عرض قانوني لاختصاصات البرلمان التشريعية في مشروع دستور 2011 المغربي

نقوم في البداية بتعريف التشريع مع بيان أهميته في العصر الحديث وتدرجه في المطلب الأول، ثم نتحدث عن مجال التشريع العادي في المغرب وفق منظور مشروع دستور 2011 في المطلب الثاني.
المطلب الأول : تعريف التشريع مع بيان أهميته في العصر الحديث وتدرجه
ونقسم هذا المطلب بدوره إلى فقرتين, نخصص الأولى لتعريف التشريع مع بيان أهليته في العصر الحديث والثانية لتدرج التشريع.

الفقرة الأولى : تعريف التشريع مع بيان الأهمية

– أولا : التعريف بالتشريع
يطلق لفظ التشريع على كل قاعدة قانونية مكتوبة تصدرها السلطة العامة المختصة وفقا للقواعد الدستورية المعمول بها في الدولة.
ويعتبر التشريع هو المصدر الرسمي والأصلي للقانون في أغلب دول العالم، ومنها المغرب، وهناك من الدول من يعطي الصدارة للعرف كالدول الانجلوسكسونية، ولكن الملاحظ في العصر الحديث اتساع مجال التشريع وازدياد أهميته .
ويطلق اصطلاح :» التشريع» أيضا على القواعد القانونية نفسها والتي وضعتها السلطات العامة المختصة في الدولة، أي أن الاصطلاح يستعمل أحيانا بمعنى المصدر، وأحيانا بمعنى القواعد التي تستمد من هذا المصدر[1].
ويتميز التشريع طبقا للتعريف السابق عن باقي مصادر القاعدة القانونية الأخرى بمجموعة من الخصائص منها:

1 – التشريع يضع قاعدة قانونية
يجب أن تتوافر في التشريع خصائص القاعدة القانونية بأن تكون قاعدة سلوك وقاعدة اجتماعية وقاعدة عامة ومجردة وأخيرا يجب أن تكون القاعدة ملزمة ومقرونة بالجزاء.
فلابد للقاعدة القانونية من اتصافها بصفة العمومية والتجريد, إذ الخطاب القانوني لا يوجه إلى أشخاص معينين بذواتهم أو وقائع محددة بعينها ,لأن مثل هذا الأمر وان صدر عن سلطة مختصة في الدولة, فإنه لا يصنع قاعدة مجردة وعامة ويذهب بعض الفقهاء(1) إلى أن تخلف صفة العمومية والتجريد في قاعدة قانونية معينة تجعله قانونا من الناحية الشكلية دون الموضوعية، ومثال ذلك التشريع الذي يقضي بمنح احتكار لشركة معينة وحدها للتنقيب عن البترول مثلا، فهذا التشريع يعتبر قانونا من الناحية الشكلية لأنه صدر طبقا للشكلية المتبعة في إصدار التشريعات. أما من الناحية الموضوعية فإن انتفاء صفة العموم والتجريد تحول دون اعتبار مثل هذا القانون تشريعا لأن التشريع هو الذي يستوفي الناحيتين معا الموضوعية والشكلية في ذات الوقت أي القواعد القانونية المكتوبة الصادرة عن سلطة عامة مختصة لتنظيم علاقات الأفراد بطريقة عامة ومجردة.

2 – التشريع يصدر في صورة مكتوبة
إن التشريع يظهر ويخرج إلى الوجود دائما في صورة وثيقة مكتوبة تحدد نصوصه وألفاظه ومضمونه وفحواه وبذلك تكون القاعدة القانونية ثابتة ومحددة وبالتالي واضحة خالية من الإبهام والغموض ، ومن هنا يتميز التشريع عن العرف الذي لا يرد في قالب مكتوب.
وكتابة التشريع يوفر له حظا كبيرا من الدقة والتحديد والوضوح مما يؤدي إلى استقرار المعاملات وتحقيق الأمن العام وسهولة العلم به واطلاع اكبر عدد ممكن من الأشخاص على فحواه .

3 – التشريع صادر عن سلطة عامة مختصة
إن القاعدة التشريعية لا تتكون بشكل تلقائي وعفوي, بل هي وليدة سلطة عامة مختصة بوضعه يتولى الدستور بيان اختصاصها وحقها في التشريع داخل الدولة.

ثانيا : أهمية التشريع في العصر الحديث
يحتل التشريع في العصر الحديث مركز الصدارة بين مصادر القاعدة القانونية بعد أن كانت العصور القديمة يحتل فيها العرف والدين هذه الصدارة(1)، ولكن بعد الثورة الفرنسية وبعد وضع مدونة نابليون سنة 1804 ازدادت أهمية التشريع ، واصبح في الوقت الحاضر يلعب دورا بالغ الأهمية في معظم بلاد العالم حتى وصف بحق بأنه المصدر الأساسي للقاعدة القانونية ، ويعد المصدر الوحيد للقاعدة القانونية الجنائية بشكل خاص لأنه يسود في هذا القانون مبدأ هام يقضي بأنه: [ لا جريمة ولا عقاب إلا بنص قانوني]
وبصفة عامة ترجع أهمية التشريع وازدياد سلطانه في العصر الحديث إلى عدة عوامل منها:

1 – توطيد سلطان الدولة وتركيزها، ذلك أن الدولة جمعت في يدها سلطة التشريع واصبح ذلك حكرا عليها. بحيث تصدر القواعد القانونية التي تكاد تشمل مختلف اوجه النشاط في المجتمع وتنظيمها، وتكاد لا تترك مسألة تنظمها القواعد المستمدة من المصادر الأخرى.

2 – الأنظمة الديمقراطية المعاصرة تأخذ بمبدأ فصل السلطات وأدى هذا المبدأ إلى ظهور سلطة مختصة تتولى مهمة التشريع وأضحى نشاط هذه الهيئة في سن التشريع متزايدا.

3 – انتشار الأفكار الاشتراكية أدى إلى ازدياد تدخل الدولة في تنظيم شؤون الأفراد بما يعود على المجتمع بالفائدة وهذا التدخل من طرف الدولة يتم أصلا عن طريق سن التشريع فكثير من المرافق كالتعليم والصحة وشؤون العمال والضمان الاجتماعي كانت تعتبر أمورا تهم الأفراد وبصفة خاصة الأطراف المتعاقدة فقط, بينما اصبح اليوم من المهام الأساسية للدولة المعاصرة، تصدر فيها تشريعات مختلفة تحقق بمقتضاه التوازن الاجتماعي وتكفل العدل والمساواة لجميع الفئات.

لقد اصبح التشريع في المجتمعات الحديثة هو المصدر الغالب لقواعد القانون الوضعي، وبالرجوع إلى الخصائص التي أشرنا إليها يمكن أن نحدد مزايا التشريع فيما يلي:

1 – سرعة الإنشاء والتعديل والإلغاء
التشريع يمتاز بسهولة وسرعة وضعه وتعديله وإلغائه بما يمكن الدولة من مواجهة مختلف اوجه النشاط في المجتمع ومواجهة أي نوع جديد للعلاقات القانونية, وبذلك يستجيب بسرعة لضرورات المجتمع لأن العملية التشريعية لا تستغرق وقتا طويلا، وقد تقتضي مصلحة المجتمع تعديل القواعد القانونية القائمة أو إلغائها بصفة نهائية, إذا ثبت عدم جدواها وملاءمتها لظروف الحال وذلك بسرعة ويسر كبيرين، وبهذا يتميز التشريع عن العرف الذي ينشأ ويزول بكيفية بطيئة جدا ومن الصعب تغييره أو تعديله بسرعة , بل انه من الصعب أيضا إنشاء قاعدة عرفية لأن عنصر الزمن فيه يعد أساسيا سواء في تكوينه أو تعديله أو إلغائه.

2 – سهولة معرفته والرجوع إليه
إن التشريع يمتاز بالدقة والوضوح لأنه ينشأ قاعدة قانونية مكتوبة وقد رأينا بأن من أهم خصائص التشريع هو صدوره في وثيقة مكتوبة على يد هيئة مختصة في إصداره ، فيأتي مضمون القاعدة القانونية واضحا ومحددا مما يسهل مهمة القاضي وييسر معرفة الأفراد بالقواعد القانونية التي تحكم معاملاتهم ويمكنهم من معرفة حقوقهم وواجباتهم وهذا يؤدي إلى الاستقرار في المعاملات وفي علاقات الأفراد بعضهم ببعض, لأن كل واحد يعرف حدود نشاطه ويعلم ما يرتبه القانون من جزاءات في حالة مخالفة القواعد القانونية وهذا كله بخلاف العرف الذي يقتصر دوره على إنشاء مضمون القاعدة القانونية دون أن يصوغ هذا المضمون في وثيقة مكتوبة وينجم عن ذلك صعوبة التحقق من وجود العرف كما ينشأ الخلاف حول تحديد معناه.

3 – من مزايا التشريع تحقيق وحدة القانون في الدولة
فالتشريع يضع قواعد قانونية عامة ومجردة بواسطة السلطة العامة في الدولة لكي يطبق على كافة أفراد المجتمع في مختلف المناطق والأقاليم والتوحيد القانوني يساعد على التوحيد السياسي للبلد الواحد، وبذلك يكون القانون عاملا هاما في تحقيق الوحدة القومية(1)، ولعل موضوع توحيد التشريعات في البلدان العربية من أهم العناصر المساعدة في تحقيق الوحدة العربية.

الفقرة الثانية: تدرج التشريع
يذهب الفقه عادة إلى القول بأن التشريع يتميز بظاهرة تدرجه إلى ثلاث درجات بعضها فوق بعض، فالدستور هو التشريع الأساسي في الدولة وهو أقوى درجات التشريع وأهمها وأعلاها في المرتبة، ويليه في الدرجة التشريع العادي الصادر أصلا عن السلطة التشريعية أو سلطات أخرى يعطي لها الدستور صلاحية إصداره، ثم يليه في الدرجة الأدنى التشريع الفرعي الصادر عن السلطة التنفيذية.

والتدرج يؤدي إلى وجوب تقييد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة الأعلى درجة، فالتشريع الفرعي يجب أن لا يخالف التشريع العادي ولا الدستور، والتشريع العادي يجب أن لا يخالف الدستور، وهذا ما يدعو إلى إقامة رقابة على صحة التشريع للتأكد من مطابقة الأدنى للأعلى, سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع. فمن الناحية الشكلية يجب أن تتوفر في القاعدة القانونية الدنيا جميع الشروط وكافة الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في القاعدة العليا كضرورة صدور القاعدة طبقا لإجراءات معينة أو صدورها عن سلطة خاصة… أما من حيث الموضوع, فإنه لا يمكن للقاعدة الدنيا أن تتضمن مقتضيات تعدل أو تخالف مقتضيات القاعدة الأعلى.

وإذا كانت اغلب مؤلفات المدخل لدراسة القانون تصنف قواعد التشريع بحسب أهميتها وقوتها بحيث تجعل في القمة القواعد الدستورية ثم التشريع العادي الذي يطلق عليه أيضا لفظ القانون بالمعنى الضيق ثم التشريع الفرعي، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى تصنيف آخر لهذا التدرج التشريعي وتجعله على الشكل التالي:

q1 – إعلان حقوق الإنسان(1): وهي مبادئ عامة للقانون ، وهي حقوق لصيقة بالإنسان كالحق في الحياة والحرية والتعليم… واغلب الدول الحديثة تنص على هذه الحقوق في ديباجة دساتيرها وتعطي لها الأولوية نظرا لأهمية هذه الحقوق، وقد نص الدستور المغربي لسنة 1992 في ديباجته على أن المملكة المغربية تؤكد تمسكها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا)، وهذا ما أكده أيضا دستور 13 شتنبر 1996 الأمر الذي جعل مسألة حقوق الإنسان في المغرب تقطع مرحلة هامة ، كما أن ديباجة الدستور لسنة 1996 تلزمنا كما يرى البعض(1): ((الاعتداد بما يسمى بالجيل الثالث)) وان حقوق الإنسان أصبحت تفرض نفسها على الصعيد الدولي وهي ترتكز أساسا على فكرة التضامن والحق في التواصل والتراث المشترك للإنسانية.

وتم التنصيص أيضا على هذه المقتضيات في مشروع دستور 2011 إذ ورد في التصدير: «وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا…»

2 – الدستور: وهو مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتوزيع السلطات والهيئات وعلاقاتها ببعضها، وتبين الحريات العامة …الخ [تراجع مؤلفات القانون الدستوري]

3 – المعاهدات الدولية: وهي اتفاقية توقع عليها الدولة بكامل سيادتها مع دولة أخرى أو مجموعة من الدول أو هيئة أو مؤسسة دولية، وقد قام نقاش حاد بين رجال الفقه والقضاء حول أسبقية المعاهدة على القانون أو العكس عند التعارض، وهكذا نجد في فرنسا مثلا أسبقية المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف البرلمان على القوانين العادية الصادرة عن هذا الأخير بمقتضى المواد 53 إلى 55 من الدستور. ولم يوجد نص صريح في كل الدساتير المغربية حول أسبقية المعاهدة الدولية على التشريع العادي أو العكس وأوضح الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 1996المبدأ العام القاضي بإسناد صلاحية التوقيع والمصادقة على المعاهدات إلى الملك، ونص أيضا على أن المعاهدات التي تلزم مالية الدولة لا يمكن المصادقة عليها إلا بعد موافقة عليها بقانون[1].

ولأول مرة يتم التنصيص صراحة في مشروع دستور 2011 على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية وهكذا ورد في التصدير على «جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية ، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة». وهكذا تسمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية.

المطلب الثاني: مجال التشريعي العادي في مشروع دستور 2011

التشريع العادي أو القانون بالمعنى الضيق هو مجموعة من القواعد القانونية المكتوبة التي تنظم مختلف شؤون الحياة في المجتمع ويقوم الدستور بتعيين السلطة المختصة بسن هذا التشريع.
والأصل أن السلطة التشريعية هي المختصة بسن التشريع العادي, ومع ذلك نجد في بعض الحالات تحل السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعية في إصدار هذه التشريعات.

والمبدأ العام المكرس في الدساتير المغربية الخمسة هو أن القانون تضعه السلطة التشريعية، فالفصل 44 من دستور 1992 ينص صراحة على أنه: ((يصدر القانون عن مجلس النواب بالتصويت)) وهذا ما أكده أيضا دستور 13 شتنبر 1996 في الفصل 45.

وينص الفصل 70 من مشروع دستور 2011 على أنه: «يمارس البرلمان السلطة التشريعية».
قبل صدور دستور 1962 كان المغرب يعيش في ظل نظام دمج السلط. فباستثناء السلطة القضائية كانت جميع السلط في يد رئيس الدولة, إذ كان يمارس السلطتين معا التنفيذية والتشريعية وكان للعلماء دور هام, إذ كانوا يشرعون مباشرة في الميادين الخاضعة تقليديا للشريعة الإسلامية وكانوا يستفتون لزوما بالنسبة للميادين الأخرى الخاضعة للظهير السلطاني(1)، وفي عهد الحماية أسندت السلطة التشريعية للسلطان فكان يتخذ في شكل ظهير كل التدابير العامة والفردية، التنظيمية والتشريعية وحتى ((بعد الاستقلال كان نظام الحكم في المغرب نظاما مطلقا وكان الملك باعتباره صاحب السيادة يجمع بين يديه السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يكن بمقدور المحاكم مراقبتها عن طريق مراقبة شرعية الظهائر ‘

ولما صدر الدستور الأول في 14 دجنبر 1962 تم لأول مرة في المغرب الفصل دستوريا بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وكانتا بيد الملك – وذلك بإسناد الأولى إلى البرلمان وأسندت السلطة التنظيمية إلى الحكومة وبالتالي تم الفصل بين القانون واللائحة « La loi et le réglement «.

كما أن الدساتير المغربية المتعاقبة لسنوات 1970 و 1972 وكذلك دستور 1992 ودستور 1996 قد ميزت بين مصدرين هامين وأساسيين للقاعدة القانونية وهما: القانون واللائحة. وإذا كانت القاعدة العامة في الدساتير المغربية الخمسة أن القانون يصدر عن البرلمان كما يقضي بذلك صريح الفصل 44 من دستور 1992 والذي أصبح الفصل 45 في دستور 1996 وأصبح الفصل 70 في مشروع دستور 2011 , فإن هذه القاعدة ليست مطلقة وإنما تعرف بعض الاستثناءات ,إذ قد يصدر القانون عن الحكومة كما يمكن أن يصدر عن الملك في حالات خاصة.

إن نطاق التشريع العادي لا يتناول جميع مظاهر الحياة في المجتمع المغربي، بل إن الدستور المغربي وزع هذا التنظيم بين التشريع العادي الذي يسنه البرلمان وبين النصوص التنظيمية الصادرة عن الحكومة باعتبارها سلطة تشريعية فرعية لذلك يسمى ما ينضوي تحت لواء التشريع العادي بالقانون بينما يسمى ما يدخل في إطار التشريع الفرعي بالسلطة التنظيمية أو اللائحة .

إن مراجعة دستور13 شتنبر 1996 جاءت بإحداث مجلس المستشارين وإعطائه صلاحيات مهمة بجانب مجلس النواب، ومن ثم تغير هيكلة البرلمان المغربي بتبني نظام المجلسين عن طريق إحياء مجلس المستشارين الذي عرفه المغرب في دستور 1962. وقد أكد الفصل 60 من مشروع دستور 2011 على أن البرلمان المغربي يتكون من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس المستشارين.

وأصبح التشريع حقا مشتركا بين غرفتي البرلمان, سواء من حيث اقتراح قوانين جديدة أو من حيث تعديل اقتراح قانون تقدمت به الغرفة الأخرى أو مشروع قانون، وفي الغالب فإن المشاريع والمقترحات ستعرض أولا على مجلس النواب ثم بعد ذلك تحال على مجلس المستشارين وذلك إسوة بالتجربة الفرنسية الحالية، والتجربة المغربية طبقا لدستور 1996 وتجارب عدة دول برلمانية[1].

وقد نص الفصل 78 من مشروع دستور 2011 على أنه تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة على وجه الخصوص بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية تودع بالأسبقية لدى مكتب المستشارين.

*هوامش

-1 فقد يطلق اسم التشريع على القانون ، فيقال : القانون المدني والقانون الجنائي ، وفي الحقيقة القانون هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة أيا كان مصدرها سواء التشريع الصادر من السلطات المختصة أو كان مصدرها العرف أو مبادئ الشريعة الإسلامية أو غيره ، لذلك فالقانون أوسع من التشريع ، وإذا أخذنا التشريع بمعنى القانون المكتوب فانه سيكون جزء من التشريع كقولنا القانون المدني .
1 – ومنهم : الفقيه ريير : Ripert ، ومارتي Marty ، ورينو Raynaud .
(1)- بل إن التشريع كان عاملا هاما في تحقيق الوحدة الوطنية في دول عديدة كما حصل في وحدة إيطاليا وألمانيا عام 1870.
(1)- انظر زميلنا ذ. محمد بضري – حقوق الإنسان والحريات العامة – دراسة دولية وطنية – الطبعة الأولى 1995 – دار النشر الجسور بوجدة.
1 – راجع بتفصيل هذا الموضوع : ذ. محمد اشركي : الظهير الشريف في القانون العام المغربي – مطبعة دار الثقافة بالدار البيضاء 1983 ص 21 وما بعدها .
وراجع : محمد حاجيي : تحليل أولي لعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية من خلال قراءة لمشروع – مراجعة الدستور – جريدة الإتحاد الاشتراكي – عدد 4780 – بتاريخ الأربعاء 11 شتنبر 1996 -ص 5.
ويخص الدستور المغربي على وجه التحديد المواد الراجعة للقانون ويتعلق الأمر هنا باختصاص استثنائي، أما الاختصاص التنظيمي فإنه اختصاص عام، ففي دستور 1970 يلاحظ اتساع مجال اللائحة على حساب القانون، وأعاد دستور 1972 تنظيم مجالي القانون واللائحة حيث تم توسيع المجال التشريعي على حساب المجال التنظيمي، وتم تقليص السلطة التنظيمية للملك لفائدة السلطة التنظيمية للوزير الأول , ولكن الاختصاص التشريعي بقي اختصاصا استثنائيا بالمقارنة مع اختصاصات السلطة التنظيمية للحكومة، فالفصل 46 من دستور 1972 ينص على أن المسائل التي لا يشملها اختصاص القانون يختص بها المجال التنظيمي، ونفس المبدأ كرسه أيضا دستور 1992 ونص عليها أيضا الفصل 47 من دستور 1996.
وأعاد الفصل 72 من مشروع دستور 2011 نفس المقتضيات بالنص على أنه: «يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون».
ولا يجوز للبرلمان أن يتجاوز حدود اختصاصه فيما يصدره من قوانين وإذا قدم إليه اقتراح قانون يخرج عن دائرة اختصاصه, فإنه يجوز للحكومة أن تدفع بعدم قبول هذا الاقتراح وفي حالة الخلاف بين الحكومة والبرلمان يتدخل المجلس الدستوري لحسم النزاع في ظرف ثمانية أيام بطلب من مجلس النواب أو من الحكومة طبقا للفصل 52 من دستور 1992 والفصل 53 من دستور 1996.
ونص الفصل 79 من مشروع الدستور لسنة 2011 على أنه: «للحكومة أن تدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون. كل خلاف في هذا الشأن تبت فيه المحكمة الدستورية في أجل ثمانية أيام بطلب من أحد رئيسي المجلسين أو من رئيس الحكومة».
وبالرغم من كون اختصاص البرلمان في المجال التشريعي اختصاص استثنائي ولكن المواد الراجعة للقانون مواد أساسية وهامة لأنها تتعلق أساسا بحقوق وحريات الأفراد وتهتم بالمصالح الحيوية للبلاد، وقد حدد الفصل 46 من دستور 1996 مجموعة من المسائل التي تدخل في اختصاص البرلمان، كما يختص البرلمان بالإضافة إلى ذلك بأمور أخرى اسندها إليه الدستور صراحة منها: التصديق على المعاهدات وإصدار القوانين التنظيمية وإمكانية مراجعة الدستور وهذه المقتضيات ورد عليها النص في دستور 1992 وقد أضاف دستور 1996 اختصاصات جديدة للبرلمان في المجال التشريعي.
وتم توسيع مجال القانون في ظل مشروع دستور 2011 ليرتفع عدد مواده من 30 الى 60 مادة من بينها 26 قانون تنظيمي ولاسيما ما تعلق بالضمانات في مجال الحقوق والحريات والعفو العام والتقطيع الانتخابي ومجالات الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية.
إن توسيع سلطات البرلمان في المجال التشريعي يعد من أبرز المستجدات التي أتى بها مشروع دستور 2011 حيث يمارس البرلمان السلطة التشريعية بشكل واسع ويصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات الحكومية ، كما تم لأول مرة ضبط مجال التشريع بدقة من خلال توسيع صلاحيات البرلمان والانتقال من 20 اختصاصا الى 40 اختصاصا لسن قوانين ذات أهمية وشاملة لمختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية و…الخ .
أولا : مضمون الفصل 46 من دستور 1996 ومضمون الفصل 71 من مشروع دستور 2011
ينص الفصل 46 من دستور 1996 على انه: ((يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين الآتية:
– الحقوق الفردية والجماعية المنصوص عليها في الباب الأول من هذا الدستور
تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها والمسطرة الجنائية والمسطرة
المدنية وإحداث أصناف جديدة من المحاكم
– النظام الأساسي للقضاة
– النظام الأساسي للوظيفة العمومية
– الضمانات الأساسية للوظيفة العمومية
– الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين
– النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية
– نظام الالتزامات المدنية والتجارية
– إحداث المؤسسات العمومية
– تأميم المنشآت ونقلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص
للبرلمان صلاحية للتصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)).
أما الفصل 71 من مشروع دستور 2011 فإنه يضيف عدة مقتضيات ذات أهمية بالغة بالنص على ما يلي:
[يختص القانون بالإضافة الى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في الميادين التالية:
– الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير، وهي فصول أخرى من هذا الدستور
– نظام الأسرة والحالة المدنية
– مبادئ وقواعد المنظومة الصحية
– نظام الوسائط السمعية البصرية والصحافة بمختلف أشكالها
– العفو العام
– الجنسية ووضعية الأجانب
– تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها
– التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم
– المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية
– نظام السجون
– النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية
– الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين
– نظام مصالح وقوات حفظ الأمن
– نظام الجماعات الترابية ومبادئ تحديد دوائرها الترابية
– النظام الانتخابي للجماعات الترابية ومبادئ تقطيع الدوائر الانتخابية
– النظام الضريبي ووعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها
– النظام القانوني لإصدار العملة ونظام البنك المركزي
– نظام الجمارك
– نظام الإلتزامات المدنية والتجارية، وقانون الشركات والتعاونيات
– الحقوق العينية وأنظمة الملكية العقارية العمومية والخاصة والجماعية
– نظام النقل
– علاقات الشغل، والضمان الإجتماعي، وحوادث الشغل، والأمراض المهنية
– نظام الأبناك وشركات التأمين والتعاضديات
– نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
– التعمير وإعداد التراب
– القواعد المعلقة بتدبير البيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة
– نظام المياه والغابات والصيد
– تحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني
– إحداث المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام
– تاميم المنشآت ونظام الخوصصة
للبرلمان ، بالإضافة الى الميادين المشار اليها في الفقرة السابقة صلاحية التصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية].
ثانيا : التصديق على المعاهدات
ينص الفصل 31 من دستور 1996 في فقرته الثانية على أنه: يوقع الملك المعاهدات ويصادق عليها غير أنه لا يصادق على المعاهدات التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة إلا بعد الموافقة عليها بقانون.
وورد في الفقرة الثانية من الفصل 55 من مشروع دستور 2011 على أنه: يوقع الملك على المعاهدات ويصادق عليها، غير أنه لا يصادق على معاهدات السلم أو الإتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة أو يستلزم تطبيقها إتخاذ تدابير تشريعية، أو بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة إلا بعد الموافقة عليها بقانون.
ثالثا: القوانين التنظيمية
يختص البرلمان أيضا بإصدار القوانين التنظيمية» Lois organiques « إلى جانب اختصاصه بإصدار التشريع العادي.
وتختلف القوانين التنظيمية عن غيرها من القوانين الصادرة عن البرلمان من حيث مسطرة وضعها ومن حيث أهميتها، فمن حيث الأهمية تعتبر أعلى درجة من القانون نظرا لتعلقها بتنظيم المؤسسات الدستورية ومن هنا تعتبر هذه القوانين امتدادا وتكميلا لنصوص الدستور تكتسب أحيانا الاستقلال في تشريع بعض القواعد التي لها الصفة الدستورية في الأصل ولم يتناولها الدستور ولكنه أحال في شأنها على هذه القوانين التنظيمية[1]
ولكن ارتباط القوانين التنظيمية بالدستور لا يعني أبدا أنها في درجة واحدة أو من نفس طبيعته وأيضا فإن مسطرة وضع هذه القوانين تختلف عن مسطرة وضع الدستور، وقد حدد الفصل 58 من دستور 1996 مسطرة وشروط سن القوانين التنظيمية وتغييرها وهي:
أ- إن المجلس الذي يعرض عليه أولا مشروع أو اقتراح قانون تنظيمي لا يمكن أن يتداول فيه أو يصوت عليه إلا بعد مرور 10 أيام على تاريخ إيداعه لديه.
ب- يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين باتفاق بين مجلسي البرلمان على نص موحد.
ج – لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إلا بعد أن يصرح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور.
وقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 132 من مشروع الدستور الجديد على أنه تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل اصدار الأمر بتنفيذها والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور.
هذا ويحيل دستور 1996 على تسع قوانين تنظيمية، أما مشروع دستور 2011 فقد وسع من دائرة القوانين التنظيمية لتصل الى 26 مشرع قانون تنظيمي مع التنصيص على وضع آجال ملزمة لإصدار هذه القوانين التنظيمية الأمر الذي لم تعرفه كل الدساتير السابقة بدليل الفصل 14 المتعلق بالحق في الاضراب والذي يحيل على قانون تنظيمي سيصدر مستقبلا ولم يصدر هذا النص مطلقا.
رابعا : مراجعة الدستور
لقد أصبحت إمكانية مراجعة الدستور في ظل دستوري 1972 و 1992 ودستور 1996 موزعة بين الملك والبرلمان (الفصل 97 من دستور 1992 والفصل 103 من دستور 1996) إلا أن اقتراح مراجعة الدستور الصادر عن البرلمان لن يكون مقبولا إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس المعروض عليه الاقتراح ويحال الاقتراح بعد ذلك على المجلس الآخر(الفصل 104 من دستور 1996) وفي جميع الأحوال تعرض جميع مشاريع واقتراحات المراجعة على الشعب للاستفتاء فيه بمقتضى ظهير وتصبح المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء [الفصل 105 من دستور 1996].
أما الدستور الجديد فقد تضمن تقريبا نفس المقتضيات بالنص في الفصل 172 على أنه للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين، حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور.
للملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء المشروع الذي أتخذ المبادرة بشأنه، ويضيف الفصل 173 بأنه لاتصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان إلا بتصويتى أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم.
يعرض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري بعد التداول بشأنه في مجلس الحكومة…الخ.
وهكذا وسع مشروع دستور 2011 من مجال القانون على حساب المجال التنظيمي.
(*) أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق
جامعة محمد الأول وجدة