زواج الغاصب من المغتصبة واثره بالقانون الليبي

تعتبر جريمة المواقعة بالقوة من الجرائم التى تشدد فيها القانون الليبي , وجعل عقوبة مرتكبها السجن الدى تصل مدته الى عشر سنوات , واٍذا توافرت فى المعتدى بعض الظروف كاٍن يكون من أصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ممن له سلطة عليها , فأن عقوبته تصل فى حدها الأعلى للسجن مدة خمس عشرة سنة . وهذة الشذة فى العقوبة توضح ان جريمة المواقعة بالقوة من الجرائم المستهجنة بالمجتمع الليبي ,ودلك لكونها تمس الشرف والذى تحرص أغلب المجتمعات الشرقية عليه , ولدرجة ان المشرع الليبي اعتبر من الأعذار القانونية المخففة للعقاب , من يفاجىء زوجته متلبسة بجريمة الزنا فيقتلها هي أو شريكها . ( المادة 375/1 عقوبات ليبي ) .

ولما كانت نظرة المجتمع لا تفرق مابين المعتدى عليها جنسيا بالقوة , وبين من ترتكب الجريمة برضاها , فلذلك تبقى المجنى عليها تتعرض لعقوبة اٍجتماعية دون ذنب منها , وتتمثل هذة العقوبة فى بقاء المجنى عليها دون زواج , اٍذ لا يجرو أحد على الاٍقتران بها , بعد تعرضها للاٍعتداء الجنسي , رغم كونها ضحية للجريمة , ولكن هدا يرجع الى نظرة المجتمع الى الشرف .

ولذلك فطن المشرع الليبي الى هذة العقلية الشرقية للمجتمع , وخصوصا فى تلك الفترة التى تم اٍعداد القوانين الجنائية خلالها , وهى من خمسينيات القرن الماضى , عقب نيل ليبيا اٍستقلالها و الاعتراف بها دوليا كدولة ذات سيادة . ولهدا رأى المشرع ان يعطى فرصة للمغتصب بأصلاح ما أرتكبه والزواج بالمجنى عليها , ودلك مقابل وقف الأجراءات القانونية حياله . ودلك حتى لا تتأذى المجنى عليها بدون دنب منها , وتبقى فى منزل اٍسرتها كسقط المتاع .

واعتبر احد شراح القانون الليبي ان الحكمة التى دفعت المشرع الى دلك هى رعاية مصلحة الأسرة والمحافظة على كيانها . فاذا كانت المجنى عليها قد سامحت الجاني واغتفرت له فعلته و قبلت الزواج منه , فانه من الطبيعى فى هذة الحالة ان يتنازل المجتمع عن حقه فى العقاب( د. ادوار غالى – الجرائم الجنسية فى التشريع الليبي المقارن – 1973 – بنغازى – ص 407 ).

وقد رأى المشرع الليبي أن يجعل لهذا الزواج اللاحق لارتكاب الجريمة , مدة من الزمن حتى يستقر و يدوم , ودلك للحيلولة دون ان يكون وسيلة للتهرب من العقوبة , وقد نصت المادة 424 عقوبات على احكام هذا الزواج وشروطه و اثاره القانونية .

النص القانوني

نصت المادة 424 عقوبات ليبي والتى وردت ضمن الباب الثالث المخصص للجرائم ضد الحرية و العرض و الاخلاق على انه :-

( اذا عقد الفاعل زواجه على المعتدى عليها تسقط الجريمة و العقوبة و تنتهى الآثار الجنائية سواء بالنسبة للفاعل أو الشركاء ودلك مادام قانون الاحوال الشخصية للجانى لا يخول الطلاق أو التطليق .

فاذا كان القانون المذكور يخول الطلاق أو التطليق فلا يترتب على الزواج المعقود الا ايقاف الاجراءات الجنائية أو ايقاف تنفيذ الحكم لمدة ثلاث سنين .

و يزول الايقاف قبل مضى ثلاث سنوات من تاريخ الجريمة بتطليق الزوجة المعتدى عليها دون سبب معقول أو بصدور حكم بالطلاق لصالح الزوجة المعتدى عليها . )

حكمة النص وفق منظور المحكمة العليا الليبية

بمناسبة نظرها للطعن الجنائى رقم 384 / 28 ق بجلسة 21/6/1984 أوضحت المحكمة العليا الليبية حكمة تشريع النص المذكور سلفا بقولها : – ( و يبين من سياق هذا النص اٍنه استثناء من القاعدة العامة وهى محاكمة الجانى عما اقترفه من جرم , و هذا الاستثناء يبرره اولا الحفاظ على سمعة المجنى عليها فى المجتمع الدى تعيش فيه بعد أن ثلم عرضها و جرحت في شرفها و كانت ضحية معدومة الاٍرادة نتيجة لما قام به المعتدى من اٍكراه مادى أو أدبى عليها أو أستخدام قوة مادية يشل بها مقاومتها أو استخدام أساليب المكر و الخداع أو غير ذلك مما يفقد المجنى عليها حرية الاختيار و يحملها على الاستسلام لما يطلب منها , وقد سوى المشرع بين كل ذلك و بين الحالات الأخرى المنصوص عليها فى الفقرتين 2 , 3 من نفس المادة . و يبررة ثانيا ترغيب الجانى و تشجيعه على الزواج من المعتدى عليها عن طريق وقف الاٍجراءات الجنائية بالنسبة له اٍذا كانت قد بدأت فعلا أو اٍيقاف تنفيذ الحكم اٍذا كان قد صدر .) – منشور بمجلة المحكمة العليا – السنة22 – العدد 1- ص185-

شروط اٍنطباق النص

1 – اول الشرائط التى يتعين توافرها لانطباق النص المنوه عنه اعلاه , هو ان يكون الجانى رجلا وان تكون المجنى عليها انثى . فالمشرع الليبي لا يعترف بزواج المثليين ودلك لمخالفته احكام الشريعة الاسلامية .( د. احمد الحصرى – محاضرات غير منشورة فى مادة الاحوال الشخصية – جامعة قاريونس – 1983 ).

2 – ان يكون الزواج بين الجانى والمجنى عليها جائزا طبقا لقانون الاحوال الشخصية الخاص بهما . فمثلا اذا كان الجانى كتابى و كانت المجنى عليها مسلمة , فلا يمكن اعمال النص المذكور اعلاه , وذلك لأن الزواج بين كتابى ومسلمة غير جائز شرعا ودلك بنص الكتاب و السنة الشريفة و الاٍجماع ( د. عبدالسلام محمد شريف العالم – قانون الزواج والطلاق و أسانيده الشرعية – جامعة قاريونس -1990 – ص101).

3 – يجب ان يتم الزواج طبقا للنظم و القواعد و الأجراءات الرسمية المعمول بها فى الدولة الليبية , فلا يعتد بالزواج العرفى .( د. احمد الصادق الجهانى – محاضرات غير منشورة فى مادة قانون الجنائى الخاص – جامعة قاريونس – 1983 ).

4 – ان النص المذكور اعلاه اورده المشرع فى ختام الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون العقوبات ,و الباب الثالث يتعلق بالجرائم ضد الحرية و العرض و الاخلاق , والدى يبدأ بالمادة 407 وينتهى بالمادة 424 دات العلاقة , وبالتالى فاٍن النص المذكور يسرى على جميع الجرائم الواردة ضمن الباب المدكور متى أمكن تطبيقه .

5 – يجب ان تكون الجريمة المسندة للجانى قد ارتكبها غصبا عن المجنى عليها , بمعنى ان الجريمة ارتكبت ضد ارادة المجنى عليها و غصبا عنها , وليس برضاها , لانها عند ذلك تعتبر متهمة بنفس الفعل ادا كانت المواقعة بالرضا , ويفهم دلك مما نصت عليه المادة 424 عقوبات صراحة من ايرادها فى الفقرة الاولى عبارة ( المعتدى عليها ) وهذا ما يتفق وحكمة النص .

وقد اوضحت المحكمة العليا الليبية ذلك بمناسبة نظرها للطعن الجنائى رقم 384/28 ق بجلستها المنعقدة بتاريخ 21/ 6/ 1984 حيث اوردت (ان ما نصت علية المادة 424 من قانون العقوبات من وقف الاجراءات أو ايقاف تنفيذ العقوبة مدة ثلاث سنوات حماية للأنثي المعتدى عليها , و ترغيبا للجانى فى الزواج منها , يقوم اساسا على أن الجرائم التى تنطبق فى شأنها هذه المادة تكون المرأة معتدى عليها , فهى لا ترتكب الجريمة ولا تأتي عمدا عملا من أعمالها .)

وقد كررت المحكمة العليا نفس القضاء بمناسبة نظرها للطعن الجنائى رقم 189/28ق بجلستها المنعقدة بتاريخ 1/1/1985 واعتبرت ( اذا وقعت الجريمة بالرضا فان المرأة لا تكون معتدى عليها و انما هى فاعل أصلى فيها و تستحق العقاب شأنها شأن شريكها فى المواقعة مما يمتنع اعمال حكم المادة السالفة الذكر ” 424 عقوبات ” ). منشور بمجلة المحكمة العليا – س 22 – ع 2 – ص 224 .

6- تضمنت المادة 424 عقوبات صورتين مختلفتين لسريان احكامها وهما : –

الصورة الأولى : – ان يكون قانون الأحوال الشخصية للجانى لا يخول الطلاق أو التطليق , وفى هذة الحالة اٍذا عقد الفاعل زواجه على المعتدى عليها تسقط الجريمة و العقوبة و تنتهى الآثار الجنائية سواء بالنسبة للفاعل أو للشركاء , وذلك مادام قانون الأحوال الشخصية للجانى لا يخول الطلاق أو التطليق .

ويقصد بالطلاق انحلال الرابطة الزوجية بارادة أحد الطرفين أو باتفاقهما معا , بينما يقصد بالتطليق تدخل سلطة دينية أو قضائية لتقرير انحلال الرابطة الزوجية بين الزوجين . ومن المتعارف علية ان الشريعة اليهودية تعرف انقضاء الرابطة الزوجية بالطلاق والتطليق , بينما الشريعة المسيحية لا تعترف الا بالتطليق , و تتفاوت مذاهبها فى مدى اباحته . ( انظر فى ذلك د. محمد حسين منصور – النظام القانونى للأسرة فى الشرائع غير الاٍسلامية – ص 301 و مابعدها- الاسكندرية ).

الصورة الثانية : – وهى أن يكون قانون الأحوال الشخصية للجانى يخول الطلاق و التطليق , كما هو الحال فى قانون الزواج و الطلاق الليبي رقم 10/1984 , والتى تجيز احكامه حل عقدة الزواج سواء بالطلاق من قبل الزوج أوبالطلاق باتفاق الزوجين , أو بالتطليق بحكم المحكمة .

الأثار المترتبة على النص

بالنسبة للصورة الأولى السابق بيانها وهى التى تتعلق بالحالة التى يكون فيها قانون الاحوال الشخصية للجانى لا يخول الطلاق أو التطليق , فاٍنه يترتب على عقد الزواج سقوط الجريمة وذلك فى حالة عدم صدور حكم نهائى بالاٍدانة . أو سقوط العقوبة وذلك فى حالة صدور حكم نهائى بالاٍدانة , سواء بدىء فى تنفيذه أم أن التنفيذ لم يبدأ بعد . وبغض النظر عن كون الحكم جائز الطعن فيه , أم أستنفذ طرق الطعن .

أما بالنسبة للصورة الثانية السابق بيانها , والتى يخول قانون الاحوال الشخصية للجانى الطلاق و التطليق , فاٍنه يترتب على عقد الزواج وقف السير فى اجراءات الدعوى وذلك لمدة ثلاث سنوات ودلك اذا كان الزواج تم قبل البدء فى اجراءات المحاكمة , و اذا كان العقد قد تم عقده بعد اجراءات المحاكمة , فاٍنه يترتب عليه وقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها ضد الجانى لمدة ثلاث سنوات. وهذا ما استقر علية الفقه والقضاء الليبي ( انظر الطعن الجنائى رقم 115/13 ق بجلسة 11/12/1967 – منشور بموسوعة الشامل فى التعليقات على قانون العقوبات – الجزء الثانى – د . سعد العسبلي و آخر – ط2007 – ص 325 ).

المستفيذ من احكام النص

حددت الفقرة الأولى من المادة 424 عقوبات ليبي المستفيدين من النص وهما الفاعل و الشريك , و ذلك باٍن أوضحت كون اثار الجريمة تنتهى سواء بالنسبة للفاعل أو الشركاء معه , و ذلك بمجرد عقد الفاعل زواجه على المعتدى عليها .

ويتضح من ذلك ان أثر عقد الزواج يمتد الى الشريك أو الشركاء الذين ساهموا فى ارتكاب نفس الجريمة , الا انه لا يستفيد من النص الأشخاص الأخرين الذين فى نفس الظروف ارتكبوا افعالا تنفيذية تجعلهم فاعلين فى الجريمة لا مجرد شركاء وفقا لنص المادة 99 عقوبات ليبي . ( راجع د. محمد رمضان بارة – قانون العقوبات الليبي – القسم الخاص – الجزء الأول – 1988 – 268).

وتظهر الحكمة من جعل الشريك يستفيد من النص اٍسوة بالفاعل , باعتبار ان المجتمع تنازل عن حقه فى معاقبة الفاعل الأصلى , فلا محل لمعاقبة الشريك بعد ذلك , وهو ما يتفق ومفهوم العدالة , وفق السياسة الجنائية الحديثة .( راجع أ. عبدالباسط بن هدية – وكيل النيابة بمكتب المحامى العام – مذكرة طعن النيابة العامة فى القضية رقم 456/48ق ).

المدة القانونية المحددة لوقف المتابعة القضائية

بالرجوع الى نص المادة 424 عقوبات ليبي نجدها قد نصت فى الفقرة الثالثة ( يزول الايقاف قبل مضى ثلاث سنوات من تاريخ الجريمة بتطليق الزوجة المعتدى عليها بدون سبب معقول … ).

ويلاحظ من ذلك ان المادة نصت صراحة على ان ايقاف الاٍجراءات الجنائية أو اٍيقاف تنفيذ الحكم يبدأ من تاريخ الجريمة . وقد اٍنتقد الفقه الليبي دلك الأتجاه و اعتبر ان حساب المدة من تاريخ الجريمة يتعارض و حكمة النص التى تقتضى أن هذة المدة يجب أن تبدأ من تاريخ عقد الزواج و ليس من تاريخ الجريمة , حتى يضمن أن الفاعل كان يقصد من الزواج استمراره ( د. ادوار غالى – مرجع سبق دكره – ص 414 . د. محمد رمضان بارة – مرجع سبق دكره – ص 269)

وقد فطنت المحكمة العليا الليبية للنتيجة الشاذة التى اوردها نص المادة 424 عقوبات من جعل مدة ثلاث ستوات تبدأ من تاريخ الجريمة , واعتبرت المدة تبدأ من تاريخ عقد زواج الفاعل بالمجنى عليها .

واوردت بمناسبة نظرها للطعن الجنائى رقم 76 / 17 ق بجلستها المنعقدة بتاريخ 23/2/1971 ما مفادة : – ( بان المادة 424 عقوبات تنص فى فقرتها الاخيرة … و قد دل الشارع بهذا النص على أن الطلاق اذا وقع في غضون ثلاث سنوات من زواج الجانى بالمجنى عليها أنه يحمل قرينه قانونية هي ان الجاني لم يكن جادا فى زواجه بالمجني عليها و أنه اراد بهذا الزواج التحايل على القانون . ولكن هذه القرينة تقبل الدليل العكسي من جانب الزوج فعليه يقع عبء اثبات ان طلاقه للمجنى عليها له سبب معقول أو بناء على خطأ الزوجة ) .

وقد أنتقد الدكتور ادوار غالى هذا القضاء ودلك لكونه يتعارض مع صريح نص الفقرة الثالثة من المادة 424 عقوبات التى جعلت احتساب مدة الايقاف من تاريخ الجريمة . ورأى انه لا سبيل الى تلافي النتائج الشاذة سالفة الذكر الا بتعديل النص نفسه بجعل المدة من تاريخ عقد الزواج . ( مرجع سبق دكره – ص 415 ).

زوال ايقاف المتابعة القضائية

يزول الاٍيقاف – اٍيقاف الاٍجراءات الجنائية أو اٍيقاف تنفيذ الحكم – قبل مضى ثلاث سنوات من تاريخ الجريمة بتطليق الزوجة المعتدى عليها دون سبب معقول أو بصدور حكم بالطلاق لصالح الزوجة المعتدى عليها .( المادة 424/3 عقوبات ليبي )

وذلك يعنى أن الاٍجراءات الجنائية لا تستأنف ضد الفاعل اٍلا بحصول أحد أمرين : الأول: هو أن يكون التطليق لسبب غير معقول , وتقدير ما اذا كان السبب معقولا من عدمه متروك لقاضى الموضوع . ( د. ادوار غالى – مرجع سبق ذكره – ص 415) الثانى: صدور حكم من المحكمة المختصة بالطلاق لصالح الزوجة , أي لأسباب رأت فيها المحكمة أن الزوج يلحق الضرر بزوجته و اٍن استمرار المعاشرة بينهما أصبح مستحيلا بسبب تصرفاته .( د. محمد بارة – مرجع سبق ذكره – ص 270 ).