تميّز الجزاء الجنائي الإجرائي عن الجزاء الجنائي الموضوعي :

من المعلوم أن القانون الجنائي يتضمن قواعد شكلية (إجرائية) وقواعد موضوعية (تجريم وعقاب)، فالمقصود في هذه الفقرة بالجزاءات الجنائية الموضوعية هي تلك الجزاءات التي وردت في قانون العقوبات وهي على أنواع فقد تصيب المحكوم عليه في حياته كالإعدام، وقد تكون سالبة للحرية كالسجن أو الحبس، كما قد تكون مالية كالغرامة والمصادرة، وأيضاً قد تكون جزاءات ماسة بالاعتبار الاجتماعي كنشر الحكم في الصحف، وأخيراً هناك جزاءات جنائية سالبة للحقوق كالجزاءات التي تحرم المحكوم عليه من بعض الحقوق المدنية أو السياسية.

وما يهمنا هنا هو تحديد أوجه الاختلاف بين الجزاء الإجرائي و الجزاء الموضوعي، فمن حيث المحل فقد أصبح معلوماً أن محل الجزاء الإجرائي هو العمل الإجرائي المعيب، بينما محل الجزاء الموضوعي قد يكون شخص المحكوم عليه أو ذمته المالية أو حقاً من حقوقه، ومن حيث النتيجة فنتيجة فرض الجزاء الإجرائي هي إهدار الإجراء وفقدانه القدرة على ترتيب أي أثر قانوني، في حين يترتب على الجزاء الموضوعي إيلام مقصود للجاني أو إنقاص ذمته المالية، ومن حيث السبب فإن سبب الجزاء الإجرائي هو العيب الإجرائي بينما سبب الجزاء الثاني هو وقوع الجريمة(1).

أما من حيث الهدف فالجزاء الإجرائي يهدف بصورة عامة إلى حماية الحرية الشخصية وحسن سير العدالة الجنائية، في حين يكون هدف الجزاء الموضوعي هو زجر المحكوم عليه وردع غيره الحيلولة دون الاقتداء به فضلاً عن تحقيق العدالة الاجتماعية، لذا يكون من المستحيل على الجزاء الموضوعي أن يمحوا آثار الجريمة على عكس الجزاء الأول، يضاف إلى ذلك أن الجزاء الإجرائي يطبق على طائفة معينة من الأفراد يصطلح عليهم (بالأشخاص الإجرائيين)، أما الجزاء الموضوعي فله صفة عامة يطبق على كل فرد في المجتمع في حالة ثبوت ارتكابه سلوكاً يتعارض مع نصوص قانون العقوبات.

_____________

1- ينظر: وعدي سليمان المزوري، الجزاءات الإجرائية (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، كلية القانون/جامعة بغداد، 2000، ص28-29.

تميّز الجزاء الجنائي الإجرائي عن الجزاءات التأديبية :

إن وقوع الخطأ الوظيفي من قبل الموظف أثناء قيامه بواجبه أو بسببه يشكل إخلالاً بواجبات الوظيفة، مما يعطي الصلاحية للجهات الإدارية بفرض جزاءات تأديبية قبله، فيوقع أثر هذه الجزاءات بمعرفة جهة إدارية ولا تمس سوى الحقوق والمزايا الوظيفية (المادية أو المعنوية)، وقد يكون جزئياً كخصم جزء من راتب الموظف، أو كلياً كالفصل من الخدمة، ولكن هذا الجزاء لا يمس الموظف في حياته أو حريته أو ممتلكاته الشخصية(1)، وهذا ما يؤدي إلى نتيجة هامة وهي استبعاد العقوبات السالبة للحرية من نطاق الجزاء التأديبي لأن إعطاء الإدارة حق فرض العقوبات السالبة للحرية يتعارض مع الدستور بالنسبة لغالبية النظم القانونية في العالم، لأن سلب الحرية هو اختصاص أصيل من اختصاصات السلطة القضائية بوصفها الحارس على الحقوق والحريات الفردية. وعلى هذا فإن الجزاءات الإدارية (التأديبية) تتراوح بين الجزاءات المالية والجزاءات المقيدة أو المانعة للحقوق(2)، فهي تختلف عن الجزاء الجنائي الإجرائي في عدة جوانب، فمن حيث محل الجزاء فالجزاء الإجرائي ذو خاصية موضوعية، أي أنه يفرض على العمل الإجرائي المخالف للقانون فيبطله، لذا فلا علاقة له بالشخص الذي تسبب في حدوث هذه المخالفة، أما بالنسبة للجزاء التأديبي فهو ذو خاصية شخصية بمعنى أنه يوقع على الشخص الذي خالف واجبات الوظيفة، وإن كانت النتيجة المترتبة على ذلك هو الانتقاص من مزايا الوظيفة أو الحرمان منها. ومن حيث السبب فسبب الجزاء الإجرائي هو الخطأ الإجرائي بينما سبب الجزاء التأديبي هو إخلال الموظف بواجباته الوظيفية. ومن حيث الهدف فالجزاء الإجرائي يهدف بشكل عام إلى حماية الحرية الشخصية من الانتهاك وحسن إدارة العدالة الجنائية، أما الجزاء التأديبي فهدفه الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام. أما من حيث جهة فرض الجزاء فالجزاء الإجرائي لا يمكن فرضه إلا من قبل القضاء أما الجزاء التأديبي فيوقع من قبل جهات عدة كالسلطات الإدارية الرئاسية أو مجالس التأديب أو المحاكم التأديبية(3)، كذلك يختلف الجزاء الإجرائي عن الجزاء التأديبي من حيث النتيجة، فنتيجة الجزاء الأول هي إهدار العمل الإجرائي آثاره القانونية، أما نتيجة الجزاء التأديبي هي المساس بحقوق ومزايا الوظيفة، وأخيراً فإن فرض الجزاء الإجرائي لا يحول دون توقيع جزاءاً تأديبياً في الوقت ذاته على الشخص الإجرائي، بينما العكس غير وارد إذ أن فرض الجزاء التأديبي على الموظف لا يؤدي إلى فرض الجزاء الإجرائي في ذات الوقت لاختلاف طبيعة كل منهما.

______________

1- ينظر: د. ماهر صالح علاوي الجبوري، مبادئ القانون الاداري (دراسة مقارنة)، دار الكتب للطباعة والنشر، الموصل، 1996، ص94.

2- للتفصيل في ذلك ينظر: د. محمود طه جلال، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة (دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب)، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق/جامعة حلب، 2005، ص345 وما بعدها.

3- ينظر: د. عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي، القانون التأديبي وعلاقته بالقانونين الإداري والجنائي، دار الفرقان، عمان 1983، ص135.

تميّز الجزاء الجنائي الإجرائي عن الجزاءات المدنية :

يقصد بالجزاء المدني هو كل أثر يرتبه القانون على مخالفة قواعد القانون المدني المتعلقة بالتصرفات القانونية أو بالحقوق المالية أو غير المالية، فهو يستهدف إعادة التوازن إلى المصالح التي أخلت بتوازنها مخالفة المكلف بالقاعدة بالتكليف الذي ألزمه به القانون(1).

فالجزاء المدني إما أن يكون في صورة حمل الشخص على تنفيذ ما التزم به عيناً وجبراً عليه وهو ما يسمى بالتنفيذ العيني الجبري، وإما أن يكون على شكل إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الخرق للقاعدة المدنية كالحكم ببطلان العقد أو فسخه، كما قد يكون إزالة أثر مخالفة القاعدة القانونية المدنية مستحيلاً فيتخذ الجزاء المدني صورة التعويض وهو الصورة الغالبة على الجزاء المدني.

فيختلف هذا الجزاء عن الجزاء الجنائي الإجرائي في عدة أوجه(2)، فبينما يُنَص الجزاء الإجرائي على العمل الإجرائي المخالف للأصول الجزائية، يكون الجزاء المدني مفروضاً على الذمة المالية للشخص أو على التصرف القانوني الذي قام به، كما أن سبب الجزاء الإجرائي هو مخالفة القاعدة الإجرائية (الخطأ لإجرائي)، في حين يكون سبب الجزاء المدني هو مخالفة القاعدة القانونية المدنية، ويترتب على الجزاء الإجرائي إهدار العمل الإجرائي وعدم إنتاج أثاره القانونية، بينما يترتب على الجزاء المدني التنفيذ العيني أو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع مخالفة القاعدة المدنية أو التعويض.

يضاف إلى ذلك إن الجزاء الإجرائي من النظام العام، فلا يتوقف فرضه على مطالبة المتضرر من العمل الإجرائي المعيب بذلك، بل تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها، في حين لا يمكن فرض الجزاء المدني إلا إذا طالب المضرور من الفعل أو التصرف بذلك، وأخيراً فإن الجزاء الإجرائي ينظم أحكامه القانون الجنائي الإجرائي، أما الجزاء المدني فينظم أحكامه قواعد القانون المدني بمفهومه الواسع.

من هذا ننتهي إلى النتيجة المنطقية التي تعلن ذاتية الجزاء الجنائي الإجرائي تجاه غيره من الأجزية، وهذا ما يترتب عليه من ذاتية للقواعد الجنائية الإجرائية.

_____________

1- ينظر: د. القاعدة الجنائية (دراسة تحليلية على ضوء الفقه الجنائي المعاصر)، الشركة الشرقية للنشر والتوزيع، بيروت، (بلا سنة طبع)، ص119.

2- للتفصيل في ذلك ينظر: وعدي سليمان المزوري، الجزاءات الإجرائية (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير، كلية القانون/جامعة بغداد، 2000، ص31-32.

المؤلف : فاضل عواد محميد الدليمي
الكتاب أو المصدر : ذاتية القانون الجنائي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .