مقالة هامة حول قانون العمل السوداني

قانون العمل

إنّ قانون العمل من القوانين الحديثة، حيث إنّ قديمًا لم يكن هناك قانون خاص بالعمل، بل كانت قواعد العمل مُنظمة ضمن نطاق أحكام القانون المدني في نصوص قليلة، إلّا أنه بعد الثورة الصناعية التي شهدها العالم، تطورت الأعمال كافة، فلم تعد تقتصر على الزراعة والصيد، بل توسّع مفهوم هذه الأعمال إلى أكثرِ من ذلك، مما أدّى إلى بروز الحاجة إلى تنظيم أحكام هذه الأعمال بقانونٍ مُستقلّ، فانفصل قانون العمل عن القانون المدني وأصبح فرعًا من فروع القانون العام لتدخل الدولة في تنظيمه، وبناءً على ذلك سيتم بيان قانون العمل السوداني، وأهمية العمل، والعمل في الإسلام، وموضوعاته.

موضوع قانون العمل

إنّ الأعمال بطبيعتها تتنوّع، ومن الصعب إخضاع جميع قواعد هذه الاعمال إلى قواعد قانونية موحدة، حيث يمكن تقسيم العمل إلى قسمين: عمل مستقلّ، وعمل تابع، وينصّ قانون العمل السوداني على القواعد التي تحكم العمل الإنساني، سواء أكان هذا العمل جسديًّا أم فكريًّا، ولكن يجب أن يكون هذا العمل تابعًا، بمعنى أن يعمل العامل تحت إشراف وتوجيه صاحب العمل، وعليه فإنّ العمل المُستقلّ يخرج بطبيعته عن تنظيم قانون العمل؛ وذلك لأنّه يستقلّ استقلالًا عن رقابة أيّ شخص أو توجيهه، كمهنة الطبيب أو المحاماة والحرفي.[١]

وبالتالي فإنّ عنصر التبعية هو مناط تطبيق قانون العمل السوداني، لكن يجب ملاحظة ان هذا العمل يجب أن يكون مأجورًا، أي أن العامل يقوم به لغاية الحصول على أجرٍ مُعيّن، ولكن إذا كان العمل تبرعيًا أي يؤديه العامل بنية التبرع، فإنه لا يخضع لأحكام قانون العمل مُطلقًا، بل يخضع لذات الأحكام التي تخضع لها الأعمال المُستقلّة، كأن يخضع لقواعد القانون المدني، وبالتالي إنّ قانون العمل السوداني عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العمل الخاص التابع المأجور، أي تلك التي تربط العمل بأصحاب العمل، سواء أكان عقد العمل فرديًّا أم جماعيًّا.[١]

قانون العمل السوداني

لقد أطلق على هذا الفرع من فروع القانون مسمّيات متعدّدة، إلّا أنّه -أخيرًا- تمّ تسميته بقانون العمل، ويلاحظ على اصطلاح قانون العمل أنه يتكون من كلمتين هما: القانون والعمل، والقانون بصفة عامّة عبارة عن قواعد مُستقرّة يترتّب عليها نتائج معيّنة، أمّا بصفة خاصة فإن القانون يُعرّف على أنّه: “مجموعة من القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها بالقوة إذا لزم الأمر”، ويستعمل مصطلح قانون للدلالة على فرع من فروع القانون، وحينها يُعرف بأنه: “مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأشخاص ونشاطهم في مجال معين”.[٢]

أمّا العمل بصفة عامّة: “هو الجهد الذي يبذله الإنسان سواء أكان عضلي أم فكري والذي يدخل في قيمة السلعة المنتجة أو الخدمة المقدمة”، ولا يقصد بالعمل في هذا المجال بكلّ أنواع الأعمال بل تنصرف قواعد قانون العمل إلى العمل الخاص التابع المأجور، وعليه يُمكن تعريف قانون العمل السوداني على أنّه: “مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم أحكام العلاقة الناشئة عن قيام شخص شخص طبيعي بالعمل لمصلحة شخص آخر من أشخاص القانون الخاص وتحت إشرافه أو إدارته مقابل أجر”.[٢]

أهمية العمل

بعد توضيح مفهوم قانون العمل السوداني لا بُدّ من معرفة أهمية العمل في حياة الفرد خاصة والمجتمع عامة، حيث يعدّ العمل شرفَ الإنسان، وسندَ الفقير حتى لا يمدّ يده للغير، وبالعمل تصيرُ الأمة وتحقق أهدافها، كما أن العمل يعد ميزان الإنسان العزيز، يبين قيمة الشريف من السفيه، ودون العمل يصبح الوقت بلا قيمة، ممّا يجعل الإنسان بلا قيمة أيضًا، ومن الواجب معرفة أن الفقر لا يأتي من قلة الموارد، بل ينتشر من قلة العمل، وبالاطّلاع على الدول المتقدمة يُلاحَظ أنّها لا تتمتّع بالكثير من الموارد.[٣] ولكن بإرادة مواطنيها استطاعت العمل على زيادة تلك الموارد، وذلك من خلال عملٍ لا يكل ولا يمل، على أيدي عاملين يتقنون جميع أعمالهم بكلّ أمانة وإخلاص، أما الناظر في حال الدول النامية يجد أنها تتمتع بموارد وفيرة، لكنها دول تنتشر بها البطالة بشكل كبير؛ لأنّ هذه الدول لم تَسعَ إلى تقديم أيّ شيء لازدهارها، بل بحثت عن مصالح شخصية لا مصالح جماعية، مما أثرت سلبيًا على اقتصادها بالكامل، فهناك بعض الدول تعاني بشدّة، ولن تعود إلى رُشدها إلّا بالعمل والإتقان فيه.[٣]

العمل في الإسلام

وضعت الشرعية الإسلامية مجموعة من القواعد التي تبين مقاصد العمل السّامية، إذ ألزمت الشريعة الإسلامية أن يكون الأجر متناسبًا مع نوع العمل الذي يقوم به العامل، فلا يجوز الانتقاص من حقه وإعطائه أقلَّ من قيمة العمل الذي قام به، لأن العامل يُعيل أفراد أسرته ويلبي جميع احتياجاتهم فلا بُدّ أن يستحقّ أجرًا يغطي هذه الاحتياجات، كما أن الشريعة الإسلامية نصت على تخصيص وقت راحة للعامل، للمحافظة على طاقاته حتى يُتقن جميع الاعمال التي يقوم بها.[٤] وفرضت قواعد الشرعية الإسلامية على العامل أن يقوم بعمله على أكمل وجه، وينفذه بإخلاصٍ وأمانة، كما لو أنّه عمله الشّخصي، ويتعيّن على صاحب العمل أن يقابل إخلاص العامل بحُسن المعاملة، وعدم تحميله جهدًا يفوق طاقاته، واخيرًا يجب حماية جميع العمل من جميع الإصابات التي من الممكن أن تقع عليه أثناء تنفيذ العمل، وتوفير التأمينات اللازمة له في ضوء ذلك، ويجب عدم القيام بأي عمل مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية.[٤]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت