الخلاف الفقهي حول وجود نظام عام عبر دولي

يرتبط ظهور النظام العام العبر دولي بفكرة وجود القواعد العبر دولية ارتباطا قد يكون عضويا، بمعنى اعتباره الجانب الأمر لهذه القواعد. الأمر الذي يوجب البحث في القواعد العبر دولية والنظام العام العبر دولي وعليه فدراستنا لهده النقطة في إطار الخلاف بين الاتجاهين الفقهيين سيكون بالموازاة وبالضرورة بالقواعد الموضوعية وذلك لصعوبة الفصل بينهما، وذلك من خلال ثلاث جزئيات على التوالي نخصص الأولى منها للحديث عن الاتجاه المنكر لوجود النظام العام العبر دولي ، على أن نخصص الثانية للحديث عن الاتجاه المؤيد لوجوده ، ثم أخيرا نتناول مسألة سمو النظام العام العبر دولي.

قد يحدث أحيانا بل واقعيا أن تتقاعس القوانين الوطنية عن اللحاق بركب التطورات والمستجدات التي يعرفها العالم خاصة في مجال التجارة الدولية، ليجد المحكم نفسه أمام فراغ تشريعي يتعين تكملته أو سد النقص الذي يعتريه أو حتى يكلف نفسه عناء البحث عن نصوص قوانين وطنية لا تتلاءم البثة مع المعطيات الجديدة التي تفرضها العلاقات الخاصة الدولية، باعتبار أن مجال التجارة الدولية هو مجال للتطور والتغيير بامتياز، ولايمكن للقوانين الوطنية تدارك ركبها.

ومع بروز قواعد نظام عام عبر دولي يستهدف الحفاظ على مصالح أسمى من مصالح العاملين في مجال التجارة الدولية وكذلك اتجاها نحو تقرير حماية بعض فئات المتعاملين في ميدان التجارة الدولية أو بمعنى أصح تطبيق أو تقرير قواعد تطبق في بعض الحالات لصالح أحد أطراف هذه التجارة متى توافرت شروطها لكن ماتجدر الإشارة إليه هو أن استخدام مصطلح النظام العام العبر دولي فيما سيرد من قرارات وما أوردناه سالفا كان معظمه جوازيا، استنادا إلى تحليلات فقهية وتوجهات عامة تسير في هذا الاتجاه.

في ضوء القرارات التحكيمية والقضائية والآراء الفقهية السابق الحديث عنها، فقد تقررت بعض قواعد النظام العام العبر دولي، مستهدفة حماية مصالح تعتبر سامية وبامتياز على الإرادات الفردية وحتى على القوانين الداخلية، ومن هذه القواعد تلك الخاصة بمكافحة الرشوة، وحماية حقوق الإنسان، وكذلك القواعد الخاصة بمكافحة الاتجار في المواد الخطرة والقواعد الخاصة بالحفاظ على البيئتين الثقافية والطبيعية. كما مر معنا فإن تقرير إمكانية الدولة أو الأشخاص العموميين باللجوء إلى التحكيم يشكل أحد التطبيقات الهامة التي ساهمت في بلورة مفهوم نظام عام عبر دولي الذي يسموا عن القوانين الداخلية المخالفة لأحكامه، ولئن كانت التطبيقات التحكيمية قد تعرضت إلى هذه المسائل ، فإن الواقع القانوني لايقصر قواعد النظام العام العبر دولي عليها إذ يوجد توافق دولي وعالمي على اعتبار مكافحة تهريب المخدرات والإرهاب مع تحفظنا على المصطلح دائما من النظام العام العبر دولي انطلاقا من قرارات الأمم المتحدة بهدا الشأن.

المقصود بهذه الحماية، وهو تقرير قواعد أو مبادئ خاصة ذات طابع نظام عام عبر دولي تستهدف حماية بعض فئات المتعاملين في ميدان التجارة الدولية، كالقواعد أو المبادئ القاضية باعتبار ضرورة حماية الطرف الضعيف في ميدان العلاقات التعاقدية الدولية كجزء من النظام العام العبر دولي ، وكذلك الأمر بالنسبة لمبدأ حسن النية في التعاقد فماهي إذن صحة ودقة مثل هذا التوجه؟ لتكون دراسة هذه النقطة من خلال جزئيتين اثنين نتحدث في الأولى عن مسألة حماية الطرف الضعيف في العلاقات العقدية الدولية، على أن نخصص النقطة الثانية منها للحديث عن حسن النية في التعاقد.