المحكمة الجنائية الدولية تبحث عن شرعيتها

تستهدف المحكمة الجنائية الدولية مرة أخرى بلدا إفريقيا. فقد طالبت بمحاكمة الرئيس السوداني عمر البشير مما أثار استغراب المجتمع الدولي. فهذه المرة الأولى التي تستهدف فيها المحكمة رئيس دولة لم تنته ولايته.

وتطرح هذه القضية من جديد مسألة “العدالة العالمية” على الطريقة الغربية* علما أن هذه المحكمة تعد المحكمة الجنائية الدولية الدائمة الوحيدة من نوعها في العالم. و يعلق جان ماري فاردو مدير المنظمة الغير حكومية “هيومان رايتس واتش” بفرنسا لرصد حقوق الإنسان بلهجة حادة قائلا “يعد هذا الطلب بالمحاكمة خطوة رئيسية إلى الأمام بالنسبة إلى العدالة الدولية”.

فهو يعتبر أن تهديد المحكمة الجنائية الدولية لرئيس دولة لا يزال في منصبه علامة لنهاية الحصانة التلقائية لقادة الدول. لكن طلب هذه المحكمة الدولية هو أبعد ما يكون على الإجماع* فلم يتلق رؤساء الدول الغربيون هذا الخبر بحفاوة بالرغم من أنهم مصدر الدعوى المرفوعة ضد الرئيس السوداني. وأثارت هذه الدعوة غضب العديد من القادة الأفارقة..

تعبر الوحدة الإفريقية عن “حيرتها” من العواقب على عملية السلام* لكنها في الوقت ذاته تدافع عن رفضها لمبدأ “الحصانة”.

و يخشى رولان مرشال وهو مسؤول عن الأبحاث ومتخصص بجنوب الصحراء الكبرى الأفريقية بالمركز الدولي الفرنسي للبحث العلمي أن “يدفع السكان الثمن باهظا بدارفور”.

المحكمة الجنائية الدولية* أداة للغرب ؟
أدى قرار المحكمة الجنائية الدولية الى اضطرابات سياسية في إفريقيا وفقا للمنتقدين لقرارات المحكمة* بالإضافة إلى عرقلة المفاوضات الدبلوماسية في المنطقة. وبعد تصريحات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو* عبر ممثلو الاتحاد الإفريقي عن استيائهم* حيث أن الحالات الأربع الأولى للمحكمة الجنائية الدولية* المشابهة لهذه القضية* متعلقة بالصراعات الإفريقية.

و يؤكد رولان مرشال أنه “بالنسبة إلى العالم الثالث*فإن المحكمة الجنائية الدولية* أي القانون الغربي* تشن حملة ضد هذه القارة”. و يضيف “يعتبر الرأي العام الإفريقي المحكمة الجنائية الدولية وسيلة غربية لإعادة احتلال إفريقيا”* ويقول: “إن هذا الرأي تتشاركه الشعوب الإفريقية و قادتها”.

ويواصل”الدليل على ذلك أن المحكمة تستهدف أعداء القوى الكبرى”* ملاحظا أن دوس سانتوس بأنغولا لم يحاكم أبدا ولا ديبي بالتشاد. ثم يضيف “تتساءل الصحافة المحلية منذ ثلاثة أيام عن أسباب عدم اهتمام المحكمة بالعراق أو فلسطين”.

ويبقى بالفعل للدول الأعضاء في مجلس الأمن للأمم المتحدة تأثيركبيرعلى المحكمة الجنائية الدولية* وذلك عبر الإجراءات المتخذة للإحالة إلى المحكمة. وهذا ما تؤكده جيرلدين ماتيولي* عضو مكتب العدالة الدولية لمنظمة رصد حقوق الإنسان ببلجيكا “إذا أراد بلد عضو في مجلس الأمن الاعتراض على قرار الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية* لا شيء يمنعه من ذلك. لكن لا يمكنه أن يثق* على سبيل المثال* بأن تهتم المحكمة الجنائية الدولية بالعراق فهذا أمر صعب وهذا هو الحد الأقصى لهذه المحكمة”.

اتصلت فرانس 24 بالمحكمة الجنائية الدولية التي لم ترغب في الإجابة مدعية أنه من واجب هيئة قضائية أن تترك جانبا المناقشات السياسية.

اثنان من الطرق الثلاثة للطعن لدى المحكمة الجنائية الدولية تفترض أن تكون الدولة المتهمة أو الدولة الشاكية قد صادقت على نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عام 1998. ويوجد اليوم 107 بلدان صادقت على هذا النظام واعترفت بشرعية المحكمة باستثناء السودان* والولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند* وبالنسبة إلى هذه الدول فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فقط يمكنه اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية مثلما فعل السودان.

و تثق مع ذلك جيرلدين ماتيولي في استقلال القضاة. وتقول “إن قرار المدعي العام في حق البشير مثال على ذلك: ردود فعل الدول فاترة* والدبلوماسيون حائرون. ولكن ذلك لم يمنع المدعي العام اوكامبو من استمرار الدعوى. “

تنفيذ محدود

ازدادت المحكمة شجاعة مع طلب محاكمة الرئيس البشير واعتقال الكونغولي جان بيير بيمبا في بلجيكا في 24 ايار/مايو الماضي. ولكن لا تزال قراراتها محدودة التنفيذ إذ ليس لها شرطة تطبق أوامرها كما كان الحال عندما أصدرت مذكرة دولية بتوقيف اثنين من كبار الشخصيات السودانية احمد هارون وعلي كشيب ولكنه لم يتم إزعاجهما على الإطلاق.

وقضية البشير يمكن أن تطرح المسألة من جديد إذا قررت المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة دولية بتوقيفه. ولن يكون في وسع المحكمة الجنائية الدولية حينها إلا الاستناد على إرادة المجتمع الدولي. ولكن هذه الإرادة ليست دائما في الموعد* وتلاحظ جيرلدين ماتيولي أن “مواقف الدول الكبرى متناقضة على صعيد التعاون القانوني أو الدعم اللوجستيكي”.

مع ذلك فإن داميان هالي* و هو متخصص في جنوب الصحراء الكبرى الافريقية في معهد الدراسات الأمنية للاتحاد الأوروبي* مقتنع بأن للمحكمة تأثير حقيقي.

فيذكر أنه “لا يجب أن نقلل من التأثير الذي يمكن أن ينتج عن هذه المذكرة الدولية للتوقيف إذا صدرت” و يذكر على سبيل المثال ميلو***يتش في يوغوسلافيا السابقة وتايلور في نيجيريا. “لقد كانت هناك نتائج عملية. فإما مفاوضات من أجل الترحيل إلى المنفى وإما تغيير النظام عن طريق انتفاضات شعبية* و إما مفاوضات دبلوماسية بشأن إدارة الصراع نفسه.”

ووفقا لهذا الاختصاصي “إذا صدر أمر باعتقال البشير * قد ينبذه المجتمع الدولي. ومن شأن الضغوط الدولية أن تحد من مجال مناورته* على الأقل في الخارج. هذه هي فائدة المحكمة. “