ان طبيعة جريمة القبض بدون وجه حق تتنوع بحسب مصدرها فالقبض الواقع من فرد ضد فرد اخر لا يستهدف الاعتداء على حرية التنقل للفرد وباعتباره من دعامات الحرية الفردية له وانما يستهدف الاعتداء على الحق في ذاته . اما القبض الواقع من السلطة ممثلة بافرادها ضد الفرد اعتمادا على الوظيفة فان فعلهم هذا يشكل عدوانا على الحرية الفردية لانه يوجه ضد حرية التنقل والذهاب والأياب للفرد ، فالقبض من السلطة يستهدف منع الفرد من الذهاب والاياب لفترة زمنية معينة لذلك كان فعل القبض من السلطة بدون وجه حق يعد تعرضا للافراد في حرياتهم وانتهاكا لحقوقهم . لذا كان تجريم فعل القبض بدون وجه حق حماية للحريات الفردية من الانتهاك وإحاطة حقوق المواطنين وحرماتهم بضمانات قانونية محددة تحرم إساءة استعمال السلطة واستغلالها وتمنع من التعسف والظلم والتعدي على الافراد باسم السلطة ولحسابها (1).

وقد فرق المشرع الفرنسي بين نموذج جريمة القبض بدون وجه حق اذا كانت واقعة من سلطة على فرد عن نموذج جريمة القبض الواقع من فرد ضد فرد اخر استنادا إلى طبيعة كل فعل في الجريمتين وما يقتضيه من اركان وشروط وخصائص فنص على ان جريمة القبض الواقع من فرد على فرد انما هي جناية عقوبتها الاشغال الشاقة المؤبدة أو الاشغال الشاقة من عشر سنوات إلى عشرين سنة فان كان القبض قد تجاوز شهرا فالعقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة اما اذا كان القبض اقل من شهر واكثر من خمسة ايام فالعقوبة لاشغال الشاقة من عشر سنين إلى عشرين سنة واما اذا اطلق الفرد القابض الشخص المقبوض عليه قبل تمام اليوم الخامس من الاعتقال والقبض عليه فان العقوبة تكون الحبس من سنتين إلى خمس سنوات (2) . وعلى هذا الأساس قضت محكمة النقض الفرنسية بان (واقعة القبض على فرد أو اعتقاله بطريقة غير قانونية تشكل جناية ايا ما كانت مدة الاعتقال وان منح الحرية للمعتقل – المقبوض عليه – قبل مضي الخمسة ايام وقبل أي تحقيق لا يغير من طبيعة الفعل ولا يقلب الفعل إلى جنحة لكنه يشكل فقط حالة من حالات العذر القانوني) (3).

اما جريمة القبض دون وجه حق الواقعة من السلطة ممثلة بأفرادها ضد الأفراد اعتمادا على سلطة الوظيفة فنص عليها المشرع الفرنسي نصا خاصا بها وقرر لها عقوبة خاصة هي (التجريد المدني- Degradition civique) (4). ومقتضاها ان يسلب المرء حقوقه السياسية وبعض الحقوق العامة كحمل السلاح او حمل اوسمة الدولة او ان يحرم من التوظيف والمناصب العامة او ان يفقد بعض الحقوق المدنية كحق الولاية والوصاية وغير ذلك ، والحرمان من الحقوق الوطنية عقوبة قد يحكم بها كعقوبة اصلية كما في الجرائم السياسية ، ولكنها دائما تعد عقوبة تبعية للعقوبات الجنائية الكبرى (5). اما المشرع المصري فانه لم يفرق بين الاعتداء الواقع من فرد ضد فرد اخر والاعتداء الواقع من السلطة على الافراد فقرر تجريم القبض بدون وجه حق سواءً أكان واقعا من فرد أم سلطة دون أي تفريق في طبيعة الجريمة أو العقاب المقرر لها فساوى بين القبض الواقع من سلطة أو فرد في المسؤولية والعقاب فنص تحت عنوان (القبض على الناس وحبسهم دون وجه حق) على ان (كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون امر احد الحكام المختصين بذلك وفي غير الاحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري) (6).

وقد تابع القضاء المصري موقف المشرع (7). فقررت محكمة النقض المصرية على انه (جرى قضاء محكمة النقض عل ان نص المادة 129 من قانون العقوبات لم يعن الا بوسائل العنف الذي لا يبلغ القبض على الناس وحبسهم فقد وردت هذه المادة ضمن الاكراه وسوء المعاملة من الموظفين لافراد الناس في الباب السادس في الكتاب الثاني الخاص بالجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية (8). اما المادتان 280،282 من هذا القانون فقد وردتا ضمن جرائم القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق في الباب الخامس من الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح التي تحصل لاحاد الناس وفي هذه المفارقة بين العناوين التي اندرجت تحتها هذه المواد ما ترتسم به فكرة المشرع المصري من انه عد الاعتداء على حرية الناس بالقبض أو الحبس أو الحجز من الجرائم التي تقع اطلاقا من موظف أو غير موظف) (9). ويلاحظ ان موقف المشرع المصري منتقد لانه وضع على قدم المساواة في المسؤولية والعقاب القبض من فرد على فرد مع القبض الواقع من سلطة على فرد وذلك لاغفاله تنوع طبيعة الجريمة بحسب مصدرها مما يوجب التفريق بين الجريمتين في المسؤولية وكذلك في العقاب لان فعل القبض على الافراد اعتمادا على سلطة الوظيفة يوجب قدرا اكبر من العقاب (10).

واما المشرع الاردني فعلى خلاف المشرع المصري ، فقد فرق بين فعل الموظف اذا اوقف أو حبس شخصا وبين الفرد اذا قبض على شخص ، فنص على ان (كل موظف أوقف أو حبس شخصا في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة) (11). ونص على جريمة القبض الواقعة من فرد ضد فرد اخر بان (كل من قبض على شخص وحرمه حريته بوجه غير مشروع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا واذا كان قد حجزه بادعائه زورا- بانه يشغل وظيفة رسمية او بانه يحمل مذكرة قانونية بالقبض عليه – يعاقب بالحبس مدة ستة اشهر الى سنتين واذا وقعت هذه الافعال على موظف اثناء وظيفته او بسبب ما اجراه بحكم وظيفته كانت العقوبة من ستة اشهر الى ثلاث سنوات) (12). والملاحظ على المشرع الاردني انه وان كان قد فرق بين فعل الموظف اذا وقف او حبس شخصا وبين الفرد اذا قبض على شخص فان موقفه ليس واضحا من تجريم القبض بدون وجه حق اذا كان من السلطة ضد الافراد ذلك انه نص على تجريم فعل الموظف (اذا اوقف او حبس) والتوقيف والحبس يأتيان بعد القبض على الافراد كما انه لم يحدد مدة معينة للتوقيف او الحبس ولم ينص عل (القبض) مما يدل على عدم ادراجه ضمن الافعال المجرمة في المادة (178) المذكورة . ونص على (القبض) في المادة (346) وشمل بها الافراد والسلطة بقوله (كل من قبض على شخص) وشدد العقوبة اذا كان القبض او الحجز قد حصل من شخص ادعى زورا بانه موظف او يحمل مذكرة قانونية بالقبض عليه . لذلك لم تكن الصورة واضحة لدى المشرع الاردني في بيان طبيعة جريمة القبض بدون وجه حق اذا كانت واقعة من السلطة ممثلة بافرادها بالرغم من النص على التوقيف والحبس . فالقبض والتوقيف مصطلحات لكل منها معناها ومفهومها (13).

واما المشرع العراقي فقد فرق في المسؤولية والعقاب بين جريمة القبض بدون وجه حق الواقعة من السلطة على الافراد وجريمة القبض بدون وجه حق الواقعة من فرد ضد فرد اخر . فنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل موظف او مكلف بخدمة عامة قبض على شخص او حبسه او حجزه في غير الاحوال التي ينص عليها القانون . وتكون العقوبة السجن مدة لاتزيد على عشر سنين او الحبس اذا وقعت الجريمة من شخص تزيا بدون وجه حق بزي رسمي او اتصف بصفة كاذبة او ابرز امرا مزورا مدعيا صدوره من سلطة تملك حق اصداره) (14). اما جريمة القبض بدون وجه حق الواقعة من فرد ضد فرد اخر فقد نص عليها في موضع اخر حيث نص على ان (يعاقب بالحبس او بالسجن مدة لا تزيد على (10) عشر سنين من قبض على شخص او حجزه او حرمه من حريته باية وسيلة كانت بدون امر من سلطة مختصة في غير الاحوال التي تصرح فيها القوانين والانظمة بذلك،…)(15). وبهذا يكون المشرع العراقي قد فرق في المسؤولية بين القبض الواقع من فرد على فرد والقبض الواقع من سلطة على فرد والمتضمن عدوانا على الحرية الفردية (16) . الا ان ما يؤخذ على المشرع العراقي انه نص على تجريم القبض دون وجه حق الواقع من السلطة ضد الافراد في تجريمه لتجاوز الموظفين حدود وظائفهم وكان الاولى بالمشرع العراقي ان يجرم القبض دون وجه حق ضمن جرائم الاعتداء على الحرية الفردية فيكون قد وضعها في مكانها الصحيح تحت عنوان يدل عليها ويفاخر بها.

___________________________

[1]- انظر : محمد زكي ابو عامر ، الحماية الجنائية للحريات الشخصية ، المصدر السابق ، ص 45. ومحمد علي السالم عياد الحلبي ، المصدر السابق ، ص 115. وكاظم عبد الله حسين الشمري ، المصدر السابق ، ص116.

2- انظر: المواد 341-345 من قانون العقوبات الفرنسي .

3- نقلا عن : محمد زكي ابو عامر ، المصدر السابق ، 45. Cass 16 Juil 1952 D .

4- انظر: المادة 114/1 من قانون العقوبات الفرنسي وانظر : Garson ; op.cit . p.928.

5- انظر : Guillien et vincent : Lexique de termes ، Dalloze ، paris ،1978.

6- نص المشرع المصري على جريمة القبض بدون وجه حق في المادة 280 من الباب الخامس بعنوان (القبض على الناس وحبسهم بدون وجه حق وسرقة الاطفال وخطف البنات وهجر العائلة) ضمن الكتاب الثالث بعنوان (الجنايات والجنح التي تحدث لاحاد الناس) في قانون العقوبات .

7- في بيان موقف القضاء المصري ومتابعته لمشرعه في احكام المادة 210 و 282 عقوبات مصري وهو تبني القضاء المصري لمفهوم القبض بعده قبضا أو حبسا أو حجزا كما ورد في نص المادة 280 عقوبات انظر: رؤوف عبيد ، المشكلات العملية الهامة ، المصدر السابق ، ص ص 51-52.

8- تنص المادة 129 عقوبات مصري على ان (كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع الناس اعتمادا على وظيفته بحيث انه اخل بشرفهم او احدث الاما بابدانهم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه مصري).

9- طعن مصري رقم 1286 لسنة 34 ق- جلسة 8/12/1964 الموسوعة الذهبية ، رقم 883 ، ص ص 407-408.

10- انظر : احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون العقوبات ، القسم الخاص ، المصدر السابق ، ص ص 52-56. ومحمد زكي ابو عامر ، المصدر السابق ، ص ص 45-46.

1[1]- المادة 178 عقوبات اردني منصوص عليها في الفترة (3- التعدي على الحرية) ضمن الفصل الاول بعنوان (في الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) ضمن الباب الثالث (في الجرائم التي تقع على الادارة العامة) ضمن الكتاب الثاني (الجرائم) من قانون العقوبات الاردني .

2[1]- المادة (346) عقوبات اردني منصوص عليها في الفقرة (1- حرمان الحرية) ضمن الفصل الثاني (في الجرائم الواقعة على الحرية والشرف) ضمن الباب الثامن (في الجنايات والجنح التي تقع على الانسان) ضمن الكتاب الثاني (الجرائم) من قانون العقوبات.

3[1]- التوقيف : اجراء من إجراءات التحقيق يوضع المتهم بموجبه في مكان معين بامر سلطة قضائية مختصة لمدة محددة قانونا لغرض التاكد من ثبوت التهمة من عدمها).

وفي بيان التوقيف وشروطه ونظامه ومدته واخلاء سبيل المتهم منه انظر : حمودي الجاسم ، المصدر السابق ، ص ص 205-221 . وفي التمييز بين القبض والتوقيف ومما يشبهه من إجراءات انظر : فؤاد علي الراوي ، المصدر السابق ، ص ص 44-65. وكذلك : محمد علي السالم عياد الحلبي ، المصدر السابق ، ص ص 107-119 . وحسن بشيت خوين ، المصدر السابق ، ص ص 152-170. ونظام توفيق المجالي ، المصدر السابق ، ص ص 234-241 . وسليم حربة ، المصدر السابق، ص ص 149-154. ورؤوف عبيد ، المشكلات العملية الهامة ، المصدر السابق ، ص ص 79-90.

4[1]- المادة (322) عقوبات عراقي .

5[1]- المادة (421) عقوبات عراقي المعدلة بالقانون رقم 1 لسنة 2002 المنشور بالوقائع العراقية بالعدد 3914 في 21/1/2002 وهو التعديل الذي الغى المواد من 421-424 وحل محلها مواد اخرى لم تختلف عن الملغاة سوى ما شدد به العقوبات المفروضة لتشكل الردع الكافي الى الحد الذي يحقق الغرض من فرضها كما ورد في الاسباب الموجبة.

6[1]- انظر : كاظم عبد الله حسين الشمري ، المصدر السابق ، ص 116.

المؤلف : عبد الحكيم ذنون يونس الغزال
الكتاب أو المصدر : الحماية الجنائية للحريات الفردية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .