الإنترنت والإتجار بالبشر
الاتجار بالبشر كلمتان يقشعر البدن لسماعهما كلمتان أصبحتا محل إهتمام الجميع محليا وإقليما ودوليا ، كلمتان لو نظرنا لهن بتمعن لوجدنا أنهن يشكلن ظاهرة ليست وليدة عصرنا هذا وإنما لها جذور تاريخية كبيرة فكان الرق شائعا إلا أنها ونتيجة للثورة التكنولوجية في مجال تقنية المعلومات وشبكات الاتصال تطورت أساليب ممارستها فزادت مخاطرها ودق ناقوس الخطر.

– الأسباب:
ظاهرة الاتجار بالبشر كما أسلفنا ليست وليدة عصرنا هذا فالرق كان شائعاً عند الشعوب القديمة، بسبب كثرة الغزوات والحروب وبالتالي استرقاق الأسرى نتيجة هذه الغزوات والحروب، أما في العصر الحالي فسبب الاتجار بالبشر هو ماثل في الظروف الاقتصادية الرديئة التي تمر بالأشخاص محل التجارة بالبشر وأيضاً بسبب ممارسة هذه التجارة من جانب عصابات الإجرام المنظم بالإضافة إلى ذوبان الحدود السياسية للدول وبالتالي جعل ذلك الوضح أيضاً ثمة ممارسة لهذه التجارة من جانب عصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية.

– تأصيل الظاهرة:الاتجار بالبشر كما أسلفنا ليس وليد عصرنا هذا وانما له جذور تاريخية فهو كان معروفاً في الشرائع البابلية واليونانية والعربية الجاهلية، وكان للرقيق – آنذاك – تجارة داخلية وخارجية مشهورة ومن أمثلتها التاريخية الأخيرة السباء الجماعي لزنوج أفريقيا وتهجيرهم إلى أمريكا.
وجاءت الشريعة الإسلامية بنظام محكم – وأن لم يأتي بنص حاسم وصريح يحرم الرق- لمكافحة الرق وذلك عن طريق وجوب حسن معاملة الرقيق وأيضاً ضيقت الشريعة الإسلامية الخالدة من أسباب الاسترقاق وشجعت تحرير الأشخاص محل الرق عن طريق العتق والتدبير والكتابة وبمرور الزمن كان لهذا النظام دور لا ينكر في محاربة الرق وتجارته، هذا وقد أكد مجمع البحوث الإسلامية بعدم وجود الرق في أي جزء من أجزاء العالم يقره الإسلام.

هذا وقد حرمت جميع المواثيق الدولية ممارسة هذه الظاهرة بكل أنواعها وأشكالها فجاءت المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص ويحظر الاسترقاق أو استعباد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها”.

– نصيبها من التجارة غير المشروعه:تمثل هذه الظاهرة ثالث أكثر تجارة غير مشروعة مربحة في العالم، بعد تجارة المخدرات والأسلحة غير المشروعة، وكل عام يتم الاتجار بعدد كبير من الأشخاص – معظمهم من النساء والأطفال- عبر الحدود الوطنية، هذا فضلا عمن يتم الاتجار بهم في داخل بلدانهم، لأغراض الدعارة أو العمل القسري، وهذه التجارة بطبيعتها، تهدر كرامة الإنسان وتستغل أوضاع الفقر العالمي، وقد أصبحت نوعا من الاسترقاق المعاصر لضحايا أجبروا أو أوقع بهم أو أكرهوا على العمل أو الاستغلال الجنسي، ويشك الاتجار بالبشر تهديدا متعدد الأبعاد؛ إذ يحرم الضحايا من حقوقهم الإنسانية وحرياتهم، والأهم من ذلك أن هذه التجارة تشكل خطرا صحيا عالميا وتزيد من نمو الجريمة المنظمة.

– الاتجار بالبشر ما يعني؟
بعض الفقه ذهب في تعريفه لهذه على أنها كافة التصرفات غير المشروعة، التي تحيل الإنسان إلى مجرد سلعة أو ضحية يتم التصرف فيها فيه بواسطة وسطاء ومحترفين عبر الحدود الوطنية بقصد استغلاله في أعمال ذات أجر متدن أو في أعمال جنسية أو ما شابه ذلك، وسواء تم هذا التصرف بإرادة الضحية أو قسراً عنه أو بأي صورة أخرى من صور العبودية .

– عناصر المتاجرة بالبشر
وضح من التعريف السابق أن العناصر الأساسية لهذه الظاهرة تتمثل في ثلاثة سلعة وتاجر وسوق.
1. السلعة: السلعة في الاتجار بالبشر تكون ماثلة في الشخص الذي يتم تجنيده أو نقله أو تنقله أو إيواؤه أو استقباله من بلد إلى بلد من أجل استغلاله بأي طريقة كانت سواء بطريق السخرة أو استغلاله في ممارسة البغاء والاستغلال الجنسي وغيرها من الطريق التي قد تصل إلى المتاجرة بأعضائه .
2. الوسيط (التاجر) :
يقصد بالوسيط الشخص أو الجماعات أوالعصابات الإجرامية المنظمة التي تباشر عمله نقل وتنقيل الأشخاص الضحايا من أوطانهم إلى البلد المستورد لهم وتقوم بشئون هذه التجارة.
فالاتجار بالبشر هو ثالث أكبر تجارة إجرامية في العالم وبعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح، وهي تشكل بالنسبة لعصابات الإجرام المنظم مخاطر أقل من تجارة المخدرات وتجارة السلاح.
3. السوق :
يتعلق الاتجار في البشر بانتقال الضحايا من موطنهم الأصلي إلى بلد آخر أو عدة بلاد أخرى، وذلك من أجل استغلالهم.
وعلى ذلك يكون النقل مباشرة بين الدولة العارضة والدولة المستوردة وقد يكون بين هؤلاء البلدين بلد عبور أو تجمع.

وعلى ذلك فإن الاتجار بالبشر يرتبط بعدة أسواق:
‌أ- دول العرض أو المصدر : أي الدول العارضة والمصدرة للضحايا. وهي في الأغلب والأعم تكون دول فقيرة تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية ومن ثم ينفر هؤلاء الضحايا من هذه البلاد إلى بلاد الطلب عليهم للاتجار بهم.
‌ب- دول الطلب: أي الدول المستوردة ، وعلى عكس الدول المصدرة، هي دول غنية أو صناعية كبرى، ولا يوجد بها مشاكل اقتصادية أو اجتماعية يتمتع الأفراد بداخلها بوضع أفضل بكثير من البلاد الأخرى المصدرة. ومن ثم فيكون ثمة جذب لهؤلاء الدول.
‌ج- دول العبور (ترانزيت) : بين هذين النوعين من الدول قد توجد دول عبور أو ترانزيت تكون بين الدول المصدرة والدول المستورة، إذ تمثل مجرد مكان أو مركز لتجمع هؤلاء الضحايا توطئة لتكمله باقي إجراءات الإنتقال إلى الدول المستوردة لهم.

الإنترنت ودورها في الاتجار بالبشر
الإنترنت.. ذلك الآتي إلينا رغمًا عنا ـ ودون استئذان ـ من الفضاء ودون عائق أيضًا، يحمل شتى فروع العلم، والمعرفة، والثقافة، ويحمل كذلك الأفكار والسموم اللاخلاقية .

الإنترنت..ذلك العالم الجديد الحافل بالغموض والإثارة، فعن طريقه أصبح في الإمكان وبسهولة التحاور مع أي شخص وفي أي وقت وأينما كان ، من خلاله بات في إمكانك نقل ما تشاء من معلومات ومعطيات إلى من تشاء من الأشخاص في أي وقت ومن أي مكان أو تتلقى منه ما تريد من أخبار أو رسائل.
وكما أن لشبكة الإنترنت فوائد عديدة وإيجابيات كثيرة، فإنها أيضًا ساهمت وبشكل كبير جدا في كسر حواجز الزمان والمكان أمام عصابات الإجرام المنظم في تيسير شئون هذه المتاجرة بالبشر ، بين الدول المستوردة والدول المصدرة والإعلانات الخاصة بالعصابات في هذا الصدد.

فعن طريق التجارة الإلكترونية التي تعد من أهم الخدمات التي قدمتها شبكة الإنترنت بات في إمكان عصابات الإجرام المنظم بالبشر إبرام الصفقات بكافة تفاصيلها وجوانبها وهم في بلدهم دون أن يكون هناك انتقال بالتالي يكون ثمة توفير للوقت والتنقل.، وهذا بطبيعة الحال وفر الأمان لتلكم العصابات فأصبحت ثمة مشاكل عملية في مجال الجرائم لاسيما الاختصاص وأيضاً صعوبة إثبات الجريمة بصعوبة الحصول على أدلة إثبات و هذا بالتالي جنب الجناة من مغبة الوقوع في أيدي العدالة .

فشبكة الإنترنت بإمكانياتها الكبيرة مكنت عصابات الإجرام المنظم وساعدتهم كثيرا في مجال عرض السلع وهم الضحايا من البشر عن طريق الإعلانات، والمثال على ذلك؛ أنه قد وفي إحدى الموقع الالكترونية المخصصة للمزادات وضع إعلان لبيع طفل بالمزاد العلني والمفاجأة أنه وبعد يوم واحد من وقف عملية البيع كلية وصل سعرها إلى رقم فكلي بلغ (5.750.000 دولار أمريكي) .

كما سهلت هذه الشبكة عمليات تجنيد الأطفال والنساء واستغلالهم جنسياً سواء في الدعارة أو عمل أفلام فيديو أو باستخدام التقنية الرقمية في إنتاج الأفلام الجنسية واستطاعت التقنية الرقمية أن تسهل على رغبي مشاهدة الأفلام الجنسية الاختيار بين أكثر من فيلم كما يحدث في شبكات الكابل وشبكات الكابل المتصلة بالأقمار الصناعية وقد تم المزج في عالم الاستغلال الجنسي بين استخدام التليفزيون واستخدام شبكة الإنترنت بكثرة في ترويج تجارة الصور الجنسية الفاضحة وخاصة للنساء والأطفال وفي دراسة أجريت حديثاً عن قضايا ضبط الصور الحقيقة الفاضحة للأطفال كانت الصور المعروضة عبر الإنترنت تمثل 32% من القضايا المضبوطة عام 1998 ثم ارتفعت النسبة وصلت 47% عام 1999م وواصلت ارتفاعها عام 2000م حتى بلغت 77% مازالت في الصعود.

ولا شك أن غرفة الدردشة في شبكة الإنترنت كان لها دور كبير في إغراء النساء والأطفال على العمل في مجال الاتجار بالبشر عن طريق الاستغلال الجنسي وهذا بطبيعة الحال ساهم وبشكل كبير في ازدهار هذه التجارة المحرمة .

هذا ولم يقتصر الأمر على استخدام الشبكة العالمية على عمليتي البيع والعرض لهذه الظاهرة وإنما امتد ليشمل بيع التقنية ذاتها كوسيلة للاتجار المذكور. وبما يسهل الأمر على المتاجرين بأرواح البشر منهم . ومن الأمثلة على بيع التقنية بيع موقع إلكتروني مشهور بكثرة الولوج إليه والشراء من خلاله ، أو التنازل عن بريد إلكتروني يتم من خلاله الطلب ، أو الاشتراك في إحدى غرف المناقشة التي يتم من خلالها الاتجار بالبشر مقابل الالتزام بدفع مبلغ مادي ، أو القيام بإعداد تقنية خاصة لمحركات البحث Search Engine مهمتها المساعدة في الانتقال إلى حيث المواقع الخاصة بالترويج لهذه الظاهرة أو عرض البضاعة ، أو استخدام تقنية خاصة يتم تقنينها وتوزيعها على العملاء والتجار عبر شبكة الإنترنت .

ليس هذا فحسب بل من الممكن أن تشمل قيام التاجر بتأسيس وسيط إلكتروني متكامل كمزود لخدمات الإنترنت ISP أو شبكة اتصالات متكاملة مهمتها الترويج لهذه الظاهرة عبر شبكة الإنترنت

الخلاصة :نخلص من سبق أن التطور الكبير في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وظهور شبكة الانترنت وانتشارها الواسع ساهم وبشكل كبير في ازدهار الاتجار بالبشر تلك التجارة المحرمة دوليا ظهور وبات المجتمع الدولي مطالبا بالوقوف وقفة صرامة أمام هذا الاستغلال السيئ لهذه الشبكة بخدماتها الكثيرة والمتنوعة عن طريق سن التشريعات والاتفاقيات التي تحرم وتواجه هذه الظاهرة .

أيضا بات على المشرع العماني أن يراجع حساباته في هذه النقطة فنظرة متأنية لنصوص القوانين الموجودة في السلطنة يتضح لنا من خلالها وجود نقص تشريعي في هذا المجال فقانون الجزاء العماني وبالرغم من التعديلات التي أجريت له والتي كانت أهمها إضافة فصل خاص بجرائم الحاسب الآلي جاء خاليا من أي نص يجرم استخدام شبكة الإنترنت أو تقنية الحاسوب في هذه التجارة المحرمة .وذات الشيء نلمسه في قانون المعاملات الالكترونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 69/2008م .

ولو رجعنا إلى قانون مكافحة الاتجار بالبشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 126/2008م نجده هو أيضا لم يتطرق أبد إلي استخدام شبكة الإنترنت في المتاجرة بالجنس البشري وهذه يعد كما أسلفنا قصورا تشريعيا ينبغي تداركه سيما وأن للسلطنة دورا كبيرا وبارزا في مجال مكافحة هذه الظاهرة.