سلطة الولي الشرعي:

وتعرض المادة (127) في فقرتيها، لبيان سلطة الولي في التصرفات التي يباشرها نيابةً عن الصغير، فتبين الفقرة الأولى أن الولي، سواء أكان أبًا أم جدًا، له أن يباشر التصرفات النافعة نفعًا محضًا للصغير كقبول الهبة الخالصة غير المقترنة بشرط، أي العارية عن التزامات تحمل بها، أما الهبة بشرط، أي تلك المحملة بالتزامات معينة، فإنه لا يجوز للولي بمقتضى الفقرة الثانية قبولها إلا بإذن المحكمة، وذلك لأن اقتران التبرع بالتزام قد يؤدى إلى ضياع منفعته، وجعله عبئًا على الصغير، فكان من المفيد أن يجعل قبوله من الولي متوقفًا على إذن المحكمة، حتى يمكنها التأكد من وجود المصلحة للصغير في قبول هذا التبرع أو رفضه، وهذا احتياط آثر المشروع أن يضفيه على الصغير، دون أن تأباه الشريعة الإسلامية.

وتتضمن المادة (128) بيان ما يملكه الولي من أعمال في مال الصغير، فأوضحت الفقرة الأولى أن الولي، سواء كان أبًا أم جدًا، له أن يجري أي تصرف يكون فيه حفظ لمال الصغير وتنميته واستثماره وإدارته. ونصت الفقرة الثانية على منع الولي من تأجير مال الصغير، عقارًا كان أم منقولاً، لمدة تستمر إلى ما بعد بلوغ الصغير سن الرشد بأكثر من سنة بغير إذن المحكمة. فإن لم تتجاوز مدة الإجارة هذا المدى جاز للولي إجراؤها بدون إذن المحكمة.

وتعرض المادة (129) لبيان الحكم في التصرفات التي يجريها الولي في مال الصغير والتي يكون لها مقابل كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار فتبين أن الولي له أن يجري هذه التصرفات على أن يراعي فيها القيود التي تتضمنها المواد التالية لهذه المادة. وتورد المادة (130) قيدًا على تصرف الولي في عقار الصغير أو محله التجاري ببيع أو إيجار، إذا كان البيع لنفس الولي أو كان لزوجه، أو لأحد أقارب الولي أو أقارب زوجه إلى الدرجة الثالثة وهذا القيد هو استئذان المحكمة قبل إجراء هذا التصرف. والحكمة من تقرير هذا القيد ترجع إلى أن البيع أو الإيجار أو نحوهما إذا كان للولي أو لزوجه أو لأحد أقاربهما إلى الدرجة الثالثة فإنه يخشى أن تكون فيه محاباة، فكان من مصلحة الصغير أن يؤخذ إذن المحكمة قبل الإقدام على التصرف، وذلك لتتمكن المحكمة من التحقق من عدالة المقابل وانتفاء المحاباة.

وهذا الحكم تقره الشريعة الإسلامية، فالشريعة لا تجيز التصرفات التي يكون احتمال التهمة فيها قائمًا، ولهذا منعت شهادة الوالد لولده وشهادة الرجل لزوجه، وبالعكس. وقد نص صاحب كتاب (جامع أحكام الصغار) على أن الأب أو الوصي إذا باع عقار اليتيم فرأى القاضي أن نقض البيع أصلح للصغير كان له نقضه، مما يفيد أن للقاضي مراقبة التصرف في عقار الصغير، وأن له نقض التصرف فيه، إذا وجد أن نقضه في مصلحة الصغير، حتى ولو كان التصرف فيه صادرًا من الأب، وكان المتصرف له شخصًا أجنبيًا. والحكمة في قصر هذا المنع على العقر والمحل التجاري – كما جاء في المشروع – ترجع إلى ما للعقار والمحل التجاري من أهمية خاصة، فالعقار أساس الثروة، والمحل التجاري قد يكون مورد الرزق الوحيد للقاصر، وفي التصرف فيه بالبيع ما يودي بذلك المورد.

وتتضمن المادة (131) قيدًا على تصرف الولي في مال الصغير، عقارًا كان أو منقولاً، إذا زادت قيمته على مائتي ألف دينار، فاشترطت لجواز التصرف فيه أخذ الإذن من المحكمة قبل إجرائه، فإن كانت قيمة المال لا تتجاوز هذا القدر فللولي أن يتصرف فيه بدون إذن المحكمة، والمقصود من وضع هذا القيد هو توفير أكبر قسط من الضمان لرعاية مصلحة المشمولين بالولاية، وهو أمر لا تأباه الشريعة الإسلامية التي تحيط القاصر بكل ضروب الحياطة وتنهى عن قربان ماله إلا بالتي هي أحسن.

وتبين المادة (132) حكمًا خاصًا بالمال الذي يؤول إلى الصغير بطريق الميراث أو التبرع، والذي يشترط المورث أو المتبرع عدم تصرف الولي فيه، وهذا الحكم هو أن الولي ليس له أن يتصرف في هذا المال بأي نوع من التصرفات، ولا يستثنى من ذلك إلا التصرفات العاجلة التي يقتضيها حفظ المال كبيع الأشياء التي يُخشى فسادها لو بقيت، ويشترط لإجراء هذه التصرفات الحصول على إذن المحكمة، للتحقق من ضرورة التصرف الذي يجريه الولي أو عدم ضرورته.

وتضمنت المادة (133) بفقرتها الأولى حكمًا عامًا في شأن التبرعات من مال الصغير، فقضت بمنع الولي من التبرع بشيء من ماله ولكن الفقرة الثانية استثنت من ذلك التبرع لغرض عائلي أو إنساني، كإنشاء مستشفى أو ملجأ، أو تقديم المساعدة لقريب مريض أو معوز، واشترطت لصحة هذا التبرع أن يكون في مال الصغير سعة تسمح بالتبرع وأن يكون المال المتبرع به لا يؤثر على ثروته، واستئذان المحكمة قبل التبرع. فإذا تبرع الولي بغير إذن المحكمة كان تبرعه غير نافذ في حق الصغير، وللمحكمة سلطة تقدير ظروف التبرع والدافع إليه، وتقدير مال الصغير، إذا كان يتحمل التبرع أم لا.

والحكم الذي قررته الفقرة الأولى من هذه المادة يتفق مع ما نُص عليه في الفقه الإسلامي من منع الولي من التبرع بشيء من مال القاصر لأنه من التصرفات الضارة للصغير ضررًا محضًا، والولي لا يملك إجراء تصرف منها. أما الحكم الاستثنائي الذي تضمنته الفقرة الثانية فإنه لا يتفق مع مذهب الحنفية، ولكنه يتفق مع ما جاء في المذهب المالكي من أنه يجوز للولي أن يهب من مال الصغير القليل المتعارف، كما أنه يوافق مذهب الفقهاء الذين أوجبوا الزكاة في مال القاصر، لأن التبرع لواجب إنساني أو عائلي يمكن أن يُعتبر من مصارف الزكاة، لأن من مصارفها سبيل الله، وسبيل الله عام يشمل كل ما يكون فيه خير وطاعة لله.

وتعرضت المواد (134 و135 و136) لبيان بعض التصرفات التي لا يجوز للولي إجراؤها، فتبين المادة (134) أن الولي ليس له إقراض مال الصغير للغير، وليس له أيضًا اقتراض مال الصغير لنفسه، وذلك لأن الإقراض قد يؤدي إلى ضياع مال الصغير، لو كان المقترض مفلسًا، أو مماطلاً في أداء ما عليه من ديون. واقتراض الولي لمال الصغير يؤدي إلى تعطيل المال عن الاستثمار والتنمية، والولي مأمور شرعًا باستثمار مال الصغير وتنميته بكل ما يمكنه، عملاً بقول النبي صلي الله عليه وسلم (اتجروا في مال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة). وحكم المادة (134) يتفق مع المنصوص عليه في المذهب الحنفية.

وتنص المادة (135) على منع الولي من رهن مال الصغير إلا إذا كان الرهن في دين على الصغير نفسه، أما إن كان الدين على الولي أو على شخص آخر، فلا يجوز له أن يرهن مال الصغير في هذا الدين، ولا تملك المحكمة الإذن له بذلك، فهو منع مطلق، ذلك لأن الرهن يفضي إلى استيفاء الدين من المال المرهون، إذا لم يدفع الدين في الموعد المحدد للوفاة ولا يجوز للولي أن يؤدي الدين الذي عليه أو على شخص آخر من مال الصغير، لأن فيه ضررًا محضًا للصغير، والولي لا يملك التصرف الذي يكون فيه ضرر محض للصغير، ومن ناحية أخرى، فإن في إباحة رهن مال الصغير في الدين الذي يكون على الولي ما ييسر له الالتجاء إليه كلما وقع في ضيق مالي، فكان من المصلحة أن يجنب مال الصغير هذا الخطر، وهذا الحكم يتفق مع رأى أبي يوسف وزفر من الحنفية. وتقضي المادة (136) بأن جميع القيود الواردة على سلطة الولي لا تسري على المال الذي آل إلى الصغير من الولي نفسه على سبيل التبرع، ولو كان من طريق غير مباشر.

وقد راعى المشروع في تقرير هذا الحكم أن المال هو في الأصل مال الولي، فلا جُرم أن تثبت له سلطة التصرف فيه بغير قيود، بعد أن آل منه إلى الصغير بغير مقابل. ثم إن في تقرير هذا الحكم تشجيعًا للولي على التبرع بماله للصغير، الأمر الذي يعود عليه بالنفع.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .