المناقصة والمزايدة

يعد أسلوب المنافسة الطريقة الأساسية لإبرام العقود الإدارية، فهو يعمل على حماية المصلحة العامة للإدارة عن طريق إتاحة الفرصة أمامها لإبرام عقودها مع الأشخاص الذين يتقدمون بأفضل الشروط لهذا التعاقد سواء تعلق الأمر بتوريدات أو خدمات أو مقاولات أعمال مطلوبة للإدارة أو بيع بعض أموالها الخاصة.

والمنافسة تتم في شكلين: المناقصة والمزايدة، وعادة ما تكون المناقصة خاصة بتقديم المواد وإنجاز الخدمات وتنفيذ الأشغال على الوجه المحدد في دفتر الشروط، أما المزايدات فتكون خاصة بصفقات الإدارة التي تبيع فيها بعض أموالها. وفي سورية يحكم هذين النوعين من العقود المرسوم التشريعي رقم 228 لعام 1969 الناظم لعقود هيئات القطاع الإداري، وتقترب من أحكامه كثيراً أحكام المرسوم رقم 195 لعام 1974 الناظم لعقود المؤسسات والشركات والمنشآت العامة ذات الطابع الاقتصادي.

أولاً: المناقصة

تعد المناقصة adjudication الطريقة الأساسية لعقد العقود الإدارية، وتهدف إلى فتح باب التزاحم أمام المتعاقدين لتوفير أكبر عدد منهم للاشتراك فيها، ومن ثم انتقاء من يتقدم منهم بأنسب الأسعار بطريقة الظرف المختوم. وتقوم المنافسة على مبدأين أساسيين: العلنية والمساواة، وقد اعتُمدت العلنية تأميناً لمصلحة الإدارة ومصلحة المتعاقدين بآن واحد: فهي لمصلحة الإدارة لأنها تجلب أكبر عدد من المتزاحمين للحصول على أنسب الأسعار، وهي لمصلحة المتعاقدين حيث يكونون مطمئنين من سلامة المزاحمة وعدم وجود أي تواطؤ بين الإدارة وأحد المتزاحمين.

الإعلان عن المناقصة

كل عملية منافسة يجب أن تخضع لنشر مسبق. وهذا ما أكدته المادة العاشرة من المرسوم التشريعي رقم 228 بقولها: «يعلن عن المناقصة قبل موعد إجرائها بخمسة عشر يوماً على الأقل بالنسبة للمناقصات الداخلية، وخمسين يوماً على الأقل، بالنسبة للمناقصات الخارجية»، ويقصد بالمناقصات الداخلية المناقصات التي يسمح بالاشتراك فيها لرعايا الجمهورية العربية السورية والفلسطينيين العرب ورعايا دول الجامعة العربية، كما يقصد بالمناقصات الخارجية تلك التي يسمح بالاشتراك فيها للسوريين والعرب والأجانب.

ويتم الإعلان عن المناقصة في صحيفة يومية لمرة واحدة وفي نشرة إعلانات الدولة إن وجدت وفي وسائل الإعلام الأخرى عند الاقتضاء، كما يجوز تبليغ الجهات التي تهمها المناقصة وتبليغ البعثات العربية السورية في الخارج والبعثات الأجنبية المعتمدة في البلاد صوراً عن الإعلان المتعلق بالمناقصات الخارجية وعن بعض وثائقها.

ويجب أن يتضمن الإعلان: موضوع المناقصة، مكان تقديم العروض وجلسة المناقصة وزمانها، التأمينات المؤقتة والنهائية المطلوبة، الجهة التي يمكن الحصول منها على جميع المعلومات والشروط المتعلقة بموضوع المناقصة (المادة 11 من المرسوم رقم 228).

الاشتراك في المناقصة

اشترط المشرع فيمن يود الاشتراك في المناقصة عدة شروط منها: أن يكون عربياً سورياً أو عربياً فلسطينياً أو من رعايا إحدى الدول العربية، وألا يكون محروماً من الدخول في المناقصات أو التعاقد مع الإدارة أو الجهات العامة، ألا يكون محكوماً بجناية أو جرم شائن، أن يكون مسجلاً في السجل التجاري وفي إحدى غرف التجارة أو الصناعة أو الزراعة، ألا يكون من العاملين في الدولة. أما العارض الأجنبي فهو معفى من كثير من هذه الشروط.

كما فُرضت بعض الإجراءات على من يود الاشتراك في المناقصات وأهمها: أن يقدَّم المشترك مع عرضه التأمينات الأولية المطلوبة في دفتر الشروط، وأن يقدم العرض ضمن مغلفين مختومين، يُوضعان في مغلف ثالث معنون باسم الجهة المحددة في الإعلان ويكتب عليه موضوع المناقصة والتاريخ المحدد لإجرائها.

يتضمن المغلف الأول الوثائق التي تشعر بتوافر الشروط المطلوبة من العارض أو ممثله القانوني.

أما المغلف الثاني فيحتوي على العرض مع جدول الأسعار الإفرادية والإجمالية الموقع من العارض أو ممثله القانوني. ويجب أن يكون الجدول منظماً بصورة واضحة وجلية من دون شطب أو حك أو حشو، وألاّ يتضمن أي تحفظات أو استثناءات أو نص يجيز فسخ العقد. وفي هذا المجال يعد العرض المقدم من عدة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين ملزماً للموقعين عليه بالتكافل والتضامن تجاه الإدارة.

وعلى العارض أن يبين في عرضه موطناً مختاراً له في دمشق أو في أي مكان آخر تحدده دفاتر الشروط ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية ليكون صالحاً لإبلاغه جميع المراسلات والتبليغات الإدارية والقضائية.

ويحق للجنة المناقصة في حال وجود أي نقص في الوثائق أو المواصفات الفنية المطلوبة إعطاء مهلة للعارضين لاستكمال النواقص الحاصلة في عروضهم باستثناء التأمينات والأسعار وجدول تحديد الأسعار إن كان من المشترط تقديمها.

فض العروض

تجري الإدارة المناقصة في الوقت والمكان المحددين لها وفي جلسة علنية يسمح بحضورها لجميع المناقصين. ثم في الوقت المحدد تفض لجنة المناقصة المشكّلة لهذا الغرض المغلف الأول وتدقق في محتوياته، وتقرر قبول عروض من تتوافر فيهم الشروط المطلوبة للاشتراك في المناقصة واستبعاد عروض من لا تتوافر فيهم هذه الشروط وتعلن ذلك على الحضور، أما إذا لم يتقدم سوى عارض واحد فتعاد المناقصة بجميع إجراءاتها ويجوز للإدارة أن تقبل العرض الوحيد في المرة الثانية.

وبعد أن تعلن لجنة المناقصة أسماء العارضين الذين قُبلوا للاشتراك في المناقصة، تعمد إلى فض المغلف الثاني المقدم منهم، وتعمل على تصنيف العروض بحسب أسعارها بدءاً من السعر الأدنى، ثم يعلن رئيس اللجنة اسم المتعهد المرشح الذي تقدّم بالسعر الأدنى، وإذا تساوى عرضان أو أكثر في السعر الأدنى المعروض جرت مناقصة جديدة بين هؤلاء فقط في الجلسة نفسها وبطريقة الظرف المختوم، وإذا تساوت الأسعار في المرة الثانية جرت القرعة بينهم.

وقد فرض المشرِّع على لجنة المناقصة تدوين وقائع الجلسة بما فيها جميع الاعتراضات في محضر يوقع عليه جميع أعضائها والحاضرون من العارضين، كما تُوقع كل الوثائق التي يتقدم بها العارضون من قبل أعضاء اللجنة.

تُتخذ قرارات لجنة المناقصة بأكثرية عدد أصوات أعضائها الحاضرين، وفي حال تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس. هذا ولا تعد جلسة المناقصة قانونية إلا إذا حضرها ثلاثة على الأقل من لجنة المناقصة من بينهم الرئيس.

رسو المناقصة وتصديقها

ومع أن القرار الذي تتخذه لجنة المناقصة بتحديد المرشح المقبول عرضه هو قرار نهائي فإن هذا المرشح لا يعد متعهداً إلا عند استكمال إجراءات التصديق على قرار اللجنة وتبليغه أمر المباشرة. وفي هذا المجال يحق للإدارة العدول عن تنفيذ موضوع المناقصة في أي وقت قبل تبليغ المتعهد أمر المباشرة من دون أن يكون له الحق في أي تعويض. وعلى كل حال أوجب المشرع على المتعهد المرشح أن يبقى مرتبطاً بعرضه مدة خمسين يوماً من تاريخ فض العروض، وإذا لم يبلغ أمر المباشرة في تلك المدة حقّ في خلال ثلاثة أيام من انتهاء هذه المدة أن يتخلى عن عرضه بكتاب خطي مسجل في ديوان الإدارة التي أجرت المناقصة، وإلاّ يتجدد حكماً ارتباطه بعرضه مدة خمسين يوماً أخرى، وهكذا في كل مرة لا يبلغ بها أمر المباشرة على ألاّ تتجاوز مدة ارتباط المتعهد المرشح بعرضه في جميع الأحوال أكثر من ستة أشهر.

ثانياً: المزايدة

تعد المزايدة surenchere إحدى الطرق التي يُلجأ إليها لبيع عقارات الجهات العامة أو إيجارها أو استثمارها، وكذلك لبيع الأشياء واللوازم والمواد التي يتقرر بيعها.

وفي سبيل ذلك، وقبل إجراء المزايدة تؤلف لجنة من قبل آمر الصرف المختص لتحديد القيمة التقديرية للأموال المنقولة وغير المنقولة المراد بيعها أو إيجارها أو استثمارها والتأمينات التي يتوجب أداؤها للاشتراك في المزايدة. وتتم المزايدة عادة بأحد أسلوبين:

– المزايدة بالظرف المختوم وتطبق عليها الأحكام الخاصة بالمناقصات.

– أو المزايدة العلنية التي تتم في جلسة علنية يشترك فيها الراغبون ممن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة. وهنا يجوز للإدارة أن تضع سعراً مبدئياً لافتتاح عملية المزايدة، ولا تقبل الزيادات التي تقل عن نصف بالمئة من قيمة العرض السابق.

وفي كل الأحوال تعد المزايدة مخفقة إذا لم تحصل الإدارة على سعر يعادل القيمة المقدرة للأموال المراد بيعها أو تأجيرها، ويحق عندئذٍ لآمر الصرف المختص اللجوء إلى طريقة التعاقد بالتراضي.