القضاء بين الضمير والقانون
القاضي عبد الستار بيرقدار
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

المعروف أن القضاء يحتكم إلى القوانين في استصدار أحكامه، وأن القوانين لا تحقق بالضرورة العدالة، فقد يخطئ في فهم أحد النصوص أو الأقوال، وقد يكون له رأيه المخالف في تفسير نص فتتأثر تقديراته، فقد يكون القاضي غير ملم بجميع المواد التي تعينه على التقدير، وقد يخطئ في تفسير بعض النصوص، وقد يأخذ بظاهر النصوص، وقد يكون له تفسيره الخاص، وقد تكون القوانين بها عوار.

في النهاية تتشكل قناعة القاضي ويصدر حكمه، وقد تكون الأحكام متوافقة مع منطوق النصوص، وقد يكون بعضها بعيدا عن مفهومها، فالأحكام كما سبق وذكرنا تقديرية، تخضع لِحِرفية القاضي ومدى إلمامه بالقوانين وفهمه لنصوصها وللقضية المنظورة، فهي ليست عملية حسابية، المدخلات تفضي بالضرورة إلى مخرجات بعينها، لهذا اختلفت درجات التقاضي، ما التبس على قاضي الدرجة الأولى ينبه إليه قضاة الاستئناف، وما غاب عن قضاة الاستئناف حضر أمام قضاة محكمة التمييز، الخطأ وارد لأن الأحكام تخضع لتقدير القاضي والخطأ وارد لأن المرجعية في القضاء القوانين التي وضعها مشرع، والخطأ وارد لكثرة القوانين وتعديلاتها..

إذا كان الأمر على ما وضحنا، ما هو دور الضمير هنا؟، وهل هو الذي يساعد القاضي على فهم النصوص؟ وهل اختلاف الأحكام يعني بالضرورة اختلاف الضمائر؟، هل سوء تقدير قاضي الدرجة الأولى يعني أن ضميره غائب أو باهت أو ضعيف أو أنه خالف ضميره؟ بالطبع الإجابة بالنفي، فالضمير ليس له محل من الإعراب، ومن يخالف ضميره في القضاء مثل من يخالف ضميره في الصحافة والطب والهندسة والشرطة والجيش والوزارة والوظيفة، وهذه المخالفة في حد ذاتها خروج على القانون وليس خروجا على الضمير، فعندما نقول فلان (الصحفي، القاضي، الضابط، الطبيب..) قد خالف ضميره، نعني أنه خالف القوانين المعمول بها في وظيفته، وما يقال إن القاضي راعى ضميره في الحكم، هو كلام مجازي ليس له محل من الإعراب، لأن المفترض في القاضي أو الضابط أو الصحفي أو الاعلامي أو الموظف أو الوزير أن يعمل بضمير، وألا يخالف شروط وقوانين وظيفته، إذا خالف القاضي ضميره يعنى انه خالف قوانين وظيفته، وإذا حكم ضميره يعني أنه التزم بقوانين وظيفته، الضمير مجرد آلة أو أداة لتثمين الأفعال الإنسانية، وليست أداة تساعد القاضي على فهم النصوص أو تقدير الأحكام، وحضور الضمير أو غيابه ليس له علاقة بالأحكام ولا بصحتها.