معنى التضامن الصرفي :

أولاً: معنى التضامن الصرفي لغةً:

إن مصطلح التضامن الصرفي يتكون من كلمتين اثنتين هما (التضامن والصرفي) فأما كلمة التضامن(1). فهي مشتقة من الفعل ضَمِنَ – يَضْمِن ، ومن خلال بحثنا في معاجم اللغة العربية وجدنا إن لهذه الكلمة ومشتقاتها معاني عدة منها: ضَمِنَ الشيء: كفل به ؛ وضَمَنّه إياه أي كفله ، يقال ضمْنتُ الشيء بمعنى اضمنه ضمانا فانا ضامنٌ وهو مضمون . ومنها قول النبي محمد (ص) “من مات في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله الجنة” أي ذو ضمان على الله ، والضمين هو الكفيل وجمعه ضمناء(2). وضمَّنَ الشيء بالشيء : أودعه إياه كما تودع الوعاء المتاع والميت القبر . والضَمِنْ يأتي بمعنى التضمن ومنها قولهم مضمون الكتاب كذا وكذا . والتضامن هو الاتحاد : يقال تضامن القوم على أمر أي اتحدوا واتفقوا عليه(3). كما قيل في التضامن انه المشاركة في الضمان بحيث يلتزم كل فريق بان يؤدي عن الآخر بعض ما لزمه(4). ومنها أيضا تضامن الغرماء أي ضَمِنَ بعضهم بعضا تجاه صاحب الحق : يقال هم (متكافلون متضامنون) أي إنّ لصاحب الحق أن يطلب حقه كله ممن أراد منهم(5). أما كلمة الصِرْفِي(6). فهي مشتقة من الفعل صَرَفَ – يَصْرِف ؛ وصَرَفَهُ يعني رَّده ، وصَرَفَ المال أي أنفقه ، وصَرَّفَ الكلمة أي ألحقها الكسر في حالتي الجر والتنوين. والصِرْف هو الخالص الصافي من العيب والكدر(7) . والصَرْف هو التقلب والحيلة ومن هذا المعنى يقال عن الصَيْرف والصَيْرفي بأنه المحتال المتقلب في اموره . أما الصَرْفي فهو المنسوب إلى علم الصَرْف أو العالم به(8). والصَرَفْ هو بيع الذهب بالفضة وهو من ذلك لأنه يُنصرف به من جوهر إلى جوهر؛ ومنها صَرَفَ النقود أي بدلها بنقود من نوع آخر(9) . ومن هذا المعنى الأخير ، كما يبدو ، جاء استعمال عقد الصرف (في القانون) بمعنى مبادلة النقد بالنقد ولهذا العقد تنسب كلمة الصَرْفِي.

ثانياً: معنى التضامن الصرفي اصطلاحا :

لقد أورد فقهاء القانون التجاري عدة تعاريف بشان التضامن الصرفي ، وتلك التعاريف تكاد تكون متقاربة في المضمون وان اختلفت في الألفاظ. فقد عرفه جانب من الفقهاء بأنه “التزام جميع الموقعين على الورقة التجارية بأداء مبلغها للحامل على وجه التضامن سواء في موعد استحقاقها الأصلي أم في حالة ترتب الحق للحامل في الرجوع المبتسر على الضامنين”(10) . في حين عرفه جانب آخر منهم بأنه “من أهم الضمانات التي خولها المشرع التجاري للدائن في الورقة التجارية من اجل الحصول على الحق الثابت فيها”(11). ويؤخذ على هذا التعريف انه قصر ميزة التضامن على المبلغ الثابت في الورقة التجارية في حين إن التضامن الصرفي لا يقتصر على التزام الموقعين بالمبلغ الثابت فيها فحسب بل يشمل أيضا كافة ملحقات ذلك المبلغ من فوائد أو مصاريف أو كلاهما معا(12). بينما يرى جانب آخر من الفقهاء إن التضامن الصرفي يعني “إن جميع الموقعين على (الحوالة) من ساحب ومسحوب عليه قابل ومظهر وضامن احتياطي،مسؤولون جميعا على وجه التضامن نحو حامل (الحوالة) بالوفاء بقيمتها إذا امتنع المدين الأصلي عن الوفاء في ميعاد الاستحقاق بحيث يحق للحامل مطالبتهم منفردين أو مجتمعين دون مراعاة أي ترتيب بينهم”(13). والملاحظ على هذا التعريف انه قد اغفل ذكر بعض الأشخاص المتضامنين كالقابل بالتدخل كما إن هذا التعريف قد أهمل حالة الرجوع المبتسر للحامل على المتضامنين الصرفيين لأي سبب من الأسباب التي حددها المشرع التجاري(14). في حين يرى جانب آخر من الفقهاء إن التضامن الصرفي يعني ” ذلك المبدأ الصرفي الهام الذي يجعل من كل موقع على الورقة التجارية ضامنا للوفاء بها عند امتناع المسحوب عليه عن ذلك الوفاء”(15). ويؤخذ على هذا التعريف إغفاله لحالة الرجوع المبتسر التي منحها المشرع التجاري لحامل الورقة التجارية عند تحقق احد أسباب ذلك الرجوع . بعد استعراضنا لمختلف التعاريف التي قيلت في التضامن الصرفي نستطيع تعريفه بأنه : ضمانة صرفية منحها المشرع التجاري لحامل الورقة التجارية ، يستطيع من خلالها الرجوع على جميع الملتزمين بموجبها ومطالبتهم ، مجتمعين أو منفردين ، بدفع اصل مبلغ الورقة التجارية وما يلحق به من فوائد أو مصاريف أو كليهما معا سواء أكان ذلك في ميعاد استحقاق الورقة التجارية أم قبل ذلك الميعاد لتحقق سبب من أسباب الرجوع المبتسر على الملتزمين بها .

________________

1- تقابل كلمة التضامن بالإنكليزية Solidarity; Joint liability أما في اللغة الفرنسية فتقابلها كلمة Solidarite .

2- محمد بن مكرم بن منظور الافريقي المصري، لسان العرب ، المجلد الثالث عشر ، دار صادر للطباعة ، بيروت ، 1956 ، ص257.

3- لويس معلوف ، منجد الطلاب ، ط4، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ، 1956، ص430.

4- د. محمد راوس قلعه جي ود. حامد صادق قينبي ، معجم لغة الفقهاء ، ط1، دار النفائس ، 1985، ص133.

5- لويس معلوف ، مصدر سابق ، ص430.

6- تقابل كلمة الصَرفي بالفرنسة Combiare أما في الإنكليزية فلم نجد ما يقابلها ولكن تقترب منها في المعنى كلمة Exchange .

7- جبران مسعود ، الرائد ، المجلد الثاني ،ط4، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1981، ص919.

8- جبران مسعود ، المصدر السابق ، ص919.

9- محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، مصدر سابق ، المجلد التاسع ، ص190.

10- د. صلاح الدين الناهي ، المبسوط في الأوراق التجارية ، دراسة مقارنة ، بغداد ، 1965، ص414. د. فوزي محمد سامي ، شرح القانون التجاري ، ج2 (الأوراق التجارية) ، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999، ص201.

11- د. علي حسن يونس ، الأوراق التجارية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1956، ص197.

12- انظر المادتين (108 ، 109) من قانون التجارة العراقي والمواد المقابلة لها في القوانين الاخرى.

13- د. عزيز العكيلي ، القانون التجاري (الأعمال التجارية ، التجار ، المتجر ، الشركات التجارية ،الأوراق التجارية) ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 1996، ص439.

14- انظر المادة (102/ثانيا) من قانون التجارة العراقي .

15- د. علي البارودي ، القانون التجاري (الأوراق التجارية والإفلاس) ، الدار الجامعية للطباعة والنشر ، بيروت ، 1985، ص136. د. سعيد يحيى ، الأوراق التجارية في النظام التجاري السعودي ، الرياض ، 1985، ص 82.

نطاق التضامن الصرفي :

تنص المادة (106) من قانون التجارة العراقي النافذ: “اولا الاشخاص الملتزمون بموجب الحوالة مسؤولون بالتضامن تجاه حاملها”(1) . ان التمعن بهذا النص يظهر لنا مسألتين في غاية الاهمية:

الاولى: ان التضامن الصرفي لايتحقق الا بين الملتزمين صرفياً، والواقع ان الموقع لايوصف بانه متضامناً صرفياً الا إذا كان التزامه صحيحاً ، ذلك لان التضامن هو وصف يلحق بالالتزام(2). وبالتالي فلابد من صحة التزام الموقع لكي يمكن القول بتحقق مسؤوليته التضامنية ؛ وصحة الالتزام الصرفي لاتتأتى من مجرد التوقيع على الورقة التجارية ، بل لابد ان تتوافر في الموقع المؤهلات القانونية للالتزام بموجب الورقة التجارية.

اما المسالة الثانية : فهي ان المشرع التجاري العراقي لم يورد تعداداً لاشخاص التضامن الصرفي ، بل اورد نصاً مطلقاً على مسؤولية جميع الملتزمين بالورقة التجارية مسؤولية تضامنية ، وهو اتجاه حسن لتجنب ما قد يحدثه التعداد من اغفال ذكر بعض الملتزمين الصرفيين ، وهو الخطأ الذي وقعت به بالفعل اغلب القوانين التي أوردت تعداداً لاشخاص التضامن الصرفي حيث اغفلت ذكر بعض الملتزمين كالقابل بالتدخل(3) .

___________________

1- لايقتصر هذا النص على الحوالة التجارية فقط بل يسري ايضا على السند للامر والصك تطبيقا لنص المادتين (135 ، 137) من قانون التجارة العراقي النافذ.

2- د. بدر جاسم اليعقوبي، اصول الالتزام في القانون المدني الكويتي ، ط1، الكويت ، 1981، ص 388.

3- انظر المواد (47) من قانون جنيف الموحد لعام 1930 ، (151) من القانون التجاري الفرنسي، (185) من قانون التجارة الاردني.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .