يتحدد مضمون الرقابة السياسية بتلك الرقابة التي تمارسها السلطة السياسية على تصرفات الادارة التي ينبغي عليها ان تنفذ قرارات هذه السلطة (1). وكقاعدة عامة فان هذه الرقابة يتسع ويضيق مداها بحسب طبيعة النظام السياسي في الدولة (2). ويرى د. فاروق احمد خماس – ونحن نؤيده – ان هذه الرقابة تزداد اهميتها – مقارنة بالرقابة الادارية – كلما اتسع مجال السلطة التقديرية حيث لايكون هناك – من حيث المبدأ – معقب على اعمال الادارة الصادرة بناءً على سلطتها التقديرية خصوصاً اذا كانت الدولة ذات نظام قضائي واحد وكلما تقلصت ولاية القضاء الى حد كبير بسبب كثرة الاستثناءات التي توردها القوانين والتي تخرج بمقتضاها الكثير من المنازعات التي هو مفوض اصلاً بنظرها (3). وعلى اية حال فان الرقابة السياسية يمكن ان تتم بطرق متعددة او من قبل اجهزة معينة ويمكن ايجاز صور الرقابة السياسية بالاتي:-

اولاً : الرقابة البرلمانية :

هي الرقابة التي تباشرها السلطة التشريعية على اعمال السلطة التنفيذية وخصوصاً في الدول ذات الانظمة البرلمانية التي تكون فيه السلطتان متوازيتين ولكل منها سلاح تشره بوجه الاخرى وقد يسمى البرلمان بتسميات اخرى كالكونغرس او الجمعية الوطنية او المجلس الوطني وهو امر لايهم ما دام اعضاء البرلمان يتم اختيارهم – كقاعدة عامة – بالانتخاب (4). وتتم ممارسة الرقابة البرلمانية بوسائل عدة هي :

أ- السؤال :

هو استيضاح او استفسار موجه من واحد او اكثر من اعضاء البرلمان الى احد الوزراء او رئيس مجلسهم بهدف الحصول على معلومات خاصة بالاعمال الداخلة في اختصاص الحكومة او احد الوزراء (5). اضافة الى ذلك فان الاسئلة البرلمانية – سواء أكانت شفهية او تحريرية او اسئلة ساعة (6). فانها اداة لتحريك المسؤولية السياسية للحكومة كما انها اداة رقابية ووسيلة للتعاون وتبادل وجهات النظر (7). وهذا وقد اجازت الفقرة ( أ ) من المادة 57 من قانون المجلس الوطني العراقي رقم 26 لسنة 1995 الملغي للمجلس المذكور دعوة أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء للاستيضاح والاستفسار . كما ان الفقرة ( ب ) من المادة نفسها قد اجازت لكل عضو من اعضاء المجلس الوطني الحق في ان يوجه عن طريق رئيس المجلس سؤالاً الى أي عضو من اعضاء مجلس الوزراء على ان لايكون السؤال متعلقاً بموضوع معروض على القضاء . وقد تميزت رقابة المجلس عن طريق حق السؤال بعدم فاعليتها وذلك لانه ليس للمجلس سوى ان يبدي الراي في النتائج التي توصل اليها ويعرضها على رئيس الجمهورية الذي يكون له القول الفصل في هذا الشان(8). وقدر تعلق الامر بحق السؤال ، نجد ان قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد اجاز للجمعية الوطنية المزمع انتخابها ان تتولى الرقابة عن طريق السؤال ، وذلك من خلال طلب المعلومات واصدار الاوامر بحضور اشخاص للمثول امامها (9).

ب- طرح موضوع للمناقشة :

هي الطريقة التي يجوز بمقتضاها لعدد من اعضاء البرلمان طلب عرض موضوع ما للمناقشة في البرلمان وغالباً ما يكون الهدف منه هو التعرف على السياسة التي تنتهجها الادارة في امر معين فهي وسيلة للحوار بين الحكومة والبرلمان من اجل تبادل الراي والمعلومات (10). وفي هذا المضمار يلاحظ انه قد يطرح موضوع عام للمناقشة بصورة غير مباشرة بمناسبة طرح السؤال ويجوز طبقاً لنص الفقرة ( 2 ) من المادة ( 95 ) من النظام الداخلي للمجلس ان يطلب موجه السؤال اجراء المناقشة العامة على ان يقرر المجلس هذا الطلب وعند حصول الموافقة على المناقشة يجوز لكل عضو الاشتراك فيها .

ج- الاستجواب :

ويقصد به محاسبة الحكومة وتوجيه اللوم اليها عن طريق مناقشة تصرفاتها في الشؤون العامة او الخاصة (11). فالاستجواب ينطوي على مجموعة من الاسئلة الموجهة الى الحكومة الا انها ليست على سبيل الاستفهام فقط بل على سبيل المحاسبة والاتهام الصريح (12). وقد اجازت المادة ( 57 ) من قانون المجلس الوطني الملغي اجراء الاستجواب في مواجهة اعضاء مجلس الوزراء . على ان الاستجواب لا يمكن ان يأتي بنتائج حاسمة مالم تحظَ تلك النتائج بموافقة رئيس الجمهورية فتفقد هذه الطريقة بذلك فاعليتها (13). هذا وقد نصت الفقرة ( ز ) من المادة ( 33 ) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية على ان ” يتضمن عمل الرقابة الذي تقوم به الجمعية الوطنية ولجانها حق استجواب المسؤولين التنفيذيين …. الخ ” بذلك يكون للجمعية الوطنية الحق في استجواب السلطة المالية ومناقشة تصرفاتها سواء أكانت صادرة عن سلطة تقديرية ام مقيدة .

د- التحقيق :

ويقصد به فحص عمل من اعمال الحكومة او سياسة معينة في هيئة من هيئات الدولة عن طريق السلطة التشريعية (14). ويعرفه د. سليمان الطماوي بانه ” الطريقة التي يتوصل بها البرلمان بنفسه الى ما يريد معرفته من المعلومات والحقائق (15). على ان التحقيق لا يمكن ان يكون مجرد وسيلة للحصول على المعلومات وانما قد يكون القصد من اجرائه التمهيد لوضع تشريع في موضوع معين او الكشف عن العيوب فيه ويضع الحلول المناسبة لها (16). وقد اجازت المادة ( 59 / اولاً / ب ) من قانون المجلس الوطني الملغي لرئيس الجمهورية ان يطلب من المجلس الوطني ولجانه المختصة استدعاء رئيس مجلس الوزراء او أي من الوزراء او موظفي الدولة للتحقيق معهم عن القضية التي احيلوا الى المجلس من اجلها . وبعد الفراغ من التحقيق وفي ضوء النتائج التي توصل اليها يجوز للمجلس ان يوصي لرئيس الجمهورية باتخاذ اجراء ما بحق الاشخاص الذين تثبت مسؤوليتهم. بذلك تكون هذه الطريقة غير ذات فاعلية في الرقابة لان اللجوء اليها يتوقف على طلب رئيس الجمهورية كما ان المجلس ليس له سوى ان يوصي باتخاذ اجراء ما من قبل رئيس الجمهورية الذي هو غير ملزم بتوصيات المجلس(17). وقد اجاز قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية للجمعية الوطنية الحق في اللجوء الى التحقيق (18). اضافة الى ذلك فان ممارسة الرقابة البرلمانية قد تتم بطرق اخرى كالشكاوى التي يقدمها الافراد الى ممثليهم في البرلمان او الى البرلمان مباشرة (19). او عن طريق التفتيش (20). اخيراً وليس اخراً فان المجلس الوطني ، كان له ان يمارس الرقابة من خلال فحص تقارير ديوان الرقابة المالية المحالة اليه من رئيس مجلس قيادة الثورة (21). هذا ويعد ديوان الرقابة المالية جهة رقابية كانت تتبع مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) (22). وكان الديوان يمارس رقابة وتدقيق حسابات الجهات الخاضعة للرقابة المالية والتحقيق في سلامة تطبيق القوانين والانظمة والتعليمات المالية بما في ذلك فحص وتدقيق معاملات تخمين وتدقيق الايرادات والنفقات والالتزامات المالية كافة تخطيطاً وجباية وانفاقاً(23).

ثانياً : رقابة رئيس الدولة

وهي الرقابة التي يمارسها رئيس الدولة على اعمال الوزاء المعينين من قبله. ففي النظام الرئاسي (24). يعد رئيس الدولة ، رئيس السلطة التنفيذية وهو الذي يعين الوزراء والمساعدين وبالتالي فانهم مسؤولون امامه فقط وليس امام البرلمان(25). وفي ظل النظام السابق كان رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس قيادة الثورة (المنحل) وقد منح بموجب دستور 16 تموز لسنة 1970 الملغي بصفته رئيساً للجمهورية سلطات رقابية واسعة (26). وفي ظل قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية نجد ان لمجلس الرئاسة وبتوجيه من هيئة النزاهة العامة (27). بعد مراعاة الاجراءات القانونية ان تقيل اي عضو من اعضاء مجلس الوزراء بما فيهم رئيس الوزراء (28).

ثالثاً : رقابة الراي العام

وتاخذ هذه الرقابة صور عديدة لعل من اهمها(29):

أ-رقابة الناخبين لممثليهم : وهي رقابة يباشرها الناخبون على اشخاص المرشحين عند اختيارهم لعضوية المجالس النيابية .

ب-رقابة الاحزاب والنقابات والاتحادات : اذ تمثل هذه التشكيلات جماهير واسعة ومنتظمة فالاحزاب ومن خلال الاعضاء المنتمين اليها تستطيع تشخيص سلبيات العمل الاداري وتسليط الضوء عليها من خلال وسائل اعلامها كذلك الاتحادات والنقابات فهي تستطيع تشخيص تلك السلبيات والمطالبة بحقوق المنتمين اليها والمتضررين من تلك السلبيات . وتختلف درجة اهمية هذه الرقابة بحسب طبيعة النظام السياسي في الدولة ونأمل في المرحلة القادمة ان تلعب الاحزاب في العراق دورها المنشود في ممارسة رقابة فعالة في هذا المضمار .

ج-رقابة وسائل الاعلام : تلعب وسائل الاعلام دوراً بارزاً ومهماً في ممارسة الرقابة على دوائر الدولة من خلال وسائلها المتعددة كالصحافة والاجهزة المرئية والمسموعة . ولكي تكون هذه الرقابة فعالة ينبغي ان تتسم الجهة الاعلامية بالحياد وعدم الانحياز لجهة معينة وخصوصاً السلطة السياسية في الدولة .

د-ويرى بعض الفقهاء ان من قبيل رقابة الرأي العام الرقابة التي تحققها قاعدة وجوب سماع اقوال ذوي الشأن ويتحدد مضمون هذه القاعدة باعطاء الفرصة لصاحب الشأن لابداء رأيه قبل اصدار القرار النهائي بحقه بل ان هناك قرارات ادارية يقتضي صدورها سماع اقوال من يخصه القرار (30).

_____________________

1- أ.د. فاروق احمد خماس – الرقابة على اعمال الادارة – دار الكتب للطباعة – 1988 – ص65 .

2-والنظام السياسي هو مجموعة عناصر مهمتها الابقاء على المجتمع من حيث هو كيان قائم بذاته تديره سلطة سياسية . لمزيد من التفصيل انظر د. صالح جواد الكاظم و د. علي غالب العاني – الانظمة السياسية – دار الحكمة – بغداد – 1991 – ص 5.

3- د. فاروق احمد خماس – المصدر السابق – ص 66 .

4- انظر د. فؤاد العطار – النظم السياسية والقانون الدستوري – دار النهضة العربية – مصر – بلا تاريخ نشر – ص301 .

5- د. عبد الفتاح حسن – مبادئ النظام الدستوري في الكويت – دار النهضة العربية – بيروت – 1968 – ص364 .

6- لمزيد من التفصيل انظر انور الخطيب – الاصول البرلمانية في لبنان وسائر البلاد العربية – دار العلم للملايين – بيروت – 1961 – ص384 .

7- لمزيد من التفصيل انظر رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة – دار النهضة العربية – بيروت – 1970 – ص 240 .

8- انظر المادة 58 من قانون المجلس الوطني الملغي .

9- انظر الشطر الاخير من الفقرة ( ز ) من المادة ( 33 ) من هذا القانون .

10- لمزيد من التفصيل انظر د. محمد سليم غزوي – الوجيز في التنظيم السياسي والدستوري – ط1 – الاردن – 1985 – ص 43 – د. عبد الله ابراهيم ناصيف – مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة – موسوعة القضاء والفقه – ج1 – الدار الجامعية للموسوعات – بيروت – 1980 – ص86.

11- د. ايهاب زكي سلام – الرقابة السياسية على اعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني – عالم الكتب – القاهرة – 1983 – ص86 .

12- لمزيد من التفصيل انظر د. ايهاب زكي سلام – المصدر السابق – ص 89 . د. رمزي الشاعر – المصدر السابق – ص205 – انور الخطيب – المصدر السابق – ص390 .

13- انظر المادة ( 58 ) من قانون المجلس الوطني الملغي .

14- د. رمزي الشاعر – المصدر السابق – ص205 .

15- د. سليمان الطماوي – السلطات الثلاث في الدساتير العربية – دار الفكر العربي – القاهرة – 1974 – ص477 .

16- د. مصطفى كامل – شرح القانون الدستوري – دار الكتاب العربي – مصر – 1952 – ص341 .

17- انظر الفقرة ثانياً من المادة ( 59 ) من قانون المجلس الوطني الملغي .

18- انظر الفقرة ( ز ) من المادة ( 33 ) من هذا القانون .

19- انظر د. فاروق احمد خماس – المصدر السابق – ص 67 .

20- انظر الفقرة ( أ ) من البند اولاً من المادة ( 59 ) من قانون المجلس الوطني الملغي التي اجازت لرئيس الجمهورية ان يطلب من المجلس الوطني تفتيش دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي و المختلط عند الاقتضاء وللمجلس في ضوء النتائج التي يتوصل اليها ان يوصي بما هو مناسب بحق الاشخاص الذين تثبت مسؤوليتهم، وهي بذلك لا تعدو وان تكون رقابة معلقة على صدور امر من رئيس الجمهورية ولا تكون نتائجها مثمرة ما لم تقترن بمصادقته ايضاً .

21- انظر المادة ( 15 ) من قانون ديوان الرقابة المالية رقم 6 لسنة 1990 النافذ .

22- انظر المادة ( 46 ) من دستور سنة 1970 الملغي .

23- انظر المواد ( 2 / اولا ً / ب ) والمادة ( 7 ) من قانون ديوان الرقابة المالية النافذ .

24- وهو النظام القائم على مبدأ الفصل بين السلطات ولكنها ترفض التأثير المتبادل ما بين البرلمان والحكومة والغالب هو ان الاخذ بهذا النظام امر غير ممكن الا في الدولة ذات النظام الجمهوري لان الاساس في النظام الرئاسي هو انتخاب رئيس الدولة من قبل الشعب لمزيد من التفصيل انظر د. منذر الشاوي – القانون الدستوري – نظرية الدولة – مطبعة شفيق – بغداد – 1967 – ص176 .

25- انظر د. غالب جواد الكاظم – المصدر السابق – ص 77 .

26- فقد نصت المادة ( 44 ) منه على ان يتولى رئيس الجمهورية مهمة مراقبة اعمال الوزارات والمؤسسات في الدولة ودعوة الوزراء للتداول في شؤون وزاراتهم واستجوابهم عند الاقتضاء واطلاع مجلس قيادة الثورة على ذلك .

27- والتي صادق على تأسيسها قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في المادة ( 49 / أ ) منه .

28- انظر المادة ( 41 ) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية .

29- لمزيد من التفصيل انظر د. خالد رشيد – محاضرات في القضاء الاداري – مصدر سابق – ص 36 – د. فاروق احمد خماس – المصدر السابق – ص68 – 69 .

30- وتطبق هذه القاعدة في دول كثيرة كالولايات المتحدة الامريكية والمانيا وسويسرا . لمزيد من التفصيل انظر د. خالد رشيد – محاضرات في القضاء الاداري – المصدر السابق – ص 37 .

المؤلف : قيصر يحيى جعفر الربيعي
الكتاب أو المصدر : السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل القانون العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .