مؤسسات مقاولات اليد العاملة

الأستاذ : محمّد علي بن إبراهم

يعتبر التشغيل عن طريق مقاولة يد العاملة أكثر أشكال التشغيل تداولا اليوم، تديره مؤسسات مختصة في توظيف يد العاملة تعرف بالفرنسية بعبارة ” l interim” فكلّما احتاجت المؤسسة الصناعية أو التجارية لعمّال فإنّها تطلب من أحد هذه المؤسسات المختصّة أن تضع على ذمّتها اليد العاملة المطلوبة .

من المفارقات أنّه بالرّغم من الدور الذي تلعبه المؤسسة في الاقتصاد الحديث إلا أنّ المشرّع لم يضع لها تعريفا . ويمكن تعريف ” المؤسسة من المؤسس تأسيسا وهو المقام حدوده والمبني .وهي تعني التخصيص المنظّم للأموال والمعدّات بغية الإنتاج والترويج أو تقديم الخدمات لغاية تحقيق الأرباح .

وبذلك فإنّ المؤسسة الاقتصادية تعني المتجر والمصنع والذات المادّية ومختلف الذوات المعنويّة ” [1] وأمام غياب تعريف تشريعي لمناولة اليد العاملة حاول بعض الفقهاء[2] تعريفها وظيفيا بكونها ” تتمّ بمقتضى عقد توفير يد عاملة تلتزم بموجبه مؤسسة مناولة يد العاملة أو ما يسمّى في بعض التشريعات الأخرى بمؤسسات العمل الوقتي وضع عدد من الأجراء على ذمّة المؤسسة المستفيدة التي تكلّفهم بإنجاز مهام أو خدمات تشرف على تنفيذها وتراقب وسائل القيام بها ونتائجها .” [3]

وإن كان الغالب على هذه المؤسّسات أنّها تنشط في إطار شركات خدمات إلا إنّه لا شيء يمنع قانونا بأن يمارس هذا النشاط شخصا طبيعيا يتولّى البحث عن عملة في الإختصصات المطلوبة من المؤسّسة المستفيدة ومن ثمّ يتولّى تشغيلهم عند هذه الأخيرة .

تعتبر مؤسّسات مقاولة يد العاملة نتاج الفكر الرأسمالي القائم على فكرة تغليب مصلحة أصحاب الشركات على حساب حقوق العملة ولهذا ليس من الغريب أن تنشأ تاريخيا في الولاية المتّحدة الأمريكيّة منذ أوائل القرن العشرين ثمّ في بريطانيا ومنها انتشرت في بقيّة الدول الأوربّية .

وقد ظهرت منذ سنة 1904 شركات مختصّة في تشغيل النساء في قطاع الرقن على “الدكتيلو” ثمّ وجدت مؤسّسات أخرى مختصّة في تكوين عملة الميكانيك وقد ازدهر نشاطها مع الحرب العالميّة الثانية فبمشاركة أمريكا في تلك الحرب تكثّفت الطلبات على مصانع الأسلحة فتزايدت الحاجة لليد العاملة وكان لهذه الشركات دورا فعّالا في توفيرها ممّا منح هذه الشركات صبغة نضالية وإشعاعا في العالم[4] .

وقد استهجن رجالات الفكر والقانون مثل هذا النمط من التشغيل واعتبرها من قبيل ” المتاجرة بالبشر ” ومع ذلك قد فرضت نفسها على واقع التشغيل باعتبارها وسيلة ناجعة تلتجأ إليها المؤسّسات الاقتصادية والتجارية للضغط على تكلفة الإنتاج والتخلص من أعباء العملة من حيث دفع الأجرة والمستحقات الشغلية وتحمّل المسؤولية أمام مصالح الضمان الاجتماعي وبشكل ما طريقة للتهرب الجبائي …فما كان من بدّ من تنظيم هذا النشاط الحيوي مراعاة لحقوق العملة على غرار المشرع المغربي في الفصل 495 من مدونة الشغل الجديدة الصادرة خلال سنة 2004 ، وفي سنة 2005 تمّ لأوّل مرّة تنظيم هذا القطاع بالفصول 124 وما بعدها من مجلة الشغل ولم الاعتراف بها بفرنسا وتنظيمها بصفة دقيقة تحترم حقوق الإنسان وتحصر مجال تدخّل مقاولات يد العاملة بطريقة تحافظ على الصبغة الظرفية والوقتية لهذا النمط من التشغيل إلا سنة 2005 وذلك بالفصل 124 وما بعده من مجلة الشغل .

وتختلف شروط تأسيس هذه المؤسّسات من دولة إلى أخرى بحسب التوجّهات الاقتصادية وبحسب العائلات القانونية التي تنتمي إليها فمثلا في أنقلترا وفي نظام سكسوني حيث لم يحضى قانون الشغل بحظ وافر من التقنين نلاحظ أنّ تكوين هذه المؤسّسات معترف بها قانونا ولا توجد قيود وشكليّات لممارسة هذا النشاط ونجد هذه المرونة أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية خاصّة وان ممثلي الأعراف في هذه الدولة يطالبون بإلغاء النقابات من مؤسّساتهم الاقتصادية وهو أمر لا يبدو غريب في دولة اقصائية لا تحمل ولا تحمي سوى لون واحد من الفكر ـ الرأسمالية ثمّ الإمبريالية ثمّ العولمة ـ تسيّرها برغماطيّة مصلحة رأس المال التي لا تقم لمصلحة العمّال وزنا ، وعلى خلاف ذلك في دولة مثل فرنسا تنتمي إلى العائلة الجرمانية ويعتمد قانونها أساسا على التقنين وهي دولة تعيش فيها الاشتراكية جنبا إلى جنب مع الرأسمالية في إطار من التوازن البديع نلاحظ أنّ الشركات لا يمكنها أن تمارس نشاطها إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق وهو ما يضفي نوع من الرقابة عليها من طرف الدولة ، أمّا في ألمانية فقد حدّد المشرّع مجال توظيف اليد العاملة حيث حصر انتدابها للقيام بأعمال وقتية تفرضها حاجة الشركة المستفيدة لزيادة طارئة في حجم العمل .

والجدير بالذكر أنّ المشرّع التونسي لم ينظّم بالمرّة مسألة التشغيل في إطار عقود مناولة اليد العاملة بالرغم من تفاقم الظاهرة في سوق الشغل . وانقسم الفقه التونسي أمام صمت فقه القضاء بين مؤيّد لهذا النمط من التشغيل مدافع عن شرعية اللجوء إليه وبين منادي بغلق مؤسسات مناولة يد العاملة ويرى فيها تمثل ضربا من استعباد البشر وتعدّيا صارخا عن حقوق الإنسان .

وأمام ضغوطات مكوّنات المجتمع المدني وخاصّة منها اتحاد العام التونسي للشغل صدر قرار مجلس الوزراء يوم 18 فيفري 2011 المتعلق بإلغاء المناولة في القطاع العام وتقرّر إنهاء عقود شغل سارية المفعول وضرب لذلك أجلا أقصاه يوم 24 جويلية 2011 لإنهاء العقود التي لا تزال سارية مع إلحاق عملة المناولة بالقطاع العام .

واليوم وفي ظلّ الأزمة العالميّة الراهنة يلاحظ أنّ أكثر العملة المهدّدين بفقدان وظائفهم هم عملة مؤسّسات العمل الوقتي[5] .

فتعبر ظاهرة مناولة يد العاملة جديد على المجتمع التونسي لم يستطع بعد فهم كنهها مع إدراكه لشرّها ذلك أنها تسببت في أزمة قانونية زعزعت النظرية العامة لقانون الشغل إذ أصبح عدم الاستقرار في العمل هو السمة الغالبة على عقود الشغل مع ملاحظة فارق بين اجر عمال يزاولون نفس النشاط وبنفس المؤسسة كما شهد عنصر التبعية انقسام بين سلطات المناول بصفته المؤجر القانوني وسلطات المستعمل بصفته المسؤول عن الادارة والاشراف عن العمل .

وفي الحقيقة مثل هذه المشاكل المحيّرة لا يمكن طرحها في ظلّ الأنظمة القانونية التي جلّت الغموض وفرضت رقابة على المتداخلين في قطاع مناولة يد العاملة ووضعت شروطا لممارسة هذا النشاط وحصرت حالات اللجوء إلى هذا النمط من التشغيل فحقّقت بذلك التوازن بين حاجيات المؤسسة الصناعية والتجارية في التعاطي مع الظروف الحرجة التي تطلب تزويدها بيد عاملة بمواصفات معيّنة في أسرع وقت ممكن وبين حقوق العمّال في فرصة الحصول على عمل قار وبين مصالح مقاولات يد العاملة في مواصلة نشاطها بطريقة تخدم الاقتصاد بأن تذلل مشاكل البطالة و توفّر مواطن شغل وقتية وتضمن لأرباب العمل فرصة في الحصول على خدمة سريعة بأن توفر لهم يد عاملة حسب الطلب .

ولهذا أرى من المهمّ طرح الإشكالية على النحو التالي : كيف يمكن الموازنة في إطار التشغيل عن طريق مناولة يد العاملة بين حاجات المؤسسات الاقتصادية والتجارية…. في مجابهة الحاجة الاضطرارية لليد العاملة وبين حق العامل في عمل يحفظ له نفس الحقوق الشغلية المكفولة لغيره في غياب أي تنظيم لنشاط مناول العمل الوقتي في القانون التونسي ؟

للإجابة عن هذه الإشكالية سنتعرّض في جزء أوّل لتحديد الطبيعة القانونية لعقود مناولة يد العاملة ( الجزء الأوّل ) لنتعرّض في جزء ثاني لتصدّع عقد الشغل وتحديد المؤجر المسؤول ( الجزء الثاني ) .

الجزء الأوّل: الطبيعة القانونية لعقود مناولة يد العاملة

المنهج السليم في تحديد الطبيعة القانونية لعقود التشغيل في إطار مناولة يد العاملة يتطلّب منّا في مرحلة أولى تمييز هذه العقود عن غيرها من المؤسّسات القانونيّة المشابهة لها (الباب الأوّل ) ثمّ نخلص في مرحلة ثانية لتحديد خصوصيّة عقود الشغل في إطار مناولة يد العاملة ( الباب الثاني ) .

الباب الأوّل: تمييز عقود الشغل في إطار مناولة يد العاملة عن العقود المسمّاة المشابهة لها في القانون التونسيّ:

بالنظر لغياب أيّ تنظيم لعقود مناولة اليد العاملة في القانون التونسيّ أفرز التطبيق ممارسات عديدة في التعاطي مع العملة حتّى وقع في أذهان بعض الدّارسين خلطا بينها وبين غيرها من المؤسّسات القانونيّة المشابهة لها والتي نظّمها المشرّع التونسيّ في إطار ما يسمّى بالعقود المسمّاة التي وضع لها المشرّع تسمية وتنظيما معيّنين ..[6]

قد يتصوّر البعض أنّ عقود الوضع على الذمّة هي ” عقد سمسرة ” وقد يكتشف آخر أنّها “عقد وكالة ” وقد يعتبرها ثالث ” عقد مناولة عمل ” وقد يذهب رابع لاعتبارها عقد نقل عملة ويظنّ خامسا أنّها عقد مختلط وقد يكتفي سادس بتحليل سطحيّ فيكيّفها بأنّها عقد شغل محدّد المدّة كغيرها من عقود الشغل .

1ـ عقود مناولة يد العاملة وعقد السمسرة:

يعتبر عقد السمسرة من العقود المسمّاة وقد نظّمها المشرّع التونسيّ بالفصول 609 إلى 624 من المجلة التجاريّة. يعرّف الفصل 609 من المجلة التجارية السمسرة بكونها ” عقد يلتزم به فريق يدعى السمسار بأن يسعى في البحث عن شخص لربط الصلة بينه وبين شخص آخر لعقد اتفاق ” . فحسب هذا التعريف القانوني يقتصر دور السمسار في ربط الصلة بين الأجير والمؤجّر، إذا كان موضوع السمسرة يتمثل في البحث عن أجراء للعمل لدى طالب الخدمة .

وجه الشبه بين السمسرة وعقد مناولة يد العاملة أنّ هذا الأخير يقوم أساسا على وجود عقد بين المؤسسة المستفيدة ومؤسّسة مناولة يد العاملة يسمّى ” عقد وضع على الذمّة ” موضوعه وضع عامل أو مجموعة من العملة على ذمّة المؤسّسة الإقتصاديّة أو التّجاريّة .

ووجه الاختلاف بين المؤسّستين القانونيتين يتمثّل في كون مناول يد العاملة يتحصّل دائما على أجرة لقاء الخدمة التي يقوم بها ولكن الأهمّ من ذلك أنّه يبرم “عقود تكليف بمهمّة ” مع العملة المنتدبين ويتولّى خلاصهم في أجورهم ومستحقاتهم ويقوم بتسوية وضعيّتهم لدى صناديق الضمان الإجتماعي …فهو بهذا المعنى المؤجّر القانوني ، في حين أنّ السمسار ينتهي دوره بمجرّد ربط الصلة ولا يستحقّ أجرا على خدمته ـ حسب أحكام الفصل 617 من المجلة التجارية ـ ” …إلا إذا تمّ على يده إبرام العقد الذي توسّط فيه…” وهو هنا عقد شغل بين العامل والمؤجّر طالب الخدمة .

يجدر التذكير بكون مؤسّسات مناولة يد العاملة كان يقتصر دورها على ربط الصلة بين العامل ومؤجّره : هذه الملاحظة التاريخية لا تخلو من فائدة عمليّة في تكييف عقود مناولة يد العاملة فكلّما ثبت أنّ دور المناول يقتصر فعليّا وعمليّا على ربط الصلة ، يتعيّن تكييف العقد بكونه عقد سمسرة يد عاملة واعتبار المؤسّسة المستفيدة من الخدمة هي المؤجّر الحقيقي .

وقد منع الفصل 285 من مجلة الشغل هذه الطريقة في التشغيل عندما نصّ بأنّه قد “ألغيت مكاتب التشغيل الخاصة سواء كانت بأجرة أو بدونه ” وفي المقابل اقتضى الفصل 280 من مجلة الشغل في فقرته الأولى بأن ” يقع انتداب العملة سواء كانوا قارين أو غير قارين عن طريق مكاتب التشغيل العمومية أو مباشرة ” وهو إجراء منسجم مع مبادئ حقوق الإنسان بهدف حماية مبدأ تكافئ الفرص في الحصول على شغل ومنع احتكار سوق العمل والمتاجرة بالعمّال واستعباد النّاس .

ومن اجل ذلك اقتضى الفصل 287 من مجلة الشغل أنّه ” يعاقب على مخالفة أحكام الفصل 280 …من هذه المجلّة بخطيّة قدرها 30 دينارا تطبّق عددا من المرّات مساويا لعدد الشغالين الذين يهمّهم الأمر دون أن تفوق جملة الخطايا خمسة آلاف دينارا . وفي صورة العود تضاعف الخطيّة ” [7] . وعلى هذا الأساس يبطل عقد مناولة يد العاملة بطلانا مطلقا كلّما اتّضح أنّه في الحقيقة عقد سمسرة باليد العاملة وذلك عملا بأحكام الفصل 280 م ش والفصلين 64 و 325 م ا ع الذي نصّ أنّه ” يبطل العقد إذا كان على شيء أو عمل غير ممكن من حيث طبيعته أو من حيث القانون ” .

2 ـ عقود مناولة يد العاملة وعقد الوكالة:

نظّم المشرّع التونسيّ الوكالة بالفصول 1104 إلى 1171 من مجلة الالتزامات والعقود . وعرّفها الفصل 1104 بكونها ” عقد يكلّف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حقّ الموكّل والغير أو حقّ الغير فقط ” .

ومن المعلوم أنّ الوكيل يتصرّف باسم موكّله ولفائدته وفي حدود الوكالة .قد حدّد المشرّع بالفصل 284 ممن مجلة الشغل الأشخاص الذين من الممكن تكليفهم بمهمّة انتداب العمّال وهم رئيس المؤسّسة أو وكيله أو عونا آخر من داخل المؤسّسة عدى رؤساء الفرق .

والمقصود بعبارة “وكيله” هو وكيل رئيس المؤسّسة أيّ الشخص الذي يكلّفه الرئيس بإدارة شؤون المؤسّسة ، فطالما خوّل المشرّع لهذا الأخير الحقّ في تكليف عون بمهمّة انتداب العمّال فمن باب أولى أنّ له الحقّ أيضا في الانتداب بموجب وظيفه وطبق مقتضيات عقد وكالته ضرورة أنّه ” لا يجوز لأحد أن يمنح غيره أكثر ممّا لنفسه من الحقوق ” ( الفصل 551 م ا ع ) . وهي قائمة حصريّة لا يجوز التوسّع فيها بدلالة الفقرة الأخيرة من الفصل 284 من م ش التي نصّت صراحة أنّه ” يحجّر التشغيل بواسطة أيّ شخص آخر غير المشار إليهم أعلاه خاصة رؤساء الفرق ” .

من المفترض أنّ مؤسسة مناولة يد العاملة لئن تبحث عن عملة تتوفّر فيهم المميّزات المطلوبة من المؤسّسة طالبة الخدمة وتنتدبهم للعمل لدى هذه الأخيرة إلاّ أنّها لا تتعاقد معهم باسم المؤسّسة المستفيدة ونيابة عنها وإنّما تبرم معهم عقد شغل مباشرة بصفتها مؤجرا قانونيا وحقيقيا وهي ملزمة بتشغيلهم وخلاصهم في أجورهم . فكلّما ثبت أنّ المناول يتصرّف كوكيل للمؤسّسة المستفيدة نكون أمام عقد وكالة وليس عقد مناولة يد عاملة إذ ليست العبرة بالقوالب والتسميات التي يضيفها الأطرف للعقود وإنّما العبرة بكيفيّة ممارسة النشاط .

وغالبا ما يفرز التطبيق التجاء بعض المؤسّسات الاقتصادية لإحداث مؤسّسة مناولة يد عاملة وقد لا يكون لها من وجود إلا على الورق ويقتصر دورها الفعليّ حصريّا في التعاقد مع الأجير باسمها الخاص في الظاهر ولكنّه في الحقيقة ليس إلا اسما مستعارا للمؤسّسة المستفيدة ، فهي بمثابة الوجه الثاني لنفس العملة لا غاية من هذا التعاقد سوى التحايل على ما للأجير من حقوق . وقد عرّفت محكمة التعقيب التونسيّة في قرارها عدد 9285 الصادر بتاريخ 21/03/1984 الاسم المستعار كالآتي :

” وحيث أنّ تعاقد الوكيل باسمه الخاص وبدون إفصاح عن وكالته للشخص الذي يتعاقد معه يسمّى في الاصطلاح القانونيّ بالتعاقد بطريق التسخير أو بواسطة الاسم المستعار. وحيث أنّ الثابت قانونا أنّ هذا النوع من التعاقد هو حالة من حالات الوكالة لكنّها وكالة مستترة غير معلنة ” [8] .

بالتالي كلّما تبيّن في الواقع عدم وجود لعقد وضع على الذمّة وأنّ المناول تصرّف بمقتضى عقد وكالة مستترة تطبّق أحكام الوكالة وتنسحب بذلك شروط وآثار عقد الشغل على الموكّل الحقيقي[9] أيّ المؤجّر الحقيقي والفعلي وذلك حماية للأجير باعتباره الطرف الضعيف في هذا العقد ومنع التحايل على حقوقه خاصّة وأنّه غالبا ما تكون شركات مناولة يد العاملة التي تتعامل بهذه الطريقة وهميّة وإن وجدت فهي غير مليئة .

وعلى كلّ حال فطالما أنّ مؤسّسات مناولة يد العاملة ليست ممّن ذكر بالفصل 284 في فقرته الأولى فإنّه عملا بأحكام الفقرة الثانية من نفس الفصل السالف الإشارة إليه لا يمكن لها أن تتوسّط في التشغيل أيّ لا يمكن أن تكلّف بمهمّة انتداب العملة اللازمين للمؤسسة الصناعية ، والجزاء على مخالفة هذه المقتضيات هو البطلان المطلق على معنى أحكام الفصل 64 و325 من م ا ع

3 ـ عقود مناولة يد العاملة وعقد مناولة العمل : [10]

لم يعرّف المشرّع التونسيّ مناولة العمل ولكن نظمّ بعض أحكامها بالفصل 28 وما بعده ن مجلة الشغل المنظمة لمؤسّسات اليد العاملة الثانويّة والفصل 887 من م ا ع المتعلّق بالإجارة على الصنع إلى جانب العديد من القوانين الخاصّة المنظّمة لقطاعات معيّنة على غرار الفصل 20 من القانون عدد 33 لسنة 2004 المؤرخ في 19/04/2004 المنظّم للنقل البرّي الذي سمح بإبرام عقود مناولة مع ناقلين خواص لتقديم خدمات النقل العمومي الجماعي وكذلك الأمر المؤرخ في 22 أفريل 1989 المتعلق بتنظيم ميدان الصفقات العمومية والذي خوّل للمتعاقدين مع الجهة الإدارية صاحبة الصفقة إمكانية الالتجاء إلى تقنية المناولة شريطة الحصول على الموافقة المسبّقة وهو ما يسمّيه فقه ” المقاولة من الباطن ….بمعنى يحيل المقاول الأصلي ( المناول ) بعض الأعمال أو الخدمات المناطة بعهدته إلى مقاول آخر يكون في العادة أكثر تخصّصا ” .

وقد استخلص الفقهاء من أحكام الفصل 28 من م ش أن ” الصيغة القانونية لمؤسّسة اليد العاملة الثانوية تشمل شكلين من عمليّة توفير يد العاملة وهما إسداء الخدمات وذلك من خلال عبارة “لتقديم بعض المصالح ” ومناولة العمل وذلك من خلال عبارة ” لتنفيذ بعض الخدمات ” .

في الحالة الأولى يلتزم المقاول الثانوي بإسداء خدمات معيّنة لفائدة المؤسّسة الصناعيّة والتجاريّة كعمليّات الصيانة والتنظيف والتصرّف ، وفي الحالة الثانية يلتزم بالقيام ببعض الأشغال والأعمال المتعلّقة بإنتاج المؤسّسة كتكليفه بتصنيع منتوج معيّن لفائدة هذه المؤسّسة .

وفي الحالتين تعهد بواسطة عقود تجارية مؤسّسة صناعيّة آو تجاريّة وتسمّى المؤسّسة المستفيدة أو المقاول الأصلي ( حسب الأحوال ) إلى مؤسّسة أخرى وهي المقاول الثانوي أو المناول ( حسب الأحوال ) القيام بعمل ما عوض أن تتولاّه بنفسها عن طريق عمّال ينتمون إليها ، وفي كلتا الصورتين فإنّ محلّ الالتزام الأصلي للمقاول الثانوي لا يتمثل في وضع عمّال على ذمّة المؤسّسة المستفيدة وإنّما القيام بعمل لفائدة هذه الأخيرة ….[11]

حال أنّ ” مؤسّسات يد العاملة الوقتية لا تلتزم بإنجاز أيّ عمل وإنّما تنتدب ” اليد العاملة ” بصفة وقتية وتضعها على ذمّة المؤسّسة المستخدمة دون أن تتدخّل في عمليّة الإنتاج “[12].

واللافت للنظر أنّه إلى اليوم لم تضع محكمة تعقيب تعريفا صريحا لمناولة يد العاملة لذلك كثيرا ما يتمّ الخلط بين مؤسّسة يد العاملة ومؤسّسة مناولة العمل من ذلك أنّ الحكم الاستئنافي الشغلي عدد 14920 الصادر عن محكمة أريانة الابتدائية بتاريخ 03/02/2004 اعتبرت أنّ ” الالتجاء إلى عقود المناولة يكون في إطار إسناد الشركة التصرّف في بعض الأمور التي تستعصي عليها بحكم الإمكانيات المادية أو البشرية أو الفنية لغيرها من الشركات التي تهتمّ بذلك وتنشط في ذلك المجال ” حال أنّ أصل النزاع تعلّق بعقد شغل أمضته عاملة مع شركة خدمات وواصلت شغلها في نفس مركز عملها مع مؤجرها الأصلي الذي انتدبها لأوّل مرّة حال أنّ أصل النّزاع المعروض على المحكمة تعلّق بمجرد مناولة يد عاملة .

يصعب تمييز مناولة يد عاملة عن مناولات الخدمات الناشطة في تونس منها مناولة الحراسة وقد نظمها المشرع التونسي بموجب القانون عدد 81 لسنة 2002 المؤرخ في 3/8/2002 المتعلق بممارسة الأنشطة الخصوصية المتعلقة بالمراقبة والحراسة ونقل العملة والمعادن الثمينة والحماية البدنية للأشخاص وهي كلّها أنشطة تتعلّق بإسداء خدمات متعلقة بأنشطة ثانوية بالنسبة إلى المؤسّسات الصناعية والتجارية .

فمؤسّسة الحراسة مثلا تتعهّد بإنجاز مهام الحراسة بالمؤسسة المستفيدة عن طريق عمّال تتولّى جلبهم للغرض. لكن لو فرضنا أنّ هذه المؤسّسة أو غيرها تعهّدت بموجب عقد وضع على الذمّة بتوفير عملة مختصين في الحراسة للعمل لدى المؤسسة المستفيدة التي تباشر بنفسها أعمال الحراسة والإشراف وتسيير العملة ففي هذه الوضعية يجب تكييف المناولة بكونها مناولة يد عاملة لكون مؤسّسة العمل الوقتي لا تلتزم صلب عقد وضع على الذمّة بالإشراف وإنجاز خدمة الحراسة التي تبقى من الاختصاصات المطلقة للمؤسسة المستفيدة طالبة الخدمة . نفس التحليل يتماشى مع مؤسّسات المناولة المختصة في النظافة .

من بين الاختصاصات الأخرى التي لا تعتبر نشاطا رئيسيا بالمؤسّسة وتقوم بمناولتها إلى مؤسّسة مناولة مختصة نذكر مهمّة دفع الأجور والمرتبات للعملة حيث يقوم المناول بحساب وطباعة وسحب كلّ وثيقة أجر وتتمّ المعالجة بعد التحصّل على كلّ المعلومات المتعلّقة بكلّ عامل[13]، وجه الشبه بين هذه المؤسّسات ومؤسّسة يد العاملة أن هذه الأخيرة تتولّى أيضا خلاص العمّال في أجورهم والتصريح بها لدى صناديق الضمان الاجتماعي مع فارق جوهري أنّها تقوم بهذه الأعمال بوصفها المؤجّر القانوني ومسؤولة عن الشغالين وهي التي أحضرتهم للعمل لدى المؤسّسة المستفيدة على خلاف مؤسّسات الخدمات المختصّة في دفع الأجور التي لا تحضر العملة ولا تتولّى خلاصهم من مالها الخاص وإنّما تسدي للمؤسّسة المستفيدة أعمالا إدارية بحتة تتعلّق بمسك الوثائق ودفع الأجور للعملة بعد أن تتسلّمهم من المؤسّسة المصدرة للأوامر وتتقاضى أجرا مقابل هذه الخدمات .

4 ـ عقود مناولة يد العاملة وعقد نقل العملة في إطار تجمّع الشركات :

عرّف الفصل 461 من مجلة الشركات التجارية تجمّع الشركات بكونه ” …مجموعة من الشركات لكلّ واحد منها شخصيتها القانونية تكون مرتبطة بمصالح مشتركة وتمسك إحداها تسمّى الشركة الأمّ بقيّة الشركات تحت نفوذها القانوني أو الفعلي وتمارس عليها رقابتها بشكل يؤدّي إلى وحدة القرار …” وقد نفى الفصل 461 من مجلة الشركات التجارية أن يتمتّع تجمّع الشركات بالشخصية القانونية وعلى هذا الأساس وبمجرّد نقل العامل أو العملة من شركة إلى أخرى من التجمّع تصبح علاقة العمل ثلاثية تربط بين العامل ومؤجره الأصلي من جهة وبين العامل والشركة التي نقل إليها بصفة وقتية أو نهائية من جهة أخرى وبين الشركة المؤجرة والشركة المتقبلة للعامل من جهة ثالثة[14].

فوجه الشبه بين مناولة يد العاملة ونقل العملة داخل تجمّع الشركات أنّ العمل يمارس في إطار علاقات ثلاثية . ووجه الاختلاف أنّه في مناولة يد العاملة لا يكون وضع العامل على ذمّة المؤسّسة المستفيدة إلا وقتيا في حين أنّه في إطار تجمّع الشركات قد تكون النقلة بصفة وقتية أو بصفة نهائية ، كما أنّه في إطار تجمّع الشركات يستمرّ عقد الشغل مع الشركة التي نقل إليها العامل في حين انّه في إطار مناولة يد العاملة يبقى المناول في جميع الأحوال المؤجّر القانوني للعامل .

5 ـ عقود مناولة يد العاملة والعقد المختلط:

يعرّف الفقه العقد المختلط بأنّه العقد الذي يجمع بين عدّة عقود امتزج بعضها بالبعض الأخر . مثال ذلك العقد الرابط بين صاحب النزل وحريفه فهو مجموعة من العقود يمكن أن يشمل عقد إيجار بالنسبة للغرفة وعقد عمل بالنسبة للخدمة وعقد بيع بالنسبة للطعام وعقد وديعة بالنسبة للأمتعة [15] .

وعلى خلاف العقود المختلطة التي هي في الواقع تبرم بين طرفين وصلب كتب واحد فإنّ عقد مناولة يد العاملة يتكوّن من عقدين منفصلين ولا يمكن جمعهما بحال في كتب واحد وهما عقد الوضع على الذمة بين المؤسسة المستعملة ومؤسسة اليد العاملة وعقد تكليف بمهمة بين هذه الأخير وبين الأجير الوقتي وينجرّ عن كل عقد التزامات وحقوق خاصة إلا أنّها مرتبطة ومتلازمة فلا يتصوّر وجود الثاني دون الأوّل ومع ذلك لا تعتبر مختلطة طالما أنّ كلّ عقد مبرم بين طرفين غير المتعاقدين في العقد الآخر .

6 ـ مناولة يد العاملة وعقد الشغل :

جاء بالفصل 6 من مجلة الشغل أنّ ” عقد الشغل هو اتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين ويسمّى عاملا أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف الأخر ويسمّى مؤجّرا وذلك تحت إدارة ومراقبة هذا الأخير وبمقابل أجر ” .

من المستقرّ عليه في فقه قضاء محكمة التعقيب أنّ عنصر التبعيّة هو المعيار المميّز لعقد الشغل وقد أكّدت في بعض قراراتها بمناسبة التمييز بين عقد الشغل وعقد المناولة أنّه ” طالما كان موضوع القضية يتعلق بمقاولة لا بعلاقة شغلية فإنّه يخرج النّزاع عن أنظار دائرة الشغل وذلك لانعدام معيار التبعيّة القانونية الواجب توفّرها في العلاقة الشغلية “[16].

في الحقيقة لئن كان عنصر التبعية متوفرا في مناولة يد العاملة غير أنّه له خصوصية ذلك أنّ العامل الوقتي في تبعيّة لمؤسّسة مقاول العمل الوقتي في خصوص الانتداب وخلاص الأجر وإنهاء العلاقة الشغلية ولهذا فهي تحتفظ بصفة المؤجّر القانوني ولكن أيضا يخضع العامل فعليا للمؤسسة المستفيدة التي تمارس سلطة الإشراف والإدارة أثناء تنفيذ عمله بمقراتها وهي لا شكّ بعض عناصر التبعيّة ممّا يصيّرها لا محالة مؤجرة فعلية .

فإن كان عقد الشغل في معناه الكلاسيكي قائم على علاقة ثنائية بين أجير ومؤجر وذلك على أساس عقد واحد فإنّ مناولة اليد العاملة قائمة على علاقة ثلاثية بين عامل وقتي ومؤجر قانوني ( مناول يد العاملة ) ومؤجر فعلي ( المؤسسة المستفيدة ) وذلك على أساس عقدين هما عقد الوضع على الذمة وعقد تكليف بمهمة .

ومن اجل هذه الاعتبارات المبسوطة أعلاه تعتبر مناولة يد العاملة ذات طبيعة خاصة ممّا يضفي على هذا النوع من طرق التشغيل خصوصية تستأهل التحليل .

الباب الثاني : الطبيعة الخاصة للتشغيل عن طريق مناولة يد العاملة

بالتعريف [17]لا يمكن الحديث عن تشغيل في إطار مناولة يد عاملة إلا على أساس وجود عقدين متلازمين ومترابطين يسمّى الأوّل ا” عقد الوضع على ذمّة ” بين المؤسّسة المستفيدة والمقاول ويسمّى العقد الثاني “”عقد تكليف بمهمّة ” بين المناول والعامل الوقتي فيتّجه التعريف بهما ( المبحث الأوّل ) وينتج عن ذلك التزامات متبادلة في إطار علاقات شغل ثلاثية ( المبحث الثاني ) .

المبحث الأوّل: قيام مناولة اليد العاملة على أساس عقدي وضع على الذمّة وتكليف بمهّة:

من المتّجه التعرّض في نقطة أولى لتعريف عقد الوضع على الذمّة ( عنصر أوّل ) لنخلص في نقطة ثانية لتعريف عقد التكليف بمهمة ( عنصر ثاني ) .

العنصر أوّل : تعريف عقد الوضع على الذمّة : contrat de la mise en disposition

يمكن تعريف عقد الوضع على الذمّة بأنّه التزام بأداء خدمة بموجبه يلتزم مناول يد عاملة بتقديم خدمات محدّدة تتمثّل في وضع عملة ــ ينتدبهم ويتولى خلاصهم ــ تحت تصرّف مؤسسة مستفيدة ــ طالبة الخدمة ــ للقيام لديها بمهمّة معيّنة بصفة وقتية مقابل أجر تلتزم هذه الأخيرة بأدائه للأولى .

لم تكرّس مجلة الشغل ولا مجلة الالتزامات والعقود أحكاما تنظم عقد الوضع على الذمّة على الصورة المتداولة في إطار مناولة يد العاملة .

لكن نلاحظ أنّ هذه المؤسسة القانونية نجد لها صدى في قانون الوظيفة العمومية وقد كرّسها المنشور المؤرخ في 31 أوت 1967 كما تمّ تنقيحه بالمنشور المؤرخ في 5 فيفري 1974 الذي مكّن من وضع بعض الأعوان على ذمة المنظمات القومية مع اعتبارهم بالنسبة لتطور حياتهم المهنية ونظام تأجيرهم كما لو أنّهم يقوموا بعملهم بإدارتهم الأصلية .[18]

وعرّفها الفقه الإداري الفرنسي بكونها ” وضعية الموظف الإداري الذي يقع تكليفه بمباشرة مهامه في إدارة عمومية غير التي ينتمي إليها ويبقى مع ذلك يحافظ على وظيفه لدى إدارته الأصلية التي تواصل خلاصه في مرتبه طبق السلم الإداري الذي ينتمي إليه . [19]

وعلى خلاف المشرع التونسي تعرّض نظيره الفرنسي لتقنية الوضع على الذمة في صورتين :

ــ الصورة الأولى تتعلّق بمناول يد العاملة : حسب أحكام الفصل 131 ـ4 من مجلة الشغل فإنّ مناول يد العاملة لا يمكنه أن يزاول نشاطه إلا بعد التحصّل على ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالعمل والذي لا يمنح إلا بعد إيداع ضامن مالي ( الفصل 131 ـ 3 م ش فرنسية) [20] يكون ضمانا لتعويض المستحقات الشغلية ومعاليم صناديق الضمان الإجتماعي عند الإقتضاء .

ذلك أنّ مؤسسة مناولة يد العاملة لا تمارس نشاطها إلا بصفة محترفة ومطلقة a titre exclusif ويقتصر نشاطها في انتداب عملة لوضعهم على ذمة المؤسسات الطالب لهذه الخدمة .

ــــ الصورة الثانية تتعلق بالوضع على الذمة من طرف مؤجر غير المناول : حسب أحكام الفصل 132 ـ 1 من مجلة الشغل الفرنسية يمكن لمؤجر غير المناول في إطار ما يسمّى ” الإعارة الوقتية ليد العاملة ” prêt temporaire de main d œuvre أن يضع على ذمة مؤسسة أخرى عملة تابعين له للاستفادة من عملهم وذلك بصفة عرضية ووقتية وبمناسبة العمل ولهذا قيّد المشرّع الفرنسي هذه الإمكانية بالتحصّل مسبقا على ترخيص في ذلك من عند الوزير المكلف بالعمل .

ولهذا يعتبر الحصول على رخصة من الوزير المكلف بالعمل شكلية سابقة لإبرام عقود الوضع على الذمّة وهي شرط لصحّة العقد ضرورة أنّ الغاية منها حفظ النظام العام الحمائي الإجتماعي بأن تتولّى الوزارة المعنية تنظيم القطاع ومراقبة والمتداخلين فيه .

وبالنظر لكون القانون التونسي لم ينظّم مناولة يد العاملة فإنّه لا يوجد أيّة معايير للتفريق بين مختلف الوضعيات ، فكلّ من يمارس عملية الوضع على ذمّة ويتولّى توفير العملة للغير ولو بصورة عرضيّة يعتبر مناولا لليد العاملة ولو كان غير مختصا في ذلك . لهذا كثيرا ما نلاحظ من خلال واقع التشغيل في تونس أنّ العديد من شركات مناولة العمل أو الخدمات souSــ traitance تقوم بعملية توفير يد العاملة للغير حال أنّها غير مختصّة في ذلك ومن هنا وقع العديد في الخلط بينها وبين مناولة اليد العاملة .

كما يمكن أن يكون مناول يد العاملة شخصا طبيعيا أو معنويا [21] في شكل شركة تجارية أو تجمّع شركات، محلية أو عابرة للحدود ولكن في جميع الأحوال تظلّ مؤسسة مناولة يد العاملة شخصا من أشخاص القانون الخاص ولا يمكن بالمرّة أن تكون من أشخاص القانون العام .

ويعتبر مناول يد العاملة تاجرا على معنى أحكام الفقرة الأولى من الفصل الثاني من المجلة التجارية ذلك أنّه يحترف إسداء خدمة وضع عملة وقتيين على ذمة الغير قصد تحقيق ربحا ماديا ، مضاربا على الفارق بين العمولة التي يتلقاها من المؤسسة المستفيدة والأجرة التي يدفعها للعامل الوقتي ، فكلّما انخفضت أجرة هذا الأخير زاد هامش ربحه .

أمّا فيما يتعلّق بالطرف الثاني في عقد الوضع على الذمة وهو المؤسسة المستفيدة فيمكن أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا ، شركة مدنية أو فلاحية أو تجارية ، محلية أو عابرة للحدود .

ومنذ صدور قرار مجلس الوزراء يوم 18 فيفري 2011 المتعلق بإنهاء المناولة في القطاع العام لم يعد من الممكن أن يكون المستفيد من هذه الخدمة شخصا من أشخاص القانون العام كالمستشفيات والكليات والبلديات وغيرها وقد صدر في يوم 21 /04/2011 محضر اتفاق بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسيّد وزير الشؤون الاجتماعية تجسيما لقرار مجلس الوزراء وقد نصّ في فصله الأوّل : ” تمّ الاتفاق على إلغاء العمل بالمنشور عدد 35 المؤرخ في 30/07/1999 والمتعلق بالمناولة في الإدارة والمنشآت العمومية والمؤسسات العمومية .

وإثر إنهاء هذه العقود ، يتمّ في مرحلة انتقاليّة انتداب عمال المناولة المباشرين قبل يوم 18/02/2011 في الإدارات العمومية …. ” ،وأضاف الفصل 3 ” بخصوص المنشآت والمؤسسات العمومية تمّ الاتفاق على أن يتمّ انتداب أعوان المناولة المباشرين قبل يوم18/2/2011 بالمؤسسات التي لا تكتسي صبغة إدارية وبالمنشآت العمومية بالمؤسسات المستفيدة وذلك في إطار حوار بين الجانبين الإداري والنقابي بكلّ مؤسسة على حده ….”

ما بقي غامضا في هذا الاتفاق هو عدم التنصيص بخصوص المنشآت العمومية والمؤسسات العمومية على تحجير إبرام أو تجديد عقود المناولة على غرار الإدارات العمومية ؟ ربّما نجد الإجابة في الفقرة الأخيرة من الفصل 3 حيث تمّ الاتفاق على أن ” تبقى عقود المناولة التي لم تنته آجالها بعد سارية المفعول إلى أجل أقصاه يوم 24/7/2011 ” ومن باب أولى وأحرى لا يمكن تجديدها أو إبرام عقود جديدة بعد الأجل المذكور .

وما يلاحظ أنّ عبارة ” المناولة ” جاءت مطلقة فتأخذ علي إطلاقها لتشمل العملة لدى مناولة يد العاملة عملة مناول العمل .

بقي أن نذكر بكون عقد المناولة كغيره من العقود يجب أن تتوفر في أطرافها الأهلية القانونية للتعاقد وهنا نذكّر بأن سنّ الرشد المدني بالنسبة للشخص الطبيعي قد أصبح ثماني عشرة سنة منذ تنقيح الفصل 7 م ا ع بموجب القانون عدد39 لسنة 2010 المؤرخ في 26/07/2010 .

ولا تشترط الكتابة لصحّة عقد الوضع على الذمة على خلاف القوانين المقارنة التي اعتبرت الكتب شرط صحة من ذلك الفقرة الأولى من الفصل 131 ـ4 من مجلة الشغل الفرنسية .

ويمكن أن يتّفق الطرفين على تحديد فترة تجربة طالما أنّ موضوع العقد مسلّط على عمل العامل الوقتي الذي يجب أن يستجيب لمتطلّبات وحاجيات المهمة المكلف بها وإلا تطلب المؤسسة المستفيدة تعويضه بغيره.

وتنفيذا لعقد الوضع على الذمّة يبرم مناول العمل الوقتي مع عامل وقتي عقد تكليف بمهمّة .

العنصر الثاني : تعريف عقد التكليف بمهمّة :contrat de mission

يبرم مناول يد العاملة عقدا مع عامل وقتي يسمّى عقد تكليف بمهمّة .

بدراسة بعض عقود تكليف بمهمّة المتداولة في سوق الشغل التونسية نلاحظ الصياغة النموذجية التالية أو ما يشابهها :

” يقع انتداب العامل ……………للعمل عند شركة ………………..(مؤسسة المناولة) لفائدة الشركة ……………………( المؤسسة المستفيدة ) “.

أو

” يقع انتداب الأجير ……تحت مسؤولية المؤجر……… ( مناول يد العاملة ) لأداء مهمة معينة تكلفه بها الشركة المؤجرة لدى شركة ……..( المؤسسة المستفيدة ) ” .

فعقد تكليف بمهمّة هو عقدا مبرما بين عامل وقتي وبين مناول يد العاملة يلتزم بموجبه الطرف الأوّل بتقديم خدماته للطرف الثاني والمتمثلة في انجاز مهمّة محدّدة لدى المؤسسة المستفيدة مقابل أجرا يدفع الثاني للأوّل .

وبهذا المعنى لا مناص من اعتبار عقد تكليف بمهمّة هو عقد شغل محدّد المدّة على معنى أحكام الفصل 6 من مجلة الشغل . وقد نصّ المشرع الفرنسي صلب الفصل 131 ـ6 من مجلة الشغل أنّ “عقد التكليف بمهمّة لا يمكن أن يكون إلا عقد شغل ” . هذه قرينة قانونية قاطعة لا تقبل بإثبات العكس .

ومن هذه المنطلقات يمكن تحديد شروط الواجب توفّرها في العامل الوقتي طبقا لأحكام مجلة الشغل مع الأخذ بالاعتبار خصوصية المهمة.

يمكن تعريف العامل في مؤسسة اليد العاملة بكونها ” الأجير الوقتي الذي يلتزم في إطار عقد تكليف بمهمة بقبول وضعه مؤقتا على ذمة مؤسسة أو عدّة مؤسسات مستفيدة وذلك لإنجاز مهمة محددة وغير دائمة “[22]

والمقصود بعبارة أجير على معنى أحكام الفصل 6 من مجلة الشغل هو كلّ شخص طبيعي إذ لا يمكن أن يكون الشخص الاعتباري عاملا .

وقد اقتضى الفصل 53 من مجلة الشغل أنّ ” لا يمكن تشغيل الأطفال الذين يقلّ سنّهم عن ستة عشر عاما في جميع الأنشطة الخاضعة لهذه المجلة مع مراعاة الحكام الخاصة الواردة بنفس المجلة …” منها ما نصّ عليه الفصل 54 الذي أجاز تشغيل الأطفال الذين يقل أعمارهم عن ستة عشر عاما في المؤسسات التي يعمل معها أعضاء العائلة فحسب تحت سلطة الأب أو الأم أو الوصي على أن لا يكون لهذا التشغيل أي تأثير سلبي على صحة هؤلاء الأطفال ونموّهم البدني والعقلي وعلى تعليمهم …”

وعلى هذا لا يمكن تشغيل الأطفال الذين تقل سنهم عن 16سنة بمؤسسات يد العاملة إلا إذا ما تمّ تكليفهم بمهمة في مؤسسة يعمل معها أحد والدية أو الوصي ويجب أن تكون طبيعة المهمة ومكان تنفيذها يسمح بأن يكون الطفل تحت سلطة من ذكر ، ويتعيّن تحديد هذه الشروط صلب عقد التكليف بمهمة أي شرط يخالف ذلك يجعل العقد باطلا بطلانا مطلقا على معنى أحكام والفصول 54 من م ش 64 و325 م ا ع .

كما سمح الفصل 55 من مجلة الشغل أن ” يخفض سنّ قبول الأطفال في العمل إلى ثلاثة عشر عاما في الأشغال الفلاحية الخفيفة التي لاتضر بصحتهم ونموّهم ولا تمسّ بمواظبتهم على الدراسة وعلى مشاركتهم في برامج التوجيه أو التكوين المهني المصادق عليها من طرف السلط العمومية المختصة ” ولا تنطبق هذه المقتضيات على عقد التكليف بمهمة إلا إذا كانت المؤسسة المستفيدة فلاح أو شركة فلاحية ويتعلق موضوع المهمة بإنجاز أعمالا فلاحية خفيفة ويتعيّن التنصيص على هذا الشرط صلب العقد وكل مخالفة لهذه الأحكام تبطل العقد بطلانا مطلقا على معنى احكام الفصول 55 من م ش و 64 و325 م ا ع.

فإن كانت سنّ الدنيا لإبرام عقد وضع على الذمّة 16 سنة حسب أحكام الفصل 54 من مجلة الشغل المشار إليه أعلاه فإنّ السنّ القصوى التي لا يمكن بعدها للجير العمل هي بلوغه سنّ التقاعد .

وقد منع المشرع استخدام المحالين على التقاعد المنتفعين بجراية بصفة موظفين أو أجراء لدى المصالح التابعة للدولة ، كما منع القطاع الخاص الجمع بين جراية التقاعد والدخل القار في شكل مرتب في حين سمح ـــ بموجب أحكام الفصلين 1 و 2 من القانون عدد 8 لسنة 1978 المؤرخ في 6/3/1978 المتعلق بضبط أحكام خاصة بعمل المتقاعدين ــ بتشغيل كل أجير لم يستكمل المدة الدنيا للانخراط بصناديق الضمان الاجتماعي كشرط للحصول على جراية التقاعد إلى حين استكمال تلك المدّة .

ولا يخضع عقد التكليف بمهمّة لأيّ شكليّة ويمكن إثباته بجميع الوسائل القانونية على معنى أحكام الفقرة 2 من الفصل 6 من مجلة الشغل . وذلك على خلاف ما هو الحال في الأنظمة التي قننت هذا النمط من التشغيل على غرار الفصل 136 ـ6 من مجلة الشغل الفرنسية والفصل 499 من مدونة الشغل المغربية الذي اقتضت أحكامه بأن ” يحرر كتابة العقد الذي يربط مقاولة التشغيل المؤقت بكل أجير من الأجراء الذين تمّ وضعهم رهن إشارة المستعمل ” . وهو شرط إثبات وليس بشرط صحّة كما يفهم من أحكام الفصل 131 ـ 6 من مجلة الشغل الفرنسية الذي رتّب عن غياب الكتابة جزاء التعويض للأجير عن غرامة الإعلام بنهاية الخدمة ، فطالما رتّب المشرع الفرنسي مثل هذا الجزاء يعني قطعا لأنّه يعتبر العقد نشأ صحيحا .

ولا شيء يمنع في القانون أن يشترط صلب عقد تكليف بمهمة على فترة تجربة على شرط التنصيص على ذلك بعقد الوضع على الذمّة لما من ارتباط وتلازم بين العقدين ولما ينشأ عنهما من التزامات متبادلة .

المبحث الثاني: الالتزامات الناشئة عن علاقات الشغل الثلاثية في إطار مناولة يد العاملة:

يلتزم العامل الوقتي بالقيام بمهمة محدّدة ولمدة معينة لدى المؤسسة المستفيدة (عنصر أوّل ) مقابل التحصّل على أجر من مناول يد العاملة ( عنصر الثاني ) .

العنصر أوّل : التزام عامل المناولة الوقتي بالقيام بمهمة محدّدة لدى المؤسّسة المستفيدة :

إنّ التزام العامل الوقتي بقبول الوضع على ذمّة المؤسسة المستفيدة هو التزام بعمل يتعيّن عليه الوفاء به .

لكن هل يؤخذ هذا الالتزام على إطلاقه يعنى هل يجب عليه أن ينجز جميع المهام الموكولة له والمنصوص عليها بعقدي الوضع بالذمة والتكليف بمهمة عملا بأحكام الفصل 242 م ا ع أم انّه هناك مهام حصريّة تكون موضوع التزام الأجير دون سواها ؟

إنّ عقد الوضع على الذمّة تقنية تتدخّل بصفة مباشرة في تنظيم سوق الشغل وتحديد وضعية الشغالين . وهو على علاقة متلازمة ومترابطة بعقد التكليف بمهمّة الذي ما نشأ إلا تنفيذا للالتزامات الناشئة في عقد الوضع على الذمّة .

فلولا عقد الوضع على الذمّة ما كان عقد تكليف بمهمة ولولا هذا العقد لفسخ الأوّل ولا ما كانت فيه حاجة . لهذا يمكن الجزم أنّ عقد الوضع على الذمة مثل عقد التكليف بمهمة على تماس مع قانون الشغل وما يفرضه من ضوابط تتعلّق بالنظام العام الاجتماعي الحمائي للأجير بصفته الطرف الضعيف في العلاقات الشغلية سواء كان عاملا مباشرا لدى المؤسسة الصناعية أو التجارية …أو كان عاملا وقتيا عند مناول يد عاملة .

لهذه الحماية ما يبررها في واقع سوق الشغل التونسية و هناك أسباب عدّة تدفع المؤسسة المستفيدة لطلب يد عاملة من المناول وقد يكون ذلك لأسباب اضطرارية تفرضها حاجيات العمل كأن يستقيل أو يتغيب عاملا قارا يتعيّن تعويضه في الحال بآخر وقتي إلى حين رجوعه أو تعيين غيره أو قد تكثر الطلبات على المؤسسة الصناعية أو التجارية في فترة ما فيتطلب حجم العمل الزيادة في العملة خاصة إذا كانت المؤسسة مطالبة بتسليم البضاعة في زمن قياسي …. ولكن مع هذه الحالات الواضحة والمشروعة كشفت الحياة الشغلية أنّه “في كثير من الحالات تلجأ هذه المؤسسات لمناولة يد العاملة ـــ كخيار استراتيجي في إطار إحكام التصرف والضغط على المصاريف وكلفة العمل ــــ إلى إبرام عقود مع مؤسسة مختصة في اتنداب يد العاملة التي تتولى وضع عدد من الشغالين تحت تصرفها وهو ما يجنبها تحمّل الأخطار الاجتماعية المترتبة عن علاقات الشغل فينتفع بالعمل دون أن يتحمّل صفة المؤجر ” [23]

وقد ظهرت في التطبيق صورة أخرى تلجأ فيها المؤسسة لمناولة اليد العاملة بان تفرض على بعض عملته إبرام عقود شغل مع مؤسسة عمل وقتي لمدّة معيّنة على أن تتولّى هذه الأخيرة وضعهم على ذمّة المؤسسة التي هم بصدد العمل بها من قبل وبانتهاء العقد يتمّ طردهم كلّ ذلك تحايلا عن حقّهم في الاستخدام القار .

فجميع هذه الحالات التي أفرزها واقع التشغيل في تونس هي نتيجة حتمية لغياب التنظيم القانوني وبالتالي عدم تحديد الصور التي يمكن اللجوء فيها لمناولة يد العاملة من طرف المؤسسة الصناعية ….وعليه يجب الرجوع إلى القواعد العامّة التي تضبط عقود الشغل وخاصة ضوابط النظام العام الحمائي الاجتماعي لحماية الأجير.

المبدأ أن تتولّى المؤسسة المستفيدة إبرام عقود شغل مع الأجراء بصفة مباشرة طبقا لأحكام الفصل 6 من مجلة الشغل . وفي هذا السياق اقتضى الفصل 280 من مجلة الشغل أنّه ” يقع انتداب العملة سواء كانوا قارين أو غير قارين إمّا عن طريق مكاتب التشغيل العمومية أو مباشرة ” .

والحالة تلك يكون جميع العملة الذين يشتغلون لدى المؤسسة المستفيدة هم عملة لديها . مبدئيا لا تناقض بين أحكام الفصل 280 والتشغيل عن طريق مناولة يد العاملة ذلك أنّ العامل الوقتي قد تمّ انتدابه مباشرة من طرف مناول العمل الوقتي وذلك للقيام بمهمة محدّدة ووقتية لا تتعلّق بالنشاط العادي والرئيسي لدى المؤسسة طالبة الخدمة تحت إشراف ورقابة هذه الأخيرة وقابل اجر يدفعه له المقاول .

فهذا يعتبر انتداب مباشر في إطار علاقة شغلية ثلاثية ( مناول عمل وقتي ــ عامل وقتي ــ مؤسسة مستعملة ) يكون فيها الطرف الأوّل مؤجر قانوني والطرف الثالث مؤجر فعلي تبعا لتسييره ورقابته للعمل . غير أنّ التشغيل عن طريق العمل الوقتي فرضته ظروف خاصة واضطرارية ووقتية فيتعيّن عدم اللجوء إليه إلا إذا ما دعت لذلك ضرورة العمل وعلى قدر الحاجة .

من هذه المنطلقات يتعيّن أن يكون موضوع العقد وضع عامل على ذمة المؤسسة المستعملة بصفة عرضية ولهذا سمّي العمل وقتيا والعامل وقتي interimaire . كما يجب أن تكون المهمّة فرعية لا تتعلّق بالنشاط العادي أو الرئيسي للمؤسسة فتلك وظائف دائمة يتعيّن أن يكون العمّال الذي يشغلونها من بين العملة القارين للمؤسسة طالبة الخدمة احتراما لمبدأ محافظة العامل على مركز عمله بصفة دائمة حال أنّ العمل الوقتي بطبيعته يتّسم بالهشاشة وعدم الاستقرار .

ومع ذلك تبقى حالات اللجوء إلى العمل الوقتي فضفاضة طالما أنّ النظام العام الاجتماعي الحمائي للأجير فضفاضا ومطاطا وغير محدّد بدقّة من اجل ذلك يتعيّن تفعيل أحكام الفقرة الأولى من الفصل 6 رابعا من مجلة الشغل .

فلا خلاف أنّ عقد تكليف بمهمّة هو عقد شغل غير محدّد المدّة كما سبق بسطه أعلاه .

وقد نظّم الفصل 6 ـ 4 من مجلة الشغل عقد الشغل المحدّد المدّة وتعرّض لحالاته ومدّته وميّز فقه قضاء محكمة التعقيب بين العقود موضوع الفقرة الأولى والعقود موضوع الفقرة الثانية وبيّنت الحالات التي تطبّق فيها كلّ فقرة وتعرّض لمقاصد المشرّع السامية من هذه العقود وقد جاء في القرار التعقيبي المدني الصادر عن الدوائر المجتمعة تحت عدد 14866 بتاريخ 30/01/2003 أنّه ” يفهم من أحكام القانون عدد 62 المؤرخ في 15/07/1996 والمتعلق بتنقيح الفصل 6 ـ 4 وغيره من مجلة الشغل أنّ التنقيح جاء بحلول مستقبلية لتنظيم علاقات الشغل تقوم على أساس موازنة مصالح طرفي عقد الشغل إذ روعيت حاجيات المؤسسة بتخويلها استخدام العملة لمدّة معيّنة دون تحديد وذلك في مواطن الشغل غير القارة (موسمية ـ ظرفية الخ فقرة أولى من الفصل 6 ـ 4 ) وكذلك روعيت مصالح العامل بالحدّ من الاستخدام بمقتضى عقود معيّنة المدّة بصفة دائمة في مواطن الشغل القارة ( فقرة 2 من الفصل 6 ـ 4 م ش ) ” .

وفي قرار آخر للدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تحت عدد 3736 صادر بتاريخ 03/11/2006 بيّنت التالي ” حدّد المشرّع نوعين من عقود الشغل محدّدة المدّة أوّلها تلك المتعلّقة بإنجاز أعمال تكتسي بطبيعتها صبغة ظرفية أمّا النوع الثاني فيشمل العقود التي تتّسم بطبيعتها بالصبغة الظرفيّة وتلتقي إرادة أطرافها على تحديد مدّتها وحدّد المشرع سقفا زمنيا لها قدره أربع سنوات وسيان أن يبلغ الاتفاق هذا السقف عن طريق تضمينه بعقد واحد أو عن طريق التجديد الضمني . ”

وفي قرار ثالث صادر أيضا عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تحت عدد 5216 بتاريخ 26/01/2006 وضّحت التالي ” فرّق المشرّع بين صنفين من عقود الشغل محدّدة المدّة صنف أوّل خاص بالعقود المتعلّقة بإنجاز أعمال تكتسي بطبيعتها صبغة ظرفية دون تحيد سقف زمني لمدّتها وصنف ثاني خاص بالعقود المتعلقة بالعمال التي لا تتّسم بطبيعتها بالصبغة الظرفية وحدّد لها المشرّع سقفا زمنيا مدّته أريع سنوات لا ينبغي تجاوزه ” .

فالملاحظ من خلال هذه القرارات الثلاث الصادرة عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب أنّه كلّما كان العقد يتعلّق بإنجاز أعمال تكتسي بطبيعتها صبغة ظرفية تكون خاضعة وجوبا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 6 ـ 4 من مجلة الشغل وفي غير تلك الحالات يكون العقد خاضعا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 6 ـ 4 من مجلة الشغل .

وبالرجوع إلى العقد المبرم بين مناول يد العاملة والعامل الوقتي نلاحظ بدون عناء أنّه يتعلّق بإنجاز مهمّة محدّدة لدى المؤسسة المستفيدة وبطبيعة ” المهمّة ” لا تكون إلا وقتيّة وظرفيّة فلا يمكن أن نتحدّث عن مهمة دائمة إلى ما لا نهاية ، والحالة تلك يكون عقد التكليف بمهمّة خاضعا وجوبا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 6 ـ 4 من مجلة الشغل التي حدّدت على وجه الحصر الحالات التي يمكن فيها اللجوء لمثل هذه العقود :

” يمكن إبرام عقد شغل لمدّة معيّنة في الحالات التالية :

1 ـ القيام بالأشغال الأولى لتركيز المؤسسة أو بأشغال جديدة

2 ـ القيام بالأشغال التي تستوجبها زيادة غير عاديّة في حجم العمل .

3 ـ التعويض الوقتي لعامل قار متغيب أو توقف تنفيذ عقد شغله .

4 ـ القيام بأشغال متأكّدة لتفادي حوادث محقّقة أو لتنظيم عمليّات إنقاذ أو لتصليح خلل بمعدّات أو تجهيزات أو بناءات المؤسسة .

5 ـ القيام بأعمال موسمية أو بأنشطة أخرى لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها لمدّة غير معيّنة ” .

هي حالات حصرية تتميّز بطبيعتها الظرفية أو الوقتية أو العرضية أو الموسمية وبصفة عامّة ” القيام بأنشطة لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها لمدّة غير معيّنة ” حسب الحالة الخامسة من الفصل 6 ــ4 ، فالنشاط الرئيسي أو العادي للمؤسّسة المستفيدة يمكن اللجوء فيه لعقد شغل لمدة غير معينة وكذلك الأنشطة الخطرة .

لهذا لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هذه الأنشطة موضوع عقد تكليف بمهمّة ضرورة أنّ ” المهمّة ” بحكم طبيعتها لا يمكن أن تكون إلا محدودة في الزمن أو مرتبطة بإنجاز عمل معيّن .وفي هذا السياق نصّت المادّة 497 من مدونة الشغل المغربية أنّه ” لا يمكن اللجوء إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت من أجل انجاز أشغال تكتسي خطورة خاصة .

كما نلاحظ أيضا أنّ المشرع الفرنسي والبلجيكي قد حصرا حالات عقد تكليف بمهمّة في نفس الصور المنصوص عليها بالفقرة 1 من الفصل 6 ـ4 من مجلة الشغل التونسية. ونفس الحلّ تبنّاه المشرع المغربي وقد جاء بالفصل 496 من مدونة الشغل المغربية أنّه : ” يلجأ المستعمل إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت بعد استشارة الهيئة التمثيلية للأجراء داخل المقاولة من أجل القيام بأشغال غير دائمة تسمى ” مهام ” في الحالات التالية فقط :

1ــ إحلال أجير محل أجير آخر في حالة غيابه أو في حالة توقف عقد الشغل ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب .

2 ــ التزايد المؤقت في نشاط المقاول .

3 ــ انجاز أشغال ذات طابع موسمي .

4 ــ انجاز أشغال استقرّ العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل”.

فطالما قد ثبت من خلال ما سبق أنّ عقد تكليف بمهمة خاضعا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 6 ـ4 من مجلة الشغل فإنّه لا وجه لانطباق الفقرة الثانية من الفصل 6 ـ 4 ضرورة أنّها نصّت بكونها تتعلّق بـ”إبرام عقد شغل لمدّة معيّنة في غير الحالات المذكورة في الفقرة السابقة ” .بالتالي لا يمكن للعامل والمناول ـ ولو بطلب من المؤسسة المستعملة ــ الاتفاق على مخالفة أحكام الفقرة الأولى لكونها جاءت بصياغة حصرية .

وإن رغبت المؤسسة الصناعية تشغيل عامل في النشاط الرئيسي أو العادي أو في مجالات خطرة فلن يتسنّى لها إبرام عقد وضع على الذمّة مع مناول يد عاملة ولكن من الممكن لها أن تبرم مباشرة مع عامل عقد شغل محدّد المدّة على معنى أحكام الفصل 6 ـ 4 من مجلة الشغل حفظا لـ”موازنة مصالح طرفي عقد الشغل إذ روعيت حاجيات المؤسسة بتخويلها استخدام العملة لمدّة معيّنة دون تحديد وذلك في مواطن الشغل غير القارة ( موسمية ـ ظرفية الخ فقرة أولى من الفصل 6 ـ 4 ) وكذلك روعيت مصالح العامل بالحدّ من الاستخدام بمقتضى عقود معيّنة المدّة بصفة دائمة في مواطن الشغل القارة ( فقرة 2 من الفصل 6 ـ 4 م ش ) ” مثلما قرّرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في قراراتها المشار إليها أعلاه .

وفي نفس السياق اقتضى الفصل 124 ـ2 من مجلة الشغل الفرنسية أنّ ” عقد الشغل المؤقت مهما كان سببه يجب أن لا يكون موضوعه يتعلق بمهام مرتبطة بالنشاط العادي والدائم للمؤسسة المستعملة لليد العاملة ” [24]

هذا التحليل منسجما مع أحكام الفصل 280 من مجلة الشغل الذي نصّ صراحة على أنّه ” يقع انتداب العملة سواء كانوا قارين أو غير قارين إمّا عن طريق مكاتب التشغيل العمومية أو مباشرة ” والحالة تلك لا يمكن اللجوء للتشغيل عن طريق مناولة يد العاملة إلا بصورة ظرفية وكلّما دعت ذلك ضرورات العمل الاضطرارية وبقدر الحاجة .

هذا التمييز “للمهام ” الممكن إسنادها للعامل الوقتي في إطار مناولة يد العاملة يعتبر مقصدا من مقاصد النظام العام الاجتماعي الحمائي ضرورة أنّه يحمي المركز القانوني للعملة المباشرين لدى المؤسسة المستفيدة وعامل المناولة الوقتي : فمن جهة أولى يضمن عدم إنهاء عقود شغلهم مغبة تمتعهم بالاستخدام القار.

ومن جهة ثانية وباعتبار أنّه من المفروض أنّ جلّ الشغالين بالمؤسسة المستفيدة يمارسون أعمالا تدخل في النشاط العادي والرئيسي للمؤسسة فلو مكّنا هذه الأخيرة من تشغيل عمّال مناولة وقتيين في هذه الأنشطة وكان عددهم اكبر من العملة القارين فسوف يؤثر ذلك على الدفاع عن حقوقهم ضرورة أنّ الفصل 157 من مجلة الشغل اشترط لإحداث اللجنة الاستشارية للمؤسسة ” أن يكون عدد العملة القارين أربعين عاملا على الأقلّ ” وقد يكون العملة في الواقع أكثر من ذلك العدد بكثير ولكن وجودهم كعدمه إذا كانوا أجراء لدى مناول يد العاملة فلن يمكنهم المطالبة بإحداث مثل هذه اللجنة التي لها دور لا يخفى على احد في تحقيق التوازن بين حقوق العمال الاجتماعية وسلطات المؤجر .

ومن جهة ثالثة وبالنظر إلى الصبغة الوقتية للشغل عن طريق مناولة يد العاملة فإنّه قد يظهر العامل الوقتي مهارات وكفاءات مفيدة للمؤسسة المستعملة وقد ترغب هذه الأخير في انتدابه كعامل مباشر لديها فهل من الممكن لمؤسسة العمل الوقتي أن تحول دون ذلك باشتراط مثل هذا المنع في كل من عقد الوضع على الذمة وعقد تكليف بمهمة ؟

لقائل أن يقول أن المتعاقدين عند شروطهم ومثل هذا الشرط المتعلق بتحجير الانتداب المباشر بعد نهاية المهمة يظل مستساغا كلما كان عقد الشغل الرابط بين المناول الوقتي والعامل الوقتي لا يزال ساري المفعول ولم تنتهي مدته بالرغم من انتهاء عقد الوضع على الذمة الرابط بين المناول والمؤسسة المستفيدة وبالتالي انتهاء المهمة المكلف بها .

غير أنّ هذا التحليل يتجافى مع الطابع الحمائي لقانون الشغل وما يبديه من حرص على حماية الأجير الطرف الضعيف في العلاقات الشغلية ، فطالما أن الاستقرار والاستمرار في العمل هو الأصل وهشاشة التشغيل تظلّ ظاهرة عرضية فإنّه يلزم حفظ كلّ فرصة للأجير بان يستمرّ في عمله كعامل قار بالمؤسسة المستفيدة ، ومن اجل ذلك جاء في القانون المقارن أنّ ” كلّ شرط في عقد الوضع على الذمّة يحجّر على المؤسسة المستفيدة تشغيل العامل الوقتي بعد نهاية عقد تكليفه بالمهمة يعتبر باطلا ولا ينجر عنه شيئا ” ( الفصل 131 ـ 4 من مجلة الشغل الفرنسية ) .

على أنّ هذا الحلّ لا يعمل به إذا ما انتدب العامل الوقتي ليعوّض عامل بالمؤسسة كان قد تغّيب لمدّة محدّدة لسبب أو لآخر إلا إذا كان انتدابه لا يحرم العامل الأصلي من الرجوع إلى سالف عمله ، وفي هذه السياق اقتضى القانون المقارن وبالتحديد المشرع المغربي بالفصل 499 من مدونة الشغل أنّه ” إذا قامت مقاولة بفصل بعض أو كل أجرائها لأسباب اقتصادية ، فإنّه لا يمكنها اللجوء إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت خلال السنة الموالية لتاريخ الفصل لمواجهة التزايد المؤقت في نشاط المقاولة …” وفي نفس السياق منع الفصل 496 من المدونة المغربية ” الالتجاء لمناولة يد العاملة لتعويض عامل مارس حقه في الإضراب ” باعتباره مارس حقا دستوريا يتعيّن حمايته ولا يجب التحايل عليه ومعاقبته طالما وأنّ إضرابه كان طبق القانون .

كما يتعيّن التنصيص في عقد الوضع على الذمة على التزام المؤسسة المستفيدة باحترام قواعد الصحة والسلامة المهنية اللازمتين باعتبار أنّ العمل سوف يباشر تحت إشرافها وفي منشآتها ليوفي العامل الوقتي بدورها بالتزاماته على أكمل وجه دون أن يضطرّ للدفع بعد التنفيذ عملا بأحكام الفصل 247 م ا ع .

ومن أجل حماية الأجير من التحايل على ما له من حقوق في الاستخدام القار وضمانا للشفافية يتعيّن أن يبرم في خصوص كلّ عامل وقتي كتب عقد وضع على الذمة وكتب عقد تكليف بمهمة مستقلين عن غيره من العمّال المزمع انتدابهم ويقع تحديد صلب ذانك العقدين على المهمّة التي سيكلّف بها العامل الوقتي على وجه الدقة خاصّة فيما يتعلّق بمكان وزمان وطريقة تنفيذها وطبق شروط النظام الداخلي للمؤسسة .

وفي مقابل انجاز العامل الوقتي للمهمة لدى المؤسسة المستعملة يجب أن يتحصّل على اجر عادل .

العنصر الثاني : حق عامل المناولة الوقتي في أجر عادل :

عرّف المشرّع التونسي الأجر بالفقرة الأولى من الفصل 134 من مجلة الشغل بأنّه ” يقصد بالأجر ما يستحقه العامل من مؤجره مقابل العمل الذي أنجزه ” طالما أنّ عامل المناولة المؤقت مكلف بإنجاز مهمة محدّدة فإنه يستحق أجرا مقابل ذلك.وقد اقتضى الفصل 134 من مجلة الشغل أنّه ” يضبط اجر العملة على اختلاف أصنافهم إمّا باتفاق مباشر بين الأطراف وإمّا عن طريق اتفاقية مشتركة وذلك مع احترام الأجر الأدنى المضمون والمضبوط بأمر ” . ومن الناحية التطبيقية يقع تحديد اجر العامل الوقتي بالنظر إلى معطيين اثنين على الأقل :

المعطى الأوّل : من المعلوم أنّ مؤسسة مناولة يد العاملة تعتبر تاجرة تحقق أرباحها بالمضاربة على الفارق بين الأجر المقبوض من المؤسسة المستفيدة مقابل الخدمة التي أنجزتها ( أي مقابل وضع العامل على ذمّة المؤسسة المستعملة ) وبين الأجر المدفوع حقيقة للعامل الوقتي . فكلّما انخفض أجر العامل الوقتي زاد ربح المناول وكلّما زاد هذا الأجر تقلّص ربحه .

المعطى الثاني : باعتبار أنّ قطاع مناولة يد العاملة غير منظّم في القانون التونسي فإنه لا يخضع لأيّ اتفاقية قطاعية ممّا سهّل عمليا تجاوز ما للأجير من حقوق كغيره من العمّال الخاضعين لاتفاقية وبالتالي هناك حرية غير منضبطة في تحديد الأجر جعلت من مقاولات يد العاملة تكتفي بخلاص العامل الوقتي على أساس الأجر الأدنى المضمون عملا بأحكام الفصل 134 من مجلة الشغل .

غير أنّ في ذلك تحايل واضح على قانون الشغل ، ضرورة أنّ الفصل 134 ، 2 من مجلة الشغل اقتضى أنّه ” يقصد بالأجر الأدنى المضمون الحدّ الأدنى الذي لا يمكن النزول تحته لتأجير عامل مكلف بإنجاز أعمال لا تتطلب اختصاصا مهنيا ” حال أنّه من جهة أولى ليس كلّ العمّال الوقتيين لدى المناول مكلفين بأعمال لا تتطلب اختصاصا مهنيا بل الكثير منها ينجزون مهاما تتطلب اختصاصا وخبرة .

ومن جهة ثانية قد يكون زملاء العامل الوقتي الذي يعمل لدى المؤسسة المستفيدة والذي يزاول معه نفس العمل ويتقاضى أجرة أعلى بموجب الاتفاق أو بموجب الاتفاقية القطاعية الخاضعة لها المؤسسة المؤجرة ” وقد أفرز هذا الوضع تفاوت في التأجير بين العملة المنتمين إلى نفس التصنيف المهني بسبب اختلاف طريقة الانتداب فالعامل الذي ينتدب بصفة مباشرة من قبل الشركة الصناعية أو التجارية يخضع من حيث التأجير لقواعد مجلة الشغل وأحكام الاتفاقية المشتركة القطاعية الخاصة بذلك النشاط والتي تخوّله امتيازات إضافية على مستوى الأجر والمنح في حين أنّ العامل الذي ينتدب من قبل شركة مقاولة ويتمّ وضعه على ذمّة مؤسسة صناعية أو تجارية فإنّه يتمّ ترتيبه كعامل غير مختصّ ولا ينتفع بأحكام الاتفاقية القطاعية المنظمة لذلك النشاط ” [25]

هذه القراءة وإن كانت تحكي واقع تأجير عامل المناولة الوقتي فإنّه من الممكن تجاوزها بالنظر لكون النظام العام الاجتماعي الحمائي أسّس مبدأ المساواة في الأجر بالنسبة لنفس الاختصاص المهني . وقد ضمنت المادّة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤرخة في 16/12/1966 حق المساواة في الأجر الممنوح للعمّال الذين ينجزون نفس العمل داخل المؤسسة .

وقد صادقت البلاد التونسية على هذا العهد منذ سنة 1968 . وطالما أنّ الاتفاقيات والمعاهدات المصادق عليها أعلى من الدستور ، فإنّه بمجرّد المصادقة يصبح ذلك العهد جزء لا يتجزأ من القانون التونسي .

وعليه تطبيقا للمادة 7 من العهد الدولي المشار إليه أعلاه يتعيّن إخضاع أجرة العامل الوقتي لنفس الاتفاقية القطاعية الخاضع لها عامل المؤسسة المستفيدة الذي يزاول معه نفس الاختصاص المهني وفي نفس الصنف والدرجة والأقدمية وقد كرّست القوانين المقارنة هذا الحلّ من ذلك أن المشرع الفرنسي قد نصّ في الفصل 131 ـ 3 من مجلة الشغل . [26]

أمّا في القانون التونسي فقد نصّت الفقرة الأخيرة من الفصل 6 ــ 4 من مجلة الشغل أنّه ” يتقاضى العملة المنتدبون بمقتضى عقود شغل لمدّة معيّنة أجورا أساسية ومنحا لا تقلّ عن الأجور الأساسية والمنح المسندة بمقتضى نصوص ترتيبية أو اتفاقيات مشتركة للعملة القارين الذين لهم نفس الاختصاص المهني ” وفي قراءة واسعة وجدّية لهذه المقتضيات أكّد بعض الفقهاء أن عبارة ” المنتدبون ” مطلقة وتطبيقا لأحكام الفصل 533 من مجلة الالتزامات والعقود فإنّه ” إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها ” . كما أنّه وتطبيقا لمبدأ الغموض ينتفع به العمّال ” in dubio pro operario ” بالنظر للصبغة الحمائية لقانون الشغل فإنّه بإمكان تأويل عبارة ” المنتدبون ” لتشمل المنتدبون بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة بما يسمح بتمتيع أجراء مؤسسات مناولة يد العاملة بنفس الأجور والمنح التي يتقاضاها أجراء المؤسسة المستفيدة شريطة انجازهم لنفس الأعمال وهذا الحلّ ” .[27]

هذا الحلّ يتأكّد بالنسبة للعامل الذي كان أجيرا لمدّة طويلة عند المؤسسة المستفيدة ثمّ ومن باب التحايل عن حقّه في الاستخدام القار على معنى أحكام الفصل 6 ـ4 من مجلة الشغل يتولّى إجباره على إبرام عقد شغل محدّد المدّة مع مؤسسة مناولة ومع ذلك يبقى يزاول نفس الاختصاص المهني وعند نفس مؤجره السابق ، ففي هذه الصورة ــ وهي الأكثر شيوعا في واقع الشغل في تونس ــ على الأقلّ من باب العدل واحترام النظام العام الاجتماعي الحمائي للأجير المحافظة على نفس الأجرة والمستحقات الشغلية التي كان يتقاضاها من قبل بموجب الاتفاقية القطاعية .

ولكن حتى بالنسبة العملة الوقتيين أجراء المناول والذين لا يمارسون نفس النشاط الذي يزاوله العملة القارين بالمؤسسة المستفيدة وهم ــ كما يفهم من أحكام الفقرة 2 من الفصل الثاني من الاتفاقية المشتركة الإطارية ـــ ” الذين يتمّ استخدامهم لمدّة معيّنة والمنتدبين للقيام بأشغال من حين لآخر أو بأشغال طارئة ” فإنّ هؤلاء الأجراء حسب صريح الفقرة الأخيرة من الفصل 2 من نفس الاتفاقية المشتركة الاطارية “يتمتّعون بنفس الحقوق التي يتمتّع بها الأجراء القارون في ما يتعلّق ….وبتسلّم بطاقة خلاص الأجر وشهادة الشغل مدّة مباشرة العمل والأجر على الشغل بالليل والساعات الزائدة والراحة الأسبوعية وأيّام العطل والرخصة الخالصة …”.

أمّا في خصوص الأجر الأساسي فقد نصّت الفقرة الثالثة من الفصل الثاني من نفس الاتفاقية من كونه ” يقع درس وضعية العملة الوقتيين حسب كلّ فرع نشاط في نطاق العقود المشتركة القطاعية أوالخاصة ” وعملا بهذه المقتضيات يجب خلاصهم طبق النشاط الفرعي الذي يمارسونه بالمؤسسة .

هذه التوجّهات أصبحت غير غريبة على القانون التونسي بعد أن اقتضى محضر الاتفاق المبرم يوم 18/2/2011 أنّه يقع ” … انتداب عمال المناولة المباشرين قبل يوم 18/02/2011 في الإدارات العمومية ويضبط الأجر الشهري لكل عامل طبقا للتراتيب الجاري بها العمل ، وفي كلّ الحالات يجب أن لا يقلّ أجورهم عن الأجر الأدنى المضمون للموظف العامل بنظام 40 ساعة في الأسبوع ” .

وأضاف الفصل 3 أنّه ” تمّ الاتفاق على …. أن يتمّ انتداب أعوان المناولة المباشرين قبل يوم18/2/2011 بالمؤسسات التي لا تكتسي صبغة إدارية وبالمنشآت العمومية بالمؤسسات المستفيدة وذلك في إطار حوار بين الجانبين الإداري والنقابي بكلّ مؤسسة على حده مع تأجيرهم في حدود الكلفة الحقيقية كاملة لعملية المناولة دون إن تتجاوز في كل الحالات أجرة الأعوان المترسمين في خطة عامل من نفس الاختصاص “.

فهؤلاء العملة كان بعضهم عملة مناولة يد عاملة وقتيين مكلفين بمهمة في القطاع العام وقد تقرّر أنّ مستوى التأجير كان مخالفا للقانون ودون حقيقة الأجر المستحق فتقرر منحهم نفس الأجر الممنوح الموظف العمومي أو الكلفة الحقيقية الكاملة لعملية المناول ، وهذا اعتراف أنّ العمولة التي يأخذها المناول هي في الحقيقة جزء من الجرة الحقيقية للعامل الوقتي .

فيمكن تطبيق هذه الأحكام على المناول الوقتي في القطاع الخاص طالما أنّ جميعهم عملة مناولة يد عاملة ويعملون بنفس الكيفية وتحت نفس الظروف تقريبا.

إنّ خضوع عامل المناولة الوقتي للاتفاقية القطاعية للنشاط الذي يزاوله داخل المؤسسة المستفيدة يبدو حلاّ مستساغا بالنظر لفكرة ومبدأ الترابط والتلازم بين عقدي الوضع على الذمة والتكليف بمهمة وما ترتّب عن ذلك من تقاسم لعنصر تبعية الأجير للمؤسستين ممّا يفترض معه تحمّل المسؤولية بالتضامن بينهما وهو اتجاه قد تبنّاه جانب عريض من الفقه وفقه القضاء التونسي وهذا ما سنحاول تحليله في الجزء الثاني من هذه الدراسة .

الجزء الثاني : تصدّع عقد الشغل في إطار مناولة يد العاملة

إن خصوصية العلاقة الثلاثية للشغل في إطار مناولة يد العاملة أدّى إلى تراجع عنصر التبعية ( الباب الأول ) وأضفى إلى جدل فقه قضاء في خصوص المسؤولية العقدية وتحديد المؤجر ( الباب الثاني ) .

الباب الأول : تراجع عنصر التبعية في إطار التشغيل عن طريق مؤسسات مناولات يد العاملة

عرف المشرع التونسي عنصر التبعية بالفصل 6 من مجلة الشغل تعريفا وظيفيا بقوله أنّ الأجير يلتزم بتقديم خدماته ” تحت إدارة و مراقبة “مؤجره.

و قد جاء في القرار التعقيبي المدني عدد 16271 الصادر بتاريخ 19/ 01 /2008 أن:

“يشترط لقيام العلاقة الشغلية توفر عنصر التبعية و يعني بذلك الإدارة و الإشراف المباشر من المؤجر على الأجير فيما يتعلق بنوعية خدماته و سلطته في الرقابة على كيفية تنفيذ العمل مع وجوب احترام الأجير للتوقيت الذي يضبطه المجر مقابل أجر ” .

هذا القرار التعقيبي أعطى تعريفا واضحا و دقيقا لعنصر التبعية فهي ” الإدارة و الإشراف المباشر من المؤجر على الأجير فيما يتعلق نوعية خدماته وسلطته في الرقابة على كيفية تنفيذ العمل مع وجوب احترام الأجير للتوقيت الذي يضبطه المؤجر” .

و تمنح هذه التبعية القانونية للمؤجر السلطة في تسيير مختلف جوانب العمل وتحديد النظام الداخلي للمؤسسة وتسليط العقوبات التأديبية عند تقصير أو امتناع العامل على انجاز المهمة الموكولة له من رب العمل .

غير أن الأمر مختلف في خصوص مناولة يد العاملة ” ذلك أن المؤسسة المستفيدة تمارس صلاحيات المؤجر في خصوص الإشراف و مراقبة العامل أثناء تنفيذ عمله بمقراتها رغم انتفاء العلاقة القانونية فيما تحتفظ المؤسسة المناولة بصفة المؤجر في خصوص الانتداب و خلاص الأجر و التأديب وإنهاء العلاقة الشغلية ” [28] فيلا حظ انقسام عنصر التبعية بين المؤجر القانوني وهو مناول اليد العاملة وبين طرف آخر من المفروض أنه مجرد متمتع بخدمة المناولة وهو المؤسسة المستفيدة .

إنّ هذه الازدواجية في التبعية إنّ كانت غريبة عن العلاقات الشغلية في مفهومها الكلاسيكي غير أنها تستمد شرعيتها من عقدي وضع على الذمة والتكليف بمهمة. بمقتضى العقد الأول يتولى مناول يد العاملة إحالة ماله من سلطة إشراف تسيير ومراقبة إلى المؤسسة المستفيدة وبموجب عقد تكليف بمهمة يلتزم الأجير بالخضوع لأوامر المؤسسة طالبة الخدمة .

عملا بما للمؤسسة المستفيدة من سلطة على إدارة العمل فان لها أن تطلب من مؤسسة مناولة يد العاملة أن تغير كل عامل لا يستجيب للمواصفات المطلوبة أو تراه غير كفئ لانجاز المهمة وعلى المناول تغييره بعامل آخر و من هنا نستشف أن الشركة الصناعية أو التجارية المستقطبة يمكن أن تتدخّل في إنهاء “عقد الشغل ” بالرغم من كونها ليست طرفا في عقد التكليف بمهمة .

لذلك فمن الوجيه البحث في مسؤولية المؤسستين في تنفيذ العقد وتحم”ل تبعات إخلال أي منهما بالالتزامات العقدية في إطار العلاقة الشغلية خاصة فيما يتعلق بخلاص العامل في أجرته ومعاليم انخراطه في صندوق الضمان الاجتماعي والغرامات المستحقة في صورة تعرضه لطرد تعسفي .

الباب الثاني: موقف فقه القضاء التونسي من المسؤولية العقدية في إطار مناولة اليد العاملة وتحديد المؤجر

في عقود الشغل الكلاسكية تكون علاقات الشغل ثنائية بمعنى أن العامل أجيرا لدى الشخص الذي تعاقد معه وأمضى على الكتب والذي يتولى خلاصه في أجرته و بقية مستحقاته الشغلية و الاجتماعية. من حيث المبدأ فان العلاقة الشغلية تخضع لمبدأ النسبية العقدية مثلما قررها الفصل 240 من م.أ.ع الذي نص على أنّ العقد ” لا يلزم …إلا العاقدين و لا ينجر منه للغير ضرر و لا نفع إلا في الصور التي نص عليها القانون ” .

والمقصود بذلك أن العقد الذي نشأ بين طرفين أو أكثر تتولّد عنه حقوق و واجبات بين المتعاقدين و لا يمكن لغير هما أن يصبح جراء العقد دائنا أو مدينا.

لكن في إطار علاقة ثلاثية الأبعاد لا تنشأ إلا في ظلّ عقدين متلازمين ومتكاملين وهما عقد الوضع على الذمة وعقد تكليف بمهمة يجدر بنا طرح أكثر الأسئلة جدية : هل من مسلمات القانون أن المؤسسة المستعملة غيرا على العلاقات الشغلية و بالتالي لا يمكن للأجير أن يطالب بحقوقه الاجتماعية و النقابية ومستحقاته الشغلية ؟

إزاء هذا الإشكال نلاحظ أن فقه قضاء محكمة التعقيب ظل شحيحا وعلى قلّته يمكن أن نخرج على الأقل بثلاثة اتجاهات :

الأول تمسّك بالظاهر في تكييف العلاقة الشغلية و تحديد المؤجر ( المبحث الاول ) والثاني تحاشي الإجابة عن موقفه من تحديد المؤجر ( المبحث الثاني ) والثالث مقاصدي راعى الخصوصيات الاجتماعية للنزاعات الشغلية ( المبحث الثالث ) ولعّل هذا الحلّ الأخير يجد له دعائم عدة في القانون التونسي بالنظر إلى اعتبارات طبيعة العلاقة الثلاثية و خصوصية تجزئة عنصر التبعية ولا زلنا ننتظر مزيد من الاجتهادات الفقه قضائية.

المبحث الأول : التمسك بالظاهر في تكييف العلاقة الشغلية و تحديد المؤجر :

بمناسبة قضية عرفية تقدمت بها عاملة تنظيف لدى مصحة خاصة زعمت صلبها أنها على اثر تعرضها لحادث شغل طلبت منها إدارة المصحة الإمضاء على وثيقة لم تكن تعلم أنها عقد عمل محدد المدّة مع مؤسسة مناولات وواصلت عملها دون انقطاع إلى تاريخ توقيفها عن العمل من طرف مؤجرتها المصحة المذكورة . وكان جواب محكمة التعقيب في قرار ها عدد 13509 الصادر في 12/01/2008 كاالتالي : “لئن كانت المعقب ضدّها الأولى تعمل لدى الطاعنة ( المصحة ) من جانفي 2001 إلى ماي 2003 إلا أنّها أمضت عقد شغل مع شركة يد العاملة الثانوية والمناولة لمدّة معيّنة بداية من 27 ماي 2003 ….”

ثمّ أضافت أنّه : ” طالما أبرمت المعقب ضدها الأولى ( العاملة ) علاقة شغلية جديدة عن طواعية مع شركة المناولة المذكورة فإنّه لا مجال لقيامها ضد الطاعنة الآن ( المصحة ) التي لم تعد مؤجرتها مثلما يتبين من بطاقات الخلاص والتصريح المقدّم باسمها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ” .

وأسّست قضاؤها على أحكام الفصل 559 م ا ع معتبرة أنّ ” الأصل في الأمور الصحة والمطابقة للقانون حتى يثبت خلافه “. فما يلاحظ أنّ محكمة التعقيب تمسّكت بظاهر العلاقة الشغلية وأنّ العقد شريعة الطرفين على معنى احكام الفصل 240 م ا ع

ـــ نقد هذا الموقف : لقد علّق بعض الدارسين بالقول أنّه : ” لا شكّ أنّ عقود العمل وبطاقات الخلاص والتصاريح المقدّمة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تمثل حججا متفاوتة القيمة لإثبات العلاقة الشغلية وتحديد صفة المؤجر إلا أنّ هذه الحجج قد تكون غير كافية لوحدها لإثبات العلاقة الشغلية أو نفيها خاصة في ظلّ علاقة ثلاثية أفرزتها مناولة يد العاملة ويكون من المتعيّن تبعا لذلك الغوص في أعماق العلاقات القانونية الرابطة بين الأجراء ومؤسسات المناولة والمؤسسات المستفيدة دون الاكتفاء بالشكليات القانونية الظاهرة لعقود العمل وبطاقات الخلاص وغيرها من الحجج التي قد يتخفى وراءها المؤجر الحقيقي “[29] .

يبدو هذا التحليل وجيها لكونه يأخذ بعين الاعتبار واقع التشغيل في إطار مناولة يد العاملة وخاصة ظروف ووقائع القضية التعقيبية موضوع التعليق ، فمن الثابت من ملفها أنّ العاملة كانت تعمل عند المؤسسة الصحية وأبرمت عقد شغل محدد المدة مع مناول ومع ذلك بقيت تشغل نفس منصب عملها وبنفس الشروط والأجر .

ويلاحظ أنّ العديد من محاكم الموضوع أخذت بموقف فقه القضاء المذكور ، وكلما استظهر المؤجر بعقود شغل محدد المدة مع مناول تقضي بعدم وجود علاقة شغلية بين الخصمين وانّ العلاقة الشغلية تربط العامل بالمناول دون سواه .

إنّ سوء تكييف هذه المحاكم للعلاقة الشغلية يرجع لكونها استعجلت الأمر إذ كان عليها أن لا تقتصر بالنظر في العقد المعروض عليها والمبرم بين العامل وشركة المناولة بل يجب عليها في نطاق ما لها من دور استقرائي أن تدرس عقد الوضع على الذمة وتتأكّد من وجوده ثمّ من شروطه ثمّ تحكم بما تراه موافقا للقانون .

لهذا سوف نرى أن هذا الاتجاه القضائي إن كان في الظاهر مؤسس على مبدأ النسبية العقدية ومبدأ أن الأصل في الأمور الصحة إلا أن واقع العلاقات الشغلية يضعف من هذا الموقف . وقد ظهر اتجاهين آخرين أوّلهما ساكت وفي سكوته موقف ضمني من المسألة واتجاه جريء مقاصدي أصاب روح العلاقة الشغلية .

المبحث الثاني : خصوصية العلاقة الثلاثية للتشغيل وتحديد المؤجر المسؤول :

في الواقع أن فقه القضاء قد تبنى في العديد من قراراته موقفا متطورا من تحديد المؤجر الحقيقي وإن كان في بعضها أجاب بصفة ضمنية ( عنصر أوّل ) فإن موقفه في قرارات أخرى كان صريحا وواضحا (عنصر ثاني ).

العنصر الأوّل: التحديد الضمني للمؤجر الحقيقي:

أثيرت مسألة تحديد المؤجر الحقيقي أمام القضاء بمناسبة طرد مجموعة من العمال كانوا يعملون لدى مؤسسة صناعية التي نفت أيّ علاقة شغلية بينها وبينهم وإنما وقع انتدابهم للعمل من قبل الدخيلتين في القضية وهما شريكتي مناولة . وبالرغم من كون كل عامل تولى رفع قضية مستقلة غير أن محكمة التعقيب قضت في قراراها عدد 2004 / 1995 الصادر بتاريخ 27 /09/2004 أن النزاع له صبغة جماعية وعليه كان على أحرص الطرفين أن يعرض الصعوبة على اللجنة الاستشارية للمؤسسة فإذا لم يتم فصل الخلاف داخل المؤسسة يقع عرضه وجوبا من أكثر الطرفين حرصا على المكتب الجهوي للتصالح وعند التعذر على اللجنة الجهوية للتصالح وإذا لم يرضي الحل المقترح من اللجنة الجهوية أو اللجنة المركزية للتصالح فإنه يمكن لهما الاتفاق كتابيا على عرض النزاع على التحكيم ( كل ذلك طبقا لأحكام 376 و377 و380 م ش ) وانتهت المحكمة بالقول بأنّه : ” تبيّن من أوراق القضية وخاصة محضر الاستدعاء عدد 46234 المؤرخ في 16/06/2001 أنّ النزاع قائم بين عدّة عاملات ضد المعقبة الأمر الذي يخرجه عن نظر دائرة الشغل ” قرار تعقيبي عدد 2004/1995 صادر بتاريخ 27/9/2004 .

وعلى كل حال بالرغم من انّ محكمة التعقيب امتنعت عن غير سداد[30] عن النظر في أصل النزاع إلا أن ما لم تقله في هذا القرار أكثر ممّا قالته فإنّه طالما أقرّت المحكمة بوجود نزاع جماعي يفهم من ذلك بالضرورة أنّها تعتبر أنّ العمال هم أجراء لدى المؤسسة الصناعية . بمعنى أنها أقرّت ضمنيا تواصل العلاقة الشغلية بين الطرفين ودفعت بعدم اختصاص دائرة الشعل في النزاع .

وفي قرار آخر صادر عن محكمة التعقيب تحت عدد 2007/19330 بتاريخ 12/04/2008 تعلّقت وقائعه بمادّيات مشابهة للقرار عدد 2004/1995 المشار إليه أعلاه قرّرت التالي :

” حيث ثبتت من مظروفات القضية أن بطاقات الخلاص لسنة 2005 وشهادة التصريح بالأجور عن الثلاثية الأولى لسنة 2006 صادرة عن شركة المناولة …فإنّ الحكم المطعون فيه كان في طريقه لمّا اعتبر أنّ إدخال الشركة منذ الطور الأوّل ضروري لتقدير النزاع وفصله …”

فلأوّل وهلة قد يفهم موقف محكمة التعقيب أنّها تتمسّك بظاهر العلاقة الشغلية مثلما تمسّكت بالقرار عدد 13509 الصادر بتاريخ 12/01/2008 المشار إليه أعلاه ، غير أنّ الحقيقة على خلاف ذلك إذ اتسم موقفها بالحياد وعدم الاستعجال ، صحيح أنّها احترمت حق كل خصم في النزاع في الدفاع عن حقوقه خلال درجتي التقاضي التقاضي وقضت من اجل ذلك بالرفض لعدم إدخال شركة المناولة خلال الطور الأول إلا أنّ العبارات التي اختارتها لتعليل حكمها وهي ” ضروري لتقدير النزاع وفصله ”

تعني أنّ التوقف على ظاهر العلاقة الشغلية الرابطة بين العامل والمناول غير كافية لتحديد المؤجر الحقيقي فهي لا تعدو أن تكون مؤيدات قوية يجب فحصها وقراءتها في إطار العلاقة الثلاثية والنظر فيها إلى جانب جملة من الأمور الواقعية اللازمة لتقدير النزاع وفصله وتحديد على ضوءها من هو المؤجر الحقيقي خاصة أن ظروف القضية التي نظرت فيها محكمة التعقيب تبيّن أنّ العامل عمل لدى المؤسسة المستفيدة قبل أن يصبح يتقاضى أجوره من شركة المناولة حسبما هو ثابت من بطاقات الخلاص وشهادة التصريح بالأجور لسنة 2006 وما يؤكد أن بطاقات الخلاص وشهادة التصريح غير كافية لإثبات العلاقة الشغلية وتحديد المؤجر الحقيقي أن من بين الخدمات التي تتولى إسدائها بعض مؤسسات مناولة العمل خدمة دفع الأجور للعملة ولهذا ليس الأمر على ظاهره ويتطلب التدقيق وكثيرا من الاستقراءات .

لهذا التوقف من المحكمة لا يخلو من رصانة في الحكم ضرورة أنّ تكييف العلاقة الشغلية وتحديد المؤجر بتطلب حضور جميع الأطراف المتداخلة وذلك منذ الطور الأول لما قد ينجر من تحديد للمؤجر الحقيقي والفعلي الذي سيتحمّل المسؤولية .

العنصر الثاني : الاتجاه المقاصدي في تكييف العلاقة الشغلية وتحديد المؤجر :

ما فتئ فقه قضاء محكمة التعقيب يتحفنا باتجاهات وحلول جريئة للعديد من الإشكاليات الغامضة في قانون الشغل كتوزيع عبء الإثبات والسلطة التأديبية للمؤجر وتحديد عنصر التبعية واعتباره أساسا لتكييف العلاقة الشغلية .

وقد نهض قانون الشغل على مجموعة من المبادئ العامّة التي أكسبته مرونة في التعامل مع واقع الحياة الشغلية ومستجدياتها كمفهوم النظام العام الاجتماعي الحمائي والشك أو الغموض ينتفع به الأجير بصفته الطرف الضعيف كما يحضى القاضي الشغلي بدور استقرائي واسع في البحث عن الحقيقة واثبات وجود العلاقة الشغلية وتواصلها ومن قدرة في تكييف العقود طبق معايير موضوعية ، كل ذلك يشكل أرضية خصبة لحلّ المشكلات القانونية التي تطرحها مناولة يد العاملة .

وفي هذا الإطار ظهرت اتجاهات قضائية على مستوى محاكم الأصل ومحكمة القانون راعت متطلبات هذه القراءة المقاصدية في تكييف العلاقة الشغلية وفي قرارين جريئين عدد2904 و2905 صادرين عن محكمة التعقيب بتاريخ 14/10/2006 قضت بتقرير الحكم الاستئنافي بقولها ”

” حيث يتضح بمراجعة القرار المنتقد أن المحكمة قد استعرضت وقائع القضية وظروف ودفوع الطرفية واستخلصت في نطاق اختصاص وسلطتها التقديرية أنّه يتّضح من خلال الإقرار الحكمي لممثل شركة ….( المناولة ) بالطور الابتدائي ومصادقة نائب المستأنف المعقب حاليا ( المؤسسة الصناعية المختصة في الخياطة ) في الطورين أنّ الأجير كانت تسدي خدماتها بصفة مباشرة لفائدة الشركة الصناعية التي تنتفع بمفردها بتلك الخدمات المتمثلة أساسا في العمل على آلة الخياطة كما ثبت لديها أنّ الأجيرة المذكورة كانت تخضع إلى رقابة وإشراف الشركة الطاعنة ( المؤسسة المستفيدة ) من حيث الحضور وتنظيم العمل والإنتاج والتوجيه في العمل . ”

من خلال هذه الحيثية اعتبرت المحكمة أنّ المؤسسة الصناعية هي المؤجر الفعلي والحقيقي وذلك بالاعتماد على ثبوت خضوع الأجيرة المباشر لها والتي تنتفع بمفردها بخدماتها ، فطالما توجد علاقة تبعية بين العاملة والمؤسسة المستعملة فتواجد بالضرورة علاقة شغلية بين الطرفين .

هذا الموقف الريادي مؤسس على ما استقرّ عليه فقه القضاء من كون عنصر التبعية يمثل المعيار الأساسي لتمييز عقد الشغل عن غيره من العقود . وفي هذا السياق أوضح الفقه أنّ ” الذي يميّز المقاولة عن عقد العمل هو أنّ المقاول لا يخضع لإرادة ربّ العمل وإشرافه “[31] وقد ثبت من مظروفات القضية المشار إليها أعلاه أن الأجيرة لا يخضع لإرادة المقاول وإشرافه بالمرة وإنما يخضع لإرادة وإشراف المؤسسة المستعملة فبهذا تتحقّق العلاقة الشغلية بين العامل والمؤسسة الصناعية .

فقد طبّقت محكمة التعقيب ما لها من سلطة في تكييف التصرفات القانونية فليس العبرة بالتسميات التي يسندها الأطراف للعقد وإنّما للمحكمة أن تقدّم الوصف القانوني الصحيح[32] وانتهت المحكمة لتقرير : ” أنّ العلاقة الشغلية الفعلية توفرت معاييرها بين الشركة الطاعنة ( المؤسسة المستفيدة ) والعاملة المستأنف ضدّها المذكورة هذا فضلا عن خلو عقود الشغل المذكورة من التنصيص على موضوع النشاط الذي ستمارسه العاملة واعتبرت ( محكمة الاستئناف) أنّ تدخّل شركة الخدمات …. في تشغيل المعقب ضدّها لا طائلة من ورائه سوى حرمان العاملة من أقدميتها وفي اكتساب صفة العاملة القارة بالأساس …..وحيث أنّ محكمة القرار المنتقد لمّا نحت هذا المنحى واعتبرت أنّ العلاقة الشغلية قائمة بين الطاعنة ( المؤسسة الصناعية ) والأجيرة المعقب ضدّها بصفة متواصلة من تاريخ الانتداب إلى تاريخ الطرد تكون قد بررت قضاءها تبريرا قانونيا سليما مستمدّا من الأوراق ومؤدّيا إلى النتيجة التي انتهت إليها بدون خرق للقانون ولا ضعف في التعليل بما يتعيّن معه ردّ المطعنين ” .

فمحكمة التعقيب قد أبرزت بالفعل ما لها من دور في الرقابة على حسن تطبيق القانون بل أحسنت تطبيق مبادئ قانون الشغل وما تقتضيه من حماية الأجير، إذ ما الذي يجعله يتعاقد بإرادة حرّة وبصفة جدّية مع مؤسسة مناولة يد عاملة ليعمل مع نفس المؤسسة الاقتصادية التي كان يعمل بها من قبل وفي نفس المركز ونفس الدرجة وفي نفس مكان العمل وبنفس الأجر؟ فالفائدة الوحيدة من التعاقد مع المناول بموجب عقد محدّد المدّة حاصلة لمؤجره ( المؤسسة المستفيدة ) الذي ينتهج هذه الحيلة للتحايل على أحكام الفصل 6 من م ش وحرمان العامل من حقه في الأقدمية والاستخدام القار. ومن اجل ذلك اعتبرت المحكمة أن العلاقة الشغلية الفعلية متواصلة مع المؤسسة الصناعية وهي المؤجر الفعلي .

إنّ هذين القرارين مع الأسف لم يتبعا في فقه قضاء محكمة التعقيب وفي ذلك دليل على أنّ محكمة الموضوع لا تزال تتمسّك بالظاهر في تفسير العقود تحت مظلة قداسة الفصل 242 م ا ع وأن ” العقد شريعة الطرفين ” غير أنّ محاكم الأصل من حين لآخر تتحلّى بالشجاعة وتتبنى التأويل المقاصدي للعلاقة الشغلية من ذلك الحكم عدد 28022 الصادر عن دائرة الشغل بالمحكمة الابتدائية بصفاقس وكذلك الحكم الاستئنافي الشغلي عدد 18297 الصادر عن محكمة الاستئناف بصفاقس بتاريخ 29/12/2006 التي قضت بإقرار الحكم الابتدائي المذكور معتبرة أن :

” تمسّك المستأنفة بصفة الكتب الجديد المفضي لعلاقة شغلية جديدة والمطالبة بترتيب نتائجه القانونية في غير طريقه لأحكام الفصل 325 م ا ع بأنّ ليس للإلتزام الباطل من أصله عمل ولا يترتّب عليه شيء كما أنّ تمسّكها بانقطاع العلاقة الشغلية القديمة ( التي كانت تربط الجيرة بالمؤسسة المستفيدة المستانفة ) لا يستقيم قانونا طالما ثبت بطلان الكتب الجديد وطالما ثبت كذلك تواصل العلاقة واستمرار العاملة على خدمة تلك المؤسسة تحت مراقبتها وإشرافها المباشر وفي نطاق تعليمات ومساحة نفوذها ” .

وقد عاب بعض الشارحين على : ” محاكم الأصل ومحكمة التعقيب إخراج مؤسسات اليد العاملة من النزاع بحجة أنها لم تكن هي المؤجر الحقيقي وتحميل المؤسسة المستفيدة جميع تبعات الطرد التعسفي والحال أنه كان بإمكانها الحكم عليهما بأداء الغرامات المحكوم بها للأجير بالتضامن بينهما استنادا لنظرية المؤجر الفعلي ( المؤسسة المستفيدة ) والمؤجر القانوني ( مؤسسة مناولة اليد العاملة )[33] .

حسب محرر هذا المتواضع كان حكم محاكم الأصل ومحكمة التعقيب بإخراج مؤسسة اليد العاملة في طريقه ومنسجما مع تعليلها تواصل العلاقة الشغلية مع المؤسسة الصناعية على أساس بطلان عقود الشغل المحددة المدة التي أبرمت بين المناول والعامل تحت الضغط والإكراه المعنوي الذي مارسه ربّ عمله ( المؤسسة الصناعية ) قصد التحايل على قانون الشغل ، إذ ما هي مصلحة الأجير في إبرام عقد شغل محدّد المدّة لا تتجاوز بضعة أشهر ليشتغل في نفس مركز العمل وفي نفس المؤسسة الاقتصادية تحت سلطتها وإشرافها وفي نفس الظروف العادية التي كان يمارس فيها عمله وبنفس الأجر إن لم ينقص مع فقدان صفة المستخدم القار ليصبح عاملا وقتيا فاقدا وظيفه لا محالة ليصبح مهدّدا بالبطالة إن عاجلا أو آجلا ؟فإن جزاء مثل هذه العقود هو البطلان المطلق على معنى أحكام الفصل 325 م ا ع مثلما ذهبت إليه محكمة التعقيب .

ومن المعلوم أنّ العقد الباطل لا عمل عليه وهو في حكم المعدوم ويرجع المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد وأن العقد الباطل لا ينتج عنه آثار وبالتالى لا يمكن إعتبار شركة المناولة مؤجرةقانوني ومن أجل ذلك قضت محاكم الأصل ومحكمة التعقيب في تلك القرارات بإخراج مؤسسات مقاولات اليد العاملة من النزاع ولم تقضي بالتضامن في المسؤولية ، وهو حكماخاصا بالوضعية الواقعية والقانونية للنّزاع المطروح على تلك المحاكم ولذلك لا تنطبق هذه الاجتهادات القضائية كلّ ما كانت عقود مناولة يد العاملة صحيحة وحقيقية .

المبحث الثالث : مبررات تكريس المسؤولية بالتضامن بين المؤجر الفعلي والمؤجر القانوني في تحمّل تبعات عدم تنفيذ عقد الشغل :

اقتضت أصول الالتزامات والعقود أنّ كلّ مدين بموجب عقد نشأ صحيحا ملزما بالوفاء بما التزم به وإن امتنع عن التنفيذ حقّ للدائن مطالبته وتعويض الخسارة عند الاقتضاء .

ولكن مبدأ النسبية العقدية يفترض أن العقد لا يلزم فلا المتعاقدين وقد الفصل 240 من م ا ع أنّه ” لا يلزم العقد إلا العاقدين ولا ينجر منه للغير ضرر ولا نفع إلا في الصور التي نص عليها القانون ” .

فمن جهة أولى وكما سبقت الإشارة أن عقود مناولة اليد العاملة هي عقود مركبة من عقدين متلازمين وهما عقد الوضع على الذمة وعقد تكليف بمهمة وهما عقدين مترابطين بكيفية لا يمكن إن يكون للثاني وجود دون وجود الأول وعدم وجود الثاني سبب موجبا لفسخ الأول والمطالبة بغرم الخسارة . فما نشأ عقد تكليف بمهمة إلا بطلب وبرضى وسعي من المؤسسة المستعملة ، ذلك أن إبرام هذا العقد وتنفيذه هو تنفيذ لالتزام عقد الوضع على الذمة .

بهذا المعنى تكون العلاقة التعاقدية هي علاقة ثلاثية كما سلف بيانه تقوم على ثلاثة اطراف متعاقدة هم أساس العلاقة الشغلية وإذا غاب أحدهم فلن يكون لمناولة العمل الوقتي وجودا حقيقي وفعلي أو حتى قانوني . بهذا المنطق الداخلي يصعب اعتبار المؤسسة المستفيدة غيرا عن عقد الشغل المبرم في إطار مناولة يد العاملة .

ومن جهة ثانية تستأثر المؤسسة المستفيدة بسلطة التبعية في خصوص الإشراف على العامل أثناء تنفيذ عمله وتمتع بسلطة تأديبه إذا ما خالف النظام الداخلي ، فهي لهذه الاعتبارات المؤجر الحقيقي والفعلي . في حين أنّ مؤسسة المناولة تحتفظ بسلطة التبعية في خصوص دفع اجر العامل وأقساط الضمان الاجتماعي وإنهاء العلاقة الشغلية ولهذا فهو يعتبر المؤجر القانوني ضرورة أنّ الشخص الذي أبرم عقد التكليف بمهمة مباشرة مع الأجير .

ومن جهة ثالثة تعتبر المؤسسة المستعملة هي الشخص الوحيد المستفيد مباشرة وحصريا من خدمات الأجير .

ومن أصول القواعد العامّة للقانون ما جاء بالفصل 554 مدني من كون : ” الخراج بالضمان أي من له النمى عليه التوا ” .

ومن جهة رابعة اقتضى الفصل الثاني من الاتفاقية الإطارية المشتركة في فقرتها الأخيرة أنّ ” العمال الوقتيين يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأجراء القارون فيما يتعلق بالحق النقابي وحرية الرأي والحماية أثناء القيام بعملهم وتسليم بطاقات خلاص الأجر وشهادات الشغل مدّة مباشرة العمل والأجر على الشغل بالليل والساعات الزائدة والراحة الأسبوعية وأيام العطل والرخصة الخاصة كما يخضعون لنفس التراتيب التأديبية ” .

فبعض هذه الحقوق المكفولة للعامل هي التزامات مباشرة للمؤسسة المستفيدة إذ أن الأجير لا يمكنه التعت عبها إلا أثناء القيام بعمل ومناسبته على غرار الحق النقابي وحرية الرأي والحماية أثناء القيام بعمله وكذلك الأمر بالنسبة لساعات الزائدة والشغل بالليل والراحة الأسبوعية وأيام العطل والرخصة الخالصة . فكلّ هذه الحقوق ملزمة للمؤسسة المستفيدة بموجب عقد الوضع على الذمة والفصل الثاني من الاتفاقية الاطارية وملزمة لمؤسسة المناولة بموجب عقد تكليف بمهمّة .

أمّا في خصوص المسؤولية عن الطرد التعسفي فإن المؤجر الفعلي أي المؤسسة المستعملة المباشرة لتنفيذ العمل هي التي تقرر الطرد قبل نهاية أمد العقد وتكتفي مؤسسة مناولة يد العاملة بتنفيذ قرار الطرد وبتعويض العامل المطلوب بآخر طبقا لطلبات المؤسسة الأولى .

وعلى كلّ حال فهناك دائما مشاركة بين المؤجر الفعلي والمؤجر القانوني في عرقلة تنفيذ عقد شغل العامل الوقتي وما له من حقوق بموجب مجلة الشغل الأمر الذي يبرّر تضامنهما في تحمّل مسؤولية تبعات تلك الخرقات المختلفة .

الخاتمة

إن غياب التنظيم والتأطير القانوني لمناولة يد العاملة أخرج هذه التقنية عن النشاطات المختصة فيها حتى وقع لبس في تكييفها ممّا أضفى عليها كثيرا من الغموض عند الرأي العام وحتى عند بعض رجال القانون والمحاكم وأدّى ذلك لاستغلالها للتحايل على ما للعامل من حقوق سواء كان هذا العامل أجيرا لدى مناول وقتي أو أجيرا لدى المؤسسات الصناعية والتجارية …طالبة خدمة الوضع على الذمة ولهذا تعالت الأصوات المنادية بعدم شرعية هذا النمط من التشغيل مطالبة بإلغائه حفاظا على حقوق العمال في عمل تكفل له فيه الكرامة فاستجاب مجلس الوزراء يوم 18 فيفيري 2011 منهيا لمعاناة الآلاف من عمال المناولة العاملين في القطاع العمومي بمختلف أصنافهم سواء كان تأجيرهم في إطار مناولة عمل أو مناولة يد عاملة .

وبعد إنجاز هذه الدراسة والاطلاع عن مجال تدخل مناولة العمل الوقتي في القوانين المقارنة أرى أنّ تواجد هذا النمط من التشغيل يمكن أن يساهم في دعم الاقتصاد المحلي والقضاء على البطالة ولو بصفة وقتية بشرط آن تخضع مؤسسات مقاولات يد العاملة لترخيص مسبق من طرف وزارة التشغيل وتحديد مجال تدخلها وحصره بالتأكيد صراحة على الطابع الظرفي والمؤقت لهذا النمط من التشغيل مع ضمان نفس الحقوق المكفولة للعامل المستخدم عن طريق المؤسسة طالبة الخدمة وذلك بإخضاع العامل الوقتي لنقس الاتفاقية القطاعية الخاضعة لها تلك المؤسسة المستقطبة وتحميلها بالتضامن مع المناول تبعات كلّ خرق لحقوقه الاجتماعية.

فالحلّ في التقنين المحكم والتنظيم الدقيق للقطاع وتحقيق الموازنة بين حاجيات المؤسسات الصناعية والتجارية ..للزيادة الطارئة والوقتية لليد العاملة وحفظ حق العامل الوقتي في شغل يحفظ له كرامته بتحقيق المساواة مع غيره من الشغالين ولن يكون ذلك إلا بحصر تداخل مقاولات مناولة العملة في القطاع الخاص وتسليط عقوبات جزائية على كلّ من يعمد التحايل عن قانون الشغل .