بحث قانوني مميز حول الزواج المبكر

ا/ ايمن الحسون

مقدم من القاضي
خالد محمد ربابعة

لمؤتمر القضاء الشرعي

2007

قائمة المحتويات

المقدمة
المطلب الأول: تعريف عقد الزواج
المطلب الثاني: حكمة مشروعية الزواج
المطلب الثالث: حكمة مشروعية الزواج ومقاصده.
المطلب الرابع: الحكم الشرعي للزواج
المطلب الخامس: مفهوم الزواج المبكر
المطلب السادس: الحكم الشرعي في تحديد سن معينة للزواج وحكم زواج الصغار ().
المطلب السابع: واقع الزواج المبكر في الأردن
المطلب الثامن:
سن الزواج في القانون الأردني مقارنة مع بعض القوانين العربية والأجنبية
المطلب التاسع: الزواج المبكر بين المنافع والمضار
الخاتمة والتوصيات:
المصادر والمراجع
قائمة المحتويات

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سار على هديه إلى يوم الدين وبعد:
نشاهد ونسمع ونقرأ في وسائل الأعلام المختلفة أن الزواج المبكر أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع وتستدعي تضافر الجهود وتعديل القوانين والأنظمة للوقوف بوجهها وبناء أجندة وطنية واجتماعية وثقافية للحد منها. فهل الزواج المبكر خطيراً إلى هذا الحد وهل أصبح فعلاً ظاهرة تستدعي كل هذه الضجة الإعلامية؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بد من تعريف الزواج بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص وتحديد سن معينة له ثم لا بد من معرفة حكمة الزواج ومقصده الشرعي ونظرة الإسلام إليه ثم لا بد من معرفة أن الحكم الشرعي للزواج والحكم الشرعي في تحديد سن معينة له وحكم زواج الصغار أي الذين هم دون سن البلوغ ثم لا بد من الوقوف على حقيقة الزواج المبكر في الأردن من خلال الإحصائيات الرسمية وليس مما تنشره وسائل الإعلام والمراكز النسوية ثم مقارنة سن الزواج في الأردن مع بعض القوانين العربية والأجنبية وكذلك لابد من معرفة فوائد ومضار الزواج المبكر وهذه المباحث سنتطرق إليها ونعالجها ضمن صفحات هذا البحث .
أسأل الله جل وعلا التوفيق والسداد وأن يكون هذا العمل المتواضع خالصاً لوجهه الكريم
معان في 1/8/2007
خـــالد ربـــــابعة

المطلب الأول تعريف عقد الزواج

العقد لغة: الشد، والربط فقيل عقد النكاح، وانعقد النكاح بين الزوجين( ).
الزواج لغة: الاقتران، والارتباط المخاطبة( ).
قال تعالى: { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ }( )
عقد الزواج في اصطلاح الفقهاء:
عرفه العلامة الإمام أبو زهرة بقوله:-(هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما، ويحدد ما كليهما من حقوق وما عليه من واجبات”( ).
أما قانون الأحوال الشخصية الأردني فقد عرف عقد الزواج بأنه “عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما أنظر المادة من قانون الأحوال الشخصية.
المطلب الثاني
حكمة مشروعية الزواج
الأصل في حله الكتاب والسنة وإجماع الأمة( ).
الكتاب: قوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء…} ( )
وقوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ ….} ( )

السنة :
1- قوله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج. “فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية بالصوم فإنه له وجاء”( )
2- قوله صلى الله عليه وسلم: “إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”( )
الإجماع: أجمع المسلمون على أن النكاح مشروع من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر.

المطلب الثالث حكمة مشروعية الزواج ومقاصده.

يستفاد من مجموع التعاريف السابقة والتي تكمل بعضها بعضاً أن عقد الزواج ليس غايته فقط قضاء الوطر الجنسي وإن كان العفاف أحد مقاصده ولكن هدفه الأسمى تكوين الأسرة على أساس المودة والرحمة بين الزوجين وذلك لإيجاد النسل وحفظ النوع الإنساني، كما أن من مقاصد الزواج سلامة المجتمع من الانحراف فعقد الزواج بالإضافة إلى أنه عقد يشبه سائر العقود من ناحية إلا أنه يمتاز عنها بأنه يكون رابطة وعلاقة روحية مقدسة بين الزوجين تليق بكرامة الإنسان الذي هو محله وقد سمى الله هذا العقد بالميثاق الغليظ فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}( )

الإسلام والزواج

ومن هنا نجد أن عقد الزواج من أخطر العقود التي يُجريها الإنسان طيلة حياته لأنه موضوعه الحياة الإنسانية وهو عقد يعقد على أساس الدوام إلى نهاية الحياة ولهذا جعل له مقدمات لم تجعل لغيرة من العقود واهتم به الإسلام أكثر من أي عقد آخر لما له من خطر وشأن كبير وقد حث الإسلام على الزواج وجعله سنة ثياب فاعلها وذلك لأجل تحصين النفس الإنسانية وتلبية لغريزة الإنسان الجنسية ونهى عن الرهبانية وجعلها خارج إطار الإسلام ومخالفة له.
قال تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }( )
وقال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }( )
وقال صلى الله عليه وسلم: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم “( ).
وقال أيضاً: تناكحوا تكاثروا فأني مباه بكم الأمم يوم القيامة”.
وقال أيضاً: : “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية بالصوم فإن الصوم له وجاء”( ).
وعلى ذلك أجمعت الصحابة وعليه عمل المسلمين منذ فجر الإسلام إلى اليوم وحتى قيام الساعة .

المطلب الرابع الحكم الشرعي للزواج

المقصود بالحكم الشرعي للزواج هو كون الزواج مباحاً أو مندوباً أو واجباً أو فرضاً أو مكروهاً أو حراماً وحكم الزواج يختلف باختلاف حال المكلف من حيث قدرته على القيام بواجباته ومن حيث خشيته الوقوع في الفاحشة وأحوال المكلف بالنسبة لذلك خمس ولذلك اعترى الزواج معظم الأحكام السابقة في مذهب الأحناف.
1- يكون الزواج فرضاً أحياناً إذا كان المكلف متأكداً من الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج وهو قادر على نفقاته وعلى العدل مع أهله إن تزوج وترك الزنا وعدم الوقوع فيه لازم لزوماً لا شك فيه والزواج لا ظلم فيه لأحد وبه يمتنع عن الزنا وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض.
2- ويكون الزواج واجباً إذا كان المكلف قادراً على الزواج وإقامة العدل مع أهله ويغلب على ظنه الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج والإلزام في هذه الحال دون الإلزام في الحال السابقة.
3- وإذا كان المكلف غير قادر على نفقات الزواج أو يقع في الظلم قطعاً إن تزوج يكون الزواج حراماً لأنه طريق للوقوع في الحرام وكل ما يتعين طريقاً للحرام يكون حراماً.
4- وإن كان المكلف يغلب على ظنه أنه يقع في الظلم إن تزوج يكون الزواج في هذه الحال مكروهاً خشية أن يؤدي إلى الظلم المتوقع إذا تزوج.
5- وإذا كان الشخص في اعتدال لا يقع في الزنا إن لم يتزوج ولا يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه فيكون الزواج بحقه مندوباً أي أنه يكون سنة يحسن فعله ولا يأثم إن لم يفعل وهذه الحال هي الأصل وغيرها أمور عارضة ولذلك قرر فقهاء الحنفية أن الأصل في النكاح أنه سنة أو مندوب أو مستحب على اختلاف العبارات الواردة في الكتب ( ).

المطلب الخامس مفهوم الزواج المبكر

يمكننا أن نعرف مفهوم الزواج المبكر من خلال تحديد سن الزواج حيث يوجد رأيان في تحديد سن معينة للزواج وهما:
الرأي الأول: إن الزواج المبكر هو الذي يتم قبل سن البلوغ وإذا عرفنا أن مبدأ سن البلوغ في الرجل أثنتا عشرة سنة وفي المرأة تسع سنين ومنتهاه في كليهما خمس عشرة سنة( ). نستطيع القول بأن الزواج المبكر على هذا الرأي هو الذي يتم قبل سن الخامسة عشرة.
الرأي الثاني: أما البعض الآخر فيرى أن الزواج المبكر هو الذي يتم بعد البلوغ وقبل الثماني عشرة سنة .

المطلب السادس الحكم الشرعي في تحديد سن معينة للزواج وحكم زواج الصغار ( ).

ليس في الفقه الإسلامي تحديد لسن الزواج لكن جمهور الفقهاء أجمعوا على صحة زواج الصغير والصغيرة وعدم اشتراط البلوغ باستثناء ابن شبرمه وأبي بكر الأصم وعثمان البتي فقد اشترطوا لصحة الزواج البلوغ ونستطيع تقسيم آراء الفقهاء في صحة زواج الصغار إلى ثلاثة آراء:
1- الجواز مطلقاً سواء كان المتزوج ذكراً أو أنثى وهذا الرأي قال به جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة وعليه عمل الصحابة واستدلوا لذلك بما يلي( ).
‌أ- القرآن الكريم: قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ }( )
‌ب- السنة: بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع سنين وقالت عائشة في الحديث “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين وبني بي وأنا ابنة تسع” ( )
‌ج- وقد أثر عن الصحابة تزويج الصغار من ذلك:
1- زوج عروة بن الزبير بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران.
2- ووهب رجل ابنته من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي رضي الله عنه.
3- وزوجت امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما بنتاً لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2- التفريق بين الصغير والصغيرة:

للولي الأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يجوز له إنكاح الصغير حتى يبلغ فإن زوجه فهو زواج مفسوخ وهذا رأي ابن حزم الظاهري. وحجته في ذلك أن الأدلة التي وردت في إنكاح الصغار كانت في الأنثى فقط وقياس الصغير غير صحيح لأنه إذا أجيز هذا القياس عارضة قياس آخر وهو أن الصغير إذا بلغ فلا ينعقد النكاح إلا بعبارته ولا مدخل لأبيه ولا لغيره عليه في نكاحه وهو بذلك يخالف الأنثى التي تبقى مسؤولية الأب وولايته ثابتة عليها بعد البلوغ أما بإنكاحها أو بإذنها في النكاح أو بمراعاة الكفء فلما كان حكم الذكر والأنثى مختلفاً بعد البلوغ كذلك يجب أن يكون حكمها مختلفاً قبل البلوغ. ( ).

3- عدم الجواز مطلقاً
فليس لأحد من الأولياء تزويج الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً حتى لو كان الولي هو الأب أو الجد فزواج الصغار باطل ولا يترتب عليه أثر من أثار الزواج وهذا رأي ابن شبرمه وأبي بكر الأصم وعثمان البتي( ). ودليل ذلك قوله الله تعالى: { وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }( ).
ووجه الدلالة من الآية: لو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لذكر هذه الغاية فائدة فقد دلت الآية على أن بلوغ سن النكاح هو علامة انتهاء الصغر فمعنى هذا أن قبل بلوغ هذا السن لا يجوز النكاح وإلا فقد التحديد معناه وكان ذكره لا معنى له هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الولاية على الصغير تكون لحاجته ولذلك لا ولاية عليه فيما لم يكن حاجة ومصلحة كالتبرعات مثلاً فلا ولاية لأحد في التبرع من مال الصغير لأنه لا مصلحة له بذلك وكذلك فلا حاجة ولا مصلحة لنكاح الصغار لأن مقصود النكاح طبعاً هو قضاء الشهوة وشرعاً التناسل والصغر ينافي كلا المقصودين مقصود الطبع ومقصد الشرع لأنه لا شهوة ولا تناسل ثم أن عقد الزواج يعقد للعمر وتلزم الصغيرين أحكامه بعد البلوغ وليس لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ.

وقد ردوا على من استشهد بزواج عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة بان ذلك خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ثم أن زواجها كان مثل المعجزة وقبل تشريع استئذان البكر واستئمار الثيب فليس في زواج عائشة دليل على جواز تزويج الصغار( ).
ويقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في هذا الموضوع: “ولا شك في أن حكمة التشريع من الزواج يؤيد هذا الرأي وليس للصغار مصلحة في هذا العقد بل قد يكون فيه محض الضرر لهم إذ يجد كل من الفتى والفتاة نفسه بعد البلوغ مجبراً على الزواج بشخص لم يؤخذ رأيه في اختيار وقد لا يتفق معه في المزاج والأخلاق والطباع وقد يكون أحدهما سيء الأخلاق إلى غير ذلك مما يقع كثيراً، والذي يحمل الناس وخاصة في الريف على إجراء مثل هذه العقود رغبة الوليين –وقد يكونان أخوين- في ربط أسرتيهما برباط المصاهرة لمصلحة عائلية أو مادية أو شخصية ومثل هذه المصالح لا يقيم لها الشرع وزنا ولم تعد في حياتنا الحاضرة محل اعتبار بالنسبة للسعادة الزوجية لقد كان الأمر قديماً في مجتمعنا أن الفتاة لا رأي لها في اختيار الزوج بل أبوها يزوجها بمن يريد أو تريد أمها وما دام كذلك فمن السهل عليهم أن يزوجوها وهي صغيرة فإذا كبرت وجدت نفسها ملزمه بهذا الزواج لا تستطيع أن تبدي عليه اعتراضاً وإلا كان نصيبها التأنيب والإهانة وقد يصل الأمر إلى القتل إذا أصرت على الرفض والامتناع وهذا أمر لا تقره الشريعة ولا تبيحه مصلحة الأسرة والمجتمع وفيه عدوان صارخ على حق الفتى والفتاة في اختبار كل منهما من يشاء لبناء حياته الزوجية المرتقبة وقد أيدت التجارب فساد مثل هذا النوع من الزواج وفشله وكثيراً ما ينتهي بجرائم أخلاقية أو عدوانية( ).
وقد أحسن قانون الأحوال الشخصية الأردني صنعاً بأخذه بمبدأ عدم صحة زواج الصغار وأن الأولياء لا يملكون حق تزويجهم فضلاً عن الأوصياء حيث نصت المادة (5) من قانون الأحول الشخصية المعدلة القانون المؤقت رقم (82 ) لسنة 2001 على ما يلي: “يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يكون كل منهما قد أتم الثامنة عشرة سنة شمسية إلا أنه يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من لم يتم منهما هذا السن إذا كان قد أكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في مثل هذا الزواج مصلحة تحدد أسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية”.

وزواج الصغار –دون سن البلوغ- يكاد يكون معدوماً في الأردن لسببين:
الأول: إن قانون الأحوال الشخصية الأردني لا يجيزه ويمنع إجراءه داخل المحاكم الشرعية وعلى يد مأذونيها وقد يتم في أحيان نادرة خارج المحاكم الشرعية وقد رتب القانون عقوبة على الزوجين والعاقد والشهود إذا لم يجر تسجيل العقد لدى المحكمة أنظر المادة (17/ج) من قانون الأحوال الشخصية والمادة (279) من قانون العقوبات الأردني .
الثاني: إننا نعيش في عصر العلم والوعي وأصبح الناس يدركون مخاطر الزواج المبكر جداً – وأثره على الزوجين والأهل كما أن ظروف الحياة اختلفت عما كانت عليه في السابق حيث كانت الصغيرة عندما تتزوج في السابق لا تستقل بفتح بيت مع زوجها بل تنظم إلى بيت العائلة الكبير الذي يضم والد الزوج ووالدته وإخوانه وزوجاتهم وربما أجداده أيضاً ولم يكن مطلوباً من هذه الزوجة الصغيرة إدارة المنزل والقيام بالكثير من الأعمال حتى رعاية أولادها والقيام على مصالحهم يوجد من يرشدها إلى ذلك ويساعدها أما اليوم فقد اختفت هذه الظاهرة أو تكاد وأصبح مطلوباً من الزوجة إدارة البيت والقيام بجميع أعماله فلا بد من أن تكون قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها على الأقل حتى تتقن هذه الأعمال أضف إلى ذلك تشجيع الدولة للتعليم وجعله إلزامياً حتى الصف العاشر للذكر والأنثى على حد سواء والذي ساهم إلى حد كبير في القضاء على هذه الظاهرة وأصبحت نادرة جداً والقياس على العام الغالب لا على الاستثناء النادر.

المطلب السابع واقع الزواج المبكر في الأردن

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المقام هل الزواج المبكر بالنسبة للفتيات أصبح ظاهرة تهدد كيان المجتمع وتستدعي كل هذه الضجة الإعلامية التي تثيرها الكثير من المراكز النسوية.
إن تصوير الزواج المبكر بهذه الصورة وبهذا الكم هو تزوير للحقائق ونظره بعيدة كل البعد عن الواقع وتكذبه الإحصاءات الرسمية.
وللوقوف على حقيقة الأمر لابد من الرجوع إلى سجلات المحاكم الشرعية والإحصاءات الرسمية الصادرة عنها والجدول التالي يبين الزواج العادي والمكرر الخاص بالزوجة في جميع محافظات المملكة الأردنية الهاشمية موزعاً حسب الفئات العمرية خلال عام 2004 وهي أحدث إحصائية صادرة عن دائرة قاضي القضاة.

المحافظة إجمالي حالات الزواج أقل من 18 سنة من 18 إلى 20 من 21
إلى 25 من 26
إلى 29 من 30
إلى 40 ما بعد الأربعين
العاصمة 22069 2832 5085 8392 3005 2170 585
اربد 10115 1256 2340 4229 1289 817 184
الزرقاء 9187 1757 2494 3036 888 793 219
البلقاء 3808 534 830 1494 556 328 66
الكرك 1930 138 204 909 303 144 34
معان 993 98 206 464 139 79 7
المفرق 2558 284 645 1057 320 209 43
الطفيلة 682 59 131 303 137 41 11
مأدبا 1520 156 316 653 211 129 55
عجلون 1195 137 307 508 139 82 22
العقبة 835 106 169 287 162 91 20
جرش 1678 241 421 648 255 93 20
المجموع 56570 7598 13346 21980 7404 4976 1266

النتائج المستخلصة من الجدول

من الإطلاع على الجدول السابق نستنتج ما يلي:
أولاً: الفئة العمرية أقل من 18 سنة الخاص بالزوجة خلال عام 2004 .
بلغ مجموع حالات الزواج للفئة العمرية أقل من 18 سنة والخاص بالزوجة في المملكة 7598 حالة أي بنسبة 13.4% من إجمالي حالات الزواج في تلك السنة.
ثانياً: الفئة العمرية من 18-20 سنة الخاص بالزوجة خلال عام 2004.
بلغ مجموع حالات الزواج لهذه الفئة العمرية الخاص بالزوجة 13346 حالة وشكلت ما نسبته 23.6% من إجمالي حالات الزواج في المملكة.
ثالثاً: الفئة العمرية من 21-25 سنه الخاص بالزوجة خلال عام 2004
بلغ مجموع حالات الزواج لهذه الفئة العمرية الخاصة بالزوجة 21980 حالة وشكلت ما نسبته 38.9% من إجمالي حالات الزواج في المملكة.
رابعاً: الفئة العمرية من 26- 29 سنه الخاص بالزوجة خلال عام 2004
بلغ مجموع حالات الزواج لهذه الفئة الخاصة بالزوجة 7404 حالة وشكلت ما نسبته 13.1% من إجمالي حالات الزواج في المملكة.
خامساً: الفئة العمرية من 30- 40 سنه الخاص بالزوجة خلال عام 2004
بلغ مجموع حالات الزواج لهذه الفئة العمرية الخاصة بالزوجة 4976 حالة وشكلت ما نسبته 8.8% من إجمالي حالات الزواج في المملكة
سادساً: الفئة العمرية ما بعد 40 سنة الخاص بالزوجة خلال عام 2004
بلغ مجموع حالات الزواج لهذه الفئة العمرية الخاصة بالزوجة 1266 حالة وشكلت ما نسبته 2.2% من إجمالي حالات الزواج في المملكة.

من النظر والتدقيق في الجدول السابق والنتائج المستخلصة منه نجد أن الزواج المبكر وعلى الرأي الثاني الذي سقناه لا يشكل ظاهرة خطيرة كما تُصورها بعض المؤسسات والجمعيات النسوية وبعض وسائل الإعلام إنما هي في حجمها الطبيعي أو دون الطبيعي خاصة إذا ما أخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية التي تعاني منها كثيراً من الفتيات والتي يكون الزواج المبكر وأقصد الذي يتم ما بين 15- 18 سنة هو الحل الوحيد للمشاكل الناشئة عن هذه الظروف واضرب لذلك مثلاً: كثير من الفتيات يتيمات فقدن أحد الأبوين أو كليهما في سن مبكرة ويعشن في بيت امرأة الأب أو امرأة الأخ أو غير ذلك وغالباً ما تكون هذه الفتاة قد تركت المدرسة في سن مبكرة أو أنهت مرحلة التعليم الإلزامي والحالة المادية للعائلة التي تعيش فيها ضعيفة، فما المانع من أن تتزوج هذه الفتاه إذا تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها، وما الفائدة التي تجنيها من الانتظار لسنوات في بيت أقل ما يقال فيه أن بعض أفراده لا يكن لها الحب والاحترام اللازم، أليس في زواجها حلاً لمشكلتها وصوناً لكرامتها.
إننا نأمل ونرجو أن يأتي ذلك اليوم الذي لا نجد فيه فتاه في مجتمعنا قد تركت المدرسة قبل حصولها على شهادة الدراسة الثانوية على الأقل، وقد توفرت لها جميع الظروف الاجتماعية المناسبة لذلك، من منا يكره ذلك ولكن إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي قد يطول بعض الوقت، ما هو الحل لتلك المشكلات، أهو التنظير الذي لا يمت للواقع بصلة والذي لا يقدم حلاً واقعياً يتناسب مع قيمنا وأخلاقنا وتراثنا الخالد.

أعود لأقول لا يوجد في الأردن- على الأقل- مشكلة زواج مبكر لا في باديتنا ولا في أريافنا ولا في مدننا، وإن وجدت حالات متناثرة هنا وهناك، فهي لا تشكل ظاهرة إنما المشكلة الحقيقية التي لا يجب تسليط الأضواء عليها ودراستها دراسة واقعية، ووضع الحلول المناسبة لا هي مشكلة ارتفاع سن الزواج للشباب والفتيات على حد سواء وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي أخذت بالتفاقم منذ منتصف الثمانينات وحتى الآن الأمر الذي يجعل من العنوسة لدى الجنسين ظاهرة تهدد قيم الأسرة الأردنية.

المطلب الثامن سن الزواج في القانون الأردني مقارنة مع بعض القوانين العربية والأجنبية

جرى تعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية الأردني برفع سن الزواج في الزوجين إلى الثامنة عشرة مع إعطاء القاضي الحق في الإذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره وكان في زواجه مصلحة تحدد أسسها تعليمات يضعها قاضي القضاة لهذه الغاية.
وقد تضمنت هذه التعليمات:-
1- أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة من حيث القدرة على النفقة ودفع المهر.
2- إذا كان في زواجهما درء مفسدة قائمة أو عدم تفويت لمصلحة محققة.
3- أن يتحقق القاضي من رضاء المخطوبة واختيارها وأن مصلحتها متوفرة في ذلك أو يثبت بتقرير طبي إذا كان أحد الخاطبين به جنون أو عته أن في زواجه مصلحة.
4- أن يجري العقد بموافقة الولي مع مراعاة ما جاء في المادتين 6 و 12 من قانون الأحوال الشخصية.
5- أن ينظم محضر يتضمن تحقق القاضي من الأسس المشار إليها والتي اعتمدها لأجل الإذن بالزواج ويتم بناء عليه تنظيم حجة إذن بالزواج حسب الأصول والإجراءات المتبعة.

 أما القانون الجزائري فقد نصت المادة (7) على: تكتمل أهلية الرجل في الزواج بتمام 21 سنة والمرأة بتمام 18 سنة وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة. القانون الجزائري/ قانون الأسرة/ وزارة العدل / ديوان المطبوعات.
 القانون المصري
مادة (33) مكرر “…. ولا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون ما لم يكن سن الزوجة ست عشرة سنة وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد”
 الأحوال الشخصية للمسلمين طبقا لأحداث التعديلات الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.
 الإمارات العربية
الفقرة الأولى من المادة 20 نصت على:- “أن سن الزواج للفتى ثمانية عشرة عاماً وللفتيات ستة عشر عاماً”.
 قانون الأحوال الشخصية السوري
حدد سن الزواج للفتى ثمانية عشر عاماً وللفتاة سبعة عشر عاماً وأجاز زواج الفتى بسن خمسة عشر عاماً وللفتاة بسن ثلاثة عشر عاماً بإذن القاضي وموافقة الولي.
 قانون الأحوال الشخصية التونسي
نص “على أن سن الفتى عشرون عاماً والفتاة سبعة عشر عاماً.
 القانون الفرنسي
جعل سن الثامنة عشرة للفتى والخامسة عشر للفتاة ومثله الإيطالي.
 القانون الألماني والنمساوي جعل سن الفتى إحدى وعشرين سنة والفتاة 16 سنة.
 القانون السويسري
جعل سن العشرين للفتى وسن الثانية عشر للفتاة( )

المطلب التاسع الزواج المبكر بين المنافع والمضار

ذكرنا في ما سبق أن الزواج في الأردن دون سن البلوغ لا بل ودون سن الخامسة عشر سنة معدوم وعليه يكون المقصود بالزواج المبكر في هذه الدراسة هو الزواج الذي يتم بعد سن الخامسة عشرة سنة وحتى سنة الثامنة عشر كما هي المنافي والمضار المترتبة على هذا الزواج .
أستطيع تلخيص الأضرار المتوقعة نتيجة الزواج المبكر للفتاة التي يدعيها المنادون بتأخير سن الزواج بما يلي:
1- حرمانها من مواصلة تعليمها.
2- الحمل والإنجاب في سن مبكرة مما قد يؤثر على صحتها.
3- ازدياد حالات الطلاق نتيجة تحمل الفتاة المسؤولية التي لا تقوى عليها وهيفي سنة صغيرة.
الرد على هذه الادعاءات :
قد يكون الزواج المبكر للفتاة في بعض الأحيان عائقاً أمام مواصلة تعليمها إلا أنه ليس من المسلم به أن الحمل والإنجاب للفتاة ما بين 15-18 سنة يؤثر سلباً على صحتها ورد في دراسة للدكتور حسام الدين عفانة قدمت لمؤتمر المرأة الفلسطينية وتحديات الأسرة المعاصرة المنعقد في جامعة النجاح الوطنية 24-25/4/2000 قوله: “إن البحوث العلمية والدراسات العالمية تثبت أنه لا يوجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 15-19سنة وأن المضاعفات التي تحصل عند الحوامل أقل من 15سنة هي نسبياً قليلة. هذا ما أثبته العالم الإمريكي Sation من “Parkland Hospital- Texas ” .
أما القول أن الزواج المبكر هو سبب في فشل الحياة الزوجية وازدياد نسبة الطلاق فقولاً يكذبه الواقع من خلال الحس والمشاهدة وكذلك فقد تزوج الصحابة رضوان الله عليهم بزوجاتهم وهن صغار في السن ولم يكن ذلك سبباً في فشل الحياة الزوجية كما يصور ذلك البعض .

فوائد ومنافع الزواج المبكر:

1- إحصان الفتاة في سن مبكرة .
2- القضاء على ظاهرة العنوسة بل وأدها في مهدها.
3- يكون فارق السن بينها وبين بناتها قليلاً مما يساعدها على تربيتهما وتوجيههن وتقويمهن ومعرفة كيفية تفكيرهن وتطلعاتهن.
4- زواجها في سن مبكرة يعني في الغالب كثرة ذريتها وفي هذا تحقيق لتوجيه الرسول الكريم لتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
5- التقارب في السن بين الآباء والأبناء بحيث يستطيع الآباء من خلال ذلك رعاية أبنائهم والسهر على راحتهم وهم أقوياء كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم.

الخاتمة والتوصيات:

مما سبق يتبين أن الزواج المبكر رغم أن منافعه تفوق كثيراً أضراره إلا أنه لا يشكل سوى (13.4%) من إجمالي حالات الزواج في المملكة حسب إحصائية سنة 2004 المشار إليها وبذلك نستطيع القول بأنه ضمن المعدل الطبيعي إن لم يكن أدنى من ذلك.
ورغم أنني أرى أن الزوجين يجب أن يتما المرحلة الجامعية الأولى على الأقل إن أمكن إلا أنه لا يجوز شرعاً سن قانون يحظر الزواج قبل الثامنة عشرة لما يترتب على ذلك من مفاسد كثيرة.
لذا أوصي بأن يبقى سن الزواج كما هو عليه في قانون الأحوال الشخصية الأردني ثماني عشرة سنة مع إعطاء القاضي الحق في تزويج من أتمت الخامسة عشرة من عمرها إذا رأى أن في زواجها مصلحة لها وكذلك الحال بالنسبة للزوج.

المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.
2- صحيح البخاري.
3- صحيح مسلم.
4- الأحوال الشخصية أبو زهرة.
5- المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي.
6- أحكام وآثار الزوجية، د. محمد سمارة.
7- المحلى لأبن حزم.
8- الفقه المقارن للأحوال الشخصية، بدران أبو العينين.
9- قانون الأحوال الشخصية الأردني.
10- مجلة الأحكام العدلية وشرحها للإبياني.
11- الحياة الزوجية من البداية إلى النهاية، محمد حمزة العربي.