فى الآونة الأخيرة تزايد الخداع والغش فى مجال المواد والمنتجات الغذائية والطبية بصفة عامة، كما ظهرت مجالات للغش والخداع جديدة لم يواجهها المشرع فى القانون رقم 48 لسنة 41 ،تضر بصحة وأبدان المستهلكين وذمتهم المالية ، وكل ذلك دعا المشرع إلى مواجهة الظواهر الإجرامية فى مجالات الغش والخداع المستحدثة ، وإضافة جرائم جديدة لم تكن مجرمة فى ذلك القانون، وذلك بإصداره للقانون رقم 281 لسنة 94 الذى جرم من خلاله جلب المواد الفاسدة أو المغشوشة داخل البلاد ، كما مد نطاق التجريم إلى أمور لم تكن مجرمة فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، كما وسع من دائرة حماية المستهلك بإضافة أوصاف ومنتجات جديدة حماية للمستهلك من الخداع والغش .

ومما يحسب للمشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش الجديد رقم 281 لسنة 94، إلغاؤه لقرينة افتراض العلم والتى كان منصوصاً عليها فى م2/1 من القانون القديم رقم 48 لسنة 41 ، والمضافة بالقانون رقم 522 لسنة 1955، وذلك ترديداً وتمشياً مع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/2/92 بإلغاء قرينة افتراض العلم بالواقع لمجافاتها ومخالفتها لمبدأ راسخ من مبادئ الدستور المصرى “قرينة البراءة” ، والتى فحواها “أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه” م67 من الدستور المصرى، فيجب أن تثبت المحكمة وتتيقن بعلم الجانى مرتكب هذه الجرائم بغش الأغذية والمواد التى يتعامل فيها، وذلك بصورة يقينية وحقيقية قبل أن تقيم الدليل على جرمه، وذلك من واقع الأدلة المطروحة على بساط بحثها .

ولقد استحدث المشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 عقوبات لم يكن منصوصاً عليها فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، أفرزها الواقع العملى وكان لابد من مواجهتها، كعقوبة غلق المنشأة المخالفة فى نطاق جرائم الغش والتدليس كأثر من آثار إقراره للمسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية، وذلك بإيقاف نشاط المنشأة المخالفة لفترة معينة وهى عقوبة تكميلية، وقد استحدث المشرع عقوبات جوازية وليست وجوبية للمحكمة أن تقضى بها أو لاً ولا توجد إلا بحكم قضائى، وأن قوانين التأمينات يمكن أن تكفل للعاملين بالمنشأة التى تم غلقها كافة الحقوق التأمينية اللازمة وتعويضهم التعويض الملائم ، كما أضاف المشرع فى القانون المعدل عقوبة إلغاء ترخيص المنشأة فى حالة العود، أو وقف النشاط لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بإلغاء الترخيص بمزاولة النشاط، وقد جعل المشرع عقوبة إيقاف النشاط لمدة لا تتجاوز خمس سنوات جوازية للقاضى ، فإذا رأى أن إيقاف النشاط لهذه المدة غير كاف فله أن يحكم بعقوبة إلغاء الترخيص بمعنى ألا يكون من حق المنشأة مزاولة نشاطها بشكل نهائى .

ومن النتائج المهمة التى توصلنا لها فى هذه الدراسة أن تشديد العقاب فى جرائم التدليس والغش وحده لا يكفى لتحقيق الردع العام والخاص، وتقليل ارتكاب هذه الجرائم، فيجب أيضاً تأكيد تطبيق وتنفيذ العقوبات الواردة فى قانون قمع التدليس والغش وقوانين غش الأغذية الأخرى، وملاحقة مرتكبى هذه الجرائم لتطبيق العقوبات عليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن تتضافر كافة الأجهزة المعنية فى الدولة فى السهر على حماية المستهلك، فليس بالعقوبات وحدها، أو بالأحرى بتشديد العقوبات بشتى أنواعها – تضفى حماية كاملة للمستهلك من الغش والخداع، بل يجب تضافر كل الأجهزة الحكومية وغير الحكومية فى الدولة لتحقيق حماية المستهلك، فضلاً عن ضمان تأكيد وتنفيذ العقوبات الواردة فى قوانين غش الأغذية وملاحقة مرتكبى هذه الجرائم وإصابتهم فى أنفسهم وأموالهم، وذلك هو أكبر ضمان يحقق الغاية المرجوة فى هذه القوانين وهى حماية المستهلك من الغش .

ويعد قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 بما ورد فيه من أحكام إجرائية، بمثابة الشريعة العامة لكافة قوانين غش الأغذية الأخرى واجبة التطبيق عند تعارضه مع الأحكام العامة الواردة فى قانون الإجراءات الجنائية، تطبيقاً لمبدأ (القانون الخاص يقيد العام). إلا أن ذلك يحتاج للتغليظ فى عقوباته بالوقت الحالى وان تكون التشريعات اكثر قسوة وشده وردعا .

بقلم المستشار أحمد عاشور

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .