لقـد نـص القانـون المـدني العراقـي بالفصل الخـاص بالعمـل غيـر المشروع على تضامن المسؤولين عن العمل غير المشروع عند تعددهم وصدور خطأ منهم ينتج عنه اصابة غيرهم بضرر ، حيـث قضت المادة (217)(1).مـن علـى انـه “إذا تعـدد المسـؤولون عن عمل غير مشروع كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر دون تمييز بين الفاعل الاصلي والشريك والمتسبب”(2). وبهذا يعد التضامن في المسؤولية التقصيرية صورة من صور التضامن القانوني ، إذ ان القانون هو الذي افترضه ، وهو بهذا يتفق مع التضامن الصرفي ، ولكن مع ذلك فانه يوجد بين النظامين فروقات عدة يمكن اجمالها بالاتي:

اولاً: التضامن الصرفي نظام خاص بالاوراق التجارية لذلك يشترط لتطبيقه وجود ورقة تجارية مستوفية لبياناتها الالزامية التي حددها المشرع التجاري فان فقدت احدى تلك البيانات اصبحت سندا عاديا ومن ثم تعذر تطبيق احكام التضامن الصرفي(3). اما في المسؤولية التقصيرية فيشترط لقيام التضامن بين المسؤولين المتعددين فيها توافر الشروط الاتية:

1. ان يكون كل واحد من الفاعلين المتعددين قد ارتكب خطأ، ولايشترط في تلك الاخطاء ان تقع في وقت واحد كما لايعتد بدرجة جسامة الخطأ المنسوب إلى كل من المسؤولين وقد يكون بعضها عملاً والاخر امتناعاً عن عمل وقد يكون بعضها ثابتاً وبعضها مفترضا كما قد يكون بعضها جنائياً والبعض الاخر من تلك الاخطاء مدنياً(4).

2. ان تساهم الاخطاء التي صدرت من الفاعلين المتعددين في احداث ما وقع من ضرر، أي ان تتوافر علاقة سببية مباشرة بين خطأ كل من المسؤولين والضرر برمته فاذا اطلق جماعة من الصيادين (خطأً) بنادقهم في وقت واحد فاصيب احد المارة برصاصة من احدهم، فان الباقين لايكونون مسؤولين معه بالتضامن، لان الاخطاء التي وقعت منهم لم تكن سبب في احداث الضرر بل لايكونون مسؤولين اصلاً لانهم لم يحدثوا ضرراً ما(5).

3. ان يكون الضرر الذي احدثه كل منهم بخطئه هو ذات الضرر الذي احدثه الاخرون وهو مايعبر عنه بوحدة الضرر(6). فاذا سرق احد اللصوص عجلة سيارة وجاء لص اخر فسرق من السيارة بعض الالات لم يكن اللصان متضامنين، لان كل منهما احدث بخطئه ضررا غير الضرر الذي احدثه الاخر.

ثانياً: في المسؤولية التقصيرية لايشترط لمساءلة الشخص المسؤول تقصيرياً ان يكون بالغاً سن الرشد ، بل يلاحظ على المشرع المدني انه قد نص على مسؤولية الصبي المميز او غير المميز عن تعويض ما احدثه من ضرر. وهو ماقضت به المادة (191) من القانون المدني العراقي بالقول “1- إذا أتلف صبي مميز او غير مميز او من في حكمهما مال غيره لزمه الضمان في ماله. 2- واذا تعذر الحصول على التعويض من اموال من وقع منه الضرر ان كان صبيا غير مميز او مجنون، جاز للمحكمة ان تلزم الولي او القيم او الوصي بمبلغ التعويض على ان يكون لهذا الرجوع بما دفعه على من وقع منه الضرر(7) . وعليه فان من الممكن تصور وجود شخص ناقص الاهلية بين المتضامنين في المسؤولية التقصيرية ، اما بالنسبة للاوراق التجارية فان الامر مختلف حيث يشترط لالزام الموقع عليها ان يكون كامل الاهلية ولم يعتريه أي عارض من عوارض الاهلية ، فان كان بين الملتزمين صرفيا موقع ناقص او عديم الاهلية فان التزامه يكون باطلاً ، ومن ثم يتعذر تصور وجود ناقص الاهلية او عديمها بين المتضامنين صرفياً.

ثالثاً: ان التضامن الصرفي ليس من النظام العام وبالتالي يجوز الاتفاق على استبعاد احكامه بشرط صريح يتم ادراجه في الورقة التجارية يطلق عليه شرط عدم التضامن(8). اما بالنسبة للمسؤولية التقصيرية ، فان احكامها تعد من النظام العام(9). ومن ثم لايجوز الاتفاق على مايخالفها ، وقد تقرر في المادة (259)(10). من القانون المدني العراقي بطلان كل شرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع ، فيؤدي هذا النص إلى بطلان الاتفاق على تخفيف المسؤولية التقصيرية ولو انه جاء خالياً من الاشارة إلى اتفاقات التخفيف. وقد علل الفقهاء ذلك بالقول ان المشرع المدني لم يكن في الواقع بحاجة لذكر اتفاقات التخفيف من المسؤولية إذ يشملها حكم اتفاقات الإعفاء ولايمكن اخراج اتفاقات التخفيف من نطاق المادة (259) تأسيساً على ان تخفيف المسؤولية ما هو الا اعفاء جزئي من المسؤولية ومن ثم يقع باطلاً كل شرط يقضي بالتخفيف من احكام المسؤولية التقصيرية(11). ولما كان الاعفاء من التضامن يعد صورة من صور التخفيف من المسؤولية التقصيرية لذا فلايجوز الاتفاق على استبعاد التضامن بين المسؤولين تقصيرياً(12) .

رابعاً: في الاوراق التجارية يوجد تضامن خارجي لمصلحة الدائن (حامل الورقة التجارية) وتضامن داخلي لمصلحة الموفي بقيمة تلك الورقة(13). وعليه فان قيام احد الملتزمين بوفاء قيمة الورقة التجارية يمكنه من الرجوع على جميع الملتزمين السابقين عليه بكل المبلغ الذي اوفاه اضافة إلى الفوائد القانونية والمصاريف(14) . الا ان الامر مختلف في المسؤولية التقصيرية حيث تسري احكام التضامن فقط في علاقة المضرور بالمسؤولين المتعددين اما في علاقة المسؤولين بعضهم ببعض فلايوجد بينهم تضامن وعليه فانه إذا قام احد المسؤولين بدفع كل مبلغ التعويض إلى المضرور جاز له الرجوع على المسؤولين الاخرين كل بمقدار نصيبه في التعويض(15) . وقد نص القانون المدني العراقي على ذلك في الفقرة الثانية من المادة (217) بالقول على انه “ويرجع من دفع التعويض باكمله على كل من الباقين بنصيب تحدده المحكمة بحسب الاحوال وعلى قدر جسامة التعدي الذي وقع من كل منهم فان لم يتيسر تحديد قسط كل منهم في المسؤولية يكون التوزيع عليهم بالتساوي”. وهو نفس المعنى الذي نصت عليه المادة (169) من القانون المدني المصري والتي جاء فيها “إذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي الا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض” .

________________________

1- تقابلها المادة (169) من القانون المدني المصري ، اما القانون المدني الفرنسي فانه لم يورد نصاً يقرر التضامن بين المسؤولين تقصيرياً.

2- انظر قرار محكمة النقض المصرية بالطعن رقم 924 بتاريخ 12/11/1981، فتحية محمود قرة، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض (الدائرة المدنية) في خمس سنوات من 1979 – 1984 ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، ج1 ، ص 183.

3-د. هشام فرعون ، مصدر سابق ، ص 79.

4- د. احمد شوقي عبد الرحمن، الالتزام التضامني للمسؤولين تقصير اً في مواجهة المضرور، المطبعة العربية الحديثة ، القاهرة ، 1980 ، ص9.

5- د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط …، ج1 ، مصدر سابق ، ص1048.

6- د. حسن علي الذنون ، المبسوط في المسؤولية المدنية ، ج1 (الضرر)، شركة التايمس للطبع والنشر ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 341.

7- تقابلها المادة (164) من القانون المدني المصري.

8- د. مصطفى كمال طه ، الاوراق التجارية والافلاس في القانون اللبناني ، ط2 ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1975 ، ص145.

9- انظر مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري، ج5 ، ص 553.

10- تقابلها العبارة الاخيرة من المادة (217) من القانون المدني المصري.

11- د. محمود جمال الدين زكي ، اتفاقات المسؤولية ، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1961،ص 117. د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط … ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 1107.

12- د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط … ، مصدر سابق ، ج3 ، ص 276.

13- د. مصطفى كمال طه ، الاوراق التجارية … ، مصدر سابق ، ص 142.

14- انظر المادة (108) من قانون التجارة الفرنسي ، (57) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي، (71) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988.

15- د. حسن علي الذنون ، المبسوط … ، مصدر سابق ، ص 356 – 357.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .