ربع قرن من البحث العلمي والإشعاع الدولي

مبنى المعهد السويسري للقانون المقارن في المركب الجامعي لمدينة لوزان (swissinfo)
يحتفل المعهد السويسري للقانون المقارن هذا العام بمرور ربع قرن على تأسيسه من أجل سد الفراغات التي تركتها كليات القانون الموجودة في سبعة كانتونات* ومن أجل تكوين مكتبة متخصصة في النظم القانونية الأجنبية وفي القانون المقارن.

كما يقدم المعهد استشارات قانونية إلى الحكومة الفدرالية وإلى الكانتونات والمحاكم والشركات والقضاة والمحامين داخل سويسرا وخارجها.

يعكِـف فريق من المختصين القانونيين* الذين ينتمون إلى عشرة أقسام موزّعة بحسب النطاق الجغرافي والتنوّع اللغوي* على صياغة تلك الاستشارات وإنجاز الدراسات القانونية المقارنة.

كما يهدف المعهد إلى تشجيع البحث العلمي والتبادل الثقافي* وتسهيل عمل الباحثين* فهو فضاء رحب للبحث العلمي* يقدّم للباحثين والمختصين خدمات متعددة ومتنوعة* كالمكتبات الورقية والمصادر الإلكترونية والمحاضرات والمؤتمرات العلمية المتخصصة* مما يساعد الزائرين على تعميق البحث واختصار الآجال. وهو ما أكّـده لنا أحد الأساتذة المصريين الزائرين للمعهد الذي اعتبر أن “قضاء أسبوعَـيْ بحث في المعهد* تعادل أربعة أشهر في بلد آخر”.

كما يسعى المعهد من خلال تلك الأنشطة المتنوعة* إلى تجاوز التخصص الضيّق* ليتحوّل إلى مركز ثقافي متعدّد الأغراض.

كتب عربية متنوعة في مكتبة المعهد السويسري للقانون المفارن (swissinfo)
مكتبة متعددة اللغات
للمعهد مكتبة ثرية مفتوحة لجميع الزوّار* المحليين والدوليين* وبها لغات متعدّدة* كالألمانية والفرنسية والإنكليزية والصينية* بالإضافة إلى مكتبة عربية غزيرة* ذات كتب قيّمة ومتنوعة* تشمل كل فروع العلوم من أدب وتاريخ وشريعة وفلسفة وأديان مقارنة وعِـلم كلام.

ويرجع الدكتور سامي الديب* المسؤول عن القسم العربي* هذا التنوّع والثراء إلى غياب مكتبة عربية إسلامية في سويسرا تُـلبي حاجة الباحث في الثقافة العربية والإسلامية. ونتيجة لهذا النقص* وجد القسم نفسه مجْـبرا لسَـد هذا الفراغ* لاسيما أن الباحث القانوني يحتاج في عمله إلى تخصّـصات مختلفة* بما في ذلك الأدب أو الشعر* إذ “لو أخذنا كتاب الحيوان للجاحظ أو اللزوميات لأبي العلاء المعري* لوجدنا الأول مرجعا رئيسيا لدراسة نظام العبيد في عصره* والثاني حجة لمن أراد دراسة ظاهرة النباتيين في المجتمعات العربية والإسلامية قديما”* مثلما يقول الدكتور الديب.

وعندما سألنا مسؤول القسم العربي بالمعهد* إن كان القسم يتلقّـى دعما عربيا* أجاب بالنفي* لكنه استدرك مشيرا إلى بعض الكتب التي أهدتها وزارتا الأوقاف القطرية والسعودية.

ويسعى المعهد مستقبلا إلى تنويع المصادر والمراجع* وإعطاء أولوية للمراجع الإلكترونية* مواكبة لتطوّر الثورة العلمية ومراعاة لأهمية شبكة الإنترنت* التي تحوّلت إلى مصدر رئيسي لكل باحث.

امتداد دولي
كل شيء في هذا المعهد يدُل على طابعه الدولي* من مستشارين وباحثين ولغات أجنبية وجهات دولية مستفيدة وأنشطة متنوعة.

وفي هذا السياق* يحتلّ مركز التوثيق الأوروبي جناحا من بناية المعهد* ويحتوي على مراجع ووثائق ومخطوطات قيِّـمة حول بلدان الاتحاد الأوروبي* ويسمح للباحثين بالرّجوع إلى الوثائق الهامة* كالجريدة الرسمية للإتحاد* والأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية* ومختلف وثائق وإصدارات الإتحاد* من بيانات وإحصاءات وتقارير وبحوث* إضافة إلى نصوص الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والإتحاد الأوروبي* واتفاقيات التنقل الحر* والنصوص ونتائج الاستفتاءات الشعبية المتعلقة بها* وآراء الجهات المختلفة حولها.

أما الطلاب والباحثون فيأتون من كل الأقطار الأوروبية* من بريطانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا* بالإضافة إلى البلدان العربية والإفريقية* وبحسب إيلودي أرنولد* مسؤولة الاتصال بالمعهد* هناك “عدد كبير من هؤلاء يأتون للاستفادة من خدمات القسم العربي* نظرا لتفرد وتميّـز هذا القسم على المستوى الأوروبي”.

ومن خلال الحديث مع بعض الباحثين تبين أن أغلب مواضيع أبحاثهم* تتعلق بقضايا اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية ومتعلقاتها من قوانين الجنسية والأحوال الشخصية ومسائل مالية* كالبنوك والوقف والزكاة وغيرها.

وتشير ورقة السياسات* المعمول بها في اقتناء الكتب والمراجع* إلى حرص المعهد على تطوير هذا الطابع الدولي* الذي جعل من المعهد قِـبلة الباحثين في القانون المقارن من العالم أجمع. وتأكد اعتزاز المعهد بالقسمين* العربي والصيني* وقد أوكلت مهمة تنميتهما إلى المسؤولين المشرفين عليهما* ولم يفت السيدة ألينيور ريتان كاشين* مديرة المعهد* التعبير عن “اعتزازها وفخرها لتفرد المعهد بهذين القسمين على المستوى الأوروبي”.

منح دراسية
يمنح المعهد عددا من المِـنح لمساعدة الباحثين السويسريين والأجانب على القيام ببحوث علمية في مجال القانون المقارن والقوانين الأجنبية والقانون الدولي* وتعطى الأولوية للطلبة والباحثين المتفوقين في بلدانهم* والذين لم تُـسعفهم أوضاعهم المادية الخاصة بالسفر للدراسة في الخارج.

هذه المِـنح تتبرّع بها مؤسسة صامويل شنايدلر* وتتحدد قيمة المنحة سنويا بحسب الوضع المالي للمعهد* وهي تكفي عادة للمدة المحددة للإقامة والتنقل* حسب مستوى المعيشة بمدينة لوزان* مقابل ذلك* على المستفيد من المنحة تقديم تقرير في نهاية فترة إقامته عما أنجزه من بحوث* ويلتزم بالإشارة إلى استفادته من مساعدة المعهد بعد استكمال بحوثه ونشرها.

أنشطة مختلفة وإصدارات متنوعة
ينظم المعهد سنويا ندوة أو مجموعة ندوات دراسية* تخصص لمعالجة محاور أو قضايا مستحدثة من منظور القانون المقارن* كموضوع الأبعاد القانونية للهندسة الجينية* والوساطة كطريقة لفض النزاعات الدولية* ومسألة حماية الأقليات وغيرها.

كما يصدر المعهد* بالاشتراك مع دار النشر الأوروبية Sellier* الكتاب السنوي للقانون الدولي الخاص* ويخصّـص عادة لدراسة وتحليل القضايا المستجدة في هذا المجال* كذلك* يصدر المعهد كل شهرين رسالة إخبارية تتضمّن أحدث الاجتهادات التشريعية والفقهية* وآخر مراجع ووثائق وقع تسلمها ومعلومات عن الأنشطة التي يعتزم تنظيمها.

وتنظم جمعية أحباء المعهد* المتشكِّـلة من باحثين وموظفين* سلسلة من المحاضرات حول قضايا مختلفة* مثل الزواج المختلط ونظم الإرث في البلدان العربية وقضايا الأقليات ومحاور القانون الدولي الخاص* وعادة ما يتم التطرق لتلك المواضيع من منظور مقارن.