أحاطت النصوص تقديم طلب طرح الثقة والقرار الناتج عنه بمجموعة ضوابط يلزم عرض مجملها، قبل بيان أثر طرح الثقة، وهي على النحو الآتي:

أولا: ضوابط تقديم طلب طرح الثقة والقرار الصادر فيه : 

لا يقدم طلب طرح الثقة دون أن يسبقه استجواب موجه إلى من قدم طلب سحب الثقة منه، ومفاد ذلك أن الوزير المستجوب لم يفلح في تفنيد الاتهام الذي تضمنه الاستجواب(1) وينبغي تقديم طلب طرح الثقة من عشر أعضاء من المجلس(2). ولا شك في أن هذا النصاب مغالى فيه، ولم تكتف اللائحة بهذا القيد، وإنما أثقلته بضرورة وجود مقدمي طلب طرح الثقة بالجلسة، واعتبار تغيب أحدهم تنازلا منه عن الطلب(3). ولا تخفى سمة التشدد الذي يتسم بها النص، فالعضو وقع على طلب طرح الثقة وأكد بذلك تأييده له، ومجرد الغياب ليس قرينة قاطعة على تعديل موقفه وكان الأحرى ربط التنازل بإجراء مكتوب كما في الطلب الأصلي. وألزم نص المادة ( 241 /1) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب عرض طلب طرح الثقة على المجلس فور تقديمه، وعقب التأكد من وجود النصاب المقرر، ويؤذن بالكلام لاثنين من مقدمي الاقتراح، ثم تجري المناقشة في الطلب. وقضت المادة ( 241 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب في عجزها بجواز تأجيل المجلس مناقشة الطلب إلى موعد يحدده، وتنتهي المناقشة بإصدار قرار برفض طلب طرح الثقة أو الموافقة عليه. وفي الحالتين لا يجوز إصدار المجلس لقراره في طلب طرح الثقة قبل ثلاثة أيام على الأقل من تاريخ انتهاء المناقشة(4). وهذا القيد يثير ملحوظة من شقين:

(أ) ربما يقال أن المدة المشار إليها مقررة لتفادي إصدار قرار متعجل، إلا أن هذا التحليل غير مقنع، لأن المجلس بإمكانه تأجيل المناقشة بلا قيود، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تلك المدة تفتح الباب للضغط على مؤيدي الاستجواب من أجل تغيير موقفهم منه(5)

(ب) قضت اللائحة(6) بعدم جواز إصدار المجلس لقراره قبل ثلاثة أيام من تاريخ أنتهاء المناقشة ولكنها كعادتها لم تحدد الوقت الذي لا ينبغي تجاوزه، وبالتالي تحديد المجلس موقفه من طلب طرح الثقة بالرفض أو القبول(7). ويطلب الدستور المصري أغلبية خاصة لسحب الثقة من الوزير أو مجلس الوزراء على أن يكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء(8).

ثانيًا: أثر قرار سحب الثقة :

وفقا للمادة ( 128/1) من الدستور المصري يتوجب على الوزير المسحوب الثقة منه اعتزال منصبه، ومعنى ذلك انتهاء ولايته من تاريخ قرار المجلس بسحب الثقة. ولا توجد حاجة إلى تقديم الوزير لاستقالته، وتؤكد المقارنة بين فقرتي المادة ( 128 ) من الدستور هذا الاستخلاص، فالفقرة الأولى تنص على أنه إذا سحبت الثقة من الوزير ” وجب عليه اعتزال منصبه “، أما الفقرة الثانية والخاصة بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء فتقضي بتقديم ” رئيس مجلس الوزراء استقالته إلى رئيس الجمهورية إذا تقررت مسؤوليته أمام مجلس الشعب “(9) فالنص يتطلب الاستقالة في الحالة الثانية دون الأولى، فالأمر في الفرض الأول أشبه بصدور حكم قضائي يستوجب فصله من عمله، حيث تقوم الجهات المعنية بإعمال الحكم وتطبيق أثره بإتخاذ إجراءات إنهاء الخدمة(10) فالراجح أنه حال سحب البرلمان الثقة من الوزير، تنتهي خدمته بقوة القانون، وإذا صدر قرار بذلك فهو ليس أكثر من إجراء تنفيذي لقرار البرلمان سحب الثقة(11) وعلى الرغم من وضوح المسألة يلمح البعض إلى أن الوزير الذي سحب البرلمان الثقة منه عليه التقدم إلى رئيس الجمهورية باستقالته وعلى الأخير قبولها، ويرى البعض أن الوزير الذي سحبت الثقة منه عليه الاستمرار في أداء عمله وتصريف العاجل من شئون منصبه حتى يتم تعيين خلف له(12) ويبدو أن هذا الرأي قاس في هذه الحالة، على فرض استقالة الحكومة بكاملها، فالقاعدة المعمول بها هي بقاء الحكومة في مكانها برغم قبول استقالتها لتصريف العاجل من الأمور ، وهذا القياس مع الفارق، فعند استقالة الحكومة لا يوجد من يسند إليه عملها لحين تشكيل تلك التي تخلفها، وهكذا نوجد أمام ضرورة تفرض علينا خلافا لقواعد الاختصاص الزمني والسماح باستمرار الحكومة المستقيلة لتصريف ما اكتسى بطابع الاستعجال من الأمور، وهذه الضرورة لا محل لها إطلاقا في فرض سحب الثقة من وزير، فمن الميسور إسناد تصريف العاجل من شئون الوزارة التي كانت مسندة له لوزير أخر، أو حتى لرئيس الوزراء نفسه( 13). هذا عن سحب الثقة من نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء.

أما عن سحب الثقة من رئيس الوزراء والمكلف دستوريًا بمسؤولية رئيس الوزراء (14) وإن كان يخضع لذات الإجراءات المعروضة آنفا(15). إلا أنه يختلف عنه من حيث أثر القرار فلا يترتب على هذا القرار كما هو منطقي ومتبع في الدساتير المصرية السابقة استقالة الوزار ة(16) ففي حالة إعلان مجلس الشعب مسؤولية الحكومة، يتعين على مكتب المجلس إعداد تقرير “يتضمن عناصر الموضوع وما انتهى إليه المجلس من رأي في هذا الشأن، والأسباب التي استند إليها في ذلك ويعرض الرئيس التقرير على المجلس”( 17). وبعد موافقة المجلس على التقرير يرفع لرئيس الجمهورية( 18). ولرئيس الجمهورية في هذا الفرض أن يسلك إما قبول استقالة الوزارة(19) أو إعادة التقرير الخاص بمسؤولية الوزارة إلى مجلس الشعب خلال عشرة أيام( 20). ويترتب على تلك الإعادة عرض الأمر على مكتب المجلس في جلسة طارئة(21). ويعرض مكتب المجلس ما ينتهي إليه بشأن التقرير المذكور وأسباب إعادته للمجلس على اللجنة العامة(22) وتعد اللجنة العامة تقريرًا للمجلس تبين فيه رأيها في الموضوع وفقًا لما تقرره بأغلبية أعضائها ويعرض هذا التقرير على المجلس خلال عشرة أيام من تاريخ رد رئيس الجمهورية التقرير الخاص بمسؤولية رئيس مجلس الوزراء إلى المجلس(23) فإذا تراجع المجلس عن تقرير مسؤولية الحكومة، انتهى الموضوع عند هذا الحد، وزال أثر قرار سحب الثقة السابق إصداره، أما إذا عاد المجلس إلى تأكيد مسؤولية الوزار ة، فمرة أخرى لرئيس الجمهورية الخيار بين قبول استقالة الوزارة، وعرض النزاع بين المجلس والحكومة إلى الاستفتاء الشعبي، وتقف جلسات المجلس في حالة الانحياز لطريق الاستفتاء (24) وبهذه الخطوة يتعلق حل المشكلة بنتيجة التصويت، فإذا أيد الاستفتاء الحكومة عُدَّ المجلس منحلا(25). وإذا ساند الشعب المجلس قبل رئيس الجمهورية استقالة الوزارة(26) فمع التأكيد للمرة الثانية على مسؤولية الوزارة يستطيع رئيس الجمهورية إحالة النزاع إلى الاستفتاء الشعبي، والذي قد ينتهي إلى حل مجلس الشعب الذي قرر مسؤولية الوزارة، وهذا التنظيم يكشف عن أن عدم تناسق الدستور لا يكون بين نص وآخر، وإنما أحيانا يكمن في ذات النص، فالمادة 127 من الدستور المصري تتناول بصريح كلماتها ” مسؤولية الوزارة “، ولكن التفاصيل التي صاغتها لذلك تجعلنا، وكما يصف البعض بحق، أمام مجرد “طلب ” لتقرير مسؤولية السلطة التنفيذية(27) والجدير بالذكر أنه في مصر منذ قيام ثورة عام 1952 لم يحدث ولو لمرة واحدة أن تم سحب الثقة من وزير أو وزارة بسبب استجواب معين، ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن استقال وزير أو استقالت حكومة نتيجة استجواب معين، رغم جدية بعض الاستجوابات التي قدمت من بعض أعضاء البرلمان وخطورتها، وقد يكون المثال الواضح لذلك، الاستجواب الذي وجهه أحد أعضاء مجلس الشعب، وهو النائب المعارض البدري فرغلي لوزير الاقتصاد وهو الدكتور يوسف بطرس غالي في شهر مارس عام 2000 ، حول موضوع وسائل حماية المنتجات المحلية من الإغراق السلعي، وبرغم قوة الاستجواب الذي كان مدعمًا بالأسانيد والمستندات والأرقام والوثائق، ورغم أن الاستجواب قد حاز على إعجاب الجميع وثنائهم من معارضة وأغلبية إلا أن مصير الاستجواب كان مثل جميع استجوابات عهد ما بعد الثورة، وهو تقديم الشكر للوزير و الانتقال إلى جدول الأعمال(28).

_______________

1- المادة ( 126/2 ) من الدستور المصري.

2- المادة ( 240 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

3- المادة ( 241 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

4- المادة ( 126 /3 ) من الدستور المصري، المادة ( 242 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري

5- ساري، جورجي شفيق ساري: أصول و أحكام القانون الدستوري. ط 4. القاهرة: دار النهضة العربية . 2002 ص 1015 .

6- ينص الدستور المصري على عدم جواز إصدار المجلس لقراره في طلب سحب الثقة قبل ثلاثة أيام على الأقل من تقديمه (المادة 126 /3)، أما اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري فجعلت المدة المشار إليها ثلاثة أيام من تاريخ انتهاء المناقشة، ويتضح الفارق بين النصين إذا لم يناقش الطلب في ذات جلسة تقديمه وإنما في جلسة تالية، أو تأجلت المناقشة للموعد الذي يحدده المجلس.

7- رجب، سيد: المسؤولية الوزارية في النظم السياسية المعاصرة. القاهرة: دون ذكر الناشر. 1986 . ص 563 .

8- المادة ( 126 ) من الدستور المصري

9- الشرقاوي، سعاد، ناصف، عبد الله: القانون الدستوري والنظام السياسي المصري. القاهر ة: دار النهضة العربية . 1994 . ص 687.

10- الطماوي، سليمان: السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة. القاهرة: دار الفكر العربي. ص 522 .

11- الجمل، يحي: القانون الدستوري. القاهرة: دون ذكر الناشر. 1985 . ص 287 .

12- الشاعر، رمزي: النظام الدستوري المصري. القاهرة: دار النهضة العربية. 1998 . ص 528.

13- الشاعر، رمزي: النظام الدستوري المصري. مرجع سبق ذكره. ص 259

14- قدر البعض أن عدم أطلاق تعبير سحب الثقة على قرار مجلس الشعب في هذا الصدد مردة إلى أن ” المشرع الدستوري لم يرتب على قرار المجلس في شأن رئيس مجلس الوزراء استقالته الحتمية كما هو الشأن بالنسبة لباقي أعضاء الحكومة، وإنما ترك لرئيس الجمهورية سلطة تقديرية في هذا الخصوص “، الطماوي، سيلمان: النظم السياسية والقانون . الدستوري. القاهرة: دار الفكر العربي. 1988 . ص 600 والحقيقة لا يوجد فارق جوهريًا بين الاصطلاحيين فسحب الثقة من الوزير تفيد وقوعه في مزالق سياسية، وربما قانونية أيضًا، ولم يعد يصلح معها للاستمرار في منصبة الوزاري ولا يختلف الوضع بالنسبة لقيام المسؤولية، والتي تعني وجود ما يوجب المؤاخذة. صبري، السيد: حكومة الوزارة. القاهرة: المطبعة العالمية. 1952 ،ص 15

15- طبقا للفقرتين الأولى والثانية من المادة 127 من الدستور المصري ” لمجلس الشعب أن يقر بناء على طلب عُشر أعضائه مسؤولية رئيس مجلس الوزراء، ويصدر القرار بأغلبية الأعضاء ” أما الفقرة الثانية ” ولا يجوز أن يصدر هذا القرار إلا بعد استجواب موجه إلى الحكومة وبعد مرور ثلاثة أيام على الأقل من تقديم الطلب “

16- نصت المادة ( 65 ) من دستور سنة 1923 على أنه ” إذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزارة وجب عليها أن تستقيل….. “. وذات الحكم نقابله في المادة التي حملت ذات الرقم في دستور سنة 1930 أما دستور سنة 1956 ، وقد أختار النظام الرئاسي، فقد انتفى أي مجال للحديث عن المسؤولية الوزارية وعادت الفكري مرة ثانية في دستور سنة 1964 حيث قضت المادة ( 90 ) بأنه ” يجب أن يقدم رئيس مجلس الوزراء إلى رئيس الجمهورية استقالة الحكومة، إذا سحب مجلس الأمة الثقة منها “.

17- المادة (127/3) من الدستور المصري، والمادة ( 243 / 4) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري

18- الفقرة الثالثة من المادة ( 127 ) من الدستور، والفقرة الرابعة من المادة ( 243 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب.

19- بتقرير البرلمان مسؤولية رئيس مجلس الوزراء يضع الأخير استقالته أمام رئيس الجمهورية إلا أن ذلك لا يفيد ضرورة قبولها.

20- يرى البعض أن مدة العشرة أيام والتي يتعين أن يعيد رئيس الجمهورية خلاها التقرير إلى مجلس الشعب، ليست ملزمة وأن الهدف من هذا التحديد الحث على سرعة التصرف، ويتأسس هذا التحليل على ما “يتسم به القانون الدستوري من طابع سياسي ملموس”، وبناء علية “فإن مضي العشرة أيام المنصوص عليها في الدستور لا يحول بين رئيس الجمهورية وبين ممارسة حقه في المراجعة، باعتباره حكمًا بين السلطات….”. الطماوي، سليمان: النظم السياسية والقانون الدستوري .

. مرجع سبق ذكره. ص 601

21- المادة ( 244/1 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

22- المادة (244/2) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

23- المادة (244/3)من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري. وجدير بالذكر أن البعض لاحظ أن اللائحة الداخلية تطلبت عرض التقرير المعاد من رئيس الجمهورية على المجلس خلال عشرة أيام، ولكنها لم تحدد الفترة التي يتعين خلالها الرد على رئيس الجمهورية. رجب، سيد: مرجع سبق ذكره. ص 572

24- يجب أجراء الاستفتاء خلال ثلاثين يومًا من تاريخ القرار الثاني لسحب البرلمان الثقة من الحكومة.

25- قضى الدستور في هذا الفرض المادة ( 127/5 ) بحل البرلمان دون أن يحدد فترة الدعوة لانتخابات عامة جديدة. ويعتقد أنه يتعين الالتزام بما ورد في المادة ( 136 ) والخاصة بالصورة الثانية للحل، وبالتالي تتم الدعوة للانتخابات خلال ستين يوما، ويجتمع المجلس الجديد خلال عشرة أيام التالية لإتمام الانتخابات.

26- تأييد الاستفتاء للبرلمان لا يعني في رأي البعض سحب الثقة فقط من الوزارة بل أيضًا من رئيس الجمهورية التي ظل يساندها حتى أخر مدى، وهذا القول يدعمه قدر كبير، ولكنة يصطدم مع الدستور الذي لا يجيز مساءلة رئيس الجمهورية سياسيًا، بالرغم من السلطات الخطيرة التي يضعها تحت تصرفه. الشرقاوي، سعاد، ناصف، عبد الله: القانون الدستوري والنظام السياسي المصري. القاهر ة: دار النهضة العربية . 1994 . ص 692

27- المرجع سابق. ص 689 .

28- ساري، جورجي شفيق: مرجع سبق ذكره. ص 1011.

المؤلف : احمد نبيل صوص
الكتاب أو المصدر : الاستجواب في النظام البرلماني
الجزء والصفحة : ص57-62

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .