الصلح والوساطة كبدائل جديدة لفض المنازعات القضائية في القانون الجزائري

يقول الله تعالى : لاخـير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس ، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً النساء 114
يقول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الحجرات10
و في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لاأقول تحلق لشعر ولكن تحلق الدين).
هكذا حضت الشريعة الإسلامية في مصادرها المختلفة على الإصلاح وحثت على فض المنازعات بين المؤمنين خاصة والناس عامة مبينة الدرجة الرفيعة والأجر العظيم الذي يناله المصلح ،لأن الصلح قبل كل شيء من مكارم الأخلاق التي لا تضاهيها إلا العبادة وتعظيم أمر الله فقد قال الشاعر :

إن المكـارم كلها لو حصلت **** رجـعت جمـلتها إلى شـيئين
تعظيم أمر الله جـل جـلاله **** والسعي في إصلاح ذات البين

والتشريعات الأنجلوسكسونية عامة والأمريكية بالخصوص أخذت بالطرق البديلة لحل المنازعات منذ أمد ، والمشرع الجزائري الذي تأثر بقانون الإجراأت المدنية والإدارية الجديد بهذه القوانين بحد بعيد استحدث مكانات قانونية بديلة لحل المنازعات القضائية وضمنها على وجه الخصوص الكتاب الخامس منه .

والمشرع الجزائري إنما استحدث هذه البدائل سعيا منه للحد من حجم المنازعات التي باتت تثقل كواهل القضاة وتؤثر على مردود الأحكام النوعي بالتقليص منها وحلها بهذه بالبدائل ما أمكن . كما كان يهدف إلى سرعة الفصل في المنازعات واجتناب إطالة أمدها بالأخذ والرد وبالطعون التي يمكن ان تلحق الاحكام الصادرة فيها متى كانت قابلة للحل بالطرق البديلة المتمثلة في الصالح والوساطة باعتبارهما من أساس عقيدة ودين المجتمع الجزائري المسلم ومن عاداتها وتقاليده العريقة ، فالعقلية الجزائرية كثيرا ما تفضل الاحتكام إلى هذه الطرق لفض المنازعات سواء بالمجالس العائلية او بالجماعة او ما يصطلح عليه في بعض مناطق الوطن تاربعت او تاجمعت.

كما يمكن أن يستخلص من نية المشرع أنه قد لجأ إلى استجداث هذه البدائل للمحافظة على كيان المجتمع بتجنيبه الأحقاد والضغائن التي قد تنشأ عن المنازعة القضائية بدليل أنه كان قد نص في التعديل الأخير لقانون العقوبات على طرق مشابهة لإنهاء الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالأسرة وبشرف واعتبار الأشخاص وحرمة الحياة الشخصية ، وبعض المخالفات التي لا تشكل إخلالا خطيرا للنظام العام
والمشرع الجزائري إنما لجأ إلى تقنين هذه البدائل مواكبة لحركة المجتمع وتطوره وتماشيا مع ما تفرضه الإتجاهات الجديدة للتشريع الإجرائي الجزائري
غير اننا سنتناول في هذا المقال الصلح والوساطة دون التحكيم كطرق مستحدثة في التشريع الإجرائي الجزائري كون التحكيم بالحقيقة ليس جديدا كما أن له أحكاما خاصة لا تدخل تحت عنوان مقالنا هذا

أولا الصلح :

1 الصلح عامة :
نصت عليه المواد 990 إلى 993 من القانون 09/08 المتضمن قانون الإجراأت المدنية الإدارية ، وهو على العموم إجراء جوازي يمكن ان يعرض من الخصوم الذين يجوز لهم التصالح تلقائيا ، كما يمكن أن يتم بسعي من القاضي .
والصلح غير مقيد بمدة معينة إذ يمكن اللجوء إليه في أي مرحلة كانت عليها الخصومة
والقاضي يما له من سلطة تقديرية هو الذي يحدد الزمان والمكان اللذين يراهما مناسبين لإجراء الصلح مالم توجد نصوص خاصة تقرر خلاف ذلك.
والصلح غير مقيد بمادة معينة إذ يمكن اللجوء إليه في أي مادة كانت بصريح المادة 04 من القانون 09/08 اللهم الاستثناأت المتعلقة بالقواعد الخاصة بالمادة الإدارية .

2 تثبيته:

نصت المادة 992 من قانون الإجراأت المدنية والإدارية الجديد على أنه يقبت الصلح في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي وأمين الضبط ويودع بأمانة ضبط الجهة القضائية.

3 آثاره :

ء للصلح أثر منه للخصومة طبقا للمادة 220 من قانون 08/09 .
ء يأخذ محضر الصلح نفس قيمة وحجية الحكم القضائي .
ء يصبح محضر الصلح سندا تنفيذيا بمجرد التأشير عليه من طرف القاضي وإيداعه بامانة الضبط طبقا للمواد 600 فقرة 08 و 993 .

ثانيا الوساطة :

1ألوساطة عامة:
نصت عليه المواد من 994 إلى 1005 من القانون الجديد .
والوساطة عكس الصلح فهي إجراء وجوبي على القاضي القيام بها في الجلسة الأولى ، وهي جائزة في جميع المواد باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية على اعتبار أن لها إجراأت خاصة بها . كما أنها لا تجوز في كل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام .
والوساطة يمكن ان تمتد إلى النزاع كله كما يمكن أن تنصب على جزء منه فقط

2ء مدتها :
حدد المشرع في المادة 996 مدة الوساطة بثلاثة أشهر قابلة للتجديد لنفس المادة مرة واحدة بطلب من الوسيط إلذا ما اقتضى عمله ذلك شرط موافقة الخصوم : والسلطة التقديرية للقاضي في التمديد

3ء الشروط الواجبة في الوسيط :

أ-الشروط الموضوعية :
يمكن ان تسند الوساطة إلى شخص طبيعي كما يمكن ان تسند إلى جمعية ، وعندما تسند إلى هذا الأخيرة يقوم رئيسها بتعين أحد اعضائها بتنفيذ الإجراء باسمها ويخطر القاضي يذلك .
ويجب أن تتوفر في الشخص الطبيعي المكلف بالوساطة فضلا عن حسن السلوك الإستقامة الشروط التالية :
ءأن لا يكون قد تعرض إلى عقوبة عن جريمة مخلة بالشرف
ء أن لا يكون ممنوعا من ممارسة حقوقه المدنية
ءأن يكون مؤهلا بالنظر غ في المنازعة المعروضة عليه
ءأن يكون محايدا ومستقلا في ممارسة الوساطة
ونصت المادة 998 المتضمنة كيفية تعين الوسيط وشروطه على ان كيفيات تطبيقها ستحدد لاحقا عن طريق التنظيم

ب الشروط القانونية :
ء أن تصدر في شكل أمر يقضي بتعيين الوسيط
أن يتضمن الأمر موافقة الخصوم
أن يتضمن الأمر تحديد الآجال الأولى الممنوحة للوسيط للقيام بمهمته
وأن يتضمن تاريخ رجوع القضية إلى الجلسة

3 صلاحيات الوسيط والتزاماته:

عندما ينطق بالأمر القاضي بتعيين الوسيط يقوم أمين الضبط بتبليغ نسخة منه للخصوم وللوسيط وعلى هذه الأخير أن يخطر القاضي دون تأخير بقبوله مهمة الوساطة ويستدعي الخصوم إلى أول لقاء للوساطة.
يجوز للوسيط بعد موافقة الخصوم سماع كل شخص يقبل سماعه ويرى في سماعه فائدة لتسوية النزاع
في حالة الاتفاق يحرر الوسيط محضرا يضمنه محتوى الاتفاق ويوقعه مع الخصوم
يلتزم الوسيط بحفظ السر إزاء الغير وأن يخبر القاضي بما توصل إليه الخصوم من اتفاق أو عدمه

4 رقابة القاضي للوساطة وأعمال الوسيط:

يمكن للقاضي في أي وقت إنهاء الوساطة بطلب من الوسيط أو الخصوم كما يمكن له إنهائها تلقائيا عندما يتبين له استحالة السير الحسن لها
يجب في جميع الحالات ان ترجع القضية إلى الجلسة ويستدعى الوسيط والخصوم عن طريق أمانة الضبط
يجب أن ترجع القضية للجدول بالتاريخ المحدد لها مسبقا من قبل القاضي

5 تثبيت الاتفاق:

عندما يتوصل الوسيط إلى اتفاق يحرر محضرا بمحتوى ذلك الاتفاق يوقعه مع الخصوم ، وبعد رجوع القضية للدول يقوم القاضي بالمصادفة على محضر الاتفاق بموجب أمر غير قابل لأي طريق من طرق الطعن

6 آثار الوساطة :

لا يترتب عن الوساطة تخلي القاضي عن القضية وبالتالي يمكنه اتخاذ أي تدبير يراه ضروريا في أي وقت
في حالة نجاح الوساطة يعد محضر الاتفاق بعد المصادقة عليه من القاضي سندا تنفيذيا ويسود نفس حجية الحكم القضائي طبقا لنص المادة600 فقرة 08 والمدة 1004 من القانون 09/08

مقاربـــــة

وفي ختام المقال نعرض لهذه المقاربة بين الصلح والوساطة من حيث أوجه الشبه والاختلاف

1 أوجه الشبه

ءكلاهما له أثر منهي للخصومة إذا ما تم نجاحهما
ء كلاهما لهما نفس حجية الحكم القضائي
ء كلاهما سند تنفيذي

2 أوجه الاختلاف :
الوساطة
الصلح
إجراء وجوبي

إجراء
تسند إلى شجوازي
خص طبيعي أو جمعية يسمى الوسيط

يمكن أن يعرضه الخصوم او يتم بسعي من القاضي
مدتها 03 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة

غير مقيد بمدة معينة

على القاضي القيام بها في الجلسة الأولى

يمكن اللجوء إليه في أي مرحلة كانت فيها الدعوى
تتناول الموضوع كليا أو جزء منه
يتناول الموضوع ككل

مقيدة ( تستثنى منها مادة الأحوال الشخصية والمادة الاجتماعية وكل ما من شأنه المس بالنظام العام )

الصلح غير مقيد بمادة معينة

تثبت في محضر يوقعه الوسيط والخصوم يصادق عليه بأمر قضائي غير قابل للطعن

يثبت في محضر يوقع عليه الخصوم والقاضي وامين الضبط

الوساطة سند تنفيذي بعد المصادفة عليه بالأمر القضائي
محضر الصلح سند تنفيذي بمرد التأشير عليه وإيداعه