المحامي يعقوب عبد العزيز الصانع يكتب عن نية إزهاق الروح

بين نظرية «الفاعل المعنوي» والقصد الاحتمالي ظهرت نظرية الفاعل بواسطة «الفاعل المعنوي» في الفقه الألماني تحت ضغط الضرورات العملية في موضعين، الأول الفكرة الضيقة للفاعل الأصلي والتي كانت تقتصر على من قام بنفسه مباشرة بتنفيذ الجريمة، أما الثاني فهو التبعية المطلقة للشريك.

فوفقا لهذا المبدأ يرتبط حظ الشريك بحظ الفاعل الأصلي فلا يعاقب الشريك إلا إذا كان الفاعل الاصلي مسؤولا عن الجريمة، فمثلا إذا قام بالجريمة فاعل غير مسؤول جنائيا لعدم أهليته الجنائية (كالمجنون) أو لعدم توافر القصد الجنائي لديه كان الشريك غير مسؤول جنائيا لا بوصفه فاعلا لأنه لم يقم بتنفيذ الجريمة ولا بوصفه شريكا لأن مسؤوليته تتوقف على مسؤولية الفاعل طبقا لمبدأ التبعية المطلقة، ولعلاج النتائج غير المنطقية التي يؤدي إليها هذا الوضع كان لابد من اللجوء لنظرية الفاعل المعنوي إلى أحد الحلين، الأول: التوسع في فكرة الفاعل الأصلي واعتبار أن كل من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا فاعلا أصليا للجريمة، وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في ألمانيا ونص عليه القانون الإيطالي (المادة 11).

الثاني: العدول عن مبدأ التبعية المطلقة للشريك إلى مبدأ التبعية المقيدة الذي لا يشترط سوى أن يكون الفعل في حد ذاته غير مشروع بغض النظر عن مدى مسؤولية الفاعل عنه، هو ما يؤدي إلى مساءلة الشريك ولو كان الفاعل المنفذ للجريمة غير مسؤول جنائيا.. وبهذا الحل أخذ الفقه والقضاء في فرنسا.

المقصود بالفاعل بالواسطة:

يراد بالفاعل بالواسطة كل من سخر شخصا غير مسؤول جنائيا على تنفيذ الجريمة. وتفترض الجريمة في هذه الحالة وجود فاعلين أحدهما فاعل مادي قام بتنفيذ الجريمة دون أن تتوافر لديه المسؤولية الجنائية، وثانيهما فاعل معنوي قام بتسخير الأول نحو القيام بهذا التنفيذ واستعمله كأداة لتحقيق هذا الغرض. ويتم هذا التسخير إما بطريق التحريض أو بتقديم المساعدة إليه. وقد عرض الفقه الألماني لعدة صور للفاعل المعنوي وتتضمن هذه الصور ثلاث حالات:
الأولى: عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي.
الثانية: مشروعية الفعل الذي ينفذه الفاعل المادي.
الثالثة: انتفاء الصفة الخاصة أو القصد الخاص لدى الفاعل المادي.

أولا: عدم توافر الركن المعنوي لدى الفاعل المادي، ويتحقق ذلك في الصورتين الآتيتين:

1ــ انتفاء الأهلية الجنائية لدى المنفذ: كالمجنون والصغير الذي لم يبلغ سن التمييز، فيعتبر فاعلا معنويا، وعلى سبيل المثال من يعطي مجنونا قنبلة لإلقائها على المجني عليه، ومن يطلب من صغيرا «لم يبلغ السابعة أن يسرق له مال الغير».

2ــ انتفاء القصد الجنائي لدى المنفذ:
قد لا تتوافر المسؤولية الجنائية للمنفذ للجريمة العمدية بسبب انتفاء القصد الجنائي لديه ثم يثبت ان هذا القصد كان متوافرا لدى من حرضه على الفعل الذي وقعت به الجريمة او ساعده على القيام به، مثال ذلك مدير المسرح الذي يسلم الممثل مسدسا به رصاص حقيقي لاستعماله اثناء التمثيل موهما اياه بأن به خرطوش، ما يؤدي الى قتل بطلة المسرحية به وكذلك من يسلم شخصا زجاجة بها سم لكي يقدمها الى المجني عليه موهما اياه انها تحتوي على دواء، في هذين المثالين كان الفاعل المادي مجرد اداة بشرية سخرها الفاعل المعنوي لتحقيق قصده الجنائي واختلف الفقه اذا ما ترتب على انتفاء القصد الجنائي لدى الفاعل المادي مساءلته عن جريمة غير عمدية بسبب توافر الخطأ غير العمدي لديه، هل يسأل الفاعل المعنوي بوصفه شريكا معه في جريمة غير عمدية وكانت محل بحث لدى الفقه الالماني؟
وبعجالة، نتحدث عن عناصر اخرى في نظرية الفاعل المعنوي:
1 ــــ مشروعية الفعل الذي ينفذه الفاعل المادي في حالة ارتكاب الفاعل المادي، الجريمة في حالة دفاع شرعي بناء على تحريض الفاعل المعنوي.
أ ــــ التحريض على الدفاع.
ب ــــ التحريض على الاعتداء.
2 ــــ انتفاء الصفة الخاصة او القصد الخاص لدى المنفذ.
أ ــــ جرائم خاصة من الناحية الموضوعية.. مثل ذلك جريمة الرشوة التي لا تقع الا من موظف عام.. وجريمة التموين التي لا تقع الا من تاجر.
ب ــــ جرائم خاصة من الناحية الشخصية، مثل ذلك جريمة التزوير، اذ يتطلب فيها قصد خاص، هو «نية استعمال المحرر المزور في ما زور من اجله» وجريمة البلاغ الكاذب، اذ يتطلب القانون فيها قصدا خاصا «الاضرار بالمبلغ ضده».
وتؤدي الصفة الخاصة او القصد الخاص للفاعل في الجرائم دورا مزدوجا:
1 ــــ كعنصر في نموذج الجريمة مثل صفة الزوج عند قتل الزوجة وعشيقها عند تلبسهما بالزنى.
2 ــــ كظرف في الجريمة وقد يكون ظرفا مشددا مثل صفة الخادم في السرقة او القصد الخاص في بعض جنايات الاعتداء على امن الدولة من جهة الخارج مثل قصد الاضرار بمركز البلاد او بمصلحة قومية لها في الجناية المنصوص عليها في المادة 77 عقوبات، مصري.

نظرية الأداة البشرية:

يرى معظم الفقه الالماني والسويسري انه اذا تتوافر هذه الصفة او هذا القصد لدى المنفذ ولو كان اهلا للمسؤولية الجنائية، فإن الاخير يعتبر بمنزلة اداة بشرية عمدية في يد المحرض الذي يعتبر فاعلا بالواسطة اي فاعلا معنويا.
رأي العلامة الدكتور احمد فتحي سرور يقول:
نحن لا نسلم بتطبيق نظرية الفاعل بالواسطة في القانون المصري الحالي بناء على الحجج الآتية:
أولا: انتفاء الفائدة والضرورة القانونية بينما ان نشأة نظرية الفاعل بالواسطة ترجع الى التضييق من فكرة الفاعل الاصلي والى الاخذ بنظرية الاستعارة المطلقة للشريك، وكلا السببين غير متوافرين في القانون المصري.

اتجاهات القضاء المصري

أخذت محكمة النقض المصرية في قضاء قديم لها بنظرية الفاعل بالواسطة فقضت بأنه اذا حصل البلاغ الكاذب بواسطة شخص ما فعل ذلك بإرشاد المتهم ولم يكن الا آلة، فالمسؤولية الجنائية في ذلك تقع على المتهم الذي هو الفاعل الحقيقي للجريمة.
وقد رفضت محكمة النقض تطبيق نظرية الفاعل بالواسطة على جريمة التزوير التي يرتكبها موظف عمومي حسن النية اذا املاه الغير بسوء نية بيانات كاذبة فكتبها الموظف بحسن نية، وبهذا نختتم الجزء الاول من دراسة «نية ازهاق الروح» نظرية الفاعل المعنوي.