معلومة تُتداول عن عقوبة الإخلال بعقد تعليم قيادة المركبة، فهل هي صحيحة؟ وما موقف القانون منها؟
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا معلومة مفادها أن عقوبة إخلال معلم القيادة بالخدمة التي يقدمها لتعليم فن قيادة السيارات تصل إلى السجن سنة كاملة والغرامة (2000 ر.ع) ألفي ريال عماني، فهل هذه المعلومة دقيقة أم مبالغ فيها، وما هو السند القانوني الذي تستند إليه في ذلك؟

خلال زاويتنا القانونية لهذا الأسبوع عبر “أثير” سنسلط الضوء على هذه المعلومة بشيء من التفصيل، إذ المعلوم أن هذه العقوبة التي أشارت إليها المعلومة المتداولة هي عقوبة جزائية، لتضمنها شقي العقوبة السالبة للحرية والمتمثلة في السجن، وكذلك العقوبة المالية والمتمثلة في الغرامة المقررة والتي هي حق للدولة وتذهب للخزانة العامة، فبذلك لتقرير التجريم والعقاب لابد أن يصطبغ النص بالشرعية الجزائية التي أساسها النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني ر قم (101/96) الذي قرر في المادة رقم (21) بأنه: “لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، والعقوبة شخصية.”، وعلى ذلك فإنه للقول بوجود تجريم لفعل معين وهذا التجريم قرر له المشرع عقوبة ما فإنه لابد من الرجوع إلى النص الذي يجرم هذا الفعل ويحدد عقوبته، وبذلك فإنه بالبحث في القوانين لعقوبة مخالفة معلم القيادة لواجباته تستمد من قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني رقم(66/2014) ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار رقم (77/2017).

ومن هذا المنطلق فإن معلم القيادة يعرف في قانون حماية المستهلك ولائحته التنفيذية بالمزود الذي جاء تعريفه بأنه “كل شخص طبيعي أو اعتباري يقوم بتداول سلعة أو تقديم خدمة للمستهلك” وبذلك ففي الاتفاق المبرم بين المدرب والمتعلم لتعليم هذا الأخير قيادة السيارة؛ فإن المعلم يلتزم بتقديم خدمة “تعليم القيادة للمتدرب” والمتدرب يكون في هذه الحالة هو المستهلك لخدمة تعليم القيادة التي يقدمها معلم القيادة فينطبق عليه تعريف قانون حماية المستهلك للمستهلك.

والتزام معلم القيادة بالاتفاق المبرم بينه وبين المتدرب والذي يعد مبدأ سلطان إرادة الطرفين فيه هو القواعد الحاكمة لهذا التعاقد، شريطة ألا يخالف هذا الاتفاق القواعد القانونية الآمرة بالدولة وألا يخالف النظام العام ولا ينحرف عن الآداب العامة، فعلى الطرف الأول وهو المعلم تقديم الخدمة المتفق عليها مقابل حصوله من الطرف الثاني وهو المتدرب أو المستهلك للخدمة أجر لقاء هذه الخدمة، ولا يمكن أن يحتج أي من طرفي هذا التعاقد بعدم وجود العقد المبرم بينهما كتابة، فهذا النوع من العقود معروف لدى الجميع وتحكمه أعراف استقر عليها لهذه المهنة، فلا يمكن أن يتنصل أي من طرفي هذا التعاقد من الالتزامات التي يلقيها هذا العقد على عاتقه لمجرد أنها غير مكتوبة، إذ يظل التعاقد محكوما بالشروط التي جرى عليها العرف لتقديم هذه الخدمة وتكون هي القواعد الملزمة لطرفيها، وإذ ما رغب أي من الطرفين في مخالفة ما استقر عليه العرف فعليه أن يثبت ذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات.

وتناول قانون حماية المستهلك لواجبات المزود “معلم القيادة” في المادة (٢٣) والتي نصت : “يلتزم المزود بتقديم الخدمة للمستهلك على الوجه السليم وبما يتفق مع طبيعتها، كما يلتزم بضمان ما يقدمه من خدمة خلال فترة زمنية تتناسب مع طبيعتها، وفي حال إخلاله بذلك يلتزم برد قيمة تلك الخدمة أو مقابل ما يجبر النقص فيها أو بأدائها مرة أخرى على الوجه السليم، وذلك على النحو الذي تحدده اللائحة”

وفي حالة إخلال معلم القيادة “المزود” بتقديم الخدمة وهي تعليم القيادة للمتدرب “المستهلك” وفق نص المادة(٢٣)، فإن ذلك يعد مخالفة يستوجب عليها العقاب وفق نص المادة (٣٩) من ذات القانون والتي نصت: “… بالسجن مدة لا تقل عن عشرة أيام ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على ألفي ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين”

كما إن الخدمة المقدمة من معلم القيادة للمتدرب من ضمن الخدمات المشمولة بالضمان والواردة في الملحق رقم (٣) من اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك، ويشمل الضمان في خدمة تعليم القيادة جودة التدريب ومدى انضباط المعلم بالتدريب وفق الأنظمة المعمولة بها من قبل إدارة المرور بشرطة عمان السلطانية، فإذا ما خالف معلم القيادة ذلك فإن أداءه لخدمة التعليم تعد مقدمة على وجه قاصر ومخالفا للقانون، فيجب أن يكون كل مزود لخدمة تعليم القيادة حريصاً كل الحرص بالاطلاع على قانون المرور ولائحته التنفيذية ومتابعة كل ما يصدر عن شرطة عمان السلطانية والجهات المختصة من تعليمات في هذا الصدد لكي يكون تزويد الخدمة من قبله صادراً بكل وضوح وشفافية ويسهم مساهمة فاعلة في إنشاء جيل متعلم وحريص على السلامة في الطرقات.

ولكن إذا ما نشب خلاف بين مزود الخدمة “معلم القيادة” والمستهلك “المتدرب”، فما هي الجهة المختصة باستقبال هذه الشكاوى؟

والجواب أن الهيئة العامة لحماية المستهلك تعد هي الجهة المختصة في استقبال شكاوى المستهلكين، وكون خدمة تعليم القيادة من الخدمات المدرجة بالضمان في اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك، فإن على المتدرب أن يقدم شكواه بمقر حماية المستهلك في النطاق المكاني لمعلم القيادة، وبعد ذلك تباشر الهيئة العامة لحماية المستهلك في جمع الاستدلالات والتحقيقات الأولية، تمهيداً لإحالة الأمر إلى الادعاء العام لكي ينهض بدوره في إحالة المتهم بالمخالفة إلى المحكمة المختصة للفصل في التهمة المسندة إلى المتهم، فإذا ما أدانته المحكمة فإن المشرع أعطى الخيار للقاضي في اختيار العقوبة المناسبة لمخالف قانون حماية المستهلك في تقديم هذه الخدمة وهذا الأمر يخضع لتقدير القاضي الذي ينظر الشكوى في تحديد مدى العقوبة المقررة فالمشرع وضع له الحد الأدنى للسجن بأن لا يقل عن عشرة أيام، وأن لا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني ولا تزيد على ألفي ريال عماني، والقاضي له الاكتفاء بأحدهما، وفق النص سالف الإشارة، وهذا الأمر لم يكن واضحاً بالمعلومة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي كما بينا في بداية هذه الزاوية، فالقاضي يقدر العقوبة المناسبة بحسب جسامة الفعل والمخالفة المرتكبة من مزود الخدمة فقد يكتفي بمجرد الغرامة التي لا تقل عن مائة ريال دون العقوبة الحبسية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت