مبدأ قانونية الجرائم و العقوبات

أهمية مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات

المؤلف : جبار محمد مهدي السعيدي
الكتاب أو المصدر : مجلة العلوم القانونية والسياسية المجلد الرابع – العدد الثاني / 2015

لقد لعب مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات دورا مهما بالقضاء على مخلفات العهد الروماني والقروف الوسطى، وعزز الدور الوقائي للقانون من خلال تحديده للجرائم وتبيانه للعقوبات(1) وينطوي هذا المبدأ على اهمية كبيرة من الناحية الاجتماعية والسياسية، فالمجتمع ممثلا بالسلطة التشريعية لو وحده أف يحدد الافعال التي يراها تشكل عدوانا على مصالحه ويحدد لها العقوبات، ويعتبر الضمانة الاساسية للحريات المدنية في مجال التجريم والعقاب، لأنه يعين الحدود بين المحظور من الافعال و المشروع منها، فيتاح للفرد معرفة حدود حريته في التصرف بثقة واطمئنان(2) ويهدف المبدأ إلى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، إذ يوجب بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان مجرماً وقت إتيانه، ويحقق الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق إضفاء الصبغة القانونية على العقوبة لتجعلها مقبولة باعتبارها توقع للمصلحة العامة(3) كما أن هذا المبدأ يحمي الجاني والمجني عليه في أن واحد، لان المشرع اصبح وحده صاحب الاختصاص في التجريم و العقاب.

والقاضي ملز بتقدير العقوبة في حدود ما تخوله السلطة التقديرية، وبذلك لا يمكنه إصدار حكما إلا بناء على نصوص قانونية مشرعه قبل اصداره(4) وبالرغم من اهمية المبدأ فقد انتقده البعض، كونه يقضي بتحديد العقوبات على ضوء جسامة الجرائم دون مراعاة لشخصية المجرم، وقد تم معالجة ذلك من خلال وضع عقوبات تخييرية لمعظم الجرائم، والتدرج الكمي بين حد ادنى واعلى للعقوبة، وقد قيل أيضاً ان الاخذ بهذا المبدأ لا يكفل للمجتمع الحماية لعدم قدرة المشرع على حصر جميع انماط السلوك الضارة فيما يضعه من نصوص، وهذا النقد مردود لأن المشرع يستطيع أن يجرم أي انماط للسلوك تتبين انها ضارة بمصالح المجتمع(5) .

وقد انتقده البعض الاخر على اساس أن نص القانون الجنائي هو خالق للجريمة فكيف يمكن أف يكوف الخالق ركنا للمخلوق، وكان الرد أن المقصود بالركن الشرعي هو الصفة غير المشروعة للفعل، فمع غياب نص القانون على ماذا نستند للقول بوجود الجريمة، إذن فتحديد اركان الجريمة واجب على المشرع يفرضه مبدأ الشرعية الجنائية، وفي الاحوال الاستثنائية التي تنتفي معها صفة التهديد للمصلحة فانه يرفع عن الفعل صفة الجريمة، وهي ما يقال عنها اسباب الاباحة(6) وأن التفويض التشريعي للسلطة التنفيذية جائز باعتبارها الاقدر لمواجهة بعض المشاكل وتنظيمها وفي هذه الحالة يحتفظ المشرع بتحديد القواعد الاساسية للتجريم والعقاب ثم يترك للسلطة التنفيذية تحديد عناصر الجريمة على نحو يكفل حصر الجريمة والعقوبة في نطام القانون(7) .

وخلاصة القول أن الانتقادات التي وجهت إلى مبدأ الشرعية لن تفلح في النيل منه، باعتراض مؤتمرين دوليين بأهمية هذا المبدأ، وهما المؤتمر الدولي الرابع لقانون العقوبات المنعقد في باريس سنة 1939 والمؤتمر الدولي الثاني للقانون المقارن المنعقد في لاهاي من نفس العام(8) يتضح مما تقد اهمية مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات من حيث كونه لعب دوراً في القضاء على مخلفات العهد الروماني والقرون الوسطى وتعزيزه للدور الوقائي للقانون، وتبدو أهميته من الناحية الاجتماعية والسياسية كونه يرسم الحد الفاصل بين اختصاص المشرع واختصاص المحكمة ويفرض على القاضي عد الحكم إلا إذا وجد عنواناً للجريمة والعقوبة المقررة لها طبقاً للقانون في معناه الواسع، ويعين الحدود بين المحظور من الافعال والمشروع منها فيتاح للفرد معرفة حدود حريته في التصرف بثقة واطمئنان، ويهدف المبدأ إلى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع إذ يوجب بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان مجرماً وقت إتيانه، ويحقق الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده، كما أن هذا المبدأ يحمي الجاني والمجني عليو في أن واحد، وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وجهت اليه إلا انها لن تفلح في النيل منه باعتراض مؤتمرين دوليين خاصين بالقانون الجنائي.
________________
1- د. ماهر عبد شويش الدرة الاحكام العامة في قانون العقوبات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الموصل كلية القانون الموصل – 1990 ص 68
2- د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي شرح قانون العقوبات القسم العام شركة العاتك توزيع المكتبة القانونية بغداد 1992- ص 36وما بعدها.
3- يراجع الموقع http://www.qanouni-net.com/2010/09/blog-post_2429.html تاريخ الزيارة (30/5/2015)
4- د. علي عبد القادر القهوجي شرح قانون العقوبات القسم العام( دراسة مقارنة) منشورات الحلبي الحقوقية لبنان2008 ص 66 وما بعدها.
5- د. كامل السعيد شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات (دراسة مقارنة) الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع عمان – 2002 ص54 وما بعدها.
6- د. عبد الرؤوف مهدي شرح القواعد العامة لقانون العقوبات دار النهضة العربية القاهرة 2009 – ص 370 وما بعدها.
7- المحامي الدكتور نظام توفيق المجالي شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية الطبعة الثالثة دار الثقافة للنشروالتوزيع عمان – 2010 ص 75
8- د. محمد محمد مصباح القاضي قانون العقوبات القسم العام النظرية العامة في الجريمة – الطبعة الأولى منشورات الحلبي الحقوقية بيروت2014 ص 55.

مضمون مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات

إن الركن الشرعي أو مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات هو الصفة غير المشروعة للفعل الايجابي أو السلبي ويكتسبها إذا توافر فيه شرطان هما خضوع الفعل لنص تجريم ويقرر فيه عقابا لمن يرتكبه، والشرط الثاني عدم خضوع الفعل في ظروف ارتكابه لسبب من اسباب الاباحة(1)والمرجع في تحديده ىو نصوص قانون العقوبات، وإذا انتفى هذا الركن فلا حاجة للبحث في اركان الجريمة الاخرى(2) فأي فعل لا يشكل جريمة تحت أي ذريعة إلا إذا وجد نص قانوني يضفي الصفة الجرمية عليه ويرتب له جزاء، شريطة أن يكون النص قد صدر قبل ارتكاب الفعل(3)

بعبارة أخرى تختص السلطة التشريعية وحدها بتحديد الافعال التي تعد جرائم وبيان اركانها والعقوبات المقررة لها، ولا يستطيع القاضي أن يعتبر فعلا جريمة ويقرر لو العقاب ما لم يرد نص على ذلك بالقانون حتى ولو كان هذا الفعل يتنافى وقواعد الاخلال أو الدين أو العدالة أو كان يشكل ضررا أو خطورة على المجتمع(4) ويترتب على ذلك استبعاد سائر المصادر الاخرى كالعر ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، ولكن هذا لا يعني استبعادها كلياً، فليس هناك ما يحول دون الرجوع إلى العرف وغيره من المصادر لتحديد الاسباب التي تحول دون العقاب أو تخفيفه(5) وفي الحالات التي يفوض فيها المشرع حقه في تحديد الجرائم والعقوبات إلى السلطة التنفيذية، فان مبدأ الشرعية لا يشترط أف تكوف الجريمة والعقوبة مقررين بقانون بالمعنى الدستوري، وإنما يكونان مقررين (بناء على قانون) (6) ويترتب على حصر مصادر التجريم والعقاب بالنصوص التشريعية، أن التشريع هو المصدر الوحيد والمباشر للتجريم والعقاب.

أما المصادر الاخرى قد يكون بعضها مصدراً غير مباشراً في هذا المجال، لذلك يشترط به أن تتوافر فيه جميع خصائص القاعدة القانونية كالعمومية والتجريد والإلزام، فلا يمكن أن يكون العرف مصدراً مباشراً لنص جنائي، وإنما قد يكوف مصدراً لتحديد مضمون تلك القاعدة، وأن تصدر التشريعات الجنائية وفقاً للإجراءات التي نص عليها الدستور وتكوف صياغتها دقيقة وواضحة وبعيدة عن الغموض والالتباس، والحرص على سريان النص التجريمي على المستقبل، أما المصادر غير المباشرة للتجريم والعقاب فهي عديدة اهمها العرف والمبادئ العامة للقانون والقانون الطبيعي ومبادئ العدالة وغيرها(7) ومن النتائج التي تترتب على مبدأ الشرعية ىو ما يتصل بتفسير النصوص الجنائية.

ويذهب فريق من الفقهاء إلى القول بان تفسير النصوص الجنائية ينبغي أن يكون ضيقاً ضد مصلحة المدعي عليه وواسعاً لمصلحته، لكي لا يؤدي خلق جرائم وعقوبات، والحقيقة أن كل القيمة القانونية للنص منحصرة في كونه تعبيراً عن قصد الشارع فمن ابقى هذا القصد هو التفسير الصحيح(8) ومبدأ قانونية الجرائم والعقوبات لا يتعارض إلا مع استعمال القياس الذي يؤدي إلى خلق جريمة أو استحداث عقوبة أو ظرف مشدد جديد، ولا يتعارض مطلقاً مع القياس في تطبيق النصوص لصالح المتهم(9) ولأجل أن يتحقق الركن الشرعي للجريمة، يقتضي أن يتحقق الشرط الثاني فيه وهو عد خضوع الفعل في ظروف ارتكابه لسبب من اسباب الاباحة، لأن الصفة غير المشروعة التي يكتسبها السلوك عند خضوعه إلى نص تجريم ليست مطلقه بل قابله للزوال إذا عرض للسلوك سبب يجيزه أو يوجبه كالدفاع الشرعي أو استعمال الحق أو اداء الواجب(10) يتضح مما تقدم أن الركن الشرعي للجريمة ىو الصفة غير المشروعة للفعل الايجابي أو السلبي ويكتسبها من نصوص قانون العقوبات.

وعليه لا يستطيع القاضي أن يعتبر فعلا ما جريمة ويوقع العقاب ما لم يرد نص على ذلك بالقانون حتى ولو كاف هذا الفعل يتنافى وقواعد الاخلاق أو الدين أو العدالة أو كاف يشكل ضرراً على المجتمع، ويترتب على ذلك استبعاد سائر المصادر الاخرى كالعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، عدا حالات استبعاد العقاب وتخفيفه، ويجب أن تكون صياغة التشريعات الجنائية دقيقة وواضحة، والحرص على سريان النص التجريمي على المستقبل، وينبغي أن يكون الهدف من تفسير النصوص الجنائية هو الكشف عن قصد الشارع من الفاظ النص، ولأجل أن يتحقق الركن الشرعي للجريمة، يقتضي عد خضوع الفعل في ظروف ارتكابه لسبب من اسباب الاباحة كالدفاع الشرعي أو استعمال الحق أو اداء الواجب.
_________________
1- المحامي الدكتور نظام توفيق المجالي شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة تحليلية في النظرية العامة للجريمة والمسؤولية الجزائية الطبعة الثالثة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان -2010 – ص 41.
2- د. اكرم نشأت ابراهيم القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن الطبعة الأولى المكتبة القانونية – بغداد 1997ص 79.
3- د. فخري عبد الرزاق صلبي الحديثي شرح قانون العقوبات القسم العام شركة العاتك توزيع المكتبة القانونية بغداد -1992ص 35
4- د. كامل السعيد شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات (دراسة مقارنة) الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع عمان2002 ، ص 53.
5- د. محمد محمد مصباح القاضي قانون العقوبات القسم العام النظرية العامة في الجريمة الطبعة الأولى منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت – 2014 ص 56.
6- د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام المجلد الاول طبعة ثالثة جديدة(معدلة ومنقحة) منشورات الحلبي الحقوقية لبنان بدون سنة طبع ص 116 وما بعدها.
7- د. ماهر عبد شويش الدرة الاحكام العامة في قانون العقوبات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الموصل كلية القانون الموصل ص 74وما بعدها.
8- د. محمود نجيب حسني مصدر سابق ص126 وما بعدها.
9- د. محمد محمد مصباح القاضي مصدر سابق ص63 وما بعدها. – –
10- أ.د. علي حسين خلف أ. .د سلطان عبد القادر المبادئ العامة في قانون العقوبات _ طبع على نفقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- العراق- 1982 ص 239 وما بعدها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت