الأختام عليها أو في تسلم طفل إلى من تجب له حضانته، وكل ما يتعلق بأجراءات القسر والأكراه. هذا ما لم يتعلق الأمر بتنفيذ حكم معين على وفق نظام الأمر بتنفيذ الأحكام الأجنبية(17).

______________________

1- د. عبد الكريم أحمد سلامة، القانون الجنائي الأجنبي …، مصدر سبق ذكره، ص158

2-المادة (6) من إتفاقية 1952.

3- مازن الحلبي، مصدر سبق ذكره، ص10.

4- د. أحمد أبو الوفا، مصدر سبق ذكره، ص373.

5- المادة (19) من الإتفاقية.

6- المادة (13) من الإتفاقية.

7- المادة (54) من الإتفاقية.

8- أنضم العراق الى ثلاث أتفاقيات دولية متعددة الأطراف فقط للتعاون القضائي والقانوني والأتفاقيات هي (الإتفاقية المعقودة في الجامعة العربية لعام 1952 وإتفاقية الرياض لعام 1983 وإتفاقية مجلس التعاون العربي لعام 1989

9- المادة (14) من الإتفاقية.

10- المادة (17) من الإتفاقية.

11- يشمل مجلس التعاون العربي كل من الدول (العراق واليمن ومصر والأردن)، ووقعت إتفاقية التعاون القانوني والقضائي في الإسكندرية 1989. أنظر د. هشام علي صادق، مصدر سبق ذكره، ص 232.

-12 Bernard Audit، op.، Cit.، P. 3

13-المادة (10/1) من الإتفاقية.

14- الفقرة (ت) من المادة (8) من الإتفاقية.

15- المادة 6/1 من الإتفاقية.

16- د. أدم وهيب الندأوي، شرح قانون الأثبات—، مصدر سبق ذكره ،ص14.

17- أحمد عبد الكريم سلامة. إتفاقية الرياض…، مصدر سبق ذكره،ص77.

المؤلف : عبد المطلب حسين عباس الموسوي
الكتاب أو المصدر : الانابة القضائية في القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص98-102

اعادة نشر بواسطة محاماة نت